للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الأوضاع المعيشية في قطاع غزة..

بين الأمس واليوم

بقلم:عصام يوسف

يبلغ عدد سكان قطاع غزة قرابة مليون نسمة، معظمهم من اللاجئين الذين

هاجروا من ديارهم نتيجة لحرب عام ١٩٤٨م، حيث نسبة اللاجئين حوالي ٧٥%

من إجمالي عدد السكان، ويعيش معظم سكان القطاع في ظروف اجتماعية

واقتصادية بالغة القسوة، لدرجة أن بعض الخبراء الأجانب الذين زاروا القطاع

أثناء فترة الانتفاضة يصرحون: بأن قطاع غزة هو أفقر منطقة في العالم.

ومنذ عام ١٩٦٧م (وهو تاريخ الاحتلال الاسرائيلي) عانى قطاع غزة من

ويلات الاحتلال ونكباته على جميع الأصعدة والمستويات، بما في ذلك المستوى

الاجتماعي والاقتصادي، ولكن أبناء القطاع الذين أغلبهم من اللاجئين والذين لا

يملكون الأرض أو الأموال، وجدوا في العمل في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨م

فرصة لكسب قوت يومهم وإعالة أسرهم، حيث بلغ عدد العمال من أبناء قطاع غزة

الذين يعملون لدى (مشغلين اسرائيليين) قبل قيام الانتفاضة حوالي ثمانين ألف عامل، وقد كان هؤلاء العمال يعملون في الأعمال الشاقة التي لا يقوم بها اليهود، (خاصة

أعمال البناء والزراعة) ، ولكن الحاجة إلى كسب لقمة العيش دعت هؤلاء العمال

إلى تحمل كل المصاعب في سبيل الحصول على فرصة عمل يرتزقون منها.

ومع قيام الانتفاضة الفلسطينية، وتكرار مرات حظر التجول لفترات طويلة

واعتقال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني: بدأ عدد هؤلاء العمال يقل تدريجيًّا،

حيث انخفض عددهم بشكل كبير جدًّا بعدما بدأت (إسرائيل) في تطبيق سياسة

إغلاق الأراضي المحتلة واشتراطها الحصول على عدد من التصاريح كي تسمح

للعامل بالدخول إليها؛ مما أدى إلى رفع نسبة البطالة بشكل كبير جدًّا، حتى إنها

بلغت في قطاع غزة في عام ١٩٩٢م حوالي ٥٠% من مجموع قوة العمل.

وبعد توقيع اتفاق السلام بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير استبشر الكثير من

السكان بالخير وبقرب حل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها مشكلة

البطالة وانخفاض مستوى الدخل، وادعى بعضهم أن هذا الحل السلمي هو في

الأساس حل اقتصادي، سوف ينتعش الناس معه اقتصاديًّا وأن البطالة سوف تختفي

من قطاع غزة.

وقد قام بعض الاقتصاديين الذين يناصرون الاتفاق السلمي بإجراء بحوث على

حجم العمالة العاطلة عن العمل وتوزيعها على قطاعات العمل التي سيتم البدء بها

فور استلام السلطة الفلسطينية لمقاليد الحكم في قطاع غزة، ولكن مع استلام السلطة

الفلسطينية مقاليد الحكم تبددت أحلام الكثيرين ممن كانوا يحلمون بالحصول على

أعمال، ويأملون في القضاء على البطالة في قطاع غزة: فعلى أرض الواقع جاءت

النتائج مخالفة لمعظم التوقعات، وكان أول أمر قامت به (إسرائيل) هو: تخفيض

عدد العمال العرب من قطاع غزة بشكل كبير؛ حيث لا يوجد الآن سوى قرابة

عشرين ألف عامل فقط يعملون داخل الخط الأخضر؛ مما رفع نسبة البطالة إلى

٧٥%، وقد أدى ذلك إلى زيادة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لسكان قطاع

غزة، وأصبح الكثير من أبناء القطاع يعيشون تحت خط الفقر، وأصبح أكثر

العائلات بلا مصدر رزق، سوى القليل الذي تتلقاه من الجمعيات والمؤسسات

الخيرية.

وقد استلمت السلطة الفلسطينية قطاع غزة وبنيته التحتية مدمرة، وليس فيه

مشاريع استثمارية سوى القليل جدًّا، وبحجم صغير لا يؤثر في اقتصاديات القطاع، ولم تقم السلطة بأي مشروع استثماري من شأنه التخفيف من معاناة أبناء القطاع،

حتى مشروع ميناء غزة الذي تغنى به الكثيرون وبآثاره الاقتصادية، لم يخرج عن

كونه حبراً على ورق حتى الآن.

ومع قدوم آلاف الأسر من الخارج واستقرارها في قطاع غزة ذي الإمكانات

المحدودة: ارتفعت الأسعار بشكل قياسي؛ نظراً لقلة الموارد وضعفها؛ مما زاد من

حدة المشكلة الاقتصادية ومن معاناة سكان القطاع، حتى إنه أصبح ظاهرة مألوفة:

أن ترى الأطفال يبحثون في مجمعات القمامة عما يأكلونه!

