للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظرية «الوسيلة والهدف»

في القيادة

ر. ج. هوز [١]

ترجمة: طارق عبد الحليم

هذه الدراسة المترجمة التي نقدمها في مجال الدراسات الاجتماعية، استكمالاً

لما قدمناه في العدد الثامن من «البيان» ، هي لعالم الاجتماع الأمريكي روبرت

هوز، المتخصص في علم النفس الاجتماعي Social Psychology والتي قدم

فيها الورقة الأولى لنظرية جديدة في فن القيادة وسماها بنظرية (الوسيلة والهدف) ،

وتعني بتحديد المهام الرئيسية للقيادة كما يراها، والتي على رأسها إيضاح الهدف

المنشود، وبيان الوسيلة لتحقيقه، وأثر ذلك على سلوك الاتباع.

ظهرت - في الحقبة الأخيرة - مجموعة من الدراسات في مجال دراسة

«القيادة» تعرف باسم نظرية «الوسائل والأهداف» ، وحسب هذه النظرية فإن

فعالية القيادات تتحدد بدرجة تأثيرها على حفز همم المرؤوسين (الاتباع) ، ورفع

قدراتهم على أداء العمل بفعالية، وتنمية شعورهم بالرضا والاكتفاء الداخلي عن

العمل، وقد أطلق على هذه النظرية «الوسائل والأهداف» لأنها تصب اهتمامها

على كيفية تأثير القائد على تصورات اتباعه عن «الهدف» من العمل الجماعي،

وعن تطلعاتهم الشخصية، وطرق ووسائل تحقيق كلا الهدفين.

الأسس التاريخية للنظرية:

تمتد جذور نظرية «الوسائل والأهداف» في القيادة، لنظرية أكثر عمومية

تبحث في مجال «الدوافع» تعرف باسم نظرية «التوقعات»

(Expectations) وبشكل مختصر، فإن هذه النظرية الأخيرة تنص على أن

تصورات الأتباع ومواقفهم يمكن استنباطها من:

أ- درجة اقتناعهم بأن العمل الجماعي الذي يقومون به، سيؤدي إلى نتائج

محددة (التوقع) .

ب- درجة تقييمهم لهذه النتائج (التقييم) .

ولهذا السبب، فإن رضا الناس عن عمل ما، وما يحققه لهم من شعور

بالاكتفاء الداخلي، إنما يكمن في قناعتهم بأن هذا العمل سيؤدي بهم إلى الوصول

لتحقيق، أشياء ذات قيمة عالية في نظرهم.

هذا الأساس العقلي النظري، يمكن من خلاله التنبؤ بعدد من الظواهر

المتصلة بموضوع القيادة، فمثلاً: لماذا تتصرف القيادات بشكل ما في موقف ما؟

أو كيف يمكن أن تؤثر القيادة على «حفز همم» (Motivation) الأتباع على

العمل؟

وهذا الأمر الأخير، هو محور اهتمام هذه الدراسة الحالية، وهو أن «همم

الاتباع إنما تحفز على العمل حسب سلوك القيادة وأثرها في توضيح أهداف العمل

وقيمته، ووسائل تحقيق هذه الأهداف» .

وقد طور عدد من الباحثين (إيفانز، هارمر، جرين) في هذا الشأن، بعض

الافتراضات المحددة بشأن أثر السلوك القيادي على وسائل وأهداف الأتباع. وقد

ركز هؤلاء الباحثون على أمرين:

١ - كيفية تأثير القائد على توقعات اتباعه في أن «الجهد المبذول سيؤدي

إلى أداء فعال، ومن ثم إلى نتائج قيمة، ومقابل مجزٍ.

٢- كيفية تحول هذا التأثير إلى دافع لحفز همم الأتباع لزيادة العمل كماً وكيفاً.

وعلى الرغم من أن تنظير فن القيادة من زاوية الوسائل والأهداف للاتباع،

يدرج في مراحله الأولى، فإننا نعتقد أن له مستقبلاً واعداًٍ لسببين:

أولهما: أنها تعالج جوانب من سلوكيات القيادة لم تبحث من قبل، إلا أنها

تبدو مثمرة.

وثانيهما: أنها تحدد - بدرجة كافية من الدقة - العوامل المختلفة التي يتوقف

عليها سلوك القيادة في المواقف المختلفة.

