للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

ماذا يبقى من فلسطين؟

(٢ من ٣)

القدس والمستوطنات

بقلم: حسن أحمد قطامش

عرض الكاتب في الحلقة الأولى، كيف أثبت الواقع كذب الشعارات الطنانة

التي كان يطلقها زعماء (التحرير) وأساطين المنظمات الفلسطينية وأوضح مسلسل

الاستلاب للأراضي المحتلة، حتى أصبح الفلسطينيون قلة مجردة من السيادة

ومحرومة من الثروات، واستحوذ اليهود على الأرض والثروات، ويواصل الكاتب

في هذه الحلقة عرض جوانب أخرى.

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... - البيان -

قدسنا.. والمستوطنات:

«لم أدرك أبداً أن مدينة القدس قد تهودت إلى هذا الحد كما أدرك ذلك ... الآن! !» .. هذا ما صرح به أحد المسؤولين الفلسطينيين وهو «محمد حسين» لرفاقه الذين يبحثون السبل والخطط لمواجهة السياسة (الإسرائيلية) في المدينة.

إن الأمر جد مفجع مع هذه الأرقام وهذه الخطط اليهودية لتغيير المدينة بأكملها.

يقول «خليل التفكجي» مدير دائرة الخرائط في «جمعية الدراسات العربية» في القدس: لقد سيطروا على ٣٤% من مساحة القدس، وحولوا ٤٠% من

أراضيها مناطق خضراء يمنع البناء عليها، وصادروا ٥% من مساحة أراضيها

لشق الطرق، وأخرجوا ٧% من مساحة أراضيها من التنظيم، فيما يقيم المقدسيون

الآن على ١٠% فقط من مساحة القدس، لم يبق الآن سوى ٤% من المساحة كلها « [الحياة، ع/١٢١٦٣ ١٥/٦/ ١٩٩٦م] .

كان عدد سكان القدس العربية (١٧٠) ألفاً، إلا أن الاضطهاد الذي مارسته

إسرائيل ضدهم أجبر نحو (٧٠) ألفاً منهم على ترك المدينة للإقامة في القرى

الفلسطينية المجاورة، وتقول» توفا إلينسون « (الناطقة باسم وزارة الداخلية

الإسرائيلية) : إن ثلاثة آلاف فلسطيني من القدس الشرقية حصلوا على الجنسية

الإسرائيلية عام ١٩٩٤م، أي أكثر من ضعف العدد في العام ١٩٩٣م [الحياة، ع/

١١٦٥٦ ١٧/٨/ ١٤١٥هـ] .

ومنذ نحو سنتين لجأت مؤسسات الحكومة (الإسرائيلية) إلى سحب حق

المواطنة» الهوية الشخصية «من الفلسطينيات المقيمات مع أزواجهن خارج

القدس، وذلك بهدف تقليل عدد المسلمين في القدس، ودفعهم إلى الحصول على

الجنسية (الإسرائيلية) ، وخلف الكواليس: بدأت مؤسسة التأمين الوطني

(الإسرائيلية) (الضمان الاجتماعي) تشجيع السكان على الحصول على الجنسية

(الإسرائيلية) ؛ للحصول على امتيازات أفضل، فيما طالبت مؤسسات (إسرائيلية) ؛

عديدة موظفيها العرب بالحصول على الجنسية (الإسرائيلية) مقابل الاستمرار في

العمل لديها [انظر: الحياة، ع/١٢١٦٣١٥/٦/١٩٩٦م] .

المشكلة أكبر من أي تصور؛ إذ إن عدد الذين يفقدون حقهم في أن يكونوا

مواطنين في مدينة القدس يتراوح ما بين ٥٠ ٦٠ ألف فلسطيني، فعدد سكان مدينة

القدس حالياً (٥٦٧) ألف نسمة، الفلسطنيون منهم (١٧٠) ألفاً، منهم تسعة آلاف

حصلوا على الجنسية (الإسرائيلية) ، فالهدف واضح من تحويل الكثافة السكانية

لصالح اليهود، حتى إذا جاء التفاوض حول القدس، فالأغلبية يومها (لا قدر الله)

(إسرائيلية) ، فلا مجال وقتها للحديث عن سلطة فلسطينية على أغلبية (إسرائيلية) .

وفي التقرير الذي نشرته منظمة (بيت تسليم) المعنية بالدفاع عن حقوق

الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ذكرت أن في عام ١٩٦٧م كان أكثر من ٨٥%

من الأراضي ملكاً للفلسطينيين، واليوم: لم يبق لهم سوى ١٣% من مساحة القدس

[الشرق الأوسط، ع/٦٤١٣ ١٩/٦/١٩٩٦م] .