وقد قامت السلطة الفلسطينية بتشغيل حوالي خمسة آلاف مواطن في دوائر

السلطة المختلفة بخاصة في جهاز الشرطة والأمن الوطني، ولكن هذا الرقم نظراً

لضآلته (إذ لا يتعدى ٣% من حجم القوى العاملة في القطاع) لم يخفف من نسبة

البطالة التي ارتفعت بشكل ملحوظ، بجانب عودة الآلاف من أبناء القطاع من دول

الخليج بعد الاستغناء عن خدماتهم؛ الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة البطالة، ولا

زال أبناء القطاع يعودون من دول الخليج ودول المغرب العربي، مما يعني فقدان

القطاع لمصدر من مصادر الدخل، حيث إن الكثير من عائلات القطاع تعتمد على

تحويلات أبنائها العاملين في الخارج، أما الآن فقد اصبحوا عاطلين عن العمل،

وأصبح من الطبيعي أن يتدفق الآلاف من أبناء القطاع على أبواب مكاتب الشؤون

الاجتماعية التابعة لوكالة الغوث الدولية، ولكن الوكالة التي تُقَلّص خدماتها

باستمرار لا توفر إلا بعض المساعدات المتفرقة والمحدودة وللحالات البالغة

الصعوبة فقط.

كل هذا بالاضافة إلى آلاف الأسر التي فقدت عائلها بسبب القتل أو الإصابة

بشكل بالغ يعجزه عن العمل، مما يجعل هذه الأسر ليس فقط تحت خط الفقر، بل

ليس لديها من مقومات الحياة إلا ما تقدمه لها بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية

من صدقات ومساعدات لا تأخذ طابع الاستمرار.

وببساطة يمكن القول بأن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها سكان قطاع غزة

هي أوضاع مأساوية بكل المقاييس والمعايير، وليس من المتوقع في القريب العاجل

أن تتغير هذه الأوضاع، إن لم تزدد سوءاً.

وفيما يلي بعض الإحصاءات عن البطالة ومستوى الدخل في قطاع غزة خلال

السنوات الماضية.

لقد خرجت قوات الإحتلال وقطاع غزة تحت حكم ذاتي بإدارة سلطة وطنية

فلسطينية، ولكن اقتصاده لا يزال مرهوناً بأسرائيل فلا يستطيع أحد أن يغادر

القطاع إلا بموافقة إسرائيل، ولا تزال الضرائب الجنونية مفروضة مما يترتب

على ذلك انخفاض حاد في مستوى المعيشة وزيادة نسبة الفقر والبؤس والمعاناة

ويظهر ذلك في المظاهر التالية:

١- ارتفاع حاد في الأسعار وتدني الأجور حتى أصبحت الأسعار عندنا أغلى

منطقة في العالم ومثال ذلك، كيلو لحمة الخروف عندنا (١١) دولاراً ولذلك لا يأكله

غالبية الناس إلا في عيد الأضحى، ويأكل الناس لحوم الأبقار حيث إن سعرها ... ... (٥ ر ٧) دولاراً، سعر الكيلو من السكر (٧ ر٢) دولاراً، سعر الكيلو من الفاصوليا (٢) دولار، سعر شوال الدقيق وزن (٦٠) كيلو (٢٦) دولاراً.

٢- ارتفاع نسبة البطالة وتعادل ٥٠% حيث كان يعمل في اسرائيل ... ... ٠٠٠ر ١٠٠ (مائة الف) عامل لا يسمح الآن بالعمل إلا لـ (٠٠٠ر٣٥)

عامل، واستوعبت السلطة الفلسطينية (٠٠٠ر١٥) عامل، ويبقى (٠٠٠ر٥٠) عامل بدون عمل، ولا توجد عندنا مصادر للعمل.

٣- ضرب الاقتصاد الزراعي حيث كان يعتمد المزارع على تصدير

المنتجات الزراعية وبذلك يوفر فرص العمل، ولكن اسرائيل منعت التصدير؛ مما

ترتب على ذلك خسائر فادحة للمزارعين، مما اضطر المزارع إلى عدم زراعة

أرضه حتى لا يخسر.

٤- لا توجد في قطاع غزة أي مصادر طبيعية للدخل، والصناعة عبارة:

عن صناعات بسيطة بالكاد تكاد تستوعب المئات من العمال، والإقتصاد الزراعي

محطم.

٥- نسبة ٦٠% من السكان لاجئون أي: إنهم لا يملكون إلا البيت أو الكوخ

الذي يعيشون فيه، فإذا وجد الواحد منهم عملاً أطعم أبناءه، وإذا لم يجد عمل،

عاش على الصدقات والمساعدات وإن كان شاباً في الثلاثين من عمره.