وقد افترض» إيفانز «في بنائه النظري الأساسي، أن فعالية القيادة تتحدد

بقدرتها على إتاحة الفرصة للأتباع للوصول إلى النتائج التي يسعون إليها، مع ربط

هذه النتائج التي يرجونها بحسن أدائهم للعمل. وقد أوضح» إيفانز «أن أحد مهام

القيادة الاستراتيجية، هو إيضاح الوسيلة للأتباع لإتمام وتحقيق عمل ما للوصول

إلى نتائج وأهداف ذات قيمة لهم، كذلك فإن من مهام القيادة أن ترفع من درجة

» المقابل المتوقع «لدى الأتباع، بأن تكون داعمة لهم عن طريق الاهتمام براحتهم،

وحالتهم الاجتماعية والعامة، ذلك أن الإحساس الناشئ لدى الأتباع بأن القيادة

تدعمهم شخصياً، هو في حد ذاته» قيمة «مطلوبة كجزاء على العمل والجهد

يمكن للقائد أن يمنحها بنفسه، وتؤدي إلى رفع دافعية الأتباع للعمل ومزيد من الجهد.

كذلك فقد درس» إيفانز «العلاقة بين سلوك القيادة من جهة، ودرجة توقع

وتطلع الأتباع لتحقيق أهدافهم، وأوضحت هذه الدراسة أنه كلما أعطت القيادة

التوجيهات الكافية لأداء العمل، كلما كانت العلاقة بين سلوك القيادة وبين أداء

الأتباع طردية إيجابية.

وكما ربط» إيفانز «بين جودة أداء الأتباع، ودرجة قناعتهم بأن عملهم

سيؤدي إلى نتائج محددة قيمة، كذلك ربط بين هذا الأخير وبين سلوك القيادة وأدائها، بأن جعل وظيفة القائد الأساسية هي إيضاح الوسيلة لتحقيق الأهداف بشكل لا

يشوبه لبس، وجعل النتائج المرجوة مرتبطة بحسن الأداء كما سبق ذكره.

وانطلاقاً من هذا الخط فقد طور» هوز وكيسلر «نظرية أكثر تعقيداً من

نظرية (إيفانز) . وتسعى هذه النظرية لبيان أثر أربعة نماذج من السلوك القيادي

على الأبعاد الثلاثة التالية:

١- رضاء واكتفاء الأتباع بعملهم الجماعي.

٢ - قبول الأتباع لقيادتهم، واقتناعهم بها.

٣- قناعة الأتباع بأن جهدهم سيؤدي إلى أداء حسن، ومن ثم لتحقيق الهدف

المرجو.

هذه النماذج الأربعة القيادية هي:

١- القيادة الموجهة: Directive Leadership

وتعرف بأنها القيادة التي تعرف الأتباع بما هو منتظر منهم، وتعطي

التوجيهات المحددة للعمل المطلوب وكيفية أدائه، وتجعل دور الفرد كالتابع معلوماً

محدداً في مجموعته. كذلك فإنها تجدول العمل، وتحافظ على مستوى معين من

الأداء بالحرص على التزام الأتباع لقواعد وقوانين محددة.

٢- القيادة الداعمة: Supportive Leadership

وتعرف بأنها القيادة المتوددة، القريبة من الأتباع، والتي تظهر الاهتمام

بأوضاعهم واحتياجاتهم. وهذه النوعية من القيادة تهتم عادة بالتفصيلات الصغيرة

التي تجعل العمل أكثر إمتاعاً، وتعامل الآخرين على أساس من الندية والتكافؤ،

وبطريقة ودية دون حواجز.

٣- القيادة المشاركة: Participative Leadership

وهي القيادة التي تستشير أتباعها، وتستمع لاقتراحاتهم، وتضعها موضع

الجدية والاهتمام والدراسة قبل اتخاذ قراراتها.

٤ -القيادة التي تصب اهتمامها على العمل: A chievement-oriented

Leadership

وهي التي تحدد أهدافاً عالية لأتباعها، وتتوقع منهم أن يتصرفوا على أحسن

مستوى، وأن يكونوا ساعين دائماً لتحسين أدائهم، كذلك فإنها تظهر الثقة في أن

أتباعها سوف يتحملون مسؤولياتهم، ويصبون اهتمامهم على إنجاز الأهداف السامية هذه النوعية من القيادة تؤكد دائماً على سمو الأداء، والثقة في قدرة الأتباع على

تحصيل هذا المستوى.

وقد ذكرت بعض الدراسات أن هذه الأنماط المختلفة من السلوك القيادي قد

تظهر في قيادة واحدة تبعاً لاختلاف الموقف، فعلى سبيل المثال، قد يكون القائد»

موجهاً «في بعض الحالات، لكنه مشاركاً أو داعماً في حالات أخرى. لذلك فإن

الطريقة التقليدية في تعريف القائد بأنه» داعماً «أو» مشاركاً «أو» موجهاً «

لم تعد بذات نفع، كذلك فإن القيادة تستطيع أن تتخير من أنماط السلوك القيادي ما

يناسب الموقف المطلوب لقيادة الأتباع. والنظرية التي كنا بصددها الآن، وإن

كانت تعتبر شرحاً مؤقتاً - وغير نهائي - لتأثير سلوك القائد، فإنها غير متكاملة،

ذلك أنها لا تتناول بقية أنماط السلوك القيادي، كما أنها لا توضح أثر هذا السلوك

على العوامل الأخرى خلاف رضاء الأتباع، وشعورهم بالاكتفاء.

