للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

افتتاحية العدد

العدد المئوي..

[هذه مجلة البيان وهذه أهدافها]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله

وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:

لا نأتي بجديد إذا أكدنا على أهمية الإعلام من حيث أهدافه وتأثيره في

المجتمعات، وتغييره لكثير من الوقائع والأحداث، إذا استمر في أداء رسالته

المنوطة به، حتى صار من أحدث مسميات منظريه (المتلاعبون بالعقول) ؛ ولذا:

نجد الإعلام في كثير من البلدان يستطيع أن يغير اتجاهات، ويروج لنظريات أو

يهدمها، وأن يصعد بقوى معينة ويهبط بأخرى، وما ذلك إلا لقوة تأثيره على

اتجاهات الناس، وبالتالي: استطاعته تغيير موازين القوى السياسية (الداخلية

والخارجية) .

غير أن الإسلاميين لم يتح لهم توظيفاً مثمراً ومؤثراً للوسائل الإعلامية من

مسموعة ومرئية خدمةً للأهداف الدعوية وإنماءً لوعي الأمة وإصلاحاً لأمرها،

لأسباب داخلية، مثل: ندرة الكوادر المتخصصة، وضيق ذات اليد عن التمويل،

ويسر وسائل: الخطابة، والمحاضرة، والشريط ... فضلاً عن وجود أسباب

خارجية، منها:

١- أن الفئات الإعلامية العلمانية لا ترى في الإعلام رسالة وعقيدة أو أسلوب

دعوة وتوجيه، إنما هو في منظورها دعاية لها ولمنطلقاتها.

٢- الأخذ بالمنهج الليبرالي (أحادي التطبيق) الذي يتيح الحرية التامة لكل

التوجهات الفكرية أنّى كانت، عدا التوجهات الإسلامية التي لا يرون فيها ادعاءً

سوى أنها إرهاب وتطرف.

٣- الاتجاه الاستهلاكي لكل ما تنتجه الدول من أفلام وبرامج تقوم على

الترفيه المسف وإشاعة الفاحشة (مكر الليل والنهار) .

وتلك الوسائل الإعلامية بأساليبها المختلفة تواصل أداء أدوارها المرسومة

لتضليل الأمة، وإضعاف انتمائها لعقيدتها ومنهجها الإسلامي، والْفت في عضد أي

توجه إسلامي جديد.

ولما قام نفر من المفكرين والدعاة إلى الله بالمطالبة بإعادة النظر في الوسائل

الدعوية وأهمية الارتقاء بأساليبها في الدعوة والتوجيه ... لم يكن أمامهم سوى

أسلوب واحد هو (الإعلام المقروء) عبر الصحف والمجلات، التي ما زالت تؤدي

دورها المحدود، لكن: بتأثير دون تأثير الوسائل الأخرى بدرجات.

فحتى متى لا يتنبه الإسلاميون لرسالة الإعلام الخطيرة، وحتى متى لا

يستغلونه للدعوة الراشدة لمبادئ الإسلام؟ ! ، إن الأمة الإسلامية تملك أعظم منهاج

عرفته البشرية بمختلف مللها ونحلها، فهل نستطيع تبليغ رسالته إلى العالم أجمع؟ ! وهل نحسن استخدام وسائل الإعلام بتقنياته المختلفة لعرض العقيدة الإسلامية

عرضاً مناسباً، يعالج حالة القلق والضياع الذي تعيشه الأمم؟ !

إننا في مجلة (البيان) منذ صدورها عام ١٤٠٦هـ الموافق ١٩٨٦م؛ لتكون

صوتاً من أصوات أهل السنة، ولساناً معبراً عن الإسلام باعتباره الرسالة الخاتمة،

ولتخاطب الناس كافة، ولتكون بياناً يتضمن توضيح الأهداف والغايات التي يتطلع

إليها المخلصون من أبناء هذه الأمة، ولتساعد في البحث عن الوسائل المشروعة

التي تخدم العمل الإسلامي، مع الدعوة إلى اجتماع جهود الدعاة إلى الله على المنهج

السلفي الرشيد، والبعد عن الحزبية والإقليمية.. ما زلنا على هذا الدرب،

مستعينين في ذلك بالله، ثم بمشاركات نخبة من العلماء والدعاة والمفكرين المشهود

لهم بسلامة العقيدة، والسابقة في الدعوة، والإلمام بواقع الأمة وما يتناوشها من

مؤامرات، رغبة في ترشيد الدعوة إلى الله لتؤدي رسالتها على الوجه المطلوب.

إننا بهذا العدد نكون قد أنهينا العقد الأول من عمر المجلة، وما كنا نتوقع أن

نصل إلى هذا الإنجاز الذي وصلنا إليه، فعلى الرغم من ضعف الإمكانات، وكثرة

العقبات والمصاعب، وقلة الخبرات، وندرة القدرات الإعلامية، إلا أننا بفضل الله

وتوفيقه استطعنا فيما نحسب أن نشق طريقنا بكل ثبات، مستعينين بالله (تعالى) ،

سائلينه التوفيق والتسديد.

