للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مسلمو بورما

بين اضطهاد النظام البوذي وصمت هيئة الأمم

بقلم: د. محمد يونس [*]

ما يزال النظام الحاكم في بورما بممارساته الوحشية ضد مسلمي بورما

(الروهنجا) بخاصة، والشعب البورمي بعامة: يقدم أسوأ سجل (لحقوق الإنسان) ؛

إذ بسحق انتفاضة عام ١٩٨٨م المؤيدة للديمقراطية والمعارضة لسياساته لم يبق

هناك أدنى شك في مدى الظلم الذي بلغه ذلك النظام، وفاق فيه كل نظام حكم بلا

رحمة ضد شعبه.

وعلى الرغم من المظاهر والصيحات المنتشرة والإدانة التي لم يسبق لها مثيل، إلا أن (قانون الدولة) و (مجلس الحفاظ على النظام) مستمر في همجيته بإصرار،

وقد خَفّت نداءات الغرب لفرض حظر السلاح والعقوبات الاقتصادية على النظام في

لمح البصر.

ويبدو أن النظام الحاكم خارج قائمة الأنظمة الحاكمة المنبوذة دوليّاً وغير

خاضع لأي ضغط فِعْليّ من أي جهة، وعلى العكس: فإن جيران بورما وبخاصة

الدول الآسيوية أعطوه الشرعية بدعوة المجلس الحاكم إلى مؤتمراتهم الإقليمية،

والتعاون معه بشتى الأشكال، على الرغم من المخالفات القانونية والإنسانية التي

يقوم بها ضد شعبه على رؤوس الأشهاد.

ومع ذلك: تصر تلك الدول وتجادل بأن (المشاركة البناءة) ! مع النظام الحاكم

في بورما هي الطريق الحقيقي الأوحد لإنهاء معاناة الشعب البورمي، وأيضاً: فإن

الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة تبدو كذلك تصدق هذه النظرية، وبالتالي: فهي

تقدم مختلف أنواع الدعم للنظام الحاكم الذي ليس فقط يساعد في إطالة أمد حكمه

الرديء، بل أيضاً يزيد من تعاسة وشقاء الشعب البورمي المغلوب على أمره، لا

سيما المسلمين منهم الذين يعانون سوء العذاب.

وبعد فترة حكم استمرت سبع سنوات تقريباً، هل رأى المجتمع الدولي أي

تحسن في سجلات حقوق الإنسان لذلك النظام الحاكم؟ ! هذا ما لم يحدث، بل قد

أشارت التقارير التي نشرت مؤخراً (بواسطة منظمة العفو الدولية، ولجنة اللاجئين

الأمريكية، وجماعات مراقبة حقوق الإنسان الأخرى ذائعة الصيت) بوضوح: إلى

أن سجلات حقوق الإنسان في بورما تظل من بين النظم الأسوأ عالميّاً، حتى أن

مسؤولي الأمم المتحدة قد أقروا بذلك في مقابلة أذيعت مؤخراً في إذاعة (بي بي

سي) ، وعلى الرغم من الشواهد الفاضحة للمظالم الجماعية لحقوق الإنسان ونكران

الشرعية لإجمالي الشعب البورمي، فإن جيران بورما مستمرين في تجاهل معاناة

هذا الشعب المضطهد، والأمم المتحدة تلعب دور المتفرج.

هل في اعتقاد هذه الدول بأن بورما باعتبارها بلداً آسيويّاً بثقافة آسيوية ليس

باستطاعتها تلبية مستويات حقوق الإنسان طبقاً للنظرية الغربية، وبالتالي: غير

خاضعة لنقدهم؟ فإذا كان الأمر كذلك، فإن سجل حقوق الإنسان لبورما يجب ألا

يتخلف عن بقية الدول الآسيوية الأخرى مثل ماليزيا وتايلند وإندونيسيا وبنجلاديش

وباكستان إلخ ... التي تتعرض لنقد الغرب، ومع ذلك: فإن هناك هوة شاسعة من

الاختلاف بين احترام قيم الإنسان وحقوق الإنسان من قبل النظام الحاكم في بورما

وتلك الدول في آسيا، وفي الحقيقة: إن النظام الحاكم في بورما الذي يحاول دائماً

خداع المجتمع الدولي بالاختباء تحت عباءة النظرية الآسيوية لحقوق الإنسان، قد

استطاع أن يفلت من النقد الدولي، ولعل ذلك راجع إلى أن الفاقدين حقوقهم مع

الأسف هم المسلمون وليس غيرهم، فإلى الله المشتكى.

