للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقال

نظرات في قضية ترجمة معاني

القرآن الكريم

(٣)

بقلم: د. فهد بن محمد المالك

عرضنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة نبذة تاريخية عن المراحل التي

مرت بها ترجمة معاني القرآن الكريم، كما عرضنا في الحلقة الثانية بعض القضايا

والقواعد والتوجيهات حول هذه القضية، وقلنا هناك: إن كل مايمكننا قوله عن

الترجمات: إن هذه الترجمة امتازت بكذا، وتلك الترجمة بكذا. وفي هذه الحلقة

سأحاول إعطاء بعض المعلومات عن بعض الترجمات المشهورة والمنتشرة ونبذاً

عن مترجميها.

والترجمات التي سأعرضها هي: ترجمة عبد الله يوسف علي، وترجمة

محمد أسد، وترجمة محمد مرمادوك بكثال، وترجمة داود، وترجمة محمد ظفر الله

خان، وترجمة آربري، وسأقتصر على هذه الترجمات فقط؛ وذلك خشية الإطالة،

وإلا فإن جميع الترجمات وبلا استثناء تحوي بين دفاتها أخطاء كثيرةً: إما من

الناحية العقدية، أو من الناحية البلاغية، أو من الناحية اللغوية؛ لهذا فإنني أعتقد

جازماً أن الأمر خطير جداً على الإسلام وأهله إن لم يتدارك المسلمون أنفسهم،

ويتنبهوا لما يجري على كتاب ربهم من محاولات للنيل منه ومن الدين الإسلامي.

ومن هذا المنطلق وبحكم أنني متخصص في دراسة هذا الموضوع، فإني

أرى أن الحل المناسب والأمثل حيال هذه القضية هو: أن تنشأ هيئة أو مؤسسة

إسلامية عالمية تقوم على رعاية كل ما يتعلق بالقرآن الكريم، وتبليغ دعوته

وتعاليمه: إلى المسلمين أولاً، وإلى العالم كله ثانياً بلغاته المختلفة، وتكون من

أولويات هذه المؤسسة القرآنية العناية التامة، والإشراف الكامل على ترجمة القرآن

الكريم إلى اللغات الأخرى، والتأكد من سلامة هذه الترجمات واعتمادها كما هو

الحال فيما يقوم به النصارى؛ حيث توجد هناك هيئة منبثقة من الفاتيكان تتولى

مسؤولية متابعة ترجمة الإنجيل إلى لغات العالم، ولعلى هنا أضم رأيي إلى رأي

الدكتور الشيخ الفاضل «يوسف القرضاوي» والدكتور «حسن المعايرجي»

اللذان يريان أن تكون هذه المؤسسة نابعة من منظمة المؤتمر الإسلامي التي انبثق

عنها أجهزة ومنظمات كثيرة في شتى أنشطة العمل الإسلامي، ويمكن إيجاز أهم

أهداف هذه المؤسسة فيما يلي:

١-العناية بتفسير القرآن الكريم لغير المسلمين: كل أمة بلسانها، وتبليغ

المعاني الصحيحة لهذا الكتاب العظيم إليها.

٢- تكليف مجموعة من العلماء المشهود لهم بالدين والعلم بالقيام بتفسير

القرآن الكريم بلغات العالم المختلفة تفسيراً حديثاً وصحيحاً.

٣- رصد كامل لكل الترجمات المنتشرة في العالم في جميع اللغات والتحذير

من الترجمات الفاسدة ومتابعة الناشرين لها قضائيّا.

٤- إصدار نشرة دورية ينشر فيها كل ما جد من جديد في حقل ترجمة القرآن

الكريم، وكل ماصدر من ترجمات جديدة.

٥- طبع التفاسير وترجماتها واعتمادها للتداول بين الناس. لمحات عن بعض الترجمات ومترجميها:

١- ترجمة عبد الله يوسف علي. .Yusuf Ali. A

اسم الترجمة The Glorious Qur' an

ولد عبد الله يوسف عام ١٨٧٠م في بومباي في الهند، ونشأ وترعرع في بيئة

دينية حيث كان والده حريصا على تعليمه علوم القرآن واللغة العربية، وبعد أن

أكمل دراسته سافر إلى العديد من الدول الأوروبية، وعمل محاضراً في جامعة لندن، وهناك تعمق في دراسة اللغة الإنجليزية وآدابها، ويبدو أن لهذا التعمق أثراً على

