للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

المسلمون في أوغندا

تاريخ وتحديات

بقلم: زياد صالح لو بانغا

تمهيد:

إفريقيا الخضراء (جنوب الصحراء الكبرى) ، يعتبرها المستعمرون

الأوائل ومن خلفهم من جماعات التنصير التي ربت نفراً من أبناء إفريقيا ونصّرتهم

وجعلتهم حكاماً، يعتبرون تلك المناطق حكراً على النصرانية، مع أن جل تلك

المناطق سبق أن حكمتها دول إسلامية قديمة، وكثير من أهلها مسلمون، وأوغندا

نموذج لتلك الدول التي نرى من تاريخها القديم ما يؤكد إسلاميتها حتى عصر متأخر

جدًّا، وسنرى كيف تمزق المسلمون فيها، وفتح المجال لفئات منحرفة منسوبة إلى

الإسلام للعمل بها حتى حكمها (نصراني متغطرس) ، نلمس حقده في تصريحاته

ومواقفه الأخيرة، وفي هذا المقال بيان لحال هذه الدولة والتحديات التي واجهتها

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... - البيان -

أولاً: تعريف بأوغندا جغرافيّاً:

موقعها الجغرافي: تقع دولة (أوغندا) في الوسط الشرقي للقارة الإفريقية،

على خط الاستواء، ولها خمس جارات من الدول: تجاورها دولة (كينيا) شرقاً، ... و (زائير) غرباً، و (السودان) شمالاً، و (تنزانيا) و (رواندا) جنوباً، ولعدم إطلالها

على البحر، انتظمت في مجموعة الدول البرية الحبيسة، التي ظلت سنين طويلة

دون أن تطأها الأقدام الأجنبية، مما ساعدها على المحافظة على أصولها البشرية؛

فسكانها أفارقة أقحاح، ينتمون إلى قبائل (البانتو (، و (النيليين) ، و (لووا) [١] .

سبب تسميتها: أطلقت عليها بريطانيا (يوغندا) نسبة إلى مملكة (بوغندا)

إحدى الممالك التي كانت تتكون منها أوغندا قبل اتحادها، غير أن الدكتور (محمد

سيد محمد) ذهب إلى أن تسميتها راجعة إلى اشتقاق كلمة (يوغندا) من اسم إحدى

ممالكها (بوغندا) ، فأصل الكلمة بلغة البانتو: (غاند) ، وكلمة (باغندا) معناها:

قبيلة الغاند، وتسمى لغتها (لوغندا) : ويطلق على بلادهم (بوغندا) ، واعتاد

المستكشفون القادمون من ساحل شرق إفريقيا استخدام المقطع الأول في اللغة

السواحلية وهو (أو (، فأطلقوا على البلاد (أوغندا) ، وهو ما أطلق بعد ذلك على

كل المناطق التي أدمجت في محمية أوغندا [٢] ، وهو رأي وجيه، يدل على أن

التسمية محلية وليست أوروبية.

مساحتها: تبلغ مساحتها حوالي (٤١٠ر٢٤٣) كم٢، تغطي المياه منها ١٥%.

المناخ: إن كثرة المساحات المائية، وعظم ارتفاعها، وهطول الأمطار على

مدار السنة.. كل ذلك ترك أثراً بالغاً في تعديل درجة الحرارة في أوغندا، إذ لا

تزيد غالباً على (٢٧) [٣] .

أهم مدنها: من أكبر مدنها (كمبالا) ، وهي العاصمة الإدارية والتجارية، ... و (عنتيبي) ، وهي المدينة السياسية، وبها المطار الدولى، و (جنجا) ، وهي المدينة

الصناعية، ومنها ينبع نهر النيل أطول نهر في العالم، و (إمبالي) ، وفيها أنشئت

الجامعة الإسلامية، التي افتتحت سنة ١٩٨٨م.

