للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

في الشيشان:

بعد خراب البلاد.. هل ننقذ العباد؟ !

بقلم: جمال الحوشبي

يفرض الواقع المأساوي في الشيشان بعد ما يقرب من خمسة عشر شهراً

متواصلة من القتال والتشريد والدمار على المسلمين أن يفكروا جديّاً في تحرّك

واقعي وملموس للتخفيف من هذه الكارثة على إخوانهم المسلمين، وأن يبادروا

لنجدتهم بدلاً من الانتظار المعتاد للمبادرة الصورية لدول الغرب الصليبي، ولعل

المجال الدعوي الذي به حياة القلوب وسلامة الأديان، والمجال الإغاثي الذي به

إغاثة الأنفس ونماء العمران: من أهم المجالات التي يحتاجها المسلمون المنكوبون

في الشيشان.

أولاً: الجانب الدعوي:

مما يسهّل الأمر كثيراً على الدعاة في الشيشان: سرعة تقبّل الشعب هناك

للحق، وانصياعهم له إذا عُرض عليهم عرضاً سليماً خالياً من الجفاء، وصحيحاً

من البدع، وتعتبر البرامج الدعوية من أهم الأولويات التي يجب أن يشرع فيها كل

من أراد الإعمار سواء من الأفراد أو من الهيئات والمنظمات الإغاثية.

وتعد المناطق الجبلية الآن بعد انسحاب الروس منها مؤخراً أماكن خصبة

للدّعوة، يمكن أن يتفرّغ فيها الدعاة لتوعية الأهالي وتعليمهم أمور دينهم.

ومما ينبغي الإشارة إليه بمداد الإكبار: قيام بعض المجاهدين الوافدين لنصرة

إخوانهم الشيشان من الجمهوريات المجاورة بعمل حلقات لتدريس القرآن الكريم

وتعليمهم اللغة العربية في القرى، وقد توافد على هذه الحلقات عدد هائل من أهالي

تلك القرى وما جاورها، بل لقد كانوا يتفاعلون جدّاً مع تلك الجهود الدعوية

المتواضعة تفاعلاً عجيباً، ويذكر بعض الإخوة الدعاة هناك كيف تم الإلحاح عليهم

لبقائهم معهم يعلّمونهم القرآن ويفقهونهم في الدين.

ويشيد بعض من قام بهذا العمل الدعوي بين المسلمين الشيشان بمقدار التغيّر

الحادث بين الأهالي، وبتلهفهم على توجيهات الدعاة، وبتجاوبهم مع دروسهم، مما

يؤكد أن الغالب هناك هو انتشار الجهل الذي أدّى إلى شيوع مظاهر من الخرافات

والبدع، ومما ينبغي على القائمين بالدعوة إلى الله في مناطق الشيشان أن يعرفوه

أموراً مهمة، منها:

الانتشار الواضح للفكر الصوفي وتعدد طرقه بين المسلمين هناك، حيث يتبع

غالبية شعب الشيشان طريقتين واسعتي الانتشار، هما: الطريقة القادرية،

والطريقة النقشبندية، وذلك ناجم عن تمسك الشعب جيلاً بعد جيل بموروثات

الأجداد القدامى منذ أيام الإمام (منصور أو شورما الشيشاني) ، ثم من جاء بعده من

الأعلام الذين برزوا خلال الحروب المتوالية ضد الصليبيين الروس ممن تعلموا

على أيدي شيوخ تلك الطرق الذين كانت مدارس التعليم تمتلئ بهم في ذلك الوقت.

وبتتبع بعض أخبار المسلمين هناك وسؤال بعض طلبة العلم ممن بدؤوا بتعلم

أصول أهل السنة في بعض الجامعات الإسلامية: يمكننا أن نحكم بصدق المقولة

التي ذكرها أحد الدعاة المطلعين على الوضع في الجمهوريات الإسلامية: من أن

الصوفي هناك لا يدري معني التصوف، وأن الشيعي لا يعرف معنى التشيّع، وقلة

هم الذين ينحرفون عن علم وعقيدة راسخة؛ لأن الفكر الشيوعي كان هو السائد!

والتحلل الذي مارسه بين المسلمين في ترسيخ الثقافات والعادات والسلوكيات

الشيوعية أخرج مزيجاً يصعب تصنيفه.