أسلوبه في الترجمة. أمضى عبد الله يوسف علي قرابة ٤٠ سنة في دراسة وتجميع

المعلومات المتعلقة بترجمة معاني القرآن الكريم، وفي عام ١٩٣٧م صدرت أول

طبعة من ترجمته، وقد طبعت حتى الآن ما يزيد على ٤٠ طبعة، وتعتبر هذه

الترجمة من أوسع الترجمات انتشاراً وأكثرها رواجاً لدرجة أنه أصبح من النادر

جداً أن يخلو بيت من بيوت المسلمين غير العرب من نسخة من هذه الترجمة.

تمتاز ترجمة عبد الله يوسف علي بأنها مكتوبة بأسلوب أدبي بليغ، كما تمتاز

بالتعليقات الهامشية التي وصل عددها إلى قرابة (٦٣١٠) تعليقاً أوضح فيها عبد الله

يوسف كثيراً من الأمور والقضايا، وقد ذكر المؤلف أنه حاول أن يجعل التعليقات

أقصر مايمكن، ولكن بالقدر الذي يمكن القارئ عامياً كان أو عالماً أن يلم إلمامة

يسيرة بالموضوع، ولعل من أسباب رواج هذه الترجمة هي هذه التعليقات الهامشية.

قامت رئاسة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية

(وبناءً على طلب من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) بتصحيح بعض

الأخطاء والانحرافات العقدية التي وقع فيها عبد الله يوسف علي، ومن ثم قام

المجمع بطباعة النسخة المصححة، إلا أن هذه الطبعة أيضاً تحتاج لمزيد من

الدراسة والبحث والعناية.

كما اتسمت ترجمة عبد الله يوسف علي باستخدامه لكلمات تُعَدّ بالمفهوم

العصري الحديث من اللغة الإنجليزية (الكلاسيكية) القديمة التي يصعب على كثير

من القراء المعاصرين فهمها واستيعابها.

٢ -ترجمة محمد أسد. ... ... ... .Asad ٠M

اسم الترجمة ... ... The Message Of the Qur'an

ولد محمد أسد في بولندا عام ١٩٠٠م من أبوين يهوديين، كان والده حريصاً

على أن يكون ابنه حاخاماً من حاخامات اليهود، ولكن الابن عمل مراسلاً صحفيّا

لإحدى كبريات الصحف الأوروبي، وزار عدداً من الدول العربية والإفريقية مما

جعله يتأثر بالإسلام وأهله، وقد أعلن إسلامه عام ١٩٢٦م، وغيّر اسمه من ليوبولد

فايس إلى محمد أسد، وقد بقي في السعودية لمدة خمس سنوات، ثم انتقل إلى الهند، وقابل هناك الشاعر الإسلامي محمد إقبال (رحمه الله) حيث ألح عليه إقبال في

القيام بترجمة صحيح البخاري إلى اللغة الإنجليزية، ثم تنقل محمد أسد بين الدول

الإسلامية إلى أن استقر في سويسرا، حيث ركز جهوده ودراسته على ترجمة

معاني القرآن الكريم لمدة ٢٠ سنة. كان محمد أسد يجيد عدداً من اللغات هي:

اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، واللغة العبرية، واللغة الفرنسية، واللغة الألمانية

بالإضافة إلى لغته البولندية، وقد توفي (رحمه الله) في المغرب عام ١٩٩٢م، ومن

أشهر مؤلفاته: الطريق إلى مكة.

صدرت أول طبعة من ترجمته عام ١٩٨٠م وقد امتازت هذه الترجمة ببعض

التعليقات المبسطة والمركزة حول بعض القضايا والموضوعات، كما حوت هذه

الترجمة نبذة ميسرة عن «المقطعات» وليلة «الإسراء المعراج» و «الجن»

وغير ذلك، وقد ذكر في مقدمة ترجمته: أن عمله هذا هو محاولة لنقل النص

القرآني العربي المعجز ولو شيئاً منه إلى اللغة الإنجليزية، وبيّن عجزه وعجز كل

من حاول ترجمة القرآن الكريم عن الإتيان بترجمة مطابقة للنص القرآني العربي،

وقد حاول في ترجمته استخدام لغة إنجليزية بسيطة، وقلل كثيراً من استخدام اللغة

الكلاسيكية الإنجليزية.

