للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات شرعية

[تحديد أوقات الصلاة]

بقلم: عبد الله الإسماعيل

لقد عظّم الله (جل وعلا) شأن أوقات الصلاة، كما قال (تعالى) : [إنَّ الصَّلاةَ

كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً] [النساء: ١٠٣] ؛ ولذا: فإن العاجز عن فعل

بعض شروط الصلاة وواجباتها كالطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، والقيام، والركوع: فإنه يصلي في الوقت على أي حال يستطيعه ولو أمكنه فعلها بعد

الوقت بتمام الشروط والواجبات. وكذا الأمر في صلاة الخوف، بل حتى في حال

القتال والمطاحنة فإنهم يصلون إيماءً مع إمكانهم أن يصلوها تامةً بعد خروج الوقت؛ كل ذلك محافظة على وقت الصلاة [١] .

فإذا انضم إلى ذلك: جهل كثير من المسلمين بأوقات الصلوات الخمس، كان

طرق هذا الموضوع ومدارسته بالغ الأهميّة.

أولاً: وقت صلاة الظهر:

أجمع أهل العلم على أن دخول وقت الظهر بزوال الشمس عن كبد ... السماء [٢] .

وينتهي على القول الصحيح إذا صار ظلّ كل شيء مثله سوى ظلّ الزوال؛

لحديث ابن عباس (رضي الله عنهما) أن جبريل أمّ النبي في يومين، فصلّى الظهر

في اليوم الأول حين زالت الشمس، وصلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظلّ

كل شيء مثله، ثم قال جبريل: (يا محمد: هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت

فيما بين هذين اليومين) [٣] .

مسألة: يعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد تناهي قصره، وبيان ذلك: أن

الشمس إذا طلعت صار لكل شاخص ظلّ طويل من جهة المغرب، ولا يزال الظل

يقصر مع ارتفاع الشمس، حتى يتوقف عن النقصان، والشمس في وسط السماء،

فإذا بدأ بالزيادة ولو شعرة فهو الزوال.

وإذا أردت ضبط آخر وقت الظهر: فضع علامة عند بداية الزيادة، واحسب

مقدار طول الشاخص من عند العلامة لا من الشاخص، والظل الذي يكون بين

الشاخص والعلامة هو الذي يسميه الفقهاء بظل الزوال، أو بفيء الزوال؛ أي:

الظل الذي زالت عليه الشمس [٤] .

ثانياً: وقت صلاة العصر:

يدخل وقت العصر بخروج وقت الظهر؛ أي من مصير ظل كل شيء مثله

سوى فيء الزوال؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما)

مرفوعاً: (ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر) [٥] .

أما آخر وقت العصر ففيه خلاف قوي بين العلماء على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن آخره إذا صار ظلّ كل شيء مثليه سوى فيء الزوال، وما

بعده إلى غروب الشمس فوقت ضرورة [٦] .

القول الثاني: أن آخره إذا اصفرت الشمس، وما بعده إلى غروب الشمس

فوقت ضرورة.

القول الثالث: أن العصر ليس له وقت ضرورة، بل كله وقت جواز إلى

غروب الشمس.

والراجح هو القول الثاني، وهو مذهب المالكية [٧] ، وقول الإمام أبي ثور،

ورواية عن الإمام أحمد، وهي أصح عنه [٨] ، واختيار شيخ الإسلام ... ... ابن تيمية [٩] (رحمهم الله) .

والدليل عليه: ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو (رضي الله

عنهما) مرفوعاً: (فإذا صليتم العصر: فإنه وقت ما لم تصفر الشمس) .

أمّا وقت الضرورة فالدليل عليه مجموع حديثين:

الأول: حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) مرفوعاً: (ومن أدرك ركعة من

العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) (متفق عليه) .

والثاني: حديث أنس (رضي الله عنه) قال: (سمعت رسول الله -صلى الله

عليه وسلم- يقول: (تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين

قرني الشيطان، قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها) [١٠] .

فحديث أنس يدل على أن تأخير العصر إلى قرب غروب الشمس أمر مذموم، لكن من أخرها إليه فصلاته أداء؛ لحديث أبي هريرة (رضي الله عنه) ، وهذا هو

وقت الضرورة. ويكون حديث عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) محدداً لنهاية

وقت الاختيار وبداية وقت الضرورة.

