للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملف العدد

(حتى لا ننسى فلسطين)

[الفلسطينيون بين فكي الكماشة]

بقلم:عبد الملك محمود

من القصص الرمزية المعروفة أن امرأة كانت لا تملك شيئاً يسد رمق أولادها

من الجوع فوضعت على النار قِدراً فيه ماء وحصى وهم جلوس حول أمهم يبكون

ويتضاغَوْن، وهي تسكتهم وتلهيهم وكأن هناك في القدر طعاماً سينضج.. هذا هو

شعور المراقب للمفاوضات العربية الإسرائيلية منذ سنوات، فحالنا مع تمثيليات

السلام المصطنع مع اليهود تشابه هذا الوضع التمثيلي، حيث إنها تمثل حوار

الطرشان الذي لا يمكن أن يصل إلى نتيجة.

على الجانب الفلسطيني الآن وبعد مرور ثلاث سنوات على اتفاق أوسلو (تم

في ١٣/٩/١٩٩٣م) يتساءل كثير من الناس بمرارة خصوصاً الفلسطينيون في

فلسطين وعلى الأخص سكان الضفة والقطاع عما جنوه من وراء اتفاقات السلام مع

إسرائيل؟

إن السياسة التي عودتنا عليها منظمة التحرير تؤكد أنها لا تخرج من حفرة إلا

لتقع في هاوية، وقد دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً مقابل مواقف المنظمة وتخبطاتها

السياسية والفكرية الخرقاء، وها هي المنظمة، وبعد رحلة طويلة فاشلة وبعد سلسلة

تنازلات ما لها من قرار، تعود إلى نقطة الصفر لتشكل مع بداية هذا الشهر

(أكتوبر) خمس لجان للمفاوضات مع إسرائيل، وكأن عشرات اللجان السابقة لا

تكفي.

حنظل السلام:

لقد كانت السلطة الفلسطينية ولا زالت تروِّج لأحلام وهمية ووعود كاذبة عن

الخيرات والبركات التي ستنتج من السلام، كما أن جزءاً من الفلسطينيين هلل

لاتفاقات السلام وأبدى سعادته للمستقبل المشرق، ربما كان الدافع لهم حالة الإحباط

التي عانوها، باعتبار أنه لن يكون هناك ما هو أسوأ مما هم فيه، من جهة أخرى: ساهم أصحاب المسارات التفاوضية الأخرى والإعلام العربي الرسمي خصوصاً

بشكل كبير في إشاعة أجواء كاذبة من التفاؤل المبالغ فيه: بأن السلام القادم للمنطقة

يحمل في طياته الخير والرخاء، وما علينا سوى الخلود إلى الراحة والانتظار، لقد

كان تيار الواقعية السياسية العربي ينفخ في هذا، ويحاول صبغ حاضرنا ومستقبلنا

بموجة من الحزن واليأس والتقزم أمام اليهود.

لكن الواقع المرير الآن يكذب كل أحلام السلام، وبإجراء (جردة حساب)

بسيطة يمكن مقارنة الوضع الحالي مع السابق ليرى المرء مدى مرارة هذا الوضع:

بالنسبة إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة: فما تم هو انسحابات

صورية لا قيمة لها، وبعضها واضح الجدوى لإسرائيل كالانسحاب من غزة وأريحا.

أما على الصعيد الاقتصادي: فالمعاناة والجوع غاية في الشدة، خصوصاً

بعد الحصار الاقتصادي الذي فرضته إسرائيل منذ سبعة أشهر، كما أن البطالة تبلغ

أعلى النسب عالميّاً، وتتحدث وسائل الإعلام عن صور مؤلمة من البؤس والفقر

والغلاء، ولكن الحديث عن معاناة الناس هناك خصوصاً في قطاع غزة وواقعهم

المرير يتجاوز بكثير حدود التغطية الإعلامية في وسائل الإعلام.

وإذا ما انتقلنا إلى الحديث عن الظروف الأمنية: فإن الصورة مأساوية،

وسنشير لاحقاً إلى شيء منها.