نظرية الوسيلة والهدف:

الافتراضات العامة:

الفرض الأول: أن سلوك القائد مقبول ومرضي للأتباع، إذا كان الأتباع

يرون في هذا السلوك مصدراً لتحقيق اكتفائهم ورضاهم الداخلي حالاً أو مستقبلاً.

الفرض الثاني: أن سلوك القائد يجب أن يكون له تأثير» حافزي «، بمعنى

أن يحقق زيادة الجهد، حين يرتبط بأمرين:

١- أن يجعل تحقيق احتياجات الأتباع متوقفاً على حسن أدائهم.

٢- أن يساعد هذا السلوك على توفير الظروف الملائمة لتحسين الأداء

بواسطة التعاون والتوجيه والدعم والجزاء اللازم لتحقيق كفاءة الأداء.

ومن الأبحاث السابقة على نظرية» التوقع «السابق ذكرها، يمكن استنتاج

أن مهام الزعيم الاستراتيجية هي:

١- تحديد وحفز احتياجات الأتباع التي تكون للقائد إمكانية السيطرة عليها

وتحقيقها لهم.

٢ - التركيز على زيادة الإنتاجية الفردية للاتباع لتحقيق أهداف العمل.

٣ - تسهيل وإيضاح وسائل زيادة الإنتاجية بالتدريب والتوجيه.

٤ - مساعدة الأتباع في الحصول على آمالهم والإفصاح عنها.

٥ - تقليل فرص الشعور بالإحباط.

٦ - زيادة فرص الرضاء الشخصي للأتباع عن العمل، بشرط حسن أدائهم.

العوامل الشرطية: Contingency Factors

هناك فئتان من المتغيرات الظرفية (التغير في الموقف والظروف) يمكن

اعتبارهما عوامل شرطية.

والعامل الشرطي: هو المتغير الذي يؤثر على العلاقة بين متغيرين آخرين.

مثال ذلك: يمكن القول بأن» هيكلية العمل « (كعامل شرطي) تؤثر على درجة

الارتباط بين كل من سلوك القائد التوجيهي (كمتغير أول) وإحساس الأتباع بالرضاء

نتيجة هذا السلوك (كمتغير ثان) ففي حالة ارتفاع درجة هيكلية العمل: كلما زادت

درجة توجيه القائد لأتباعه، كلما قل إحساسهم بالرضاء عن العمل ونتائجه،

والعكس في حالة ضعف هيكلية العمل (أي درجة وضوح المطلوب وتنظيمه) نجد

أنه كلما زادت درجة وكمية توجيهات القائد للأتباع، كلما زاد إحساسهم بالرضاء

لهذا يمكن القول بأن العلاقة بين درجة توجيه القيادة للأتباع وإحساس الاتباع

بالرضاء، متوقفة على (أو مشروطة ب) هيكلية العمل ودرجة وضوحه.

والعاملان الشرطيان في هذه النظرية هما:

١- الصفات الشخصية للأتباع.

٢- الضغوط البيئية التي يجب أن يتلاءم معها الأتباع حتى يتمكنوا من تحقيق

أهدافهم، والوصول لإرضاء ذواتهم، وتأمين احتياجاتهم. وبالرغم من أن هناك

عوامل ظرفية أخرى تؤثر على تحديد نوعية السلوك القيادي، إلا أنها غير محددة

حتى الآن.

الفئة الأولى من العوامل الشرطية (صفات الأتباع) : Subordinates Characteristics

تؤكد نظرية الوسيلة والهدف على أن سلوك القيادة يكون مقبولاً لدى الأتباع،

ما دام محققاً لرغباتهم وآمالهم حالاً أو مآلاً. وتحدد صفات الأتباع الشخصية هذا ا

لمفهوم.

فمثلاً، قد أوضح رينون وميتشل باستخدام مقياس» مركز التحكم «أن

درجة الفرد على هذا المقياس تؤثر في العلاقة بين السلوك القيادي المشارك،

ودرجة رضاء الفرد التابع. وهذا المقياس يعكس رأي الفرد في مدى استجابة البيئة

المحيطة لسلوكه وتصرفاته. فبعض الناس يعتقدون أن ما يحدث لهم -من البيئة

المحيطة-إنما هو بسبب سلوكهم هم، والبعض الآخر يعتقد أن ما يعرضون له إنما

يكون بسبب الصدفة العابرة لا أكثر.

