للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[لا يذهب العرف بين الله والناس]

محمد العبدة

قال: محدثي: لم أكن أهتم بمجلة البيان، كنت أمر على المكتبات، ولا

أعيرها اهتماماً، ولا ألتفت إليها، وليس ذلك لأني سمعت دعاية منفرة منها، ولكن

هكذا وقر في ذهني: أنه ما عساها أن تقدم لنا مثل هذه المجلة؟ وماذا سيكون فيها

من جديد؟ ولم يشجعني أحد على اقتنائها، أو يذكر ما فيها من موضوعات، إلى

أن لفت نظري عرض مغرٍ لبيع الأعداد القديمة منها، فاشتريتها، وبدأت أتصفحها، ووجدت نفسي منجذباً إليها، فكنت لا أترك العدد حتى أقرأه كله ... كانت

موضوعات مفيدة، لا تبلى مع مرور الزمن، وهكذا وضعت برنامجاً لنفسي: أن

أقرأ كل الأعداد السابقة.

لم يكن هذا الكلام غريباً عليّ، ولكنه ذكرنا بالحقائق التالية:

١- إن الجهد العلمي الأصيل لا يذهب هدراً، وإذا لم تتم الاستفادة منه في

الحاضر، فإنه يستفاد منه مستقبلاً «لايذهب العرف بين الله والناس» ، وما زال

الناس يكبرون الجهود العلمية النافعة الصادقة الموفقة من الله (سبحانه وتعالى)

لحسن النية، فكم من كتب في تراثنا الإسلامي ما تزال حاضرة معنا، نفهم من

خلالها نصوص الوحيين، وكأنها كتبت لتعالج مشكلات عصرنا، ولم يُذهب

رُواءَها ووهجها العلمي تقادمُ السنين والدهور، ونظرة إلى اهتمام المسلمين اليوم

بكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تنبئك عن هذا الذي نقول، ذلك لأنهم وجدوا فيها

حلولاً لمشكلات عصرهم.

٢- تقصير أهل الحق أحياناً في الدعوة لحقهم، فلا يسمع الناس بهم،

ولايتعرفون على جهودهم، وربما ظن هؤلاء أن الناس هم المكلفون بالسعي إليهم

لمعرفة الحق وأهله، أو ربما ظنوا أن الحق وحده كفيل بأن يصل إلى مسامع الناس

دون دعاية أو اتصال أو تنبيه، ولكن الناس ليسوا دائماً على هذا المستوى، وإذا لم

تعرض عليهم الحق، وبأساليب مناسبة، وتكرر ذلك ولا تمل دون تنازل عن المبدأ

فلا يلتفتون إليك، ولايسمعون بك، ومع الأسف فإننا نجد أهل الباطل يتقنون فنون

الدعاية لباطلهم، ولهم في ذلك جلبة وضجيج وصولة وجولة: يخدعون الناس

بأسماء طنانة وألقاب خادعة، يزينون باطلهم بشتى الألوان والأشكال، فإن لم

يؤثروا تأثيراً كاملاً، فلا بد أن يتركوا ندوباً هنا وجروحاً هناك.

٣- يخجل بعض الناس من ذكر كتاب معين، أو مجلة إسلامية، ليبين ما

فيها من علم، ولا يذكر ذلك أمام زملائه أو من يعرفهم من المسلمين، حتى لا يقال: إنه يروج لبضاعته (وهي ليست بضاعته) ، فهذا كله وهم وخطأ، فالذي عنده

خير يجب أن يقدمه للناس، ولا يتوهم أن كل الناس سيقولون مثل هذا الكلام، بل

ربما كانوا له من الشاكرين، وهل يخجل المسلم مثلاً من عرض الإسلام على غير

المؤمنين به ويزين ذلك لهم، ويأتيهم بشتى الأساليب المقنعة؟ ! ، فكذلك المسلمين: إنهم بحاجة لمن يدلهم على الصواب، ويعلمهم الخير، وخاصة أن بعض الناس

لا يدري ماذا يقرأ، وماذا يدع؛ لما يرى من كثرة المطبوع والمسموع.