لقد سارت (البيان) بتوفيق الله مؤدية دورها على هدي من كتاب الله وسنة

رسوله، والتمسك بمنهج سلفنا الصالح من أهل السنة والجماعة، وها نحن نصل

بعون الله إلى العدد (المئوي) راجين العون والسداد من الله (تعالى) ، وما زالت

رسائل القراء والمتابعين تغمرنا يوميًّا بالثناء والتقدير والتوجيه والنصح والمتابعة

مما يطالعه القراء الكرام على صفحات هذه المجلة.

وإننا نؤكد كثيراً على أننا في حاجة ماسة للنقد الهادف، والتقويم البنّاء، الذي

يعيننا ويأخذ بأيدينا إلى الصواب، ولدينا طموح كبير، وتطلع وثاب إلى المزيد من

الإنجاز والنجاح، ولن يكون ذلك إلا بتوفيق الله (تعالى) ، ثم بتعاون قرائنا الأعزاء

معنا في أداء هذه الرسالة.

ولا شك أن مهمة العمل الصحفي شاقة، وأداء الدور المطلوب فيه معاناة لا

يعرفها إلا من كابدها؛ لأن الممارسة الكتابية لا سيما الفكرية والدعوية منها من أشق

أنواع الكتابة وأصعبها، وبخاصة مع الظروف التي تحيط بأمتنا وسط أجواء

موبوءة تضخم من أخطاء التيار الإسلامي إن وجدت، وتحاول محاصرته بكل

الوسائل، بغض النظر عن مدى شرعيتها أو زيفها.

لكن أصحاب (رسالة الحق) لن يعدموا بإذن الله الأساليب الصحيحة والطرق

الموضوعية لإيصال ما يؤمنون به من مبادئ إلى أفراد الأمة ممن لم تعد تنطلي

عليهم الحرب المعلنة ضد الإسلام ودعاته ممن يعتبرونهم مصدر البلاء، والفتن! .

وفي الوقت نفسه يتناسون ويغضون الطرف عن الإرهاب المؤسسي

والإرهاب الدولي الذي تعقد له الاجتماعات، وتنظم له المؤتمرات، وتتطرق له

وسائل الإعلام ليل نهار، لكن ذلك كله لن يفلح بإذن الله مهما كانت الوسائل في

تحقيق أهدافهم المشبوهة، بل ستزيد المسلمين بإذن الله إيماناً وتمسكاً بدينهم،

وتجعل الدعاة إلى الله أكثر إيماناً بدعوتهم، وأكثر يقيناً بصدق توجههم الذي

يتقربون إلى الله بأدائه.

إننا في مجلة (البيان) لا ندعي لذواتنا العصمة، ولا نزكي أنفسنا (معاذ الله) ،

لكننا نعمل جاهدين في إيصال رسالة ديننا الحنيف للناس كافة، مع الاتباع لسنة

الهادي الأمين، ووفقاً لمنهج وفهم سلفنا الصالح (رضي الله عنهم أجمعين) ،

ونحرص على أن نسلط الأضواء على واقع أمتنا، وكشف ما يخطط ضدها،

ونعمل جاهدين لتقويم خطوات العمل الدعوي، رغبة في الوصول به إلى شاطئ

الأمان، وتلافي أي أخطاء قد تحصل مما ينعكس سلباً على الدعوة بعامة والدعاة

بخاصة، ومن هذا المنطلق: فقد حاولنا أن يكون هذا العدد (المئوي) متميزاً.

وقد حرصنا أن يحتوي على مشاركات لنفر من الكتاب، بدراسات وأبحاث

ومتابعات تشبع نهم القارئ من كل نافع ومفيد، وسنقدم إن شاء الله ملفات دورية

لمعالجة كثير من الجوانب المعاشة في واقعنا المعاصر، يشارك في عرضها

وتقويمها بعض من الفعاليات العلمية والعملية، ونبدأ في هذا العدد بالملف الأول،

وهو دراسات وتحليلات موسعة لبعض المختصين في حوار حول الصحوة

الإسلامية، وتقويم دورها، الذي نتوقع أن يكون مجالاً خصباً للحوار البناء لكل

المهتمين.

ونأمل أن يتواصل العلماء والمفكرون والدعاة في الإسهام بآرائهم وطروحاتهم

معنا فيما نطرحه للحوار حول مثل هذه المسائل الملحة.

إن الكلمة أمانة، وهي مسؤولية كل مسلم مهما كان موقعه، وتتضخم هذه

المسؤولية بخاصة على العلماء والدعاة والمفكرين وطلاب العلم [رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا

وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ] [الأعراف: ٨٩] .