للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات دعوية

[الدعوة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة]

د. عدنان علي رضا النحوي

[قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما

أنا من المشركين] [يوسف: ١٠٨]

هذه هي الدعوة الإسلامية، وهذا هو جوهر خصائصها الربانية، وتمضي

الآيات البينات والأحاديث الشريفة تفصل خصائص الدعوة الإسلامية، وخصائص

دعاتها ورجالها، فاستمع إلى قوله (سبحانه وتعالى) : [ومن أحسن قولاً ممن دعا

إلى الله وعمل صالحاْ وقال إنني من المسلمين] [فصلت: ٣٣] .

فهذه هي أولى خصائص الدعوة الإسلامية: الدعوة إلى الله ورسوله، الدعوة

إلى الإيمان الحق والتوحيد الصافي، ثم ينعكس هذا الإيمان والتوحيد إلى عمل

صالح في واقع الحياة، إلى ممارسة إيمانية تتجلى فيها خصائص الإيمان وعظمة

التوحيد.

إنه توحيد لا شرك معه أبداً: [قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به،

إليه أدعو وإليه مآب] [الرعد: ٣٦] .

لقد كانت قضية الإيمان والتوحيد هي القضية التي عرضها القرآن الكريم في

كل سورة من سوره، حتى أصبحت محور كتاب الله ومحور كل سورة، ومنها

تنبثق سائر القضايا في كتاب الله وبها ترتبط، وحولها يدور القصص في القرآن،

ومن أجلها تُعرض آيات الله في الكون، وتُعرض أحداث التاريخ وشواهده.

لذلك: ومن أجل هذه القضية أولاً تقوم الدعوة الإسلامية في الأرض لتحمل

هذه القضية إلى الناس كافة، في العصور كلها، حتى تقوم الساعة، ولم يكن القيام

أمراً بشرياً من قائد أو سلطان، بل كان أمراً من عند الله توالت الآيات والأحاديث

على تأكيده، وعلى بيان تفصيلاته وميادينه وقواعده.

إنها هي دعوة الحق وحده:

[له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء]

[الرعد: ١٤] .

ووقفة مع تلك الآية، تبرز لنا خصائص الدعوة الإسلامية، فمن خصائصها:

أنّ نهجها ودربها وأهدافها ووسائلها وأساليبها تنبع كلها من كتاب الله، ينطلق بها

المؤمنون على ضوء الواقع الذي يمضون فيه.

فمن كتاب الله والواقع الذي تسير فيه الدعوة يقوم النهج والخطة ليجتمع

العاملون المؤمنون الصادقون عليه فلا يتفرقوا:

[شرع لكم من الدين ما وصَى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به

إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه] [الشورى: ١٣] .

إنه دين واحد مع كل الأنبياء والمرسلين، ودعوة واحدة تقوم على هذا الدين،

إنه دين الإسلام ودعوة الإسلام، جاء أمر الله أن لا يتفرق المؤمنون فيه:

[ ... أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ... ] لقد كانت هذه الدعوة التي يلتقي عليها المؤمنون مصدر فزع كبير للمشركين على مر العصور والأجيال، فإذا تفرقوا خالفوا أمر الله فنزع الله مهابتهم من قلوب أعدائهم.

وتتوالى الآيات الكريمات لتبين خصائص هذه الدعوة الربانية وجوهرها

ومراحلها: [فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ... ] الآية

[الشورى: ١٥] .

لقد كانت هذه الدعوة على هذا النحو وبهذه الخصائص كبيرة على المشركين

حين شعروا أنها تزلزل أركان الظلم في الأرض وتزلزل الظالمين، وتهزّ الفساد

والمفسدين، وتظل حرباً على المجرمين، أخذهم الفزع حين انطلق بها محمد -

صلى الله عليه وسلم-، وسيظل الفزع يأخذ المجرمين المعتدين، والظالمين

المفسدين أبد الدهر.