إذن: لابد من إعادة الدعوة لمنهج أهل السنة من جديد بالحكمة والموعظة

الحسنة، وسوف يُقبل الناس بإذن الله أفواجاً، متى كانت الدعوة إلى الله صادقة في

أهدافها وثوابتها، بعيدة عن التحريف أو الخرافة، ومتجرّدة عن التحزب أو

المطامع الدنيوية والمكاسب المادية.

كما ينبغي على الدعاة مراعاة التركيبة الطبقية للشعب الشيشاني الذي يميل

إلى القبلية، وقد كانت هذه التركيبة أظهر في السابق، عندما كان هناك مجلس

مهمته البت في شؤون الشعب، يتم تعيينه عن طريق اختيار أفراد من العشائر

والقبائل، وغالباً ما يكونون من كبار السن، ويدخل من ضمن صلاحيات هذا

المجلس: اختيار زعيم البلاد متى دعت الضرورة للفصل في القضايا التي تعترض

البلاد، ثم بعد انتهائها يعود فرداً من أفراد الشعب كما كان، له ما لهم وعليه ما

عليهم. وقد وصف عالم الأجناس الفرنسي (آرنست شانتر) عندما زار بلاد الشيشان

عام ١٨٨٧م المجتمع الشيشاني بقوله: ( ... تسود المساواة والتعاون بين الشيشان،

والسلطات التي يخلعونها على مجلس كبرائهم محدودة من حيث الزمن والمدى،

ومن حيث الصلاحيات ... ) . ويوجد في الشيشان (١٤) محافظة، وأكثر من

(٤٠٠) مدينة وقرية.

والشيشان قوم يعتزون جدّاً بأرومتهم، ويتمسكون بثقافاتهم وعاداتهم التي

تميزهم عن غيرهم، وقد أدّى هذا الاعتزاز بالعِرق والجنس إلى شيوع نوع من

التعصب الذميم بقومية الشيشاني وعراقته، حتى إن بعضهم ربما افتخر بمآثر

الأجداد الوثنيين، ونسي أن ذلك من التصرفات التي لا يقرّها الإسلام، وهذا كما

أشرتُ سابقاً من أثر الجهل السائد وغياب الدعاة المصلحين هناك.

ومما أفرزته هذه العصبية القومية عند بعضهم: الاعتزاز بثقافة وتركيبة

الشيشان بمعزل عن تأثير الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، ولم يسلم من هذه

النعرة حتى بعض المثقفين، فتراهم عند حديثهم عن تاريخ دخول الإسلام للشيشان

يغفلون أن الإسلام دخل بلاد داغستان التي كانت الشيشان جزءاً منها قديماً،

ويغفلون عن ذكر كثير من الحقائق التي تؤكد أن دخول الإسلام إلى (الشيشان) ... و (شروان) وأجزاء من شمال (أذربيجان) وهي المنطقة التي كانت تسمّى قديماً ببلاد

الداغستان قد كان أيام الفتوحات الإسلامية المتقدمة في القرن الهجري الأول أيام

عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) . أما بلاد الأنجوش التي فُصلت عن الشيشان

مؤخراً، واعتبرت في عام ١٩٣٦م مقاطعة مستقلة تابعة للاتحاد السوفييتي؛ زيادة

في تفرقة الأمة الواحدة فقد تأخّر دخول الإسلام فيها وفي مناطق أخرى محيطة

بالشيشان عندما استعصت على الفتوحات الإسلامية؛ لأسباب عدة ليس هذا مقام

ذكرها [١] .

إن مما يجب على الدعاة إلى الله أن يكثروا منه: بث روح الأخوة في الله،

التي تجمع بين المسلمين على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وبلدانهم، وتجلية عقيدة

الولاء والبراء بوضوح، والتحذير من سياسة الأعداء في المناطق الإسلامية،

وتوعية المسلمين بسياسة العدو المحتل الذي يقوم بترسيخ سياسة (فرق تسد) عبر

رسمه للحدود المعروفة اليوم، التي ما هي إلا ميراث أليم من تركة الأعداء

الحاقدين، كما يجب إظهار معايير التفوق والتمايز الحقيقية، وأنها ليست بأي حال

من الأحوال عائدة إلى الجنس أو العرق، وأن معيار التفاضل في الإسلام إنما هو

التقوى والعمل الصالح [إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] [الحجرات: ١٣] .

