للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الصومال

بين أسياد الحرب وأسياد الفقر

محمد عثمان

بعد مرور أسبوعين من انسحاب قوات الأمم المتحدة من الصومال مازال

وضع هذا البلد المنكوب في حالة من الفوضى، حيث لا يوجد حتى الآن حكومة

مركزية فضلاً عن مصالح عامة تقيم للناس شؤونهم اليومية.

وبعد انسحاب الأمم المتحدة ساد الخوف مجدداً من اندلاع حرب قبلية جديدة

في العاصمة، وبالتالي حرب شاملة في المناطق الأخرى.

الوضع الحالي في البلاد:

مازال كل من الجنرال محمد فارح عيديد والرئيس علي مهدي محمد يسيطر

كل منهما على شطر من المدينة التي دمرتها حرب ٩١-١٩٩٢م؛ فبينما يحاول

عيديد فرض سيطرته على المطار والميناء يحاول علي مهدي إقناع حلفائه بعدم

السماح لـ عيديد تولي رئاسة البلاد، إذ إن عيديد هو الأقوى عسكرياً والأكثر كفاءة

وتنظيماً، إلا أن علي مهدي يعتمد على الكثافة القبلية بجوار العاصمة.

وفي (كسمايو) عاصمة (جوبالاند) يتصارع كل من الجنرال محمد سعيد

حرسي مورجان صهر الرئيس السابق والعقيد أحمد عمر جيس، والأول يسيطر

على (كسمايو) حتى الآن، وتوقُع اندلاع حرب بينهما محتمل في أي وقت، وتعتبر

منطقة (جوبالاند) من المناطق الخصبة وذلك لمواردها السمكية والزراعية ووجود

الميناء الرئيس في المنطقة بها.

وفي شمال شرق البلد يتصارع على السُلطة هناك كل من الجنرال محمد أبشر

موسى والعقيد عبد الله يوسف ونتج من هذا الصراع تدهور أحوال المعيشة في

المنطقة وإغلاق ميناء (يوصاصوا) المصدر الرئيس للمعيشة في المنطقة.

وفي شمال غرب البلاد (جمهورية أرض الصومال) التي أعلنت الانفصال:

فإن الوضع في غاية الخطورة وبخاصة بعد اندلاع الحرب في شهر نوفمبر ١٩٩٤م

في مدينة (هرجيسا) ثاني أكبر المدن بين أنصار أحمد محمد علي (تور) والرئيس

محمد إبراهيم عجال، ونتج من هذا قتل أكثر من مائة شخص ولجوء آلاف منهم

إلى مخيمات داخل أثيوبيا.

وبالإمكان رسم خارطة التحالف الحالي كما يلي:

الجنرال محمد فارح عيديد الرئيس علي مهدي محمد

(جنوب مقديشو) ... ... ... (شمال مقديشو)

العقيد عبد الله يوسف ... ... الجنرال محمد أبشر موسى

العقيد أحمد عمر جيس ... الجنرال محمد سعيد حرسي

عبد الرحمن أحمد علي (الأحدب) الرئيس محمد إبراهيم عجال

والسؤال هنا: من هو الذي ترجح كفته ضد خصمه، ومن هو الأقرب

للرئاسة؟

قبل الإجابة لابد من معرفة مواقف القوى الفاعلة التي يمكن أن ترجح كفة

طرف دون آخر، وهناك أربع قوى رئيسة لها أثر في المنطقة:

١- الدول العربية: فبعد انهيار الشيوعية لم يبق للصومال أهمية استراتيجية

لمنطقة الخليج العربي، وبالتالي: فإنه لا يوجد أي حل عربي حتى الآن، وليس

للدول العربية مَيْلٌ لتأييد مجموعة ضد أخرى، عدا السودان الذي أيد فارح عيديد

في البداية وسانده بمساعدات محدودة.