[فلذلك فادع..] نعم! ادع إلى هذا الأمر العظيم، إلى شهادة «أن لا إله

إلا الله وأن محمداً رسول الله» ، إلى الإيمان والتوحيد، إلى منهاج الله قرآناً وسنة

[واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ... ] فالاستقامة على هذا النهج أمر من

عند الله كذلك، حتى لا ينحرف الدعاة ولا يتبعوا أهواء المشركين ودعواتهم من

اشتراكية أو شيوعية أو حداثة أو ديموقراطية أو غير ذلك من الأهواء!

وتتكرر قضية الالتزام والاستقامة على دين الله دون انحراف في منهاج الله:

[فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا، إنه بما تعملون بصير * ولا

تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا ...

تنصرون] [هود: ١١٢-١١٣] ، إنها استقامة كما أمر الله، يمضي بها القادة والجنود، دون طغيان أو انحراف، فالله رقيب عليهم، عليم بما يصنعون.

ثم تأتي الخصيصة المهمة، ألا وهي: عدم الركون إلى الظالمين المجرمين

المفسدين فمن يركن لهم فستمسه النار، ولن يجد له أولياء من دون الله، ولن يجد

النصر مهما غرّته زخارف الركون وزينة الانحراف وفتنة الطغيان.

إن عدم الركون إلى الظالمين يعني أن الولاء الحق الأول هو لله (سبحانه

وتعالى) ، وأن العهد الحق الأول هو مع الله (سبحانه وتعالى) ، وأن الحب الأكبر

هو لله ولرسوله، وأنه من هذا الولاء الأول والعهد الأول والحب الأكبر ينبثق كل

ولاء في الحياة الدنيا وكل عهد وكل حب، فإذا لم تستقر هذه الحقائق في القلوب

والنهج والمسيرة، فما أسهل الانحراف وما أيسر الركون إلى الظالمين، إن

اضطراب الولاء والعهد والحب يعني كذلك اضطراب التصور للألوهية والربوبية،

واضطراب تصور عبودية الإنسان لربه وخالقه.

إن هذه الخصائص يجب أن تستقرّ في قلوب الدعاة، قادة وجنود، وتُرَبّى

الأجيال عليها، وتُغْرس في نفوس الناشئة، وتكون محور المنهاج للدعوة وللتربية

والبناء، ولإعداد الأجيال المؤمنة، ويظل التأكيد عليها في جميع مراحل الدعوة.

وتمضي الآيات تفصل خصائص الدعوة الإسلامية، حتى يتضح الدرب

وتشرق الأهداف، وتتميز المراحل والمسؤوليات:

[وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله

وعدوَكم] [الأنفال: ٦] ، إن إعداد هذه القوة ضرورة للدعوة الإسلامية، وحتى

ينجح هذا الإعداد يجب أن تتوافر الخصائص التي سبق ذكرها كلها، وأن يكون من

ثمرة هذه الخصائص أمران: الأول: أن تكون الدعوة الإسلامية جبهة واحدة

وصفاّ مرصوصاً، والثاني: أن يبادر الجميع إلى الإنفاق في سبيل الله لبناء هذه

القوة في صف مرصوص من المؤمنين، غير ممزّق ولا متفرّق [إن الله يحب

الذين يقاتلون في سبيله صفاًّ كأنهم بنيان مرصوص] [الصف: ٤] ومن خلال هذا

الترابط والتماسك تتحدد المواقف وتُفهم الآيات الكريمات، ففي قوله (تعالى) :

[وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله، إنه هو السميع العليم]

[الأنفال: ٦] ، لا يفهم من «السلم» الاستسلام العاجز، أو المساومة الواهنة، أوالهزيمة وما يتلوها من ضياع، إن الجنوح «للسلم» جنوح الدعوة الإسلامية، جنوح المسلمين لا يتحقق إلا إذا كانت الخصائص السابقة كلها متوافرة في واقع الدعوة، لتوفر الصف المتراص والقوة المعَدّة والعزّة الحقيقية للمؤمنين:

[ ... ولله العزَة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون]

[المنافقون: ٨] ، وكيف تكون العزة للمؤمنين إذا تفرقوا شيعاً، ولم يُعِدّوا قوة، ولم ينهضُوا إلى خصائص الدعوة الإسلامية مما عرضنا طرفاً منه.