سياسة الاغلاق وتأثيرها على الضفة والقطاع

إن استمرار مسلسل الإغلاق حسب أهواء وأمزجة القيادة في اسرائيل الذي

يتحكم في قوت وعيش مئات الألوف من الفلسطينين، مما يؤثر على العديد من

المجالات الحيوية وبالدرجة الأولى الاقتصادية، حيث إن الاقتصاد الفلسطيني

مرتبط ارتباطاً شبه كامل بالاقتصاد الاسرائيلي. وإن سياسة الإغلاق المتكرر التي

تعلنها السلطان الإسرائيلية بمنع العمال الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي ٥٠ ألف

عامل من الضفة الغربية و٢٠ ألف عامل من قطاع غزة من مزاولة أعمالهم في

اسرائيل مما يؤدي إلى انخفاض الدخل القومي الفلسطيني بشكل عام في المنطقة

وبشكل خاص وواضح بالنسبة للعمال أنفسهم وأسرهم؛ مما يشكل خسائر اقتصادية

كبيرة للضفة والقطاع تبلغ حوالي ١٠٠ مليون دولار سنوياً في مختلف المجالات.

ومن ناحية أخرى فإن تجار وصناع الضفة الغربية والقطاع يعتمدون بشكل

كامل على اسرائيل في شراء المواد الأساسية والخامات الأولية اللازمة للصناعة،

وإن استمرار سياسة الإغلاق يؤثر على الحركة الصناعية والتجارية؛ مما يؤدي

إلى عواقب وأضرار اقتصادية فادحة.

وللتعليم حصة من الأضرار الكبيرة التي يسببها الإغلاق، تتمثل في وجود

المئات من طلبة قطاع غزة يمنعهم استمرار الطوق الأمني من التحاقهم بكلياتهم

وجامعاتهم الموجودة في الضفة والقدس، حيث يفوت عليهم الكثير من التحصيل

العلمي أو تأخير سنوات التخرج بالنسبة لهم لعدم تمكنهم من مواصلة تعليمهم في

الفترة المقررة لدراستهم.

كما أن العديد من المدارس التابعة لوكالة الغوث وغيرها في القدس يتهددها

خطر التخلف الدراسي بسبب عدم تمكن المدرسين والطلبة من الوصول لأماكن

الدراسة لأن غالبية المدرسين هم من سكان الضفة الغربية الذين يحول الأغلاق دون

وصولهم لأماكن عملهم، الأمر الذي يهدد المؤسسات التعليمية بالقدس.

ومن التأثيرات الخطيرة التي أوجدها الإغلاق وتستدعي اهتماماً مميزاً:

ظروف المرضى، حيث يوجد في قطاع غزة والضفة الغربية العديد من الحالات

المرضية التي تدهورت أوضاعها الصحية لعدم إمكانية الدخول إلى مستشفيات

القدس الطبية وغرف العمليات المتطورة؛ فإنه لا سبيل إلا في المستشفيات

الإسرائيلية الأمر الذي يهدد حياة الكثير من المرضى، مما يتطلب من السلطات

إعادة النظر في شأنهم واستثناءهم من تلك القرارات المتكررة بالإغلاق.

وأخيراً فلا بد من الإشارة إلى التأثيرات الخطيرة على السكان الفلسطينيين في

الضفة والقطاع وهي: ظاهرة ارتفاع الأسعار بشكل حاد وعلى سبيل المثال ما

وصلت إليه أسعار الخضروات والفواكه من ارتفاع شديد بشكل يصعب معه على

أصحاب الدخل المحدود كالموظفين والعمال تحملها، والأمر أصبح لا يطاق لعدم

توافر الإمكانات المادية لدى هذه الشريحة من المجمتع، خاصة أنه كلما ازدادت أيام

الطوق الأمني ازدادت الأسعار ارتفاعاً تبعاً لذلك.

لقد كان ذلك الاستعراض لحلقة من حلقات معاناة ذلك الشعب، الذي طالت

معاناته نوعاً من التجاوب ومقتضى من مقتضيات الولاء الذي ندعو الله أن يكون له

صدى في نفس كل مسلم.

ومما يجب أن يلفت النظر إليه أن المقال يصور واقع حال شعب قطاع غزة

والعوامل التي تؤثر وتزيد في معاناته وليس معنى ذلك أنه يُرغّب في التجاوب مع

الضغوط الإسرائلية التي تمارس ضد هذا الشعب فور كل عملية مقاومة تحدث في

فلسطين، حيث إن الشعوب لا تحصل على حريتها وعزتها إلا بدفع الثمن الغالي

والمسلمون تأسيساً وانطلاقاً من تعاليم دينهم يتفهمون ويقدرون البذل والتضحية

والصبر في سبيل الله، (والصبر ليس له جزاء إلا الجنة) .

فهل من التفاتة نحو هذا الشعب في معاناته ومحنه المتوالية؟ وإلى متى

السكوت والتخاذل عن نصرتهم والاهتمام بشؤونهم ومدّ يد العون لهم؟ .