٦- استقلالها: دخلت أوغندا تحت الاحتلال البريطاني سنة (١٣٠٨هـ

١٨٩٠م) ، وظلت تابعة لحكمه اثنين وسبعين عاماً، وأخذت استقلالها سنة (١٣٨١

هـ ١٩٦٢م) . [٤]

عدد سكانها: يبلغ عدد السكان في أوغندا الآن حوالي (١٧مليون) نسمة [٥] ،

يترواح عدد المسلمين فيها بين (٣٥%٤٠%) [٦] ، وعددهم في ازدياد مطرد.

ثانياً: دخول الإسلام في أوغندا:

ظلت (أوغندا) ردحاً من الزمن بلداً وثنيّاً، حتى منّ الله عليها بالإسلام، حين

دخلها سنة (١٢٦٠هـ ١٨٤٤م) ، ويعتبر الإسلام أول دين سماوي شق طريقه إليها؛ ليخرج الناس من عبادة الأوثان والطواغيت إلى عبادة الله الواحد القهار [٧] ، وقد

أخذ دخول الإسلام في هذا البلد مكاناً رئيساً في تاريخه، إذ المؤرخون كلهم يبدؤون

عنده، وليس هناك من الحفريات أو الآثار ما يتحدث عن هذا البلد قبل الإسلام،

ومن هنا.. كان لزاماً على المسلمين أن يهتموا بهذه البقعة وسائر البقع الإفريقية

وغيرها، لعدة أمور، منها:

١- انتشار الإسلام: انتشر الإسلام في أكثر مناطق القارة الإفريقية بسرعة

فائقة؛ حيث أصبحت نسبة المسلمين فيها هي الغالبية العظمى، فقد وصلت إلى ... (٧ ر٥١%) ، وقيل (٥٧%) [٨] مما يدل على أن هذه القارة إسلامية من حيث النسبة

العددية، وأن مستقبلها إن شاء الله مستقبل إسلامي مشرق.

٢- أن إفريقيا تتوسط قارات العالم الخمس، وبإمكانها أن تكون همزة وصل

بين بقية القارات من حيث نقل الثقافة، والمعرفة، والتجارة.. وغيرها من

الحاجات الضرورية للإنسان، أضف إلى ذلك أن أكثر أراضيها خصبة، فلو

استغلت كلها في الزراعة والحرث لقل الفقر في العالم كله.

وقد دخل الإسلام أوغندا عبر محورين أساسين:

المحور الأول: التجار العرب والمسلمون السواحليون، الذين أتوا من شرق

إفريقيا، أيام الدول الإسلامية التي قامت في تلك المنطقة في عهد النبهانيين،

وإمبراطورية الزنج الإسلامية، ودولة بنى سعيد في (زنجبار) ، وقد دخل هؤلاء

أوغندا سنة (١٢٦٠هـ ١٨٤٤م) ، وكان أولهم وصولاً الشيخ/أحمد بن إبراهيم

العمري (رحمه الله) ، وذلك في عهد الملك (سونا الثاني) وقد وقف هذا الشيخ

(رحمه الله) في مجلس الملك، وتحدث عن الإسلام ومحاسنه وآدابه، حتى اقتنع

الملك، فأسلم ومن معه، وتعلم القرآن الكريم، وحفظ منه أربعة أجزاء، إلا أنه لم

يعثر على أنه فعل شيئاً يذكر لنشر هذا الدين [٩] .

المحور الثاني: العرب المسلمون: حيث انضم عدد منهم إلى الحملات

الاستكشافية لمنابع نهر النيل، التي لقيت ترحيباً كبيراً من الملك (موتيسا الأول) ،

الذي ورث عرش الملك بعد أبيه (سونا الثاني) ، وقد أسلم هو أيضاً وحسن إسلامه، وطلب من (الخديوي إسماعيل) حاكم مصر أن يرسل له علماء لهداية شعبه،

وأبدى هذا الملك حماساً منقطع النظير للإسلام، وعمل على نشره، ليس وسط

قومه في مملكة (بوغندا) فحسب، بل تعداها إلى الممالك الأوغندية المجاورة،

عندما كتب إلى (كابا ريغا) ملك مملكة (بونيورو (داعياً إياه إلى الإسلام، كما حث

أمراءه في مملكته وشعبه كله على اعتناق هذا الدين الرباني، وإقامة شعائره الدينية، وتشييد مساجده، ومنح المسلمين السواحليين مشيخات وولايات؛ لتدبير شئونها

الدينية، كما أدخل التقويم الهجري في أنحاء مملكته، وأمر الناس بالتحلي بآداب

الإسلام وأخلاقه: في معاملاتهم اليومية، وشؤونهم الاجتماعية [١٠] .

