للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قراءة في كتاب

الصحافة النسائية في الوطن العربي

تأليف: د. إسماعيل إبراهيم

عرض: د. مالك الأحمد

المرأة صانعة حضارة، دورها على مر العصور يسجله التاريخ بحروف من

نور، فهي أم الأنبياء والرسل، ومربية الأجيال، تدين لها البشرية بالفضل الكبير، عرف لها الإسلام هذه المكانة.. فكرمها القرآن الكريم، وأنزلها منزلة رفيعة ...

كما شهدت عصور الإسلام الزاهرة نساء خالدات رائدات في سائر ميادين العلم

والمعرفة) .

هكذا بدأ الكاتب مقدمة كتابه الذي صدرت منه الطبعة الأولى عن الدار الدولية

للنشر والتوزيع (مصر) عام (١٤١٦هـ) / (١٩٩٦م) ، ويعتبر الكتاب أول دراسة

شاملة عن الصحافة النسائية في الوطن العربي، حاصرةً للمجلات النسائية منذ بدء

ظهورها عام ١٨٩٢م حتى نهاية ١٩٩٤م.

وقد قسم المؤلف كتابه إلى بابين رئيسين: الأول بعنوان: مجلات المرأة

والأسرة في الوطن العربي - نشأتها وتطورها، والباب الثاني: فن التحرير

الصحفي في مجلات المرأة والأسرة العربية، ويتضح من هذا التقسيم: أن الكتاب

يتناول جانبين رئيسين: الأول - سرد تاريخي وحصر لأشهر المجلات النسائية

بدءاً من تاريخ نشوئها، والجانب الثاني: تحليل صحفي فني.

وفي كلا البابين: صنف المؤلف المجلات تحت الدراسة حسب المناطق

الجغرافية؛ ففي الفصل الأول تحدث عن مجلات المرأة والأسرة في وادي النيل:

(مصر والسودان) ، وفي الفصل الثاني تحدث عن المجلات في المشرق العربي:

(لبنان، سوريا، الأردن، فلسطين، العراق) ، وغطى في الفصل الثالث بلدان

المغرب العربي: (تونس، ليبيا، الجزائر، المغرب، موريتانيا) ، وفي الفصل

الأخير: تحدث عن صحافة الخليج والجزيرة العربية.

ما الجديد في الكتاب؟

لا شك أن الكتاب دراسة موضوعية في بابه، ولئن اقتصرت بعض الفصول

فيه على جوانب محددة في الصحافة الاجتماعية أو على بلد معين أو على فترة

زمنية معينة، فإن الكتاب يغطي مساحة زمنية كبيرة، ومساحة جغرافية واسعة،

محللاً ودارساً لأغلب المطبوعات في هذا الجانب، لقد غطى الباحث (مئة وثمانين)

مطبوعة منها (أربعون) ما تزال تصدر.

والكتاب تفرد بجمعه جانبين قلما يتاح للباحثين جمعهما في دراسة واحدة وهما: السرد التاريخي والتحليلي لما صدر سابقاً، والتحليل الصحفي الفني للمعاصرة

منها.

موجز تاريخي للصحافة النسائية:

تعتبر مجلة (الفتاة) التي أصدرتها اللبنانية (هند نوفل) عام ١٨٩٢م في

الإسكندرية أول مجلة نسائية عربية في الوطن العربي، ثم توالت المجلات النسائية

في مصر، ثم تبعتها لبنان، وكانت أول مجلة: (الحسناء) أصدرها جرجي نقولا

عام (١٩٠٩م) ، ثم سوريا، حيث أصدرت ماري عبده عام (١٩١٠م) مجلة

(العروس) ، ثم العراق، حيث أصدرت يولينا صون مجلة (ليلى) عام ١٩٢٣م، ثم

صدرت مجلة (ليلى) في تونس عام ١٩٣٦م، ثم السودان حيث أصدرت (تاكوي

سركسيان) مجلة (بنت الوادي) عام ١٩٤٦م، ثم توالى صدور الصحافة النسائية

تباعاً في بقية البلدان العربية، وتأخرت قليلاً في الخليج والجزيرة.