لقد نزلت الآية الكريمة: [وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ... ] ، نزلت في

مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية وهي في عزة وقوة ونصر من عند

الله، فكان «السلم» طلب أعداء الله، هم الذين يطلبون السلام والأمن بعد هزائمهم، فكان قبول المؤمنين عندئذ، في تلك المرحلة وفي ذلك الواقع، وهم أعزاء أقوياء، صف واحد كالبنيان المرصوص، يتيح للمؤمنين الفرصة لتحقيق نصر أوسع.

وعلى نفس النهج نفهم الآية الكريمة: [ادع إلى سبيل ربك بالحكمة

والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله

وهو أعلم بالمهتدين] [النحل: ١٢٥] ، فلا تفهم هذه الآية الكريمة بعزلها عن

منهاج الله وعن الآيات قبلها والآيات بعدها، وسائر آيات الدعوة، وإنما تُفهَمُ من

خلال النهج المترابط المتماسك للدعوة الإسلامية في منهاج الله، عندئذ تصبح هذه

الآية الكريمة تمثل مرحلة من مراحل الدعوة ماضية مع الزمن كله حين تتوافر

ظروفها وشروطها، وأهم هذه الشروط أن تكون الدعوة الإسلامية بخصائصها

الربانية ماضية في الأرض على نهج واضح الأهداف، محدد المراحل، مستكمل

لشروطه الإيمانية، قائم على ركنين أساسيين هما: المنهاج الرباني، والواقع.

لا نستطيع هنا أن نوفي عرض خصائص الدعوة الإسلامية، ولكن منهاج الله

يعرضها العرض المفصل الميسر المعجز، وحسبنا هنا أن نشير إلى أهم هذه

الخصائص الربانية، الخصائص التي لم تأت من بشر، من لجنة أو عالم أو

سلطان، وإنما نزل بها الوحي الأمين.

مفهوم حزب الله:

ومن هذه الخصائص الربانية نستطيع أن ندرك حقيقة الجماعة والحزب

ومفهومها في كتاب الله، فقد وردت كلمة «حزب» في كتاب الله كثيراً، وأعطت

ظلالاً كثيرة أيضاً، ولنأخذ أولاً آيتين كريمتين نستدل بهما على ما نهدف إليه:

[ومن يتولَ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب لله هم الغالبون] [المائدة: ٥٦] ،

[لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادَ الله ورسوله]

[المجادلة: ٢٢] .

إن «الحزب» إذن ليس شعاراً يُطلق أو مسمى يُعلن ولكنه خصائص تبرز

في ميدان الواقع، وجميع هذه الخصائص تنبثق من حقيقة الإيمان والتوحيد وركائزه، ومن أهم هذه الركائز: الولاء لله، ولرسوله؛ للنبوة الخاتمة القائدة، ثم للمؤمنين

ليكونوا أمة واحدة: [إنما المؤمنون إخوة ... ] [الحجرات: ١٠] .

إذن: هذه هي رابطة الدعوة الإسلامية، رابطة إيمان وأخوة في الله، لا

يمكن أن تتحقق في الواقع البشري إلا إذا تحقق الولاء الأول لله فكراً وتصوراً،

وشعوراً وعاطفة، وتطبيقاً وممارسة، ورأياً وموقفاً، فإذا لم يتحقق الولاء الأول لله

فأنّى لهذه الرابطة الربانية أخوّة الإيمان أن تتحقق، ويتبع ذلك أن يكون العهد الأول

مع الله، والحب الأكبر لله ولرسوله، والخشية والخشوع والتضرّع لله رب العالمين، حقيقة ثابتة في القلب، ويقينا يعمر حنايا النفس.

فمهمة الدعوة الإسلامية إذن أكبر من أن تكون كتاباً أو مقالة أو محاضرة تُلقى

ويتفرق الناس بعدها أشتاتاً، إنها جهد ومعاناة، وإشراف ومراقبة ومتابعة وتوجيه،

وبناء وإعداد، حتى ينهض الجيل المؤمن الذي تتوافر فيه الخصائص الربانية،

فيتابع المضيّ إلى سائر الأهداف المرحلية المحددة والأهداف الثابتة، على بصيرة

وهدى ويقين، على درب ممتد إلى الهدف الأكبر والأسمى رضوان الله والجنة

حيث تتعلق القلوب والأبصار منذ اللحظة الأولى وعلى الدرب كله، وحيث ترتبط

الدنيا بالآخرة على ميزان دقيق أمين، لينجو الإنسان في الدنيا من الفتنة برحمة الله، وينجو في الآخرة من عذاب النار برحمة الله.