٢- موقف دول السوق الأوربية المشتركة (EEC) : وهو حتى الآن غير

واضح وبخاصة في تعاملهم مع أمراء الحرب، إلا أن الذي يظهر أن إيطاليا هي

صاحبة القرار في شؤون الصومال، وموقفها معروف بميولها إلى الرئيس المؤقت

علي مهدي محمد ومعروف أن إيطاليا تريد حلاً سريعاً للأزمة حتى تتمكن من

الاستفادة باستثمارها الزراعي (الموز) في القسم الجنوبي من البلاد.

٣- الدول الإفريقية المجاورة (الحبشة إرتريا كينيا أوغندا السودان) : وجميعها

تؤيد عيديد نظراً لتوجه جل زعماء العالم الثالث بالوقوف مع الأقوى عسكرياً، إلا

أن هذه الدول نفسها تعاني من حروب داخلية وبالتالي فإنه من المستبعد أن يتقدموا

بحل لأزمة الصومال.

٤- أمريكا وموقفها المتردد في تأييد طرف دون آخر: فتأييدها لعيديد يجعلها

تشعر بالحرج أمام أصدقائها في العالم الثالث، ويحيي هذا آلاماً وسط الشعب

الأمريكي الذي مازال يتذكر قتلى قوات المارينز هناك، لذا: فإن إمريكا لا يمكن

أن تختار عيديد رئيساً، ويمكن أن تأتي ببديل من قبيلة عيديد نفسها، ولعل عثمان

عاتو وهو تاجر كبير ربما يتمتع بتأييد أمريكي (١) على أن يقنع عاتو الجنرالَ

عيديد بعدم استخدام القوة ضد خصمه مهدي محمد، وأن يوضع المطار والمرفأ

تحت إدارة مكونة من الطرفين، ويؤيد هذا الرأي التجار وبعض الضباط الكبار

أمثال محمد نور جلال.

خيبة إعادة الأمل:

إن تجربة أمريكا والأمم المتحدة في الصومال والتي سميت بإعادة الأمل لم

يكن لها من اسمها نصيب؛ حيث كانت تجربة قاسية وتعتبر مهمة فاشلة حيث

خرجت قواتها ولم يتغير من الوضع شيئاً، ولم تخلف الأمم المتحدة أي مرفق حيوي

سواء أكان ذلك مدرسة أو مستشفى، كما أنها لم تكوّن إدارة مناسبة رغم أن تكلفة

وجودها الذي يقدر بثلاثة بلايين دولار وخسارة أكثر من ١٤٠ فرد من ذوي القبعات

الزرقاء. والمستفيدون من هذا الوضع هم أمراء الحرب (الجنرالات المعروفون)

وأمراء الفقر (أي: هيئات الإغاثة النصرانية) التي تتاجر باسم الإغاثة لتنصر

وتنهب خيرات هذا الشعب المنكوب.

الحل الإسلامي:

يرى المتابع أن الحل الإسلامي غائب، حيث لم يتسن تبني الطرح الإسلامي

من الأساس من أطراف النزاع، بل كانت المسألة فيما بينهم هي حرصهم على

الحصول على مصالح شخصية ليس إلا، وذلك يعود لأسباب كثيرة من أبرزها:

التركيبة القبلية للشعب الصومالي، بالإضافة إلى العوامل الداخلية وهي اختلاف في

تشخيص الازمة وإيجاد حل لها.

ولعل الأصوب تكوين مجلس للعلماء والمشايخ والدعاة البارزين كالشيخ

شريف عبد النور والشيخ محمد نور قوي والشيخ محمد معلم حسن والشيخ علي

ورسمه والشيخ عمر الفاروق وغيرهم، يقوم بدور القيادة وطرح الحلول للأزمة

وفصل القبائل المتصارعة ومحاولة الصلح بينها.. إلى غير ذلك من المحاولات

التي تجمع كل الفعاليات القائمة في الساحة على كلمة سواء لمحاولة انتشال البلاد

من ويلات الحرب وليعود للشعب الصومالي دوره المأمول في حياة مستقرة ومعيشة

كريمة.

وللمقال بقية ...