أما حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) في إمامة جبريل للنبي، وفيه أنه

صلى به العصر في اليوم الأول حين كان ظلّ كل شيء مثله، وصلّى به في اليوم

الآخر حين كان ظلّ كل شيء مثليه، وفي آخر الحديث قال جبريل: (يا محمد هذا

وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين اليومين) : فإنه لا يعارض حديث

عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) ؛ لأن حديث عبد الله بن عمرو دلّ على زيادة

في وقت العصر فوجب الأخذ بها.

وبهذا الترجيح تجتمع الأدلة ولا تتعارض.

ثالثاً: وقت صلاة المغرب:

أجمع أهل العلم على أن أول وقت المغرب إذا غربت الشمس [١١] .

أما آخر وقتها: فالراجح وهو قول الجمهور أنه ينتهي بمغيب الشفق الأحمر،

والأدلة عليه كثيرة، منها:

ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) مرفوعاً:

(فإذا صليتم المغرب: فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق) .

عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنهما) عن رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-: (أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة ... ثم أمره [يعني: بلالاً] [١٢] ، فأقام المغرب حين وقعت الشمس ... ) وفي اليوم الثاني: ( ... أخّر المغرب

حتى كان عند سقوط الشفق) .. ثم أصبح فدعى السائل: فقال: (الوقت بين ... هذين) [١٣] .

أما حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) في إمامة جبريل للنبي -صلى الله

عليه وسلم-، وأنه صلى المغرب في اليومين حين غربت الشمس، فإنه محمول

على تأكيد الاستحباب وكراهية التأخير، جمعاً بينه وبين الحديثين المتقدمين وما في

معناهما، وعلى فرض التعارض: فإن حديثيّ ابن عمرو وأبي موسى مقدمان؛

لأنهما متأخران، فيبينان آخر الأمر بالمدينة [١٤] .

وهنا تنبيهان:

الأول: أن المراد بالشفق الوارد في الأحاديث هو الشفق الأحمر لا الأبيض،

والأدلة على ذلك كثيرة:

قوله: (ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق [١٥] أخرجه مسلم،

والثّوَرَان إنما يطلق على الحمرة دون البياض [١٦] .

قول ابن عمر (رضي الله عنهما) : (الشفق: الحمرة) [١٧] .

الثاني: أن مغيب الشفق يكون بعد مضي ساعة إلى ساعة وربع تقريباً من

غروب الشمس في الجزيرة العربية وأن وقت المغرب يزيد وينقص مع تغير الوقت

صيفاً وشتاءً، خلافاً لما يتصوره بعض الناس أن وقت المغرب ساعة ونصف ثابت

لا يتغيّر.

رابعاً: وقت صلاة العشاء:

أجمع أهل العلم على أن وقت العشاء يبدأ بمغيب الشفق [١٨] ، والمراد

بالشفق هو الحمرة على الأرجح من قولي العلماء كما سبقت الإشارة إليه.

أما آخر وقت العشاء ففيه خلاف قوي:

القول الأول: أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر.

القول الثاني: أن وقت العشاء ينتهي بانتصاف الليل.

القول الثالث: بالتفصيل؛ فوقت الاختيار ينتهي بانتصاف الليل، وما بعده

فوقت ضرورة إلى طلوع الفجر.

والراجح هو القول الثاني: أنه ينتهي بانتصاف الليل، وليس له وقت

ضرورة، وهو قول ابن حزم [١٩] (رحمه الله) وبعض الشافعية [٢٠] وبعض

الحنابلة [٢١] ، واختاره من العلماء المعاصرين الشيخ ابن عثيمين ... (حفظه الله) [٢٢] .

والدليل عليه: حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: (فإذا صليتم العشاء: فإنه

وقت إلى نصف الليل) أخرجه مسلم.

واستدل القائلون بأن ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر وقت للعشاء إما

وقت اختيار، أو وقت ضرورة بحديث أبي قتادة (رضي الله عنه) أن رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- قال: (أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم

يصلِّ حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى) [٢٣] .

فقالوا: إن هذا الحديث يدل على أن كل وقت متصل بالآخر، وعليه: فإن

وقت العشاء لا يخرج إلا بدخول وقت الفجر.

والجواب عن هذا الاستدلال أن يقال: إن حديث أبي قتادة عام مخصوص

بغيره، فكما خصّ منه وقت الفجر فإنه غير متصل بالظهر بالإجماع [٢٤] ، فكذا

يُخَصّ منه أيضاً وقت العشاء بالسنة، كما سبق في حديث عبد الله بن عمرو

(رضي الله عنهما) الذي يدل على انتهاء وقت العشاء بانتصاف الليل.