إذن: لا تكون العشيرة ولا العائلة ولا الأرض ولا القوم هم أساس الولاء،

وإنما تأخذ هذه القيم منزلتها الحقيقية على أساس من منهاج الله، ليصوغ منهاج الله

روابط المؤمن كلها في الحياة الدنيا، فلا يصوغها الهوى والمصالح.

حين تحمل كلمة «الحزب» في واقعنا المعاصر هذه الخصائص الربانية كلها

نهجاً ودرباً وأهدافاً ورابطة فإنها تتساوى مع كلمة الدعوة الإسلامية.

وهذه الرابطة الإيمانية ليست مجرد شعار يطرح، ولكنها مسؤوليات وحقوق

وواجبات، عندئذ يكون التجمع تحت أي اسم من الأسماء المباحة ثمرة طيبة مباركة

لصدق الإيمان والتوحيد والدعوة إليهما والبذل من أجلهما، وهذا المنطلق في الدعوة

الإسلامية يقود إلى بناء الأمة المسلمة الواحدة في الأرض، ليكون هذا هو الهدف

الثابت على طريق الدعوة الإسلامية، على طريق الجنة، ونوجز هذه الأهداف

الثابتة بما يلي: الدعوة إلى الله ورسوله وإلى الإيمان والتوحيد، التعهد والتربية

والإعداد، بناء الجيل المؤمن، الجهاد في سبيل الله، بناء الأمة المسلمة الواحدة

التي يحكمها منهاج الله، عمارة الأرض بحضارة الإيمان.

حزبية مرفوضة:

وفي كتاب الله معنى آخر لكلمة «الحزب» و «الأحزاب» : [استحوذ

عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم

الخاسرون] [المجادلة: ١٩] .

[إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب

السعير] (فاطر: ٦) .

وكذلك: [جند مَا هنالك مهزوم من الأحزاب ... ] الآيات [ص: ١١-١٤]

[فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً، كل حزب بما لديهم فرحون] [المؤمنون: ٥٣] .

حين ندرس هذه الآيات الكريمات، كل آية من خلال أجوائها في سورتها،

ومن خلال منهاج الله، نجد أن حزب الشيطان خارج عن منهاج الله، روابطه

الفتنة والفجور والفساد والظلم والطغيان، حين تفلت أفراده من ذكر الله ومن الولاء

لله والعهد مع الله، فنشأت روابط شتى وسبل شتى وأحزاب شتى يجتمعون على

المصالح والأهواء، ويفترقون على المصالح والأهواء.

الدعوة الإسلامية سبيل واحد، وغيرها سبل شتى، هذا ما علمنا إياه محمد -

صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: «خط لنا

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطاً ثم قال:» هذا سبيل الله «ثم خط خطوطاً

عن يمينه وشماله ثم قال:» هذه سبل متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو

إليه «ثم قرأ الآية: [وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا

السبل] » [١] .

أهم خصائص حزب الشيطان: أنهم يعبدون آلهة شتى، ولهم سبل شتى،

متفرقون على ذلك، تركوا الصراط المستقيم.

في واقعنا اليوم انتشرت كلمة «حزب» و «أحزاب» وما يتبع ذلك من

رايات وشعارات، هذه الأسماء والشعارات ليست هي التي تقرر حقيقة الحزب أو

الجماعة أو الطائفة أو غير ذلك من الأسماء، إن الذي يقرر حقيقتهم هو الخصائص

التي يلتقون عليها، والنهج الذي يرسمونه، والأهداف التي يسعون إليها.

عندما يصبح «التجميع» العددي هو هدف المسعى والجهد، تنتهي هنالك

خصائص الدعوة الإسلامية، ثم يبدأ التنازل التدريجي عما كان يرفعه الحزب من

شعارات، أما الدعوة الإسلامية فهمها الأول هو الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، ثم

الانتقال من هدف ثابت إلى هدف ثابت وفق منهجها الواضح.

