للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

اللهم إني أشكو إليك عُجري وبجري

محمد العبدة

شكوى يجأر بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لما عاناه

من الأقربين قبل الأبعدين، فكم عانى من المشاغبين في صفوفه الذين جرعوه

الغصص، وحملوه الهموم والأحزان، وشوشوا عليه رأيه، وذلك لكثرة اختلافهم

عليه، وكثرة آرائهم واقتراحاتهم، وكم كان موفقاً مَنْ أشار عليه بألا يترك المدينة

النبوية حيث القاعدة الصلبة التي شكلت المجتمع الإسلامي الأول.

إن هذه الدعوة لايقوى على حملها أصحاب النفوس المريضة والأساليب

الملتوية، الذين ألفوا الجدل وحب المخالفة، واستهوتهم الزعامة ولكنها متسترة باسم

المخالفات الاجتهادية وباسم الحرص على نجاح الدعوة.

وإننا في هذه الأيام أجدر من أمير المؤمنين بالشكوى، لما نعانيه من شباب

لمّا يذوقوا طعم العلم، وراحوا يفتون ويتصدرون، فلا تأدبوا بآداب العلم ولا تخلقوا

بأخلاق العلماء. ومن شباب ضاق ذرعاً بواقع المسلمين الأليم، فاستفزه الواقع في

تعجل الحل، وعندما أعيته الأمور، ووقع في مشكلات صعبة ليس من السهل

الخروج منها، راح يبرر فعلته بنصوص مقطوعة من هنا وهناك، وأبى الاعتراف

بالخطأ والرجوع للحق.

ومن شباب فيهم خير كثير، وفيهم ذكاء وعلم، ولكنهم وضعوا كل إمكاناتهم

في خدمة (مستقبلهم المعيشي) ، فهم خائفون مضطربون لاينتهي أحدهم من درجة

علمية حتى يطلب غيرها (ولو لم تكن في اختصاصه) ويتقن أمور دنياه التي توصله

إلى مايريد، ولكنه لم يتقن أمور دينه بالدرجة نفسها. ومن شباب لايظهر قدرة الله

فيه، ولاينطلق إلى آفاق أوسع، فآماله قصيرة وآلامه قليلة، وهمته ضعيفة.

ونشكو من شيوخ قد أقعدتهم المحن المتوالية والفشل المتراكم عن الاستمرار

في الدعوة والمطاولة والمصابرة، فانزووا على أنفسهم يتذكرون الماضي وما

أصابهم من الصديق قبل العدو، فأورثهم ذلك عُقداً مستعصية، وإذا كلمته في شأن

من شؤون الدعوة نظر إليك بابتسامة ساخرة، وكأنة يقول: ليس ثَمّة فائدة.

ومن شيوخ يريدون من الشباب أن يسيروا بسيرهم ويفكروا بتفكيرهم،

ولايراعون ظروفاً جديدة ولا تغيرات طرأت، ولاتحولات فكرية، ولم يتابعوا

الأحداث وما ولدت، فكأنهم يعيشون الخمسينات أو الستينات، وهذا مما يجعل

الشباب محنقاً ثائراً، لايستفيد من تجربة ولايسمع إلى قول، ويبدأ من حيث انتهى

الآخرون، وربما أدى ذلك إلى الطيش والتهور.

هل هذا يأس؟ !

كلا، بل الخير في الأمة الإسلامية كثير، ويحتاج إلى من يملك مفاتيح هذا

الخير، ويقدر على فتح الأبواب المغلقة.