ثلثا الشعب الفلسطيني يرزحون تحت الاحتلال الإسرائيلي، والثلث الباقي

يعيشون تحت سلطة تمارس ألواناً بشعة من القهر والظلم والتعذيب.

موضوع اللاجئين: يبدو أن الكلام فيه أصبح ضرباً من الخيال، ولا أمل

في حله، حتى ولو اجتمعت لجان مختلفة لهذه القضية.

مسألة المعتقلين: لا زال الآلاف يرزحون في سجون العدو الصهيوني،

والغالبية العظمى منهم من الإسلاميين، وقد قامت السلطة الفلسطينية باستضافة من

تبقى منهم في سجونها.

على صعيد المفاوضات: فإن ما يتم إنجازه هو الشق الأمني الذي يصب في

صالح العدو، أما الأمور الأخرى فلا مجال لتحقيقها.

أما القدس: فسنشير لاحقاً إلى بعض المخططات الإسرائيلية حولها.

المستوطنات والهجرة اليهودية: إن عملية السلام المزعومة لم تَحُل دون

زيادة المستوطنات وزيادة المهاجرين اليهود خلال عهد رابين بيريز، فما هي

الحكمة من استمرار المفاوضات؟

وأخيراً وليس آخراً: حكومة جديدة للعدو لا تقيم وزناً لكل الاتفاقات السابقة، التي أمضى عرفات وأتباعه بل وأنظمة أخرى سنوات للحصول عليها، هذه

المكتسبات (! !) ذهبت أدراج الرياح تحت جرافات «شارون» لبناء

المستوطنات وتوسيعها، وتلاشت مع وطأة الجوع الذي يعاني منه قطاع غزة.

ومع هذا.. فالسلطة الفسلطينية مستمرة في دوامة التنازلات التي لا تنتهي

والاتفاقات التي لا تنجز، وتقزمت الأهداف الكبيرة إلى جزئيات، فلا زالت

المنظمة تسيطر على قطعة محدودة من الأرض، كانت إسرائيل تحلم بالتخلص منها

زمناً طويلاً، أكثر من ثلاث سنوات من وعود.. مجرد وعود في مسيرة أوسلو

البائسة، مارست السلطة خلال هذه الفترة ألواناً من التضليل.

من ناحية أخرى: ينبغي الإشارة إلى عنصر آخر في هذه المعادلة البائسة،

وهو طبيعة الحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث إنها تسعى إلى تعثر اتفاقات أوسلو

وانسحابات إسرائيل الشكلية من الخليل والمواعيد الأخرى، ومع هذا: فالمنظمة لم

تهتم بإعادة النظر في المعاهدات والاتفاقات مع إسرائيل، وقد أثبت اليهود أن

المراوغة والكذب أحد أهم الأسهم في كنانتهم طوال التاريخ، فهم قوم خيانة وخديعة

ولؤم.

بين فكي الكماشة:

لبيان صورة المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في الداخل، سنكتفي هنا

بالإشارة إلى صورتين: الأولى: شكل الحكومة الإسرائيلية الحالية، والثانية:

السلطة العرفاتية.. فالفلسطينيون لا يعانون فقط من الاحتلال اليهودي، بل ربما

يعانون أشد من ذلك من سلطة عرفات.

الحكم الإسرائيلي: إحدى أهم الأوراق الإسرائيلية المعروفة هي لعبة

الانتخابات وسياسة تبادل الأدوار بين الحمائم والصقور، ووفقاً للعبة الانتخابات:

فاز (بنيامين نتنياهو) بمنصب رئيس الوزراء، وتبددت كل أحلام اللاهثين

وراء السلام بمجيء حكومة الليكود، يقودها (نتنياهو) ، ولا ندري، لعل في

توليه للحكم خيراً في كشف اليهود للذين يفرقون بين الحمائم والصقور.