والآن، وبعد فوز حزب الليكود في الانتخابات بجانب بقية الأحزاب اليمينية: فلقد أصبحت المشكلة أكبر حجماً؛ إذ إن رأس الحكومة ليكودي، ورئيس بلدية

القدس» أيهودا أولمرت «ليكودي، وسيخلفه في رئاسة البلدية المتطرف ... » شموئي مائير «من حزب (مفدال) ، حزب الوطنيين المتدينين، والذي يوصف

بأنه (البلدوزر) ؛ وذلك لتهديده الدائم بهدم (٢٠٠٠) منزل، قال إنها بنيت بدون

ترخيص في القدس، هذا (البلدوزر) لديه خطة استيطانية (نسأل الله أن يعجل به

قبل أن يبدأها» تتلخص في المشاريع التالية:

١- بناء (١٧٠٠) وحدة سكنية قرب شارع القدس، (معاليه أدوميم)

(مستوطنة يهودية كبيرة، على طريق القدس/أريحا) وذلك بهدف إيجاد تواصل

إقليمي يهودي بين حي بسفات زئيف (شمال غرب القدس) والتلة الفرنسية (حي

الشيخ جراح) ، ولتنفيذ هذا المخطط (الذي يطلق عليه: بوابة الشرق) سيتم

مصادرة (٨٢٧) دونماً من أراضي القدس.

٢- إقامة (١٣٢) وحدة سكنية استيطانية على أراضي حي رأس العامود،

وهو المشروع الذي رفض تنفيذه وزير الداخلية السابق «حاييم رامون» ، وقد

صادقت على هذا المشروع اللجان (الإسرائيلية) ، ويبقى إقراره من وزير الداخلية

الجديد.

٣- إقامة (٦٥٠٠) وحدة سكنية استيطانية على أراضي جبل أبو غنيم (بين

بيت ساحور وقرية أم طوبا) لإسكان المتدينين اليهود، وسيطلق على هذه

المستوطنة اسم (هارجوماه) وهي ستسد الثغرة الأخيرة في السلسلة الاستيطانية التي

تحيط بمدينة القدس.

٤- إقامة مئات الوحدات السكنية على (٣٥٠) دونماً من أراضي قرية (أبو

دليس) قرب القدس، وهي أرض منعت (إسرائيل) مع بداية احتلالها للقدس البناء

عليها بحجة أنها أرض زراعية.

٥- بناء عشرات الوحدات السكنية الاستيطانية على أرض جبل الزيتون

(المطل على المسجد الأقصى المبارك) سكناً لطلاب مدرسة «بيت أرومط»

التلمودية المتطرفة.

٦- ولعل أبرز المخططات الاستيطانية وأكثرها إمكانية للتطبيق: استيطان

بلدة القدس القديمة وقرية سلوان، إذ يدور الحديث عن وجود (٢٨) منزلاً سيتم

إسكان المستوطنين بها قريباً في قرية سلوان، وذلك في مسعى لتحويل القرية إلى

ما يسمى (مدينة داود) أما بلدة القدس القديمة فيدور الحديث عن وجود عشرات

المنازل التي سيتم التوطين فيها قريباً [الحياة، ع/١٢١٦٤ ١٥/٦/١٩٩٦م] .

وأخيراً: نكتفي بالخبر التالي دون سرد تفاصيله المحزنة: ذكرت تقارير

نشرت في (إسرائيل) أن حكومة «نتنياهو» بدأت بإعداد خطة عملية أولية لتنفيذ

قرارها المتعلق باستئناف أنشطة البناء والتوسع الاستيطاني في الأراضي ... الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع مجلس المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتهدف هذه الخطط إلى إقامة (١١) كتلة استيطانية وأربعة أحزمة أمنية، أحدها حول القدس [صحيفة الخليج، ع/٦٢٩٠٧/٨/١٩٩٦م، والرأي العام، ع/١٠٦٤٦ ١٤/٨/ ١٩٩٦م] .

والآن نعود للسؤال المطروح: ماذا يبقى من فلسطين؟ ! ، وما هي

التحركات التي اتخذتها السلطة الوطنية تجاه ما يجري تحت سمعها وبصرها؟ .

وبموضوعية: فكما نقبنا عن مخططات يهود نقبنا كذلك عن «تصريحات»

و «لاءات» السلطة، فما وجدناه سنذكره.

١- ياسر عرفات: عاصمة دولتنا المستقلة هي القدس، ومن لا يعجبه..

فليشرب من بحر غزة.. [حوار لمجلة الحوادث، ع/٢٠٤٦ ١٩/ ١/١٩٩٦م] .