وهناك حقيقة أخرى مهمة: أن حقوق الإنسان منتهكة بصفة عامة ضد شعب

بورما، إلا أن (الروهنجا) في (أراكان) وغيرها من بقاع بورما الأخرى هم الأسوأ

معاناة، وما يحدث الآن في (أراكان) ليس فحسب نتيجةً للسياسة العامة للنظام

الحاكم للبقاء في الحكم؛ فإن للنظام الحاكم وأسلافهم برنامجاً خفيّاً لأراكان، حيث

إنهم يرغبون في تحويل (أراكان) إلى دولة بوذية محضة.

ومتابعة لما ذكرته: فإن النظام الحاكم يقوم بحملة إبادة شعبية نظامية ضد

(مسلمي الروهنجا) ، ولهذا السبب حدثت أربع هجرات جماعية واسعة النطاق

للاجئين من (أراكان) منذ حصول بورما على استقلالها

(في عام ١٩٤٨م، ١٩٥٨م، ١٩٧٨م، ١٩٩١م) لملايين من (الروهنجا) ، ومازال نزوح الشعب مستمرّاً حتى يومنا هذا.

ومن ناحية ثانية: فإن سحق ومعاناة حقوق الإنسان المسلم قد تحولت تحولاً

دراماتيكيّاً بعد استيلاء النظام العسكري على الحكم عام ١٩٦٢م، وبلغ الذروة منذ

مباشرة (قانون الدولة) و (مجلس الحفاظ على النظام) للحكم عام ١٩٨٨م، والآن:

فإن نصف تعداد السكان من (الروهنجا) تقريباً يعيشون خارج (أراكان) منتشرين في

بنجلاديش، وبعض بلدان الشرق الأوسط في الغرب، وتايلاند، وماليزيا.. إلخ.

إن الجرائم التي تُرتكب ضد (الروهنجا) مختلفة اختلافاً كبيراً عن انتهاكات

حقوق الإنسان العامة في الأماكن الأخرى من بورما، وبصورة أكثر وضوحاً: فإن

(الروهنجا) يحبسون في أماكن مخصصة كأنهم في سجن كبير، ويحظر عليهم

التحرك والتنقل حتى من قرية إلى أخرى، فضلاً عن السماح بالانتقال إلى أجزاء

أخرى من البلاد مثل بقية الشعب البورمي، وإن إجراءات مصادرة الأراضي،

والضرائب على المنتجات الزراعية، وإنشاء مستوطنات بوذية على الأراضي

المصادرة، ترتكب ضد (الروهنجا) فقط؛ فالآلاف منهم يقتلعون من جذورهم

ويساقون إلى جهات غير معروفة.

إن الإخلاء العرقي هو السياسة الراسخة للنظام الحاكم الموجهة ضد

(الروهنجا) في (أراكان) ، بالإضافة إلى ارتكاب أغرب جرائم القتل والتعذيب

والاغتصاب تحت إمرة ونظر السياسة الرسمية للنظام الحاكم؛ لإرهاب وتخويف

(الروهنجا) وطردهم.

قُتل المئات من شباب الروهنجا أبشع القتل من عام ١٩٩٤م وأوائل ١٩٩٥م

وحده، بدون أي تحقيقات أو محاكم نظامية، حتى إن العمل القسري يعتبر من

السياسة الرسمية للمجلس الحاكم في أنحاء بورما، وهو من الظواهر المعتادة في

منطقة (الروهنجا) .

إن ضغط العمل القسري على الجالية المسلمة قاسٍ إلى حد بعيد، بحيث

يتركون في معيشتهم القاسية في حد الكفاف أو نصف جوعى، وفي وضع مهين،

وظروف غير إنسانية، من يوم لآخر.

إن الحياة لديهم في (أراكان) باختصار كمن يعيش في قِدْرٍ ينصهر؛ فإن

الإجابة على مشكلتهم هو التحرك إلى العمق، ومنذ العام السابق: استطاعت

(منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان) وفيما بعد: بعض من الهيئات غير الحكومية

(NGO) الدخول إلى (أراكان) (لمراقبة) وضع اللاجئين العائدين من معسكرات

بنجلاديش، ومع ذلك: فإن الوحشية ضد (الروهنجا) مازالت مستمرة أمام أعين

مبعوثي الأمم المتحدة.