لم يجن عرفات وسلطته إلا الفشل والخسارة تلو الخسارة، ومن أوجه الخيبة: أن وضع عرفات كل إمكاناته في سبيل فوز بيريز في الانتخابات، بما في ذلك

تشجيع فلسطيني ٤٨ لانتخاب بيريز، وشن حملة أمنية شرسة ضد المعارضة،

وزج المئات منهم في السجون؛ للحيلولة دون قيام عمليات عسكرية ضد أهداف

إسرائيلية.

للتعرف على شخصية (نتنياهو) والحكومة التي يقودها إليكم هذا المثال:

أثناء تظاهرات الطلاب الصينيين والأحداث الدامية في ساحة (تيانمين) في بكين،

اقترح (نتنياهو) على الحكومة الإسرائيلية أن تقوم باستغلال انشغال العالم في

الحدث وتهجير الفلسطينيين بسرعة، وذكر أنه إذا سنحت له الفرصة فإنه سيقوم

بذلك.. هذا نموذج من أطاريح (نتنياهو) ، أما الأطاريح الأخرى فلا تقل عنه،

ولاءاته الانتخابية مشهورة: (لا لتقسيم القدس لا للدولة الفلسطينية لا للانسحاب من

الجولان) ، وشعاراته الداعية إلى زيادة الاستيطان، والحق الشرعي لليهودي في

الاستيطان في أي مكان في أرض إسرائيل.. كل ذلك معروف للجميع.

لقد بدأ (نتنياهو) حياته عسكريّاً إرهابيّاً في مجموعة نظمها (إرييل

شارون) لنسف بيوت الفلسطينيين في غارات ليلية، كما أنه جمع في حكومته

بعض أشهر المجرمين مثل (شارون) ، حتى إن ستة وزراء في حكومته شاركوا

في الهجوم على مطار بيروت المدني سنة ١٩٦٨م، أو خططوا لتنفيذ نسف

طائرات مدنية [الحياة ٤/١٠/١٩٩٦] ، ولكم أن تتصوروا دولة فيها وزير مثل (شارون) ، ووزير البيئة (رفائيل إيتان) رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي

سابقاً خلال غزو لبنان، الذي كان له دور رئيس خلال مذابح (صبرا وشاتيلا) ،

التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين، والذي يصف الفلسطينيين بأنهم صراصير

[دي ديلي تلجراف الأنباء ١٨/٣/١٤١٧هـ] .

حال المفاوضات:

حول سياسة (نتنياهو) : من المتوقع أن يعمد إلى إطالة أمد المفاوضات

قدر الإمكان أسوة بسلفه في قيادة الليكود (شامير) ؛ لإضاعة الوقت وإطالته

للضغط على الأطراف العربية، وخلالها يكون العدو الصهيوني قد أوجد كثيراً من

الحقائق الجديدة على الأرض، وبخاصة ما يتعلق بالاستيطان ومصادرة الأراضي،

وإقامة الطرق الالتفافية، هذه المحاور تنبئ عن المستقبل الغامض للمفاوضات،

وربما أبدى (نتنياهو) بعض المرونة المحدودة مستقبلاً في خطاباته وتكتيكاته،

ولكنها ستكون للمراوغة وكسب الوقت.

(نتنياهو) الذي يحتقر العرب والمسلمين [١] يريد إذلال عرفات، وهو لا

يقيم وزناً لما اتفق عليه طبقاً لسياسة اليهود الذين أخبرنا الله (سبحانه) العليم بأنه:

لا عهد لهم ولا ميثاق (أليس من العجيب أن يصرح شنودة بأن (اليهود لا عهد لهم

ولا ذمة، ولا يحترمون عهودهم) [الحياة ٤/١٠/١٩٩٦ م] بينما يصر بعض

الزعماء على وصف (نتنياهو) بأنه رجل يحترم كلمته ومواقفه؟) ، وقد أصاب

الإحباط أركان السلطة الفلسطينية، لأن الاتفاقات مع اليهود قد توقفت عمليّاً.

