للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

وإخوانهم يمدونهم في الغي

(٢)

محمد العبدة

ماذا نسمي الذين يريدون إبعاد الأمة عن هويتها وحضارتها، وعن عزها

ومقوماتها، بل الذين يريدون اقتلاعها من جذورها لتقع فريسة لأعدائها، أو لأمشاج

مختلطة من الزيف والانحطاط الفكري والأخلاقي، إنهم يسمون أنفسهم بأسماء شتى: الحداثيين، التنويريين، العلمانيين ولكن اسمهم الحقيقي المنافقون؛ لأنهم

يتظاهرون بالإصلاح وهم مفسدون (ولكن لا يشعرون) ويتظاهرون بالثقافة (ولكنهم

لا يعلمون) ، هؤلاءالذين يبصبصون عندما يرون أسيادهم، فيقولون مثل قولهم،

فإذا قال أسيادهم: إن الصحوة الإسلامية سببها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية

التي تعاني منها بعض الدول: رددوا أقوالهم، وطالبوا بدعم الدول المحاربة للإسلام

حتى ينحسر التدين أو ما يسمونه (الأصولية) وهذه شنشنة معروفة عند المستشرقين

الذين عاشوا في القرن الماضي، والذين يقولون (بسماجة عجيبة) : إن محمداً اتبعه

الفقراء، لأنه نادى بالإصلاح الاجتماعي، أي إنه استغل الظروف الاقتصادية

والاجتماعية ليجمع الناس على هذا الدين، ثم جاءت صحافة الغرب ليدندن كتابها

حول هذا الموضوع، وكثير منهم يتميز بالسطحية والخبث في معالجة شؤون

الإسلام، فيأتي المنافقون من بني جلدتنا ليرددوا أقوالهم، ولو أن فيهم مسكة من

عقل أو ذرة من إنصاف لعلموا أن الذين أسلموا مع محمد -صلى الله عليه وسلم-

كان فيهم التجار الأغنياء كأبي بكر، وعبد الرحمن ابن عوف، وعثمان بن عفان،

وفيهم الفقراء، وفيهم الأشراف والموالي، ولكن أنّي لمن لم يذق طعم الإيمان أن

يحس برابطة الدين، وفي هذا العصر نجد الذين أقبلوا على الالتزام بالإسلام

وحمايته ونصرته، فيهم التجار الأغنياء، والشباب الذين عاشوا في النعيم، وفيهم

أساتذة الجامعات، وكبار الموظفين، وفيهم القضاة، والكتاب، فهل كل هؤلاء

(صعاليك) عندهم مشاكل اقتصادية؟ ! .

إن هوية هذه الأمة: الإسلام، ولسانها: العربية، فمن يحارب هذا فلابد أن

يسمى باسمه الحقيقي؛ إنهم يخونون أمتهم وحضارتهم، يقول الصحابي الجليل

حذيفة بن اليمان: المنافقون الذين فيكم اليوم شرّ من المنافقين على عهد رسول

الله -صلى الله عليه وسلم-، قلنا: وكيف؟ ، قال: أولئك كانوا يخفون نفاقهم، وهؤلاء أعلنوه [١] .

إننا لم نر أو نسمع في أمة معاصرة أن قام نفر من أهلها يطالبون بالانسلاخ

عن حضارتها ودينها وتقاليدها، ويحاربون ثقافة بلدهم أشد المحاربة، كما يفعل

هؤلاء الذين يعيشون بين أظهرنا؛ روى البخاري [٢] عن ابن عباس قال: يا

معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب؟ ! ... ولا والله ما رأينا رجلاً منهم قط

يسألكم عن الذي أنزل إليكم، وإن في الغرب اليوم وبخاصة في أمريكا من يدعو

للعودة إلى الدين، يقول أحدهم: أرى أن تربية الأطفال اليوم لا تتم بشكل جيد،

أحبذ إدخال التربية الدينية إلى المناهج، ولكن يبدو أن علمانيينا (المنافقين) مازالوا

يعيشون في أجواء القرن التاسع عشر الأوروبي، حيث كانت موجة الإلحاد

والماركسية والوجودية، ولم يسمعوا بما يجري في نهاية القرن العشرين، أو لا

يحبون أن يسمعوا.


(١) اقتضاء الصراط المستقيم، ص٢٨.
(٢) البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يسأل أهل الشرك ج٣ ص١٦٣.