***

* صور انتهاكات حقوق الإنسان في بورما:

كتب الأستاذ / محمد علي [**] :

إن طبيعة انتهاك حقوق الإنسان ضد (مسلمي الروهنجا) الأقلية لا يوجد له

مثيل في العالم، وباعتبار السلطة في بورما تعتنق ديانة أخرى مختلفة عن ديانة

(الروهنجا) وبدافع سياسي محسوب جيداً: فإنهم يعرضون (الروهنجا) لصنوف من

التعذيب غير الإنساني، دعنا نلخص انتهاكات حقوق الإنسان بواسطة النظام

البورمي من كافة النواحي:

١- حق الحياة: ليس هناك أمان لحياة (الروهنجا) المسلمين في (أراكان) ؛

حيث يقتل المواطن من (الروهنجا) في أي وقت، وبشكل اعتباطي، إما بواسطة

العسكريين البورميين، أو المليشيات، أو عملاء آخرين منفذين للقانون دون

محاكمته، يقتل المئات من المسلمين كل عام دون اللجوء للقانون.

٢- حقوق الملكية: الأراضي، وسدود الروبيان، والماشية، والمنشآت

التجارية المملوكة للمسلمين صودرت بصورة غير قانونية، وتم اقتلاع جذور

مستوطنات المسلمين، وإنشاء قرى جديدة للبوذيين من قِبَل النظام الحاكم.

٣- حقوق حماية الشرف: ليس هناك أمن لحماية شرف المسلمين في

(أراكان) ، ولا يهم مدى مكانة ووضع المسلم وتأثير تعليمه وشخصيته وتديّنه؛..

إلخ، فإن شرفه وكرامته تحت رحمة السلطات البورمية، حيث يُضرب الأفراد

بأساليب وحشية، وينقلون في جماعات إلى مواقع عمل السُخرة، وتحرق لحى

علماء الدين وتنتهك أعراضهم.

٤- حقوق الخصوصية: في أي وقت سواء في وضح النهار، أو في ساعات

الليل تُداهم القوات البورمية مساكن المسلمين بنوايا سيئة، من سرقة، وعدم مراعاة

لشرف وحرمات النساء، واقتياد أصحاب المنزل للاستجواب.

٥- حقوق حماية الحريات الشخصية: يتعرض الآلاف من (الروهنجا)

للاعتقال الاعتباطي كل عام بدون إبداء أي سبب أو تهم رسمية، وهناك أشخاص

تم اعتقالهم منذ عشرات السنوات مضت دون محاكمات، وما زالوا في السجون

حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك: يتعرض (الروهنجا) لأسوأ أنواع السخرة غير

المعروفة في عالمنا الحديث؛ حيث يُجمّع الأشخاص خارج منازلهم ويكرهون على

العمل لأيام، بدون حصولهم على الأجر والطعام، وعدم السماح لهم بإحضار طعام

من منازلهم، علاوة على ذلك: فإنهم يُجبرون على توفير المواد الغذائية ومواد

البناء لقوات الأمن.

٦- حق الاحتجاج ضد الظلم: لا توجد محكمة يمكن لشخص ما الاحتجاج

أمامها ضد الظلم وانتهاك العدالة، وإن عملاء تنفيذ القانون موجهين بصفة خاصة

لممارسة التفرقة العنصرية وظلم المسلمين، إن المسلم المظلوم عندما يقدم شكوى

في مخفر الشرطة يتعرض هناك للضرب المبرح لتجرئه على اتخاذ مثل هذه

الخطوة، وقد تسند إليه أي تهمة زوراً وبهتاناً.

٧- حق حرية التعبير: يمنع مسلمو (الروهنجا) في (أراكان) تماماً من

التجمع أو التعبير عن رأيهم، كما لا يسمح لهم بالنشر، ولا يمكنهم التعبير عن

أوضاعهم لوسائل الأخبار العالمية، فضلاً عن أنها ممنوعة تماماً من دخول

(أراكان) .

٨- حق ممارسة الدين: يحرم (الروهنجا) المسلمون من ممارسة أبسط

واجبات دينهم؛ حيث يمنعوا من أداء فريضة الحج، ويحظر عليهم ذبح الأضاحي، كما يحظر إلقاء المواعظ الدينية، كما أن العاملين بالحكومة يكرهون على الانحناء

لعلم الدولة، وهو ما يناقض الدين، وإذا لم يذعن أحد منهم لهذا الإجراء: يفصل

من العمل فوراً.

وقد هُدمت المئات من المساجد، وأُغلقت المدارس الدينية، وحولت إلى

ثكنات للجيش، وتُلقى القاذورات والحجارة على المساجد والمصلين أثناء أداء

الصلاة، وتلقى القمامة على أبواب المساجد، وصودرت ممتلكات الوقف الخاصة

بالمساجد والمدارس الدينية ثم وزعت على البوذيين، ويدخل الجنود المساجد

بأحذيتهم ويشربون فيها الخمر، ويُضرب رجال الدين أصحاب المقام الرفيع

بصورة شاذة وغريبة الأطوار، ويساقون للعمل بالسُخرة وتحلق وتُحرق لحاهم.