الأحداث الأخيرة:

لم تكد تمر مناسبة مرور ثلاثة أعوام على الاتفاق دون درس بليغ ومؤلم، ف

(نتنياهو) يوغل في تحدي المسلمين (والعالم أيضاً) ، فيفتتح نفقاً طوله ٤٥٧ متراً

يهدد أساسات المسجد الأقصى، وتقوم الجموع الغاضبة بالاحتجاج والتظاهرات

العارمة التي تذكرنا بالانتفاضة ويواجهها العدو بالحديد والنار، ويسقط عشرات

القتلى ومئات الجرحى، ولم يترك اليهود في هذه المواجهات حتى رجال السلطة

الفلسطينية، فقد أصيب اثنان من وزراء عرفات، وشوهدت صور الجنود اليهود

وهم يضربون بعض رجال السلطة، بالإضافة إلى إصابة بعض الشخصيات

المعروفة، وتلك كانت صورة أخرى تبين مدى هوان عرفات ورجاله وأنه لا قيمة

لهم ولا حصانة، كما تكررت هذه الصورة سابقاً عند كل معبر يمر فيه رجال

عرفات وأعضاء المجلس التشريعي.

مفاوضات عرفات نتنياهو: المفاوضات في أمريكا باءت بالفشل وبلغت قمة

الخيبة لعرفات، ولو كان لديه كرامة أو عزة لذهب إلى تونس مباشرة ولم يعد إلى

غزة.

ونظراً لأن السلطة الفلسطينية لا تملك شيئاً من عناصر القوة: فإنها كلما

شعرت بأزمة خانقة تلوح بورقة الشعب الفلسطيني وقدرته على العودة إلى

الانتفاضة وإلحاق أضرار كبيرة بالكيان الإسرائيلي وبعملية السلام برمتها، وربما

تعمد السلطة إلى إطلاق سراح بعض ناشطي حماس، أو يطلق عرفات بعض

التصريحات بأن الانتفاضة ستعود، مع أنه لم يكن له دور في بدايتها أصلاً.

القدس:

يعتقد اليهود أنه لا كيان حقيقي لهم دون (أورشليم) ، وبالتالي: فإن

مخططاتهم لتهويد مدينة القدس تجري على قدم وساق، وقد وضع عام ٢٠٠٠

موعداً نهائيّاً لانتهاء حلقات هذا المسلسل الطويل، ولو تتبعنا الإجراءات التي مرت

بها هذه المخططات لطال الأمر، لقد تم هدم نحو ٥٠٠ مسجد خلال الفترات

الماضية في منطقة القدس، وتم تحويل بعض المقابر إلى مواقف للسيارات، ونشط

بعض رؤساء البلديات اليهود خصوصاً «إيهودا أولمرت» في ذلك، كان

المسلمون يملكون ما نسبته ٨٢% من مساحة القدس عام ١٩٤٨م، أما الآن: فإن

النسبة أصبحت معاكسة، حيث يقع ما نسبته ٩٦% من المساحة تحت أيدي اليهود، وقد تعاقبت الحكومات الإسرائيلية على هذه السياسة.

وفي الآونة الأخيرة: ازدادت (حمى) تهويد القدس وتتالت الأحداث

والمؤشرات التي تؤكد مضي رئيس الوزراء الإسرائيلي في تطبيق وعوده

الانتخابية، لتحقيق أحلام ناخبيه في جعل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ثم قام بإغلاق المؤسسات الفلسطينية في القدس المحتلة، واعتبر ذلك شرطاً لاستمرار المفاوضات، وأخذ يلوح بهذه الورقة، وإلا فلا ... وقد أعد نائب رئيس بلدية القدس (شمويل مائير) بالتنسيق مع منظمة (اتريت كوهانيم) المتطرفة خطة للاستيلاء على القدس الشرقية، تتضمن إغلاق خمسين مؤسسة فلسطينية، ومن هذه المؤسسات: بيت الشرق، وبعض المؤسسات الخيرية الفلسطينية [العالم اليوم ١٣/٤/١٤١٧هـ] وقد رضخت سلطة عرفات للمطالب الإسرائيلية، ووافقت على إغلاق هذه المؤسسات.