وهكذا انتشر الإسلام في ربوع أوغندا، وكان انتشاره في مملكة (بوغندا)

أقوى من أي مملكة أخرى مما جعل التيارات الوافدة تتآمر عليها لتمنع المد

الإسلامي المتدفق منها، ولولاها لكانت ممالك أوغندا كلها مسلمة، ولكانت بمثابة

ركيزة إسلامية كبيرة في منطقة الشرق الإفريقي كلها، وقد دام عهد (موتيسا الأول)

ثمانية وعشرين عاماً؛ أي: من سنة (١٢٧٣هـ ١٨٥٦م) إلى سنة (١٣٠٢هـ

١٨٨٤م) [١١] .

ثالثاً: مراحل انتشار الثقافة الإسلامية وتحدياتها:

ويمكن تقسيم هذه المراحل إلى ثلاث، وهناك تحديات كثيرة واجهت كل

مرحلة، وسنذكر بعضها بإيجاز، وهذه المراحل هي:

١- المرحلة الأولى: من وقت دخول الإسلام في أوغندا سنة (١٢٦٠هـ

١٨٤٤م) إلى سنة (١٣٩١هـ ١٩٧١م) .

٢- المرحلة الثانية: من سنة (١٣٩١هـ ١٩٧١م) إلى سنة (١٣٩٩هـ

١٩٧٩م) .

٣- المرحلة الثالثة: من سنة (١٣٩٩هـ ١٩٧٩م) إلى سنة (١٤١٦هـ

١٩٩٦م) . الثقافة الإسلامية وتحدياتها من (١٢٦٠هـ ١٨٤٤م) إلى (١٣٩١هـ

١٩٧١م) :

قبل أن أتطرق إلى الثقافة الإسلامية في هذه الحقبة من الزمن، أود أن أكمل

الشوط مع القادة والملوك، لتتضح الصورة التاريخية جيداً، فقد ورث (موانغا) أبيه

(موتيسا الأول) سنة (١٣٠٢هـ ١٨٨٤م) ، ولم يكن في قوة أبيه من التمسك بالدين، بل إن انحيازه إلى الإرساليات التنصيرية دليل واضح على تحوله عن الإسلام،

صحيح أن أباه في نهاية عهده، هو الذي أذن للإرسالية البروتستانتية بدخول

أراضيه سنة (١٨٧٧م) ، ثم أذن للإرسالية الكاثوليكية بعد ذلك سنة (١٨٧٩م) ، لكن

عهد (موانغا) امتلأ بالحروب ضد الإسلام والمسلمين، ففي سنة (١٨٨٩م) توحدت

الإرساليتان لمحاربة المسلمين، وألحقت بهم هزيمة مؤلمة، أجبرتهم على التقهقر

إلى (يونيورو (في المملكة المجاورة، ولم يحرك ذلك ساكن (موانغا) .

