للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيان الأدبي

المثقف مستهلِكاً

بقلم: حسام المالكي

جاءني صديق شغوف بالأدب وعالمه، وحدثني عن كشف نقدي جديد، تحوّل

به مَن تحوّل من نقاد الأدب فجأة إلى باحثين في الشأن الثقافي العام، وكان صاحبي

قد أدهشته الفكرة، خصوصاً حين بدأ مروجوها يقرؤون اللغة والثقافة (والدين

بالطبع مقومها الأول) من خلال التسليم بفكرة أولية، مفادها: أن الرجل هيمن على

عالم الثقافة كله؛ فشَكّله لحسابه الشخصي! وجعل من النوع الرجالي مركزاً مهيمناً، وهمش المرأة ظلماً وعدواناً، ثم لم يزل الأمر كذلك حتى بدأ اتجاه النقد النسوي

المعاصر، فكان أن بدأت المرأة تتعلم كيف تكسر تاريخ الهيمنة الطويل هذا! ،

وسيستغرق الأمر منها أزماناً مدداً، حتى تستطيع إعادة تشكيل اللغة والثقافة معاً

بعيداً عن مركزية الرجل وهيمنته.

فقلت له: يا صديقي إن ذلك ليس سوى صرعة غربية من ستينيات قرننا هذا

المؤذن بالرحيل، وأنت تعلم مدى شغفنا باستجلاب كل المكدسات الغربية والغريبة، التي عادة ما يبدأ تاريخ صلاحيتها عندنا بعد دخول تاريخ انتهائها عندهم بسنين

عدداً، ابتداء من أسلحة القتال العسكرية (التي تجوع لأجل شرائها الشعوب، ثم

تُسد صرخة البطن الجائع بنيران تلك المشتريات حين تُصَب عليها لا على العدو) ،

ثم مروراً بأسلحة الفكر، التي تعبر عن صراعات عالم آخر، ومشكلاته

وخصوصياته، وإن كنا في استهلاك الفكر أكثر زيفاً، خصوصاً حين ننزع عن

المنتج ثوبه الأصلي، ثم نضع عليه رقعة شائهة، نكتب فوقها تاريخاً جديداً

للصلاحية! ومعه ختمنا المعتاد، وأسماؤنا اللامعة.

يا صديقي نحن ما زلنا بعد كل شيء: ذلك المشتري الكسول، الذي يظل

طوال عمره زبوناً يستهلك بضائع الآخرين! ، وربما اشترى ما أُعِدّ للاستهلاك

غير البشري؛ فصنع منه وجبته الرئيسة! ، متلمِّظا بطعم الورم! الذي يحسبه

الشحم واللحم.

ألا تذكر وصية جدك المتنبي:

أُعيذها نطراتٍ منك صادقةً ... أن تحسب الشحمَ فيمن شحمُهُ ورمُ!