٢- ياسر عرفات: الدولة الفلسطينية قادمة، ولن تكون لها عاصمة غير

القدس، ونحن مسؤولون عن ذلك [الخليج، ع/٦٢٢٨ ٦/٦/١٩٩٦م] .

٣- ياسر عرفات في قمة العقبة الثلاثية: إن الدولة الفلسطينية ستعلن قريباً،

وعاصمتها القدس الشريف، وهذا خيار الشعب الفلسطيني، ولا يمكن لأحد الوقوف

أمامه [الأنباء، ع/٧٢٠٤ ٥/٦/ ١٩٩٦م] .

٤- ياسر عرفات: هل كان هناك اتفاق مع حزب العمل وشمعون بيريز على

قيام الدولة الفلسطينية؟

ج: لقد قلت مثل هذا الكلام بوضوح كوضوح الشمس مع رئيس الوزراء

الراحل رابين ومع شمعون بيريز رئيس الوزراء الحالي، وها أنا أقوله في بداية

عهد نتنياهو: إن موقف فلسطين لا يتغير، ويجب أن تُفهم الانتخابات التشريعية

والرئاسية على أنها تكريس للسيادة الفلسطينية فوق الأرض الفلسطينية [حوار

للشرق الأوسط، ع/٦٤٠٩ ١٥/ ٦/ ١٩٩٦م] .

ونذكّر عرفات بحديثين، الأول: لبيريز الذي قالها واضحة كوضوح الشمس، قال فيه: «بإمكان عرفات أن يستمر في أحلامه بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، ومع ذلك فإن إسرائيل لن تعطي موافقتها» [الشرق الأوسط، ع/٦٣٦٦ ٣/٥/

١٩٩٦م] .

الثاني: نتنياهو: «لا يوجد الآن إمكانية لأن نتفق مع السلطة الفلسطينية

على الوضع النهائي، لأن الوضع النهائي للقدس، ويبدو أنها إحدى القضايا غير

القابلة للحل» [الرأي العام، ع/ ١٠٦٤٤ ١٢/٨/ ١٩٩٦م] .

وفي يوم ٥/٩/١٩٩٦م اجتمع نتنياهو بحزب الليكود، وقال لهم: يمكنكم أن

تحلموا كل ليلة.. وستستيقظون كل صباح لتجدوا أنه لا وجود لدولة فلسطينية! ! ، لا وجود لدولة فلسطينية، ولن تقوم دولة فلسطينية [القبس، ع/٨٣٣٧، والرأي

العام، ع/١٠٦٧٠ ٧/٩/١٩٩٦م] .

٥- فريح أبو مدين/ وزير العدل في حديث عن المستوطنات: حين

يصادرون أرضي ومستقبلي ومياهي يعتبر ذلك بمنزلة إعلان حرب، والحرب

تؤدي إلى حمام دم [الأنباء، ع /٧٢٥٩٣١/٧/١٩٩٦م] .

٦- أحمد قريع (أبو العلاء) / رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني: إنه ما لم

يتم حل مشكلة القدس، وما لم يتم إعادة المدينة للفلسطينيين، فإن عملية السلام

ستتوقف [الوطن، ع/٧٣٤١٢٠/٧/١٩٩٦م] .

٧- والآن، وأخيراً: لنرى ماذا لدى المسؤول المكلف بملف القدس: فيصل

الحسيني:

أ- إن الوضع في مدينة القدس كفيل بتهديد عملية السلام بالانهيار، الأمر

الذي يستلزم موقفاً حازماً وحاسماً.

ب- إن القدس تتعرض الآن إلى عزل سياسي، وذلك من أجل شطبها من

اهتمامات المواطن الفلسطيني، وإن هذا العزل أثر على الوضع الاقتصادي

والتجاري [الخليج، ع/٦٢٨١ ٢٩/٧/١٩٩٦م] بعد السماح لليهود المتطرفين بدخول

المسجد الأقصى.

ج- القدس لن تكون قرباناً لأي اتفاق سياسي [الاتحاد، ع/ ٧٨٠٣ ٢٩/٦/

١٩٩٦م] .

د - القدس خط أحمر.. وعودتها إلى السيادة الفلسطينية حتمية. [حوار

لعكاظ، ع/١٠٩٤٧٣/٨/١٩٩٦م أثناء الزيارة الأخيرة للمملكة العربية السعودية] .

هـ- س: هل أنتم متفائلون حقيقة بإنجاز حل يعيد القدس الشرقية ويثبت حق لاجئي ٤٨ في العودة لأرضهم، ويزيل المستوطنات؟ .