ملامح الصحافة النسائية حتى عام ١٩٤٠م:

نظراً لأهمية مصر في تاريخ الصحافة النسائية وكثرة المجلات الصادرة فيها

في تلك الفترة؛ فيمكن الإشارة إلى أهم الملحوظات على الصحافة النسائية من خلال

نظرة على الصحافة النسائية هناك:

- أغلب الصحافة النسائية الصادرة في تلك الفترة كانت تركز على: حقوق

المرأة، خصوصاً التعليم والعمل، ثم دعوى السفور، وتحديد سن الزواج، وتقييد

الطلاق، وتعدد الزوجات.

- ظهرت بعض المجلات المتعاونة مع الاستعمار البريطاني مثل: (فتاة

النيل) ، وكذلك (العروسة) ؛ حيث كانت سجلاً لأخبار الراقصات والباحثين عن

المتعة المحرمة.

- صدر الكثير من المجلات النسائية: إما عن نساء أو جمعيات نسائية.

- كتب كثير من الرجال بأسماء نساء؛ لتشجيع النساء على المشاركة.

- شارك النصارى، وبعض اليهود بقوة في إصدار المجلات النسائية.

وكانت الفترة اللاحقة (فترة الحرب وما تلاها) فترة ركود إلى حد ما، ثم

جاءت الثورة المصرية حيث تغيرت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ولعل أهم

الإصدارات في هذه الفترة مجلة (حواء) عام ١٩٥٥م، التي تمثل نقلة في نوعية

الخطاب الصحفي، ورئيسة تحريرها الصحافية أمينة السعيد (وهي من دعاة تحرير

المرأة! ، وقد استطاعت أداء دورها بشكل كامل في تدمير فكر المرأة بزعم

تحريرها) لمدة ٢٦ سنة (١٩٨١) ، ومن المعلوم أن حواء صدرت عن دار الهلال

المعروفة سابقاً بمواقفها تجاه الإسلام وقضاياه، ومن أخبث المجلات النسائية التي

صدرت لاحقاً، واستطاعت الانتشار الواسع في مصر خصوصاً، وبقية البلدان العربية: مجلة (نصف الدنيا) ، التي تميزت بالفنون الصحفية الحديثة والورق والطباعة الفاخرة.

المجلات النسائية في لبنان:

تعتبر لبنان من البلدان العربية الرائدة في العمل الصحفي عموماً، ومنه

الصحافة النسائية، وتتميز صحافتها في مرحلتها الأولى بالتردد بين الدعوة للتفرنج

والمحافظة على العادات، وغلب على صاحباتها أنهن خريجات إرساليات نصرانية

أجنبية.

أما في المرحلة المتوسطة (١٩٤٣م - ١٩٧٥م) ، فقد تطورت وتنوعت

الصحافة النسائية، وأصبحت حرفة الصحافة بارزة فيها، ودخل عامل الربح،

وارتفعت الأصوات بالحديث عن القضايا الجنسية والحرص على الأزياء والموضة.

ومن أشهر المجلات المعاصرة مجلة (فيروز) ، (زينة) ، (جمالك) ، (نور) ، ... وغيرها، وغلب على المجلات المعاصرة: الجانب التجاري المتمثل في كثرة

الإعلانات التجارية ومحاولة كسب رضا القارئ أو على الأصح (دغدغة مشاعره) ،

فضلاً عن حرصها على كسب رضا الحكومات لتحسين التوزيع بغض النظر عن

المحتوى ومستواه الثقافي، وظهرت مجلات هي عبارة عن ترجمة لمجلات أجنبية

بمحتواها الثقافي الأجنبي (جمالك) و (نور) وغلب موضوع الفنانات والأزياء

والجمال على موضوعاتها.

وفيما عدا مصر ولبنان فإن المجلات النسائية العربية تميزت بقلتها وعدم

انتظام صدورها وإقليميتها.

كذلك تميزت بعض الصحف التي تصدر في البلدان العربية الثورية (سوريا،

العراق، تونس، ليبيا، الجزائر) في فترات الثورات بأنها أشبه ما تكون بنشرات

حزبية، تعكس وجهة نظر الحكومة تجاه القضايا الاجتماعية، وتربط المرأة على

وجه الخصوص بتوجهات الحزب الحاكم التي هي غالباً ثورية يسارية. ... ... ...