كما أنه في سنة (١٨٩١م) هاجم المسيحيون المسلمين في حدود مملكة (يونيورو (وقتلوهم شر قتلة، وكان ذلك بمرأى ومسمع من (موانغا) ، وقد دام ملكه حتى سنة (١٣١٥هـ ١٨٩٤هـ[١٢] ثم تلاه حكام نصرانيون، حتى آخر المرحلة، فقد تلاه ابنه (داودى شوا) سنة (١٣١٥هـ ١٨٩٤م) ودام ملكه حتى سنة (١٣٦٠هـ ١٩٣٩م) [١٣] ، ثم اعتلى العرش ابنه (إدوارد فريدريك موتيسا الثاني) ، وفي عهده في عام (١٣٦٩هـ ١٩٤٨م) بدأت الأحزاب الوطنية تتكون للمطالبة بالاستقلال عن بريطانيا، وفي سنة (١٣٧٣هـ ١٩٥٢م) طالب الملك (موتيسا الثاني) بالحكم الذاتي من بريطانيا، فمنحته ذلك سنة (١٣٨٢هـ ١٩٦٢م) وفي السنة نفسها نظمت الانتخابات العامة التي فاز فيها حزب (مؤتمر الشعب الأوغندي) بقيادة الدكتور (ملتون أبوتى) ، فأصبح أول رئيس لأوغندا بعد الاستقلال، وفي سنة (١٣٨٦هـ ١٩٦٦م) اختلف الرئيس مع الملك (موتيسا الثاني) ، فأرسل الرئيس حرسه الخاص للقبض عليه، إلا أنه تمكن من الفرار، ولجأ إلى بريطانيا ليقضي فيها بقية عمره، وتوفي سنة (١٣٨٩ ١٩٦٩م) ، ثم انتهى عهد هذا الرئيس بانقلاب عسكري في سنة (١٣٩١هـ ١٩٧١م) [١٤] وبانتهاء عهده انتهت المرحلة الأولى للتاريخ الأوغندي من حيث القادة والملوك.

أما الثقافة الإسلامية فقد انتشرت مع مجيء الإسلام إلى أوغندا؛ حيث أنشئت

هناك المساجد والمدارس على نمط الكتاتيب، وكان الذي يتخرج منها يصير عضواً

فعالاً في المجمتع الإسلامي، وقد انحصرت تلك الثقافة في المبادئ التي أتى بها

المسلمون الأوائل، الذين قدموا إلى أوغندا، وتوقفت صحتها من عدمها على ما

كان يحملونه من اعتقادات واتجاهات وأفكار ومفاهيم، وكان لها الأثر البالغ في

الأجيال القادمة، التي تربت في كنفهم، وتخرجت على أيديهم. وأيّاً ما كان الأمر،

فقد انتشرت الثقافة الإسلامية عبر تعليم اللغة العربية قراءة ونطقاً: إذ هي الأساس

في معرفة الدين الإسلامي وفهم عباداته وشعائره، وقضاياه الجوهرية، ولم يكن

الاعتماد في تعليمهم إياها، على كتاب معين، إلا ما كانوا يرتجلونه من حفظهم

وسليقتهم، حيث كان أغلبهم من العرب التجار، والمصريين الذين أرسلهم حاكم

مصر (الخديوي إسماعيل) . وأما علم الفقه، فقد استقوه من بعض الكتب المختصرة

في المذهب الشافعي، التي تيسر عليهم حملها في رحلاتهم التجارية، وكان منها:

١- سفينة النجاة. ٢- إرشاد المسلمين. ... ٣- الغاية والتقريب. ...

٤ -الياقوت النفيس. ... ... ٥- هداية الأطفال. ...

٦- المبادئ الفقهية. ٧- عمدة المالك وعدة الناسك، وغير ذلك ...

كما أنه في الرقائق والمواعظ، اعتمدوا على: تذكرة الواعظين، ودرة

الناصحين، والخطبة المنبرية لابن نباته [١٥] ، فاستطاعوا بذلك أن يضعوا حجر

الأساس للثقافة الإسلامية في أوغندا، الذي انطلق منه من بعدهم، فأخدت رقعة

الثقافة تتسع بكثرة طلابها، الذين وفدوا إلى مدارس هؤلاء الشيوخ لطلب العلم

والمعرفة.