فالطائفة الأولى ترحب بالقيادة المشاركة (نظراً لأن أفرادها يرون أن

مشاركتهم في صنع القرار ستنعكس على ما يحدث لهم) أكثر من الطائفة الثانية التي

تفضل النمط القيادي الموجه.

كذلك فإن درجة قناعة الأتباع، بتكافؤ إمكانياتهم الشخصية مع الأعمال

الموكلة لهم، تعتبر من الصفات الشخصية للأتباع التي يمكن أن تعد من قبيل

العوامل الشرطية، فإنه كلما كان الأتباع أكثر إحساساً بقدرتهم الشخصية على أداء

العمل المطلوب، كلما قل ترحيبهم بالنمط القيادي الموجه أو السلوك التدريبي،

حيث أن ذلك يؤدي إلى تقليص دافعية الأفراد على العمل، حيث يرون ذلك نوعاً

من الرقابة التي تضيق عليهم الخناق.

الفئة الثانية من العوامل الشرطية (الضغوط البيئية) : Environmental

Pressures

وتحدد هذه الفئة بمجموعة العوامل التي لا يمكن للأفراد السيطرة عليها، مع

أنها لا تزال ذات أهمية بالغة في الوصول بهم إلى درجة الاكتفاء والقدرة على

تحسين الأداء. وتؤكد النظرية على أن تأثير السلوك القيادي على الحالة النفسية

للأتباع، يتوقف على ظروف بيئية أخرى ذات علاقة بدافعية الأتباع، هذه

الظروف البيئية هي:

١- نوعية العمل المنوط بالفرد.

٢ - نظام تسلسل السلطة الرسمي للمنظمة.

٣ - مجموعة العمل الأساسية التي يعمل الفرد من خلالها.

وتقييم هذه العوامل البيئية يمكن من التنبؤ بدرجة ونوعية تأثير السلوك

القيادي على مجموعة معينة من الأتباع.

وتؤثر هذه العوامل الثلاثة السالفة الذكر على الأتباع بإحدى الطرق الثلاث

التالية:

١- أن تكون» حاثّة «لدافعية الفرد وانكبابه على عمله.

٢- أن تضبط سلوك الأتباع في شكل محدد لصالح العمل وهذه الضوابط

تساعد على إبراز آمال الأتباع في أن الجهد سيؤدي للجزاء الحسن، وعلى الحد من

تخوفاتهم من حدوث تضارب أو اضطراب.

٣- كذلك فإنها تعتبر كمكافآت على بلوغ درجة الكفاءة المطلوبة للعمل فمثلاً:

قد يعتبر الفرد أن الثناء الذي يتلقاه من زملائه في مجموعة العمل التي يتبعها، على

حسن أدائه، مكافأة إضافية، بغض النظر عن ثناء القائد نفسه عليه. من هنا يمكن

القول بأن أثر القيادة على دافعية الأتباع للعمل يرتبط بدرجة تأثير البيئة المحيطة

كحاثة للدوافع، أو كضوابط للسلوك أو كعامل جزائي إضافي.

وبالنسبة للبيئة، فإن نظرية» الوسيلة والهدف «تؤكد على أنه عندما تكون

أهداف العمل ووسائله واضحة-بسبب طبيعة العمل الروتينية، أو نمطية العادات

ووسائل التحكم في الأداء - فإن أي محاولة للقيادة في أن تتدخل لإيضاح العمل

ووسائله وأهدافه بشكل زائد ستكون غير ذات نفع، لأنها ستعامل من جهة الأتباع

على أنها تدخل مباشر دون داع. وعلى الرغم من أن ذلك قد يؤدي إلى تحسن

الأداء بعض الشيء إلا أنه سيؤدي كذلك للحد من درجة رضاء واكتفاء الأتباع في

أداء عملهم.

كذلك فإن هذه النظرية تنص على أن سلوك القيادة يساعد على حفز همم

العاملين ما دام يساعدهم على التلاءم مع مخاطر ومجاهل البيئة المحيطة التي تأتي

من مصادر متعددة لإحباطهم.

ومثل هذا السلوك القيادي الذي يحمي الأتباع من مخاطر ومجاهل البيئة،

يؤدي لزيادة دافعيتهم للعمل نحو الهدف، طالما أنه يزيد من قناعتهم بأن حسن

الأداء سيؤدي إلى حسن الجزاء.

وهذه الافتراضات، والمواصفات الخاصة بالشروط الظرفية، تقدم هيكلاً

مشجعاً يمكن من خلاله بناء وتطوير البحث مستقبلاً للوصول إلى نظرية متكاملة في

القيادة.


(١) Path-goal Theory of Leadership, HOUSE, R J and MITCHELL, T R, Journal of Contemporary Business ١٩٧٤ P٨١-٩٤.