وقامت الحكومة الإسرائيلية، بوسائل كثيرة لمصادرة أراضي الفلسطينيين

بوسائل مختلفة، والتضييق على الموجودين في القدس الشرقية على سبيل المثال:

عندما قام أحد المواطنين بتجديد الدور العلوي لبيته قامت السلطات اليهودية بهدمه

بحجة عدم وجود ترخيص بالبناء، وتتالت هذه الأمور، ثم جاء أخيراً وليس آخراً

افتتاح النفق الذي اكتشفه عالم الحفريات الإنجليزي «رون» في منتصف القرن

الماضي، وقد افتتحه اليهود في تحد سافر للمسلمين والعالم كله، حتى تم تصويت

مجلس الأمن بأعضائه الأربعة عشر ولم يعارضه سوى الولايات المتحدة، يريد

اليهود تهويد القدس في أسرع وقت؛ فنسبة اليهود المتعصبين لدينهم المنحرف أعلى

نسبة، وهناك جمعيات مختلفة تخطط لبناء «هيكل سليمان» ، وبالمناسبة: فإن

هذا النفق المحفور تحت المسجد الأقصى قد أعلن عنه منذ ١٥ عاماً (عام ١٩٨١م) فماذا ستكون ردة الفعل يا ترى؟ قد يذكر بعضنا بمرارة ما هي ردة الفعل على

حادث إحراق المسجد الأقصى عام ١٩٦٩م، حين اجتمع زعماء البلاد الإسلامية،

وكان موقفهم التعبير في بيانهم الختامي عن (أعمق القلق) في قلوب ٦٠٠ مليون

مسلم، هم تعداد المسلمين آنذاك، كان ذلك وقت أن كانت هناك بقية من روح

العداوة لليهود، والبيانات النارية كانت تخدم الحكام، أما الآن: فلا مكان لتلك

الشعارات، والسلطات الإسرائيلية ماضية في خططها ولا تنوي التراجع، كيف ... و (نتنياهو) يؤكد في المقابلات المتتالية معه أن العرب ينفعلون بسرعة ويبردون

بسرعة؟ ! !

الحاصل: أن اليهود يخططون الآن لإنشاء معبد الهيكل، ويعتقدون أن جبل

الهيكل هو باحة المسجد الأقصى.

المستوطنات:

تخطط الحكومة الإسرائيلية لزيادة عدد المستوطنين اليهود في الضفة البالغ

عددهم (١٤٠) ألفاً بصورة كبيرة، وذلك برفع القيود على بناء المستوطنات التي

كانت مفروضة سابقاً، رغم مخالفة ذلك لاتفاقات أوسلو بشكل واضح، وقد قرر

مجلس المستوطنين زيادة المستوطنين إلى نصف مليون خلال السنوات القريبة

القادمة، وتتضمن هذه الخطط التي تدعمها الحكومة بناء ثماني مستوطنات. [القبس

١٤/٣/١٤١٧هـ] .

لقد كان تعيين (شارون) وزيراً للبنى التحتية يهدف إلى تحقيق الأحلام

التوسعية اليهودية، ودعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وزيادة عدد المستوطنات،

تمده في ذلك وزارة ثرية تتمتع بميزانية تقدر بسبعة بلايين دولار، وقد بدأ

(شارون) بتكثيف أنشطته لشراء أراضٍ في الضفة الغربية تحت غطاء مسميات

أشخاص وشركات مسجلة في أوروبا وقبرص وغيرها، مدعوماً في ذلك بمئات

الملايين من الدولارات التي خصصتها حكومة ليكود السابقة لهذا الغرض، وقد

كشف النقاب عن بعض الصفقات المشبوهة التي كادت تتم عن طريق سماسرة من

العملاء العرب [الحياة ٢٧/٣/١٤١٧هـ] .. (شارون) أعلن في أول مؤتمر له بعد

توليه الوزارة عن عزمه بناء مدينة جديدة قرب الخط الأخضر بين (الخليل) و (بئر

سبع) ، كما أعلن من جهة أخرى: تكثيف الاستيطان في الخليل وتوسيع (بئر سبع)

لتصبح قادرة على استيعاب نصف مليون شخص، وتحدث عن مشاريع أخرى،

وقال: (لقد انتخبت الحكومة لكي تنفذ هذه السياسة) [الحياة ١٦/٣/١٤١٧هـ] ،

وأكد (نتنياهو) على أنه سيعمل على زيادة الاستيطان في الأراضي المحتلة

بنسبة ٥٠% خلال السنوات الأربع القادمة.