كلمة «الحزب» في واقعنا أصبحت تحمل ظلالاً كئيبة من المعنى والممارسة، وتاريخاً مليئاً بالأحداث السوداء، «الحزب» اليوم أصبح يعني التفرغ للعمل

السياسي بعد عزله عن سائر ميادين النشاط، وأصبحت الدعوة إليه تعني: الولاء

الأول هو للحزب، والرابطة الأولى هي عضوية الحزب، وميدان الممارسة هو «

اللعبة السياسية» مع ما يتبعها من أساليب مستوردة من الغرب، ووسائل تسللت

إلينا من ساحات الوثنية!

الأحزاب أصبحت تعني اليوم الصراع الدائم المستمر على منصب أو نفوذ،

وانظر إلى معركة الانتخابات في أمريكا حيث تصبح الانتخابات ساحة لنشر

الفضائح، وميداناً تشترى الأصوات فيه وتباع، وتدور المساومات والمؤامرات

وأشكال الخداع المتعدّدة، حيث تسحق القيم وتسقط الشعارات.

في الدعوة الإسلامية لا تنفصل الغايات ولا الوسائل، بل تتساند كلها لتمضي

المسيرة تحقق الخير والصلاح، والحق والعدل، والأمن والمساواة في واقع الإنسان.

الدعوة الإسلامية بخصائصها الربانية هي وحدها تحمل أبعد عمق إنساني،

فهي حاجة البشرية كلها، حاجة الشعوب كلها، حاجة الإنسان.

الدعوة الإسلامية يجب أن تكون هي النظام العالمي الجديد، لا ما نسمعه اليوم

من افتئات على الحق، وادعاء باطل تحميه الصواريخ والطائرات والدبابات

لترتكب أسوأ أنواع الجرائم في تاريخ البشرية، والنظام العالمي الجديد الذي تدعو

له القوى الكبرى في الأرض يتبنى ما يسمونه «الديمقراطية» الليبرالية، وهذا ما

دعا إليه «فوكوياما» في مقالته «نهاية التاريخ» التي نشرتها «National

Inlerst» ، وطلع بضلاله هذا ليدعم القوى الإجرامية في الأرض، وليوجه

الدعوة إلى حرب الإسلام على إنه الخطر الذي يهدد الديموقراطية بعد سقوط الاتحاد

السوفيتي.

أمام الواقع الخطير الذي يجابهه المسلمون اليوم في حرب مكشوفة وقحة،

يجب على كل مسلم، وعلى كل حركة إسلامية أو دعوة أو حزب، أن تقف مع

نفسها موقف مراجعة وحساب، وتقويم ونظر لمسيرتها، حتى تعرف أخطاءها

وصوابها، ومدى توافر الخصائص الربانية في مناهجها وتطبيقها وممارساتها،

ومدى تجنبها العصبيات الإقليمية والقومية، حتى تمهد الطريق للقاء المؤمنين

الصادقين الذين يريدون الجنة والدار الآخرة، ينصرون الله ورسوله، وينصرون

دين الله، على درب جليّ واضح الأهداف، على بصيرة ونور وهدى.

لابد أن ندرك اليوم مع كثرة التجارب المريرة والمآسي الدامية أن المعركة

الحقيقية تبدأ في أنفسنا، فإذا انتصرنا هناك، هيأ الله لنا برحمته أسباب النصر في

فلسطين وكشمير وغيرهما، فهل سننهض إلى الوفاء بعهدنا مع الله.

أيها الناس، أيها الدعاة، أيها المسلمون! لا تخافوا على الإسلام، فللإسلام

رب سينصره على يد من يشاء من عباده، ولكن خافوا على أنفسكم حين تقفون بين

يدي الله تحاسَبُون عَمّا قدمتم لنصرة دين الله، فالحساب يومئذ شديد، والله سريع

الحساب.

[.. وإن تتولوا يستبدل قوماْ غيركم ثمَ لا يكونوا أمثالكم] [محمد: ٣٨] .

والحمد لله رب العالمين.


(١) أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه الحاكم.