والتحديات المواجهة للثقافة الإسلامية في كل مراحلها كثيرة ومتعددة، ولكنى

سأوجزها في نوعين:

١- التحديات الداخلية:

وأعني بها التي كانت من المسلمين أنفسهم، وعلى رأسهم علماؤهم الأوائل،

فإنه على الرغم من جهودهم المشكورة، وفضلهم الكبير في نشر الإسلام في ربوع

أوغندا، إلا أنهم اصطحبوا بعض الكتب الخطيرة، التي تحتوي على البدع

والخرافات، وعلموها أبناء الإسلام الجدد، فتصور هؤلاء أن هذه الكتب من جملة

المصادر التي يُستقى منها الإسلام الصحيح، أضف إلى ذلك: أن وقع اللغة العربية

وهيبتها في نفوسهم لكونها لغة القرآن والسنة جعلهم يعتقدون أن كل ماكتب بالعربية

متصل بالقرآن، فهو إذن من الإسلام، وبالتالي: يجب توقيره واحترامه.

وهذه الكتب شكلت تحدياً كبيراً على عقيدة المسلمين الأوغنديين، وخاصة في

موضوعاتها الجوهرية، مثل:

(أ) الغلو في الرسول:

فإن المسلمين في أوغندا عرفوا نبيهم عبر الكتب التالية: كتاب المولد للبرزنجي، وهو كتاب يحتوي على قصص مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع الغلو في شخصيته مدحاً وثناءً، وقد أصبح هذا الكتاب معظماً جدّاً؛ حيث كانت تقرأ أبوابه في المناسبات الإسلامية، وكان كل مسلم يحرص على اقتنائه، حتى الذي لا يعرف منه إلا اسمه، واستمر هذا الوضع حتى في المرحلة التي تلت تلك المرحلة.

كتاب البردة، للبوصيرى، وهو كتاب صوفي، كان صاحبه من الغلاة في

الإطراء والمدح لرسول الله، حتى إن بعض مقالاته، تصل إلى الشرك بالله

(تعالى) ، وقد كان المسلمون يحفظونه عن ظهر غيب، ويتدارسونه كل ليلة جمعة، وفي رمضان كله.

(ب) علم السحر والتنجيم:

أما التنجيم فقد استقوه من كتاب الأباجاد، وأما السحر، فقد أخذوه من كتاب شمس المعارف، وكلاهما يحتويان على الضلال والشرك بالله، فإن الأخير ذكر في خاتمته إشارات تلزم البراءة من الله (تعالى) ورسوله، وتعظم الجن والشياطين [١٦] . وهذا يدل على أن الثقافة الإسلامية في تلك المرحلة كانت مهددة بالسقوط والانحطاط؛ لفقدان الأساس من العقيدة والتصور السليم لحقائق الوجود وطرق التعامل معها.

٢- التحديات الخارجية:

وأعني بها: التي واجهت الثقافة الإسلامية من قبل التيارات غير الإسلامية،

التي اكتسحت البلاد بشكل كبير، وكان على رأسها الاستعمار البريطاني؛ فقد

أصيبت الثقافة الإسلامية بنكسة كبيرة، عندما احتلت بريطانيا أوغندا سنة (٣٠٨

هـ ١٨٩٠م) ، وفرضت الحماية عليها سنة (١٣١٢هـ ١٨٩٤م) ، وحولتها إلى

مستعمرة تابعة لحكمها ونفوذها، وهذا الاحتلال اتخذ أسلوبيين من التحدي:

(أ) تعزيز البعثات التنصيرية: لقد عزز الاستعمار مواجهته للثقافة

الإسلامية بالبعثات التنصيرية التي تنافست في العمل على ارتداد الناس عن الإسلام، وعلى رأسهم الملك (موتيسا الأول) ؛ لأنها أدركت خطورة انتماء حاكم أعلى لدين