٣ -ترجمة محمد مرمادوك بكثال ... ... Pickthall. M. M

اسم الترجمة ... The Meaning of the Glorious Qur'an

ولد محمد مرمادوك عام ١٩٧٥م في انجلترا، أي إنه كان إنجليزي الأصل

والمنشأ، وأمضى فترة من عمره في بعض بلدان الشرق الأوسط؛ مما أدى به إلى

تعلم اللغة العربية وحبه لشعوب تلك المنطقة، ومن ثم حب دينهم، فاعتنق الإسلام

عام ١٩١٤م، وقد عين إماماً لمسجد في إحدى ضواحي لندن، وعندما كان يخطب

الجمعة بالمصلين كان يستشهد فيها بآيات، يقوم هو بنفسه بترجمتها إلى اللغة

الإنجليزية، وقد لاقت ترجمته لهذه الآيات قبولاً عند المصلين، وكانوا دائماً

يسألونه عن المصدر لتلك الترجمة وعندها شعر بالحاجة الماسة إلى أن يقوم بترجمة

معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، وقد وجد تشجيعاً على ذلك من حكومة

حيدر أباد، حيث أعطته تفرغاً لمدة سنتين ليقوم بهذا العمل وتكفلت هي بمصاريفه، كان محمد مرمادوك أديباً متمكنا من اللغة العربية، وتوفي (رحمه الله) عام ١٩٣٦ م.

صدرت أول طبعة من هذه الترجمة عام ١٩٣٠م، وتعتبر ترجمته من أوسع

الترجمات انتشاراً وأكثرها رواجاً في بريطانيا، حتى إنها طبعت أكثر من٥٠ مرة،

ويعزى السبب في ذلك إلى أنها أول ترجمة يقوم بها مسلم من أصل إنجليزي.

وامتازت الترجمة بسهولة أسلوبها والتزامه الحرفي في الترجمة، الذي قد يضطره

في كثير من الأحيان إلى التوضيح ببعض التعليقات المختصرة، إلا أنه أكثر من

استخدام اللغة الإنجليزية الكلاسيكية القديمة، وقد يكون هذا من العوائق التي تعيق

فهم الترجمة بالنسبة للقارئ العصري العادي.

٤ -ترجمة داود ... ... ... ... ... Dawood. J. N

اسم الترجمة ... ... ... ... ... ... Koran The

ولد داود في بغداد وهو يهودي عربي استقر في بريطانيا عام ١٩٤٥م،

وهناك تقلد عدة مناصب في الجامعات الإنجليزية، كما قام بترجمة عدد من

النصوص العربية: كمقدمة ابن خلدون وغيرها، ويُعَدّ داود هو اليهودي الوحيد

الذي قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية.

صدرت أول طبعة من ترجمته عام ١٩٥٦م، وقد طبعت أكثر من ١٥ طبعة

وهي من أكثر الترجمات تداولاً بين الإنجليز غير المسلمين، وذلك لأنه حاول في

ترجمته أن يستخدم اللغة الإنجليزية الحديثة، وابتعد تماماً عن استخدام اللغة

الكلاسيكية القديمة، كما أنه في ترجمته أطلق لنفسه العنان فلم يتقيد بالنص.

وقد حاول داود في ترجمته أن يعمل ترتيبا خاصاً به لسور القرآن الكريم، فلم

يسلك الترتيب المعروف في المصحف الشريف، كما أنه لم يتبع الترتيب الذي

سلكه بعض المستشرقين وهو ترتيب سور القرآن الكريم على حسب النزول،

فيبدؤون أولاً بالعلق، ثم المدثر ... وهكذا، ولكنه اعتمد ترتيب السور على حسب

طول وقصر السور وعلى حسب الأكثر شاعرية كما يرى! فيبدأ بالسورة القصيرة

والأكثر شاعرية! في زعمه ثم الأطول فالأطول، وقد ذكر في مقدمته أن سبب

اعتماده على هذا الترتيب حتى لايصطدم القارئ مباشرة بالسور الطويلة كالبقرة

والنساء، إنما يكون الأمر بالتدرج، غير أن داود في إحدى الطبعات المتأخرة من

ترجمته (١٩٩٠م) تراجع عن هذا الترتيب ورتب السور على حسب ترتيب

المصحف الشريف، وذكر في مقدمة هذه الطبعة: أنه على غير قناعة بترتيب

السور حسب المصحف الشريف، ولكنه وجد نفسه مضطراً لأن يتحول عن رأيه.