فإذا ما استمر الاستيطان على هذا النمط المحموم، فعلى ماذا ستفاوض

المنظمة مستقبلاً، وقد ابتعلت إسرائيل الأرض كلها؟ ! .

أما الإنجازات التي حققها الفلسطينيون فهاكم بعضها:

حكم وسلطة وهمية: لقد أدرك الجميع أن سلطة عرفات غير مسموح لها

بممارسة أي سلطة أوسيادة، اللهم إلا سلطة القمع والإرهاب لمواطنيها، ومن

العجيب أنه رغم صغر المساحة التي تسيطر عليه سلطة عرفات فإنها اتسعت

لاعتقال آلاف الشباب الذي ينشد الكرامة والعزة، لقد حققت سلطة عرفات بعد

عامين من السلطة الوهمية هدفاً ذهبيّاً لإسرائيل كانت تسعى إليه، حيث خلصتها

من كابوس غزة، وأراحتها من المتاعب اليومية مع الفلسطينيين في ظل الانتفاضة

[الحياة ٧/٤/١٤١٧هـ] .

ولعل أبرز وأول إنجازات هذه السلطة هو ضرب النشاط الإسلامي الفاعل في

فلسطين، وقد أثبتت السلطة الفسلطينية طوال الفترة الماضية أنها مجرد سلطة

تتلقى الأوامر من حكومة إسرائيل للقضاء على عدوها التقليدي والمتمثل في حركتَي

المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، وقد تجلى هذا الأمر في سجن

قيادات وعناصر العمل الإسلامي، وبرز في ضرب الجمعيات الإسلامية ... الاجتماعية، بل وظهر في محاولة عرفات السيطرة على المساجد في خطوة عجز

عنها كثير من الأنظمة الطاغوتية الأخرى، ويشير المراقبون إلى دور رئيس للسلطة الفلسطينية في التعاون مع السلطات الإسرائيلية في قتل بعض قيادات حماس العسكرية والجهاد الإسلامي، وفي هذا الإطار لا يستبعد ما ذكره (بيريز) في مقابلة مع صحيفة (نوفيل أوبسرفاتور) من أنه اتفق مع عرفات على تأجيل الانسحاب من الخليل في الموعد المحدد؛ لخشية عرفات من سيطرة حماس على المدينة، وذلك في أعقاب هجمات حماس الانتحارية [رويتر والوكالات في ٤/ ١٠/ ١٩٩٦م] ، ومع هذا وذاك: لم يستح عرفات من الحديث عن تدبير الأصوليين في الخارج (! !) محاولات انقلاب ضد السلطة الفلسطينية [صحيفة الوطن ٢٠/ ٨ / ١٩٩٦م] .. لقد سعت المنظمة مدعومة بكل الخبرات والإمكانات العسكرية والأمنية والسياسية والمالية الإسرائيلية والغربية، ومقتبسة كل تجارب الأنظمة الديكتاتورية القمعية في محاربة الشعوب، سعت إلى سحق الحركة الإسلامية في فلسطين وتصفيتها أو تفريغها من مضمونها، وبث الفتن والفرقة بينها، ونحن نحذر إخواننا.

هذه الحرب للإسلاميين يقابلها عند اليهود دعم لا بل تنفيذ لأوامر حاخامات

اليهود ورجال دينهم، خصوصاً بعد أن قويت شوكة الأحزاب الدينية في إسرائيل،

وأصبح لهم (٢٩) نائباً في الكنيست.

