للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مؤتمر التنمية الاقتصادية

والوهم العربي

بقلم: د.محمد عبد الله الشباني

خلال الفترة ما بين ٥ حتى ٧ جمادى الآخرة لعام ١٤١٦هـ، عُقد في عمان

مؤتمر التنمية الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضمن مسلسل التسوية

والتطبيع مع العدو اليهودي تحت الرعاية الأمريكية. وهذا المؤتمر امتداد لمؤتمر

الدار البيضاء الذي عُقد في العام الماضي، ويهدف هذاالمؤتمر حسب ما أعلن عنه

إلى توفير الآلية المالية والتنظيمية لإيجاد منظومة اقتصادية إقليمية يكون لدولة

اليهود في فلسطين المحتلة الدور البارز والمؤثر فيها، تتمثل هذه الآلية في إنشاء

بنك إقليمي للتنمية إلى جانب إنشاء مجالس إقليمية أخرى، كما أشار إلى ذلك وزير

خارجية الولايات المتحدة (كريستوفر) ؛ حيث أشار في كلمته عند افتتاح هذه القمة

إلى أن «القمة الحالية ستعمل على تأسيس هيئة إقليمية للسياحة والسفر، كما أنها

ستعمل على تأسيس مجلس إقليمي للتعريف بالاستثمارات الاقتصادية في المنطقة،

وتحقيق التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص، والتعاون بين رجال الأعمال في

العالم» .

إن القمة الاقتصادية التي عقدت في عمان إنما هي مدخل للاستيلاء على

مصادر الثروة في العالم العربي، وجعل هذه المنطقة مرتهنة للمرابين اليهود؛ من

خلال قيام المؤسسات البنكية اليهودية العالمية في أمريكا وأوروبا بإقراض هذا البنك

الإقليمي الجديد الذي يتولى بدوره إقراض حكومات العالم العربي التي ترزح تحت

ثقل الديون.

إن من أبرز ما أظهرته هذه القمة من العمل على تحقيق ذلك الهدف: ما تم

الإعلان عنه من توقيع اتفاق بين وزير الطاقة الإسرائيلي ورئيس مجلس إدارة

شركة أترون الأمريكية «ريكا مارك» التي هي صاحبة امتياز استخراج الغاز في

قطر، وقد أشارت المصادر أن قيمة الصفقة تبلغ ثلاثة مليارات دولار، تدفع منها

إسرائيل فقط ثلاثمائة مليون دولار أما الباقي فلم يُشَرْ إلى: كيفية سسداده، ولكن

يظهر أن التسديد سيتم خلال بيع منتجات إسرائيلية لدولة قطر، كما أن مدة هذه

الاتفاقية عشرين عاماً، ويحق لإسرائيل توقيع صفقات لتزويدها الغاز لدول أخرى، كما أشارت إلى ذلك صحيفة أحرونوت العبرية) [١] .

إن القراءة المتأنية للمشروعات المطروحة من جانب دولة اليهود في فلسطين

المحتلة تجعل المتابع يدرك مدى الخبث اليهودي من ناحية والغفلة العربية من ناحية

أخرى، فقد ذكرت الصحافة الأمريكية أن ممثلي حكومة اليهود في فلسطين المحتلة

أحضروا معهم ٢١٨ اقتراحاً لمشاريع اقتصادية، بلغت قيمتها ٨، ٢٤ مليون دولار، ومن ضمن هذه المشروعات المقترحة كما ذكرت الصحافة الإسرائيلية مشاريع

قطاعات السياحة التي لها النصيب الأكبر، وبلغ عددها ٣١ مشروعاً، تتضمن

إقامة: مشروع سياحي على شاطئ البحر الميت، وآخرعلى شاطئ العقبة وآخر

على البحر الأبيض المتوسط تحت اسم ريفييرا البحر الأبيض [٢] ، كما أشارت

مصادر صحفية إسرائيلية إلى أن رجال الأعمال الإسرائيليين سيسعون من خلال

أعمال قمة عمان إلى إبرام عقود مع جهات أردنية لتنفيذ سلسلة من المشاريع

الاستثمارية المشتركة، ومن بين هذه المشاريع مشروع إقامة شبكة من مراكز

التسويق في الأردن، وغير ذلك من المشاريع التي تخدم الاقتصاد الإسرائيلي من

حيث إمكانية غزو السوق الكبير في العالم العربي، واستخدام الموارد الطبيعية

والطاقة البشرية لخدمة اليهود من خلال السيطرة المالية والاقتصادية على مختلف

القطاعات الإنتاجية في العالم العربي.

إن قمة عمان الاقتصادية سيكون لها تأثير في جعل العالم العربي فريسة

للهيمنة الأمريكية (النصرانية اليهودية «؛ من خلال تحويل الأردن إلى معبر

لتوسيع هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي في المنطقة، وجعل العلاقات المشتركة الأردنية

والإسرائيلية والفلسطينية نواة لتكتل اقتصادي شرق أوسطي جديد، يكون لدولة

اليهود المركز القيادي في عمليات التخطيط التنموي، حيث يتم فرض نمط إنتاجي

محدد على كل دولة عربية ترغب في الانضواء تحت مظلة الشرق الأوسط الجديد

ومجالسه الإقليمية، كما أن من أهداف هذه القمةدعوى إعادة توزيع الثروة العربية

بين العرب وإسرائيل؛ بحيث تحصل إسرائيل على القسم الأكبر من هذه الثروة،

من خلال تقديم المال العربي المودع في البنوك اليهودية العالمية كقروض لمختلف

المشاريع وقيام الشركات اليهودية بها، سواء ما كانت منها منتميةً لدولة اليهود، أو

ما كانت منتسبةً لدول أوروبا وأمريكا، بجانب هذا الهدف فإن من الأهداف الأخرى

التي تسعى إليها هذه القمة؛ تحقيق حلم دولة اليهود الكبرى وهو: تفتيت مؤسسات

العمل العربي المشترك القائمة حالياً، التي مع ضعفها تمثل نوعاً من التكتل العربي

تجاه التكتلات الإقليمية العالمية.

وستكون نتائج هذه القمة سرطان يسري في جسم الأمة العربية ومن ثم

الإسلامية؛ لينتشر فيها الفساد والضعف والتبعية.

والعزاء في قوله تعالى: [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ

اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ]

[الأنفال: ٣٦] . وقوله تعالى: [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ]

[الأنفال: ٣٠] .


(١) نشرة قدس برس التي تصدر من لندن.
(٢) الحياة عدد ١١٩٤٠ يوم ٣١/١٠/١٩٩٥م.