٥ -ترجمة محمد ظفر الله خان ... ... ... Zafrullah Khan ٠ M

اسم الترجمة ... ... ... ... ... ... The Qur 'an

محمد ظفر الله خان باكستاني الأصل والمنشأ، وقد شغل منصب وزير

الخارجية في بلاده فيما بين ١٩٤٧ ١٩٥٧، ثم عمل قاضياً في المحكمة الدولية،

صدرت أول طبعة من ترجمته عام ١٩٧١م، ونظراً لكونه قادياني المذهب والمعتقد

فقد حرص أن يبث في ترجمته سموم الفكر القادياني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ وهذا ماساعد على انتشار ترجمته ورواجها بين الباكستانيين والهنود.

وفي ترجمته، ابتدع محمد ظفر الله خان ابتداعاً جديداً، حيث إنه لم يفصل

بين الآية والأخرى، بل تجده يسرد العشر آيات مع بعضها دون فواصل أو

علامات تشير إلى نهاية الآية وبداية التي تليها، وسأعرض فيما بعد نموذجاً من تلك

النماذج وكيف حاول دس الفكر القادياني في ترجمته.

٦ -ترجمة آربري ... ... ... ... ... ..Arberry.J. A

اسم الترجمة ... ... ... ... ... The Koran Interpreted

ولد أربري عام ١٩٠٥م في انجلترا، وقد شغل خلال حياته عدداً من

المناصب الأكاديمية في عدد من الجامعات الإنجليزية وقد ركز اهتمامه على

الدراسات العربية والفارسية حتى صار أستاذاً (بروفوسوراً) في اللغة الفارسية في

جامعة لندن عام ١٩٤٤م وأستاذا في اللغة العربية عام ١٩٤٦م في الجامعة نفسها.

ركز آربري كثيراً على دراسة القرآن، لذلك كان حريصا في ترجمته على

اختيار أفضل المترادفات في اللغة الإنجليزية، كما اهتم في ترجمته كثيرا بالقوافي، وحاول صياغة ترجمته بأسلوب أدبي رفيع، وقد سلك مسلك كتاب القصائد

الإنجليزية القدماء في كتابتهم للقصائد المعروفة باسم (Sunnet) التي يتكون كل

مقطع فيها من خمسة أو ستة أسطر.

صدرت أول طبعة من ترجمة أربري عام ١٩٥٥م، وقد طبعت أكثر من ١٥

مرة، ولاتزال حتى هذا اليوم تطبع بالآلاف.

وأخيراً، فإن هناك الكثير من الترجمات التي صدرت في الآونة الأخيرة

تحتاج إلى مزيد من العناية والبحث، ولم أعرض لها في هذا المقال خشية الإطالة:

كالعمل الذي قام به العالمان الجليلان «محمد تقي الدين الهلالي» والدكتور محمد

خان «حيث صدر أول مرة في تسعة أجزاء، وهو عبارة عن مختصر لتفسير ابن

كثير وتفسير الطبري مدعوماً بالتعليقات المستنبطة من صحيح الإمام البخاري واسم

ترجمتهما Qur'an Noble The

وقد صدر هذا التفسير مؤخراً عام (١٩٩٣م) ولكن في مجلد واحد فقط ويمتاز

هذا التفسير بأن المترجمين كليهما صاحبا عقيدة سلفية صافية من الشوائب

والانحرافات، كما تمتاز ترجمتهما بسهولة الأسلوب ووضوح العبارة، كما أن هناك

ترجمات لايتسع المقام لعرضها كالترجمة التي قام بها أحد العلماء المصريين وهو»

محمد الخطيب «وقد صدرت ترجمته عام ١٩٨٠م وغيرها كثير.

وأختم كلامي هنا: بأن هناك العديد من الترجمات التي تحتاج إلى مزيد من

العناية والبحث، سواء أكانت ترجمات إلى الإنجليزية أو إلى اللغات الأخرى.

ولعلنا في الحلقة القادمة والأخيرة إن شاء الله (تعالى) نستعرض نماذج من

الأخطاء التي ارتكبها أولئك المترجمون في ترجماتهم؛ لنرى خطورة الأمر والحاجة

الشديدة إلى علاجه.