معين وخاصة الإسلام لأنه بذلك يمكنه الحيلولة دون اعتناق قومه أي دين آخر،

وفعلاً، تمكنت الإرساليتان البروتستانتية والكاثوليكية من تحويل الملك (موتيسا

الأول) عن مناصرة الإسلام وأهله، وذلك بإطلاق شائعات مختلفة، من بينها: أن

أتباعه المسلمين يكرهون إمامته في الصلاة، لأنه غير مختتن (وكان من عادات

الملوك عدم إراقة شيء من دمائهم، سواء بالختان أو بغيره) وأنه بذلك أخل بسنن

الإسلام وتعاليمه، فلما سمع الملك هذا الكلام استدعى مؤذنه ورئيس خدامه وسأله

عن ذلك، فردد على مسامعه: أنه وجميع المسلمين يكرهون الصلاة خلفه والأكل

معه؛ لأنه لم يتبع سنة الإسلام في الختان، وعلى الفور انزعج الملك بما صدر من

المؤذن، وأمر بمحاصرة المسلمين وأحرقهم أحياء في (نامغونغو) [١٧] ، وما أن

أحرق هؤلاء حتى أصبحت الثقافة الإسلامية، في غيابة الركود والجمود، إذ لم

يلتقطها أحد لينشرها في الأجيال الجديدة، إلا بعض من أنجاهم الله (تعالى) من فتنة

هذا الملك.

(ب) تشجيع المذاهب الهدامة، وتقديمها بديلاً عن الإسلام الصحيح:

كالقاديانية، والإسماعيلية، والبهائية وغيرها، فهذه المذاهب المنشقة عن الإسلام،

جاء بها الباكستانيون والبنغاليون والهنود، الذين استقدمتهم بريطانيا وكان أكثرهم

يحملون جنسية بريطانية لمد خطوط السكك الحديدية، وحيث إن بريطانيا كانت قد

احتلت بلادهم، فقد زاد توافدهم وهجرتهم إلى أوغندا، حتى استوطنوها، وزاولوا

التجارة فيها حتى فاقوا أقرانهم المواطنين [١٨] ، وبنوا مساجد ومدارس عرفت

بأسمائهم، فهؤلاء مهما أظهروا الإسلام، فإنهم يشوهونه بعقائدهم الفاسدة، وآرائهم

الباطلة، وتقديم بريطانيا لهم على المسلمين الحقيقيين، إنما يعني ذلك: التحدي

السافر للإسلام وتعكير صفو ثقافته وحضارته.

وللحديث صلة.


(١) انظر: حقائق تاريخية عن العرب والإسلام في إفريقيا الشرقية، لمحمد أحمد مشهور ص ٧٥.
(٢) مجلة كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز، العدد (٣) ١٣٩٧هـ، مقال بعنوان: أوغندا قبل الحماية، لسيد عبد المجيد بكر ص٦٧.
(٣) الأقليات المسلمة في إفريقيا: ج٢/ ١٢٨، ١٢٩.
(٤) الأقليات المسلمة في إفريقيا: ج٢/ ١٢٨، ١٢٩.
(٥) انظر: العالم الإسلامي اليوم، د عادل طه يونس، ص٤٨.
(٦) انظر: مجلة منار الإسلام، شعبان ١٤١٠هـ ٧.
(٧) انظر: الأقليات المسلمة في العالم، ج٢ ص٩٧١.
(٨) المصدر السابق، ص١١.
(٩) مجلة العلوم الاجتماعية العدد (٦) ، ص٢١، ٢٣.
(١٠) مجلة العلوم الاجتماعية العدد (٦) ، ص٢١، ٢٣.
(١١) مجلة العلوم الاجتماعية العدد (٦) ، ص٢١، ٢٣.
(١٢) مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا، ص٢١، ٢٥-٣٠.
(١٣) مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا، ص٢١، ٢٥-٣٠.
(١٤) مواطن الشعوب الإسلامية في إفريقيا، ص٢١، ٢٥-٣٠.
(١٥) مظاهر الانحراف في توحيد العبادة، ص١٠، ١١.
(١٦) مظاهر الانحراف في توحيد العبادة، ص١٠، ١١.
(١٧) الدفاع عن أراضي المسلمين من أهم فروض الأعيان، ص٩٢.
(١٨) الأقليات المسلمة في إفريقيا، ج٢/١٣٣.