وهنا ثلاثة تنبيهات:

الأول: يتوهم كثير من الناس أن الليل ينتصف عند الساعة الثانية عشرة،

وهذا تصور خاطئ، والصواب: أن انتصاف الليل يُعرف بمضي نصف الوقت

من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإذا كانت الشمس تغرب الساعة السادسة،

والفجر يطلع الساعة الرابعة، فإن نصف الليل يكون الساعة الحادية عشرة تماماً،

وبه يخرج وقت العشاء.

الثاني: يؤخر بعض الناس وخاصّة النساء صلاة العشاء إلى ما قبل النوم،

ويكون التأخير في بعض الأحيان إلى ما بعد نصف الليل، وهذا خطأ كبير ينبغي

التنبّه له وتحذير الآخرين منه.

الثالث: أن راتبة العشاء وهي ركعتان بعد العشاء يخرج وقتها بانتهاء وقت

العشاء، وبعض الناس قد يؤخرها إلى آخر الليل، وحينئذ يكون فعلها قضاءً لا أداءً.

خامساً: وقت صلاة الفجر:

أجمع العلماء على أن وقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الثاني [٢٥] .

قال ابن قدامة [٢٦] : (وهو البياض المستطيل المنتشر في الأفق، ويسمّى

الفجر الصادق) .

ويخرج وقت الفجر بطلوع الشمس، لدليلين:

الأول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن النبي -صلى

الله عليه وسلم- قال: (إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس)

أخرجه مسلم.

الثاني: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- قال: (من أدرك من الصبح ركعةً قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)

متفق عليه.

ومما ينبغي التنبه له: أن بعض التقاويم الموجودة ليست دقيقة في بداية وقت

الفجر، فتتقدم الوقت بنحو عشر دقائق أو ربع ساعة، ولذا: ينبغي أن ينتبه الأئمة

في عدم التعجل بإقامة صلاة الفجر، وكذا: بعض النساء في البيوت اللواتي يصلين

الفجر من حين سماع الأذان، فعليهن الانتظار والاحتياط، فلا يصلين إلا بعد مضي

عشرين أو خمس وعشرين دقيقة. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.


(١) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم، ص ٥٦ ٥٨.
(٢) انظر: الإجماع لابن المنذر، ص ٧.
(٣) حديث صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.
(٤) انظر: المغني لابن قدامة.
(٥) أخرجه مسلم، ح ٦١٢.
(٦) وقت الضرورة: هو الوقت الذي لا يجوز تأخير الصلاة إليه إلا لعذر، فإن أخرها لغير عذرٍ أثم، ومتى فعلها فيها فهو مدرك لها أداءً في وقتها، سواء أخرها لعذر أو لغير عذر، (انظر: الشرح الكبير، ١/٤٣٦) .
(٧) انظر: مواهب الجليل، ١/٣٨٩.
(٨) انظر: المغني، ٢/١٥.
(٩) انظر: مجموع الفتاوى، ٢٣/٢٦٨.
(١٠) أخرجه مسلم، ح ٦٢٢.
(١١) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم، ص ٣١.
(١٢) أي: المأمور هو بلال مؤذن الرسول.
(١٣) أخرجه مسلم، ح ٦١٤.
(١٤) انظر: شرح مسلم للنووي، ٥/١١١، وإعلام الموقعين، ٢/٤٠٣.
(١٥) ثور الشفق: أي: ثورانه وانتشاره (شرح مسلم للنووي، ٥/١١٢) .
(١٦) انظر: المغني، ٢/٢٦.
(١٧) أخرجه عبد الرزاق، ح ٢١٢٢، وصححه البيهقي وغيره، انظر: السنن الكبرى، ١/٣٧٣، وبلوغ المرام، ص ٤٤.
(١٨) حكاه النووي في المجموع، ٣/٤١.
(١٩) انظر: المحلى، ٢/١٩٨.
(٢٠) انظر: المهذب، ٣/٣٩.
(٢١) انظر: الإنصاف، ١/٤٣٦.
(٢٢) انظر: الشرح الممتع، ٢/١٠٩.
(٢٣) أخرجه مسلم، ح ٦٨١.
(٢٤) انظر: كتاب الإجماع لابن المنذر، ص٧.
(٢٥) انظر: الإفصاح، ١/١٠٦.
(٢٦) المغني، ٢/٣٠.