(إن التاريخ الإسلامي يشهد للشيشان بالفخر؛ لصمودهم الطويل في وجه

الكفرة من الروس القياصرة ثم البلاشفة، وتمسكهم الصادق بالإسلام؛ إذ لم يستطع

المسيحيون تنصيرهم، ولا الشيوعيون نجحوا في إبعادهم عن دينهم، ولما عمد

الشيوعيون إلى منعهم من الصلاة في المساجد أو ممارسة الشعائر الإسلامية الظاهرة

اضطُر الشيشاني المسلم أن يجعل من بيته مسجداً ومدرسة معاً!) .

إن الدعوة في الشيشان كغيرها في أي مكان آخر تحتاج إلى معايشة للأهالي

والقيام بخدمتهم ومساعدتهم وتلمّس احتياجاتهم، والحذر من فرض الدعوة عليهم

بالقوة أو إثارة الحزبية والمذهبية بينهم باسم الإسلام. ويمكن الحصول على نتائج

طيبة في الدعوة إذا تبنّت الهيئات والمنظمات الإغاثية إنشاء مراكز ثابتة أو متنقلة

للدعوة في المدن والقرى داخل الشيشان أو خارجها، وكذا: القيام بحلقات لتحفيظ

القرآن الكريم والسنة النبوية وتعليم اللغة العربية، يقوم عليها مدرسون من ذوي

الخبرة والعقيدة الصحيحة.

ومما ينبغي أن يحرص عليه الدعاة هناك: تنشئة الصغار وتعهّد الشباب

بالتربية على المنهج الصحيح، ودعوة العوام واللقاء بهم في منتدياتهم وأماكن

تجمعهم، مع التذكير الدائم بالحديث عن أصالة شعب الشيشان وتمسكه بدينه وحبه

لرسول الله وسائر الصحابة وسلف الأمة.

كما تجدر الإشارة إلى أن أكثر الشعب الشيشاني قد فقد الثقة بعلماء السوء في

بلده ممن انحاز إلى الحكومة العميلة التي نصّبها الروس في الشيشان وقاموا بتأييدها، ولهذا بقيت الساحة الدعوية هناك صالحة للعمل ولا تحتاج إلا إلى تظافر الجهود

وتنسيق العمل الدعوي الذي لا يقل أهمية عن العمل العسكري أو الإغاثي في البلاد.

ومن أخصب الجمهوريات التي يمكن أن تقام فيها مراكز للدعوة الإسلامية:

(داغستان) و (أنجوشيا (و (قراتشاي) ، حيث يوجد بها تجمعات كبيرة من

المهاجرين الشيشان مع الحرص بالإضافة إلى تدريب الدعاة لهذا الغرض على

تزويدهم بالوسائل الدعوية المهمة، كالأشرطة والكتيبات الإسلامية المترجمة باللغة

الروسية التي يفهمها الجميع تقريباً.

ولعل من المفيد هنا: أن أكرر التذكير بضرورة الاستعانة بعدد من العلماء

والدعاة وطلبة العلم الموثوق بهم في كل من طاجيكستان وداغستان وغيرهما، ممن

يحملون منهج أهل السنة وذوي الأمانة والعقيدة السليمة، وإعانتهم بما يلزم من أجل

القيام بمهمة الدعوة في أوساط الشيشانيين في الداخل أو الخارج، بدلاً من التفكير

بإرسال دعاة من الدول العربية يتكلف إرسالهم وتأمين السكن لهم مبالغ طائلة مقارنة

باحتياجات أولئك الدعاة من تلك الجمهوريات الإسلامية، إضافة إلى ما يتطلبه

الوضع هناك من تأمين وسائل خاصة لتنقلاتهم وتجنيد أفراد قادرين على عملية

الترجمة اللازمة في هذا المجال، وعند القيام بإعانة أولئك الدعاة من تلك

الجمهوريات الإسلامية وتأمين احتياجاتهم: فإننا نقوم بالإضافة إلى نشر العقيدة

الصحيحة وتعليم الناس أمور دينهم بمساعدتهم كذلك وتأمين القوت الذي يحتاجونه،

خاصة وأن معظم طلبة العلم والدعاة هناك فقراء وبحاجة هم كذلك إلى الدعم

والمساعدة، كما أن تأمين مكتبة إسلامية متكاملة يعتمد عليها الدعاة وطلبة العلم

هناك وإقامة منتدى يلتقون فيه لتبادل الخبرات والاهتمامات يعد من الأمور المهمة

التي يجب أن تأخذ مزيداً من الاهتمام.

أضف إلى ذلك: كون هؤلاء الدعاة أعلم من غيرهم بالتركيبة الاجتماعية

والبيئية في الشيشان؛ مما يسهل عليهم التخاطب معهم بعلم وحكمة، ومن ثمّ:

التأثير عليهم عبر تلمس احتياجاتهم.

وهناك برامج دعوية عملية أخري يمكننا عن طريقها المساهمة بجهد فعّال

لتصحيح الواقع الذي يعاني منه المسلمون هناك.

ثانياً: الجانب الإغاثي:

تزامن استمرار الحرب في الشيشان مع حلول فصل الشتاء القارس جدّاً [٢] ،

ومع اتساع مدى الحرب، وانتقال لهيبها إلى مدن وقرى أخرى في الشيشان يضطر

المئات يوميّاً إلى النزوح عن منازلهم، قاطعين مئات الأميال سيراً على الأقدام

للبحث عن مكان آمن داخل الشيشان أو خارجها [*] .

لهذا: كان المجال الطبي أول ما يجب التفكير فيه لإغاثة المسلمين هناك،

سواء في داخل الشيشان أو في خارجها.

ومن المؤسف: أنه لا توجد حتى الآن أي مؤسسة إسلامية تعمل في الجانب

الإغاثي والطبي، اللهم إلا بعض الجهود الفردية التي يقوم بها الإخوة العاملون في

مكاتب هيئة الإغاثة في كلٍّ من موسكو والتشيك. ولم ينفرد بالساحة كالعادة إلا

المؤسسات التنصيرية التي لم تتوانَ في ظل هذه الظروف العصيبة عن تقديم

خدماتها ومساعداتها الطبية للمنكوبين، تمهيداً لتقديم الصليب لهم بعد ذلك، غير

عابئين بوابل النيران أو بقساوة شتاء الشيشان.

وتعد منظمة (أطباء بلا حدود) و (الصليب الأحمر) من أبرز المنظمات

الصليبية العاملة في الجانب الطبي والإغاثي على الساحة، وما فتئت المنظمتان

تقدمان خدماتهما حتى للمقاتلين أنفسهم، وفي إحدى العمليات الهجومية من قبل

مقاتلي الشيشان: جُرح ما يزيد على ثلاثة عشر مقاتلاً، فلم يجد إخوانهم ما

يعالجونهم به، وذكر أحدهم كيف تقدمت إليهم منظمة (أطباء بلا حدود) بعرض

مساعداتها الطبية لأكثر من ثلاث مرات، لم يُقابلوا في كلٍّ منها إلا بالرفض القاطع.

ومما ينبغي مراعاته كذلك في المجال الإغاثي: ضرورة الاهتمام بالإمداد

للمقيمين داخل الشيشان، بالإضافة إلى إغاثة اللاجئين خارجها، هذا وإن كانت

هناك صعوبة في التنقل بين هؤلاء النازحين أو الدخول إلى المناطق التي لجؤوا

إليها، مما يجعل إغاثة المدنيين في الداخل تعد بحق عملية شاقة ومضنية. ونقل

المواد الطبية والإغاثية صعبة وشاقة؛ للأسباب الآتية:

١- صعوبة نقل المساعدات العينية بعد تكثيف الروس لنقاط التفتيش على

الحدود بين جمهورية الشيشان وما يحيط بها من الجمهوريات الإسلامية في أعقاب

الهجمات الشيشانية الأخيرة من داغستان، وظروف مقتل الرئيس (جوهر دوداييف) وتوقع عمليات هجومية ثأرية.

٢- صعوبة التنقّل الشخصي أو نقل المواد الإغاثية إلى داخل الشيشان،

وربما كلّف نقل شاحنة واحدة مليئة بالمواد الغذائية من جمهورية مجاورة ومن ثم:

إيصالها إلى المنكوبين في الداخل أضعاف قيمتها؛ بسبب الضرائب والرّشا التي

يتعاطاها الروس قبل السماح لهذه الشاحنة بالمرور.

٣- احتمالات حجز هذه المساعدات من قِبَل الجنود الروس ومنع دخولها، أو

توزيعها على بقية الجنود الروس أنفسهم الذين يعانون من نقص الإمدادات الواردة

من موسكو، وضعف الروح المعنوية والنفسية كلما استمرت الحرب، حتى أصبح

الواحد منهم مستعدّاً لبيع عتاده العسكري في مقابل بعض النقود.

أضف إلى ذلك: شراسة الحرب الدائرة في الداخل، التي لا تهدأ مرة حتى

تعود مرات؛ ولذلك: فإن الحل الأسلم في ظل هذه الظروف هو إيصال الدعم

المادي إلى بعض الموثوق بهم في الداخل؛ لشراء ما يحتاجه المقاتلون من السلاح

وشراء ما يتوفر مع المزارعين من مواد غذائية حتى تخفّ القبضة الروسية على

الحدود.

ومما ينبغي عدم إغفاله كذلك: أهمية إعمار المرافق الحيوية في الداخل كما

كانت، فلقد هُدمت المساجد والمستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء والوقود،

ويستحيل أن تعود لوظائفها كما كانت إلا بعد إعمار جديد؛ لقد استطاعت الهمجية

الروسية تدمير معظم المرافق الحيوية والإنسانية بالكامل، حتى إنك لن تستطيع

وصف مدينة جروزني في أعقاب الدمار الذي حَلّ بها، إذ من الصعب وجود بناية

واحدة سليمة، فالدمار وآثار الحريق في كل مكان، حيث إن جروزني وحدها الآن

تحتاج إلى (مدينة جديدة) بكل مرافقها من شبكات طرق وخدمات عامة وغيرها.

إن العجيب حقّاً في هذه الأزمة هو هذا التباطؤ من قِبَل المسلمين في إغاثة

إخوانهم المنكوبين في الشيشان، متجاهلين أدنى حقوق الأخوة الإسلامية، التي

شبهها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجسد الواحد عندما يتداعى كل عضو

منه بالحمى والسهر إذا اشتكى منه عضو واحد، وهذا التباطؤ ظهر واضحاً جليّاً

طوال ست سنوات عجاف بدأت منذ استقلال جمهورية الشيشان عام ١٩٩١م

واستمرت حتى الآن، ولم تشهد الساحة الشيشانية على ثراها طوال هذه المدة أي

عمل إسلامي يُذكر، سواء في مجال الدعوة وتفقيه الناس بأمور دينهم وعقيدتهم،

أو في مجال الإغاثة والمساعدة المادية.

وبينما كانت وكالات الأنباء العالمية تقوم بتقصّي أخبار الحرب وآثارها

المدمرة، ونقل تلك الأخبار أولاً بأول، فإن وسائل إعلامنا كان يرهقها نقل الغثاء

الذي زاد من فجوة التفرق والضياع.

أما على الصعيد السياسي: فإن الساحة السياسية لم تشهد تحركاً فعّالاً من قِبَل

المسلمين للمطالبة بفك الحصار عن المدن والقرى الشيشانية، أو التنديدالفعّال ضد

القصف بالقذائف والصواريخ واستخدام الأسلحة المحرمة دوليّاً، وقتل الأبرياء،

وتشريد السكان، وإهلاك الحرث والنسل، كما لم تقم حتى الآن أي جهة إسلامية

بأقل القليل الواجب من إرسال المستلزمات الإغاثية إلى داخل الشيشان، أو حتى

لأماكن تجمع اللاجئين في الجمهوريات المجاورة، وتعيين مندوبين لتوزيعها على

المشردين الموجودين في تلك المناطق.

إن روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك تتطلب منا خطوات جادة في

نصرة إخواننا المنكوبين في أقطار الأرض، بدلاً من أن تكون مواقفنا المتأخرة

مجرّد رجع صدى لمواقف الدول الصليبية في الشرق أو الغرب! .


(١) تطرقت إلى طرف من ذلك في كتاب مستقل حول جمهورية الشيشان في مبحث: (الشيشان في ظل الإسلام) .
(٢) مناخ جمهورية الشيشان بارد جدّاً شتاءً، حتى إن مياه الأنهار قد تتجمّد فيه، وهو معتدل في بقية الفصول.
(*) انظر تفاصيل ذلك في: (أوضاع اللاجئين الشيشان) ، العدد ١٠١ من (البيان) ، ص ٩٤ ٩٦.