٩- حق تنظيم الاتحادات والجمعيات: منذ عام ١٩٦٢م تم حظر المنظمات

الاجتماعية والثقافية والسياسية (للروهنجا) ، حيث لا يمكنهم حتى تشكيل منظماتهم

الدينية، ويُرفض السماح لهم بتشكيل مثل هذه المنظمات.

١٠- حق حرية التنقل: منذ عام ١٩٦٢م يحظر على مسلمي (أراكان) التنقل

داخل البلاد، فقلة فقط من الناس يمكنهم التحرك من مكان إلى آخر نظراً لحاجتهم

إلى تصريح من السلطات، ولكن بعد عام ١٩٨٨م استولى العسكريون على الحكم

فأصبح لا يسمح لمسلم من (أراكان) السفر إلى (رانجون) أو أجزاء أخرى من

الوطن، ولا تباع تذاكر السفر بالطائرة للمسلمين، ويجبر مسلمو (أراكان) الذين

يقيمون في أجزاء أخرى من الوطن على العودة إلى (أراكان) .

١١- حق المساواة: على الرغم من أن الحكومة البورمية ليس لها سياسة

معلنة للتمييز العنصري إلا أنها أعطت تعليمات واضحة للسلطات بعدم معاملة

(مسلمي الروهنجا) بشكل متساوٍ، وأنهم غير متساوين أمام القانون، ويعاملون أسوأ

من الرقيق.

١٢- الحقوق أمام العدالة: جرائم مثل الاغتيال والسرقة ترتكب بكل حرية

في حق المسلمين دون مثول مرتكبها أمام القضاء، وسياسة النظام الرسمية تنص

بعدم منح (الروهنجا) الحقوق أمام القضاء.

١٣- حق توفير الضروريات الأساسية للعيش: يحرم مسلمو الروهنجا ب

(أراكان) عمداً من توفير الضروريات الأساسية من أجل الحياة، مثل: الغذاء،

واللباس، والرعاية الصحية، والتعليم.. إلخ، حيث يتعرضون لتفرقة عنصرية

خطيرة.

إن وضع حقوق الإنسان في (أراكان) وصل إلى حد مزرٍ، بحيث لم يتوفر

للروهنجا هناك الأمن للحياة، والتملك، والشرف، والكرامة، علاوة على أن

الحياة أصبحت تعيسة؛ بسبب سياسة تجويع السكان؛ لإجبارهم على مغادرة

(أراكان) ، وهو الهدف الذي يصير إليه النظام البورمي الحاكم، ونتيجة هذا الظلم

أُجبر أكثر من مليون نسمة من الشعب لمغادرة (أراكان) منذ عام ١٩٤٨م.

فحتى متى تظل هيئة الأمم متجاهلة معاناة هؤلاء المسلمين؟ وإلى متى تبقى

الزمرة الحاكمة تدوس على حقوق المسلمين ليعيشوا في مستويات متدنية من الحياة؟ وحتى متى يبقى (بطرس غالي) صامّاً أذنية عن نداءات هؤلاء المسلمين؟ وأين

منظمات حقوق الإنسان الغربية من تلك المعاناة لألوف المسلمين؟ بل أين أدعياء

حقوق الحيوان من لفت النظر لتلك المهازل التي تقوم بها الزمرة الحاكمة في

(رانجون) ؟ فإذا كان أولئك نائمين عن حقوق المسلمين ولا يهمهم ما يعانونه من ذل

وعذاب، فأين إخواننا المسلمون من نجدة إخوانهم مسلمي بورما؟ وحتى متى لا

يتنادون في مؤتمرٍ لإغاثة أولئك المغلوبين على أمرهم، وهل استدعت حكومات

المسلمين سفراء (بورما) واحتجت على سوء العذاب الذي يعانيه مسلموها؟ وهل

يهددون في علاقاتهم السياسية والاقتصادية حتى مجرد تهديد؟ .

إن الأمل كبير في التفاتة إلى هؤلاء المسلمين المنسيين، إننا نذكر، والذكرى

تنفع المؤمنين: [وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ] [الأنفال: ٧٢] .


(*) بتصرف عن بيان (منظمة تضامن الروهنجا الإسلامية) .
(**) بتصرف عن بيان (هيئة إغاثة مسلمي بورما) بالشارقة.