للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

تهافت الفراش! ! !

بقلم:جمال الحوشبي

تشتد الفتن عندما تشتد الغربة.. ومع اشتدادهما يمحّص الله الذين آمنوا

ويمحق الكافرين، كما يحذر المؤمنين من الوقوع في الفتن عند اضطرامها، وترى

الذين في قلوبهم مرض يتقاذفون فيها تقاذف الفراش! .

إن المؤمنين الصادقين ليخرجون من الفتنة أنقى من الذهب الأحمر، وتتفحم

بالسواد وجوه (الجاهلين) بعد أن تطيش عقولهم.. فلا يكادون يخرجون منها إلا

قليلا! .

ولذا: كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) يقول: (إياكم والفتن، لا

يشخص إليها أحد، فوالله ما شَخَص فيها أحد إلا نسفته، كما ينسف السيل الدّمن) ،

قال -صلى الله عليه وسلم- مصوراً حال الفتن حين تتراكم على القلوب: (تُعرض

الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء،

وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل

الصفا؛ فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض، والآخر مُربادًّاً؛ كالكوز مجَخّياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه) [*] .

كم من جاهل تزينت له الفتنة بلبوسها.. فهو واقع فيها، ولا يعلم أنه مفتون!!.

وكم من سليم أنار الله بصيرته، فأبصر زيف ردائها.. فهو يخاف على نفسه

من الوقوع فيها! .. وبين الفريقين سور له باب.

لله در الصابرين حين يراد بهم أن يفتنوا في دينهم.. إنهم يخرجون من الفتنة

أصلب عوداً، وأشرح صدوراً، وأطيب ريحاً، وأعلى رأساً.. كم يخلد بين الناس

ذكرهم، وكم تُرفع عند الله درجاتهم، وتبيض صفحاتهم لتنير الطريق لمن بعدهم!!.

أما أولئك المفتونون ... فإن التاريخ ينساهم على مدار أحداثه ورجالاته،

لأنهم أصغر من أن يتكلف مداده إظهار ذكرهم! ! .

وليس للصادقين لسان حين يبصرون تهافت (الفراش) على الفتنة بلبوسها

الزائف مغرورين بتزيينها للباطل إلا ما كان أبو قتادة (رحمه الله) يردده بعد انكشاف

الفتن وانبلاج الحق وذهاب الباطل: (لقد رأينا والله أقواماً يسرعون إلى الفتن

وينزعون فيها، وأمسك أقوام عن ذلك هيبة لله ومخافة منه، فلما انكشفت إذا الذين

أمسكوا أطيب نفساً، وأثلج صدوراً، وأخف ظهوراً من الذين أسرعوا إليها

وينزعون فيها، وصارت أعمال أولئك حزازات على قلوبهم كلما ذكروها، وايم الله! لو أن الناس كانوا يعرفون منها إذ أقبلت ما عرفوا منها إذ أدبرت لعقل فيها جيل

من الناس كثير) .


(*) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً.