للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

أوضاع اللاجئين الشيشان

مشاهد مأساوية من الداخل

تقرير ميداني [*]

تمهيد:

انطلاقاً من المقولة المأثورة (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) فقد تابعت (البيان) تاريخ وواقع وجهاد الشعب الشيشاني في كثير من المقالات، وما زلنا نرى أن هذا الشعب المسلم من الشعوب الإسلامية التي نالت الإهمال والتعتيم على ما أصابها من الهمجية الروسية التي ما زالت تسوم هذا الشعب سوء العذاب، وتحاول إيجاد أذناب لها ممن ينتسبون لهذا الشعب المجاهد، ولكن المجاهدين الشيشان لقنوا الجيش الروسي ضربات موجعة جعلت الروس يتنازلون عن كبريائهم بطلب المفاوضات معهم.

وهذا المقال تصوير لواقع ذلك الشعب من نواح متعددة رأى العين لعلها توقظ

وتنبه كثيراً من المسلمين الذين ما زالوا يعتقدون أن الحرب في الشيشان مسألة داخلية، كما يزعم الروس الذين ضربوا بحقوق الإنسان عرض الحائط في تعاملهم الهمجي، الذي يندى له الجبين مع صمت الغرب المطبق، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، والله المستعان.

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... - البيان -

في البداية نتساءل:

من هو الإنسان؟ نعم من هو الإنسان ... قد يبدو هذا السؤال غريباً! لكن

الأحداث المتتاليه التي نعيشها تجعل هذا السؤال يقفز إلى الواجهة؛ بسبب أن العالم

الغربي كثيراً ما يرفع هذا الشعار (حقوق الإنسان) والتصدي للإرهارب في ...

مناسبات، ويدوس على هذا الشعار في مناسبات أخرى يُنتهك فيها حق الإنسان

بصوره أكثر بشاعة، فمن ناحيه يرفع بقوة شعار محاربة الإرهاب عندما تقتل

مجموعة من اليهود، حتى ولو كانوا عسكريين، ويساند قيام اليهود بقتل المئات من

المدنيين من النساء والأطفال ... ، وبينما توفر الحماية لأكراد العراق ضد عنف

وظلم النظام البعثي، فإن الغرب يساند محاولة تركيا القضاء على ضرب حزب

العمال الكردستاني، مع العلم أن ممارسات الجيش التركي تشبه إلى حد كبير

ممارسات الجيش العراقي السابقة.

وفي حين تضخم قضية قمع الجيش الصيني للطلاب في بكين أو إعدام

نيجيريا لمجموعة من المعارضين المحسوبين على الغرب، فإننا لم نسمع عن

حقوق الإنسان المنتهكه في كشمير أو في الشيشان أو في جنوب الفلبين.

والذي يبدو أن الإنسان في عرف الغرب هو:

أولاً: اليهودي، ثم النصراني الغربي، ثم نصارى العالم الثالث، وأخيراً

عملاء الغرب في الدول الأخرى. أما المسلم فيبدو أنه لا يدخل ضمن تعريف

الإنسان وخير شاهد على ذلك ما جرى ويجري للشعب الشيشاني المسلم في عملية

إباده وتصفيه جسديه مع تدمير منظم للمدن والقرى.

- الأوضاع الأمنية:

الحقيقية: أن المرء يعجز عن تصوير المآسي التي أحدثتها القوات الروسية

المعتدية، فالطائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة جدّاً، فلا ترى شيئاً إلا دمّرته، حتى لم يعُد هناك أي صورة تُذكر من صور الحياة الطبيعية، فقد هدمت محطات

الكهرباء والمياه والغاز، ووسائل الاتصالات كافة، حتى أصبحت هذه البلاد

مقطوعة عن العالم. وأصبح المسلمون في الشيشان يعيشون في هذه الحالة القاسية؛

فما أن تسير شبراً حتى تتابع أمامك المآسي والجراح، فالبيوت كلها تحوّلت إلى

أنقاض، والشوارع عجت بأشلاء البشر المتناثرة في كل ركن، فهنا يد طفل بريء

ملقاة على صخرة، وجمجمة شيخ مُسن ألقتها قذيفة هناك، أمّا الطرقات فقد تلطخت

بدماء عشرات القتلى، وكأن كل شيء أصبح في ديارهم أحمر اللون.

ومع ذلك فالشيشانيون في حالة استنفار دائم، كل شاب وشيخ حمل ما حصل

عليه من السلاح، وتوجّه إلى المراكز، ومن ثمّ: إلى حيث توجد القوات الروسية

للانتقام.. هذه صورة أقل من مختصرة عن واقع الحال داخل الشيشان.

- أوضاع السكان بالداخل:

أما أحوال الشيشان المعيشية فلست أدري كيف أصفها أو أقربها، فالحروب

التي تهز ميزانيات دول عظمى تكوي اليوم شعباً فقيراً محاصراً من كل مكان،

فالأهالي ما زالوا يعتمدون بعد الله في معيشتهم على ما كانوا يدخرونه من قبل، ولا

يوجد غيره، أما الجو: فمع أن الثلوج قليلة لكن البرد شديد جدّاً، لا يكاد يحتمل،

ومصادر التدفئة أصبحت الحطب، ومن يستطيع جلبه في ظل هذه الحرب العدوانية؟

- أوضاع اللاجئين الشيشان:

وضع المهاجرين في الشيشان على حالتين:

المهاجرون خارج الشيشان: فهناك مهاجرون في داغستان، وقد توزعوا على

منطقتين حدوديتين مع الشيشان:

١ - منطقة (خساريون) وعدد المهاجرين في هذه المنطقة (٠٠٠ر٥٠) مهاجر يعيش معظمهم في البيوت، (بنسبة ٩٥%) مع الأسر الشيشانية هناك، ويلاقون

ضيافة كريمة من إخوانهم المسلمين هناك، والباقون يسكنون في المدارس.

٢ - منطقة (كزليار) وعدد المهاجرين في هذه المنطقة (٢٠. ٠٠٠) مهاجر،

علماً بأن ٨٠% من المهاجرين، في هاتين المنطقتين من الأطفال (٤٠% منهم

رضع) .

وهناك مهاجرون في الجمهورية الصغيرة المجاورة (أنقوشيا) ، ويقدر عددهم

بـ (١٣٠. ٠٠٠) مهاجر، وهذه إحصائيات تقريبية؛ لأن جميع وسائل

الاتصالات والمواصلات مقطوعة مع هذه الجمهورية.

- الأوضاع الصحية:

أما بالنسبة لأحوال المستشفيات فمعظمها يعمل في مداواة الجرحى والمصابين، أما مستشفيات الأمراض الأخرى: فلم يعد في هذه الظروف يتذكرها أحد؛ فمئات

الجرحى يَرِدون يوميّاً على مستشفيات الشيشان، وهذا أمر مكلف جدّاً. ولا يوجد

في المستشفيات حتى أقل الإمكانات الطبية، فالفرش قد كسيت بالدماء، إذ لا وقت

لعمليات التطهير والتعقيم والتغيير، وينام المرضى على أسرة مكسرة وممزقة

الفرش، أما أدوات الجراحة والعمليات، فلا يتوفر منها سوى القليل من المخزون

القديم، وكذلك الأدوات الطبية الضرورية كالشاش والقطن.

- أوضاع الدعوة:

أما حال الإسلام والدعوة في الشيشان اليوم، كحال أي بلد مسلم حكمته

الشيوعية الحمراء زهاء سبعين سنة من الظلم والجبروت والإذلال؛ فالناس بعامة

في غفلة عن الإسلام وعن تعلم شرائعه السمحة، شأنهم في ذلك شأن كثير من

البلدان الإسلامية.

ومعظم الشباب قد أبعدتهم الشيوعية الحمراء عن تعاليم دينهم الصحيحة، وفي

الوقت نفسه نشطت الصوفية البعيدة عن تعاليم الإسلام الصحيحة في الشيشان،

وانتشرت بواسطتها البدع.

ولكن هناك بعض الطلاب سواء من العرب أو من الشيشان المهاجرين قديماً

إلى البلاد العربية لهم جهود طيبة في الدعوة، وقد أنشئ مركز إسلامي في

(جروزني) ، وقد لمس كاتب هذه السطور من إخواننا الشيشانين رغبتهم الشديدة في

العودة إلى الإسلام، وحرصهم في البحث عن مسائل العقيدة، وهناك مسائل فقهية

كثيرة يستفسرون عن حكمها.

وهذه فرصة عظيمة، وبوابة مفتوحة للدعوة. ومن العوامل المساعدة لعودتهم

إلى الله كثرة مشاهدة الجنائز والقتلى، وتذكر المصير الحتمي، فهم الآن بحاجة

ماسة إلى دعم دعوي شديد؛ لتأصيل العقيدة الصحيحة في النفوس من خلال

الكتيبات والأشرطة وما شابه ذلك، وعندهم الاستعداد للتقبل، فهم إذا سمعوا بسنة

يعملون بها، والمرأة عندما تعرف ما يجب من الحجاب تطلب الحجاب الكامل، هم

يتلهفون على المصاحف بكل شوق ... وهذه صورة مختصرة في هذا المجال

الدعوي.

- بعض المشاهد داخل الشيشان:

امرأة تحكي ما رأت في (جروزني) ، وأنها شاهدت بنفسها طفلا لايتعدى

العاشرة من عمره ممدداً على الأرض بعد أن قطع الجنود الروس أطرافه الأربعة.

قصفت الطائرات الروسية قسم الولادة في مستشفى المدينة، مما أدى إلى

مقتل غالبية الأطفال حديثي الولادة الذين كان يضمهم المستشفى.

عشرات من الفتيات والنساء يتعرضن للاغتصاب من الجنود الروس.

رجل مقتول يدعي (أيوب) يبلغ من العمر (٤٢) عاماً: تعرض للاغتصاب!

من قبل الجنود الروس أمام أبنائه، ثم قُتل بعد الجريمة.

دخلت مجموعة من الجنود على بيت فيه عجوز وشيخ وأبناؤهما، ثم أمروا

الشيخ والشيخة أن يخلعا ملابسهما ويمارسا الجماع أمام الجميع وعندما رفضا:

اغتصبوا الشيخ، وقتلوا الجميع.

بعد هذا الاستعراض السريع لأحوال المسلمين في الشيشان، والأحوال التي

رأيتها وعايشتها في أرض الواقع، وبعد أن عرضنا جزءاً يسيراً من حالة المسلمين

في تلك الديار، ذلك الحال الذي يتعسر على الكلمات وصفه! بقي السؤال: ماذا

عسانا أن نفعل بعد هذا البيان؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

- أحسن الله عزاءكم وعزاءنا يا أهل الشيشان.

والمجلة ماثله للطبع وردت الأخبار مؤكدة ما أشيع عن العملية الدنيئة باغتيال

الرئيس (جوهر داوديف) ولقد سبق للبيان أن تطرقت في العدد (٨٤) لحياة الفقيد

ومواقفه وإصراره على تحرير بلاده من الاحتلال الروسي، ولماذا حاول الروس

إسقاطه واستراتجيتهم التي نفذوها في ذلك، ووقفة مع حماسه الإسلامي وآماله

الكبيره بحكم الإسلام بعد عقود من الحكم الروسي البغيض، والبيان ترجو أن يكون

في هذا الحدث الجلل ما يجمع الشمل ويوحد الصف ويجدد العزم على تحقيق آمال

هذا الشعب إن شاء الله.

... ... رحم الله الفقيد وعفا عنا وعنه وغفر لنا وله.


(*) مندوب لجنة شباب الجمهوريات الإسلامية وروسيا الاتحادية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي ونرغب من الأخوة في الندوة العالمية مواصلة المجلة بمثل هذه التقارير الميدانية المهمة.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... -البيان-