سِجِل السلطة في التعذيب والقهر: لا أحد خارج بطانة عرفات يعرف كم

هي عدد الأجهزة الأمنية الواقعة تحت سيطرته، فالتخمينات المعلنة تشير إلى أنها

بين (٦) و (١٠) أجهزة، وتقول الاستخبارات الإسرائيلية: إنها ثمانية تضم

(٣٠٠٠٠) شخص، ولعل القارئ الكريم يذكر أن كثيراً من قيادات وعناصر هذه

الأجهزة تلقى تدريبات خاصة في بعض البلدان المجاورة حيث توجد أشرس آلات

القمع العربية، وطبقاً لاتفاقات أوسلو العلنية والسرية: فإن المطلوب من رجال أمن

عرفات مكافحة الإرهاب مستخدماً (جميع الإجراءات الضرورية) ، وبناءً على ذلك: قامت سلطة عرفات باعتقال ما يزيد عن ألفي شخص في هذا الإطار، ويتحدث

الذين أطلق سراحهم عن عمليات تعذيب منتظمة بشعة [الأنباء، ع (٧٢٧٩) نقلاً

عن نيوزويك] ، ويذكر مقال الـ (نيوزويك) أيضاً أن الدبلوماسيين في المنطقة

يوافقون على أن سجل عرفات في مجال حقوق الإنسان (فظيع جدّاً) ، وعندما كان

رجال عرفات يدخلون بيتاً من البيوت كانوا يعيثون فيه فساداً، يكسرون ويحطمون، فما هي الحكمة من هذه الأفعال الشائنة رغم أنهم يعتقلون صاحب البيت؟ ! .

تشير صحيفة (الأوبزيرفور) إلى أن الشهادات التي جمعها ناشطون في

مجال حقوق الإنسان تشير إلى أن قادة شرطة عرفات (التي يبلغ عدد أفرادها ٤٥

ألف شخص) ملطخون بالفضائح التي تتراوح ما بين الخطف والاغتصاب والابتزاز

وسرقة الأراضي [الأنباء ٩/٨/١٩٩٦م] .

وفي الحقيقة: فإن هذا القمع والاعتداء لم يقتصر على حماس (العدو التقليدي

للسلطة) ، بل أصاب بعض المنتمين إلى فتح (صقور فتح) ومَن يناهضون العملية

السلمية والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وهذه شهادة من داخل البيت: يقول (حسام خضر) عضو المجلس

التشريعي الفلسطيني: (أستطيع أن أقول: إن هناك عمليات تعذيب منظمة في

سجون عرفات، لقد كنت أنا نفسي نزيلاً مخضرماً في سجون إسرائيل، حيث

اعتقلني الإسرائيليون (٢٣) مرة، ولكن ما يجري في سجوننا الآن هو أسوأ بكثير

مما عرفناه في السجون الإسرائيلية خلال (٢٧) عاماً من الاحتلال) [الأنباء ٩/٨/

١٩٩٦م، ترجمة مقال في الأوبزيرفور] .

في مقابل هذا القمع والتعذيب: هناك صورة مناقضة تبين مخططات عرفات

ومنظمته للشعب الفلسطيني: لقد دأب عرفات ورجاله على ترديد معزوفات سخيفة

حول (الانتعاش السياحي) و (هونج كونج الشرق الأوسط) ، وكان من أبرز ما

بدؤوا به وشجعوه: إنشاء نوادٍ مختلفة للفسق والمجون، ومن هذه المنتجعات:

نادي النورس الذي كلف ملايين الدولارات، [انظر: القبس، رويتر ١٣/٤/١٤١٧

هـ] كما يتناقل الناس الحديث عن صور أخرى من الفساد لم تكن موجودة سابقاً، خصوصاً خلال سني الانتفتاضة، فهل نشر الفساد مقصود؟

تلك صورة لبعض ما يعانيه الفلسطينيون.

... ... ... ... ... ... والله المستعان،،


(١) كما كشف في لقاءاته، وفي كتابه مكان تحت الشمس.