ج: لدينا أهداف، ويجب أن نفهم أن لدى كل شعب من الشعوب آمالاً وتقاليد

وعقائد وتاريخاً طويلاً، وهي مجتمعة تمثل تطلعاته المستقبلية، وتشكل السقف

العالي الذي يطمح في الوصول إليه، مع أنه ليس بالضرورة أن يصله دائماً.. فمن

حقنا العودة، ومن حق كل فلسطيني أن يعود إلى المنزل الذي يسكنه أبوه أو جده

في السابق، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا هو ما نسعى إليه أو ننجح في

تحقيقه عمليّاً! ! «.

وحول سؤال عن المعارضة الفلسطينية في الداخل قال: المعارضة موجودة،

فعندما أرى أمامي أحد قادة الجبهة الشعبية أو الديمقراطية فأنا ملتزم بالحديث معه

... وعندما تقام مستوطنة.. نذهب» للتظاهر «معاً. [حوار مع صحيفة الاتحاد،

ع/ ٧٧٦٩٢٠/٥/١٩٩٦م] .

٨- صحيفة يديعوت أحرونوت: إسرائيل تفكر بأن تقترح على الفلسطينيين

بناء قدس ثانية كعاصمة لكيانهم السياسي المستقل. [الوطن، ع /٧٢٨٢٢٢/٥/

١٩٩٦م] .

٩- فيصل الحسيني: نؤيد تحويل٠ المدينة إلى عاصمتين، إحداهما

للفلسطينيين، وأخرى لليهود، على أن تكونا مفتوحتين. [الحياة، ع/١٢١٤١٢٣/

٥/١٩٩٦م] .

١٠- مصطفى اللداوي/ممثل حركة حماس في بيروت: السلطة الفلسطينية

وإسرائيل اتفقتا على إيجاد قدس بديلة محاذية لرام الله. [المستقلة، ع/٩٤ ٢٦/٢/

١٩٩٦م] .

وأخيراً: فقد تتابعت الأحداث بشكل مأساوي؛ فقد أقدم (بيبي) لإرضاء

صديقه (أيهودا أولمرت) رئيس بلدية القدس، وإرضاء حلفائه اليمينيين، ووافق

على فتح نفق» الحشمو نائيم «نفق الأقصى، وهو عبارة عن قناة مائية اكتشفت

في القرن الماضي وبقيت منسية! ! ، إلى أن اهتمت بتنظيمها وزارة الأديان عام

١٩٨٧م، وأوصلتها بنفق البراق الممتد نحو (٥٠٠ متر) تحت حائط المبكى، وذلك

ضمن سلسلة الحفريات التي يقوم بها يهود لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم

المزعوم، وعندها هب المسلمون في أرض فلسطين: كانت مواجهة دموية توفي

خلالها (٩٦) شخصاً، وجرح (١٠٨٦) آخرين، وهذا العمل الإجرامي اليهودي

كان من شأنه أن يحدث تغيراً كبيراً في مفاهيم (القوم) وأقوالهم وأعمالهم، ولكن

كالعادة: لم يكن تجاه هذا العمل إلا العادة ذاتها: الجعجعة الكلامية.

فلقد أصدرت السلطة الفلسطينية مرسوماً، وزع على السفارات والبعثات

الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج، وكان مما جاء فيه:

إن الشعب الفلسطيني ومنذ اليوم الأول لانطلاقة عملية السلام في المنطقة

اختار طريق السلام عن قناعة وإيمان، باعتبار السلام الذي اختاره (خياراً

استراتيجيّاً لا رجعة فيه) .

ووضعت شروطاً لإعادة مفاوضات السلام على ضوء الاتفاقيات التي ولدت

السلام الهزيل، ثم حلت قمة واشنطن، ثم فشلت القمة، وبقي النفق مفتوحاً،

وأعيد التفاوض حول مسألة إعادة الانتشار في الخليل، والذي رفض في (الفقرة

ثانياً) من البيان، وعادت لعبة الكراسي الموسيقية مرة أخرى، وقد سمعنا من

التصريحات ما يضيق المقام عن حصره، والتي منها:» إعلان الجهاد « ... و» تكوين جيش إسلامي للدفاع عن الحرم المقدس «.. وإلى.. قطع المفاوضات!

وهي مزايدات، أول من يعرف كذبها: الشعب الفلسطيني نفسه.

هذا ما حصدناه من تصريحات (أصحاب القضية) بعد ما رأيناه من» أفعال «

أبناء القردة والخنازير.. وهو غيض من فيض، يؤلم كل مسلم أن تصير التنازلات

إلى هذا الحد المرير من الذل والمهانة.. ونتسائل: بأي ثمن باعوا الأرض؟ ! ،

وما الذي بقي منها؟ ، وماذا نحن فاعلون؟ ! .

... ... ... ... ... ... ... وحسبنا الله ونعم الوكيل.