مجلات المرأة والأسرة في الخليج والجزيرة:

رغم تأخر صدور المجلات النسائية في الخليج إلا أنها تميزت بالقوة (في

الجانب التحريري الصحفي) ، وكذلك بالتميز في الطباعة والورق الفاخر، ولعل

(أسرتي) أقدم مجلة نسائية في الخليج حيث صدرت عام ١٩٦٥م.

وفي الإمارات: صدرت (زهرة الخليج) عام ١٩٧٩م، وفي عُمان: (الأسرة)

عام ١٩٧٤م، وفي قطر: صدرت (الجوهرة) ١٩٧٩م، أما في السعودية فقد

صدرت مجلة (الضياء) عام ١٩٧٧، عن جمعية النهضة النسائية بالرياض، وهي

محدودة الانتشار وغير منتظمة في الصدور، لكن انتشرت في السعودية المجلات

المهاجرة، وهي مجلات أصحابها سعوديون سواء أكانوا أفراداً أو شركات، وأشهر

هذه المجلات (الشرقية) التي صدرت في بيروت ١٩٧٤م وكانت (ترويسة) المجلة: (مجلة نسائية سعودية) وهي لا تمت حقيقة للمجتمع السعودي بصلة.

ونافست (الشرقية) في سنواتها الأولى المجلات العربية الأخرى، لكنها تدنت

في الانتشار فيما بعد، ثم صدرت مجلة (سيدتي) عن الشركة السعودية للأبحاث

والتسويق من لندن عام ١٩٨١، ثم صدرت (عالم حواء) عام ١٩٩١م، ثم توالت

المجلات من قبرص ولندن وبيروت.

مجلات المرأة والأسرة ذات الطابع الإسلامي:

أشار الباحث إلى بعض المجلات النسائية ذات الطابع الإسلامي وذكر منها:

١ - مجلة (أسماء) : صدرت عام ١٩٨٧م عن الاتحاد الثقافي في فرنسا،

لكنها تطبع في بيروت وتوزع في الدول العربية، ولقد توقفت عام ١٩٨٩م بعد

صدور أربعة أعداد فقط، وتميزت أعدادها القليلة بالطباعة الجيدة، والورق الفاخر، والتنوع في موضوعاتها، والسمت الإسلامي البارز فيها.

٢ - مجلة (هاجر) : صدرت في مصر عام ١٩٩٠م ملحقاً شهريًّا لمجلة

(المختار الإسلامي) ، وتميزت المجلة بطرحها الإسلامي الجيد ومعالجاتها

الموضوعية لقضايا المرأة، خصوصاً في مصر، لكنها كانت ضعيفة في الجانب

الفني والإخراج والطباعة، وتوقفت عن الصدور بعد فترة قصيرة من صدورها.

٣ - مجلة (عفاف) : وهي مجلة نسائية اجتماعية متخصصة صدرت في

بيروت عام ١٩٨٥، ورغم إمكانات المجلة التحريرية والإخراجية المتواضعة إلا

أنها أدت دوراً جيداً في العمل على إيجاد حلول إسلامية للمشكلات الاجتماعية

والحياتية للأسرة من منظور إسلامي.

ورغم حرص المؤلف فيما يظهر على الاستقصاء، فإنه غفل عن مجلات

أسرية مهمة صدرت في الفترة نفسها التي غطاها المؤلف، وهي كالتالي:

١ - (الشقائق) : وهي مجلة نسائية إسلامية، تصدر عن جمعية النجاة

الاجتماعية في بيروت ابتداء من عام ١٩٩٢م، والمجلة إسلامية الطابع، وتعالج

قضايا الأسرة من منطلق إسلامي، وتفتقد المجلة إلى الفنون الصحفية المعاصرة،

وتصدر شهريًّا بلون واحد وورق عادي، وتعاني من قلة الإمكانات المادية وضعف

الانتشار.

٢ - مجلة (الأسرة) [*] وتصدر عن مؤسسة الوقف الإسلامي في هولندا.

صدر العدد الأول منها في محرم ١٤١٣هـ ١٩٩٣م، واستمرت في الصدور

شهرياً، وتميزت المجلة منذ بدء صدورها: بالاعتدال، والتنوع، والبعد عن

الإقليمية، واستقطاب عدد كبير من الكتاب المتميزين، والإخراج الفني الراقي.

ولقد صدر أخيراً بعد صدور الكتاب مطبوعة نسائية جديدة، وهي مجلة

(الشقائق) ، وترأس تحريرها د. سارة بنت عبد الرحمن من، وهي مجلة إسلامية

خاصة بالمرأة صدر منها أربعة أعداد، وتتميز بالطباعة الجيدة والإخراج والورق

الفاخر، وتتخصص في قضايا المرأة من منطلق إسلامي، وهي جيدة في بابها.

ملحوظات عامة على الكتاب:

- رغم الجهد الكبير الذي بذله الكاتب إلا أن الكتاب شابه بعض أوجه القصور، ... لعل أهمها:

- غياب الاستقصاء الكامل للمطبوعات النسائية والاجتماعية خصوصاً

المعاصرة منها، ويظهر أن المؤلف لم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى الأسواق، لتفقد

كافة المجلات النسائية المتاحة، وإن كان هناك استقصاء فيما صدر قديماً، فإنه من

غير المقبول إغفال مجلات موجودة في الأسواق.

- الباب الثاني من الكتاب وهو تحليل الفنون الصحفية لبعض المجلات

المعاصرة غير مناسب، وهو موجه أساساً للمتخصصين من رجال الإعلام، ويغلب

عليه الجانب الأكاديمي البحت، بينما الكتاب في الأصل لجميع القراء.

- الرصد التاريخي قاصر، فنجد تحليلاً جيداً للفترات الأولى من ظهور

الصحافة النسائية، خصوصاً في مصر، لكنه مُفتَقَد في الفترات اللاحقة وخصوصاً

المعاصرة وكذلك غياب التحليل عن المطبوعات الصادرة في بعض البلدان العربية

الأخرى.

- التحليل الموضوعي للمجلات قاصر؛ فهو يعتمد في كثير من الأحيان على

النقل عن مصادر أخرى، وجهد المؤلف في هذا المجال محدود.

- التحليل المنهجي لمحتويات المجلات النسائية لا يعتمد النهج الإسلامي في

القبول والرد والاعتراض والنقد، لكن يغلب عليه السطحية والبعد عن التأصيل

الإسلامي لواقع هذه المجلات ومدى قربها أو بعدها عن حقيقة الإسلام الصحيح.

- غاب عن المؤلف ذكر دور النصارى واليهود في الصحافة العربية عموماً

والنسائية خصوصاً، سواء في فترة نشوئها أو تطورها لاحقاً، وكذلك دور

الإرساليات الأجنبية في توجيه القائمين عليها.

- لم ينتقد الكاتب الحكومات الثورية اليسارية ودورها في وأد المجلات

النسائية، وذلك بتوجيهها لخدمة أغراض الحزب الحاكم، بعيداً عن حاجات

المجتمع والأسرة على وجه الخصوص.

- لم يبرز المؤلف دور المجلات النسائية الإسلامية، وإنما اكتفى بذكرها

حفاظاً على الجانب الموضوعي في البحث، ونقل فقرات من بعض افتتاحياتها.

وأخيراً: فإن الكتاب أنسب ما يكون للباحثين والمتابعين والإعلاميين، وهو

مصدر غني بالمعلومات في هذا المجال، وقد قدمت دراسات عديدة في هذا المجال، لكن أغلبها أكاديمي الطابع وأغلبها لم ينشر، ومنها رسالة الدكتوراة الخاصة

بالباحث (أسامة مشعل) حول المجلات النسائية، وقد ركز في بحثه على عينات

منها، وقدم حولها دراسة تحليلة كاملة من منطلق إسلامي، ونال الباحث على

رسالته التي أشرف عليها د. عبد القادر طاش الدكتوراة من قسم الإعلام جامعة

الإمام محمد بن سعود عام ١٤١٦هـ.


(*) مجلة الأسرة، يرأس تحريرها د مالك الأحمد، ورغم قصر عمر هذه المجلة إلا أنها وجدت قبولاً لدى كثير من القراء.