للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متابعات

هل يكفي النفي؟ !

بقلم:محمد بن عبد الرحمن الزامل

حرص د. (محمد يحيى) في كتاباته على المعلومات الحديثة، والأسلوب

المتجدد، والطرح المميز، مما جعلني من مداومي قراءة مقالاته، ولعل ذلك كان

السبب وراء هذا التعقيب أيضاً.

فقد قرأت مقاله المعنون بـ (ثقافة آكلي لحوم البشر) في العدد (١٠٦) ،

فوجدته يسير على المنوال نفسه الذي أَلِفتُه، حتى استوقفتني فقرة تحدث فيها عن

عدة تهم وجهت إلى الإسلام، نفاها عنه جملة وتفصيلاً بلوحة كبيرة كتب عليها (لا) ، دون أن يزيد على ذلك، ربما لأن المقام لم يكن يسمح بالتفصيل.. إلا إنني

أستسمح الدكتور عذراً في طرح بعض الأسئلة حولها:

- كيف تنفي عنا وعن ديننا تهمة الرغبة في السيطرة، والآخر يسمعنا نكرر

أنا مأمورون بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أو

يعطوا الجزية [عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] [التوبة: ٢٩] ؟ .

- أليس من حق هذا الآخر أن يتهمنا برفض الحوار الذي لا يمكن حدوثه إلا

في حال استعداد الطرفين للتنازل، وللتفاوض، ولمزج الأفكار؟ ، ومعلوم أن لدينا

ثوابت لا نتنازل عنها، ولا نفكر في ذلك أصلاً، بل يجب أن ندعو إليها ...

والثرى عن الثريا الفرق بين الدعوة والحوار.

- هل ستكون فكرة التسامح في الإسلام قائمة في ذهنه وهو يعلم أن الإسلام

إن سمح لأهل الملل الأخرى بالبقاء على عقائدهم، وإقامة شعائرهم، فلن يسمح

إطلاقاً بالدعوة لها، أو تحول المسلم إليها؟ .

- لماذا لا يصم الإسلام بالعنف، والإسلام يعد الجهاد وجهاد الطلب بالذات

ذروة سنامه؟ .

هل يمكن أن نمحوا كل هذه التهم، وفق كل هذه المعطيات، بإنكارها فقط؟ ! .

نعم.. كل هذا مما يحق للآخر أن يطرحه، وأن يتساءل عنه، وأن يورده

باعتباره تهماً، إذا كان لا يعرف أو لا يريد أن يعرف سمتين رئيستين للإسلام،

تقنن أداءه، وتحكم تفكير أهله:

أولاً: أنه منهج ينظر للأمور من زاويتين، دنيوية وأخروية، مغايراً بذلك

كل طرق التفكير السائدة اليوم، فحد الردة مثلاً معرة عند التفكير الدنيوي، أما عند

من جعل الجنة هدفاً يصوغ عليه منهجه فهو ضرورة، ولو أن يدخل الناس الجنة

(وهم يقادون إليها بالسلاسل) .

ثانياً: أنه منهج إلهي، خلافاً للمناهج الأخرى، القابلة للزيادة والنقص

والمراجعة والتنقيح، والانحياز والخطأ، لذا: نرى نحن المسلمين انعدام الغرابة

في أن يحكم الناس شرع ربهم، حتى ولو وصمه أعداؤه بحب السيطرة، وعدم

إعطاء الفرصة للآخر.

هاتان السمتان تجعلان الحوار مع أي حضارة أخرى يبدو عندي عديم الفائد [١] ، لغياب المرجعية في هذا الحوار وانعدامها، اللهم إلا أن يدور الحوار حول

المرجعية نفسها، كما هو الشأن في بداية الإسلام، فإما أن نرتد عن ديننا أقول ذلك

ثقة بديني، سائلاً الله الثبات وإما أن يكون الحوار في بقية الأحكام لمجرد التشويش، ليس إلا.

تعقيب الكاتب د. محمد يحيى:

بعد أن أزجي الشكر للأخ الفاضل (محمد بن عبد الرحمن الزامل) على

اهتمامه الكريم بما أكتب: أود أن أذكِّر أنني لم أنف التهم الموجهة ضد الإسلام

بكلمة (لا) فقط، ولكنني رددت على بعضها بتفصيل داخل المقال المذكور، وأيضاً

في غيره من المقالات، وأوضح أنني أفرِّق بين التهم التي توجه إلى الإسلام في

الغرب، وهذه لا أُعنى كثيراً بالرد عليها؛ لأنني أعلم مدى عداوة القوم وعدم

موضوعيتهم، بين ذلك ونفي التهم أو ما يشابهها مما ينقل من هناك إلى هنا ليردده

العلمانيون على مسامع قومنا ويَخْدعوا به من يخدعون، وهذه هي ما أحاول الرد

عليه.. وتعقيباً على ما ذكره الأخ الفاضل في رسالته أقول: إنني ممن لا يهتمون

ولا يفضلون مسألة الحوار مع الغرب التي فرضت فرضاً على الساحة الإسلامية

فيما يشبه الإكراه؛ لكي يضطر المسلمون إلى اتخاذ مواقف دفاعية، أو لينشغلوا

عن واجب الدعوة بالرد على التهم، أو ليقدموا تنازلات فكرية بل وعقدية مهمة؛

فقط لكي يحصلوا على رضا محاوريهم من الغربيين، ويؤسفني أن أشير إلى أسماء

معينة ذات مناصب كبيرة اتخذت هذا المنهج مؤخراً في عدة بلدان إسلامية، منها

(مصر) من حيث أكتب.

وأنا في هذا أتفق مع ما ذهب إليه الأخ (الزامل) في ختام خطابه، أما بالنسبة

لسائر ما جاء في الخطاب فأود أن أقول: إن الدعوة إلى الإسلام في تصوري تسبق

قتال المخالفين، أما وصم الإسلام بالعنف فنحن نستطيع نفيه إذا عرّفنا العنف حق

التعريف، بحيث لا يشمل دعوة الآخرين إلى عقائدهم ومنع ذلك، أو منع تحول

المسلم إليها، وكما قلت: إن الدعوة إلى الإسلام تسبق قتال المخالفين، وهذا أيضاً

رد على تهمة العنف، لكن هذا كله إن أردنا نفي تهم الغربيين وهو ما سبق أن قلت

إنني لا أهتم به، بل أهتم برد التهم والشبهات التي يلقيها عملاؤهم العلمانيون في

الداخل، ولكن مما يساعد على رد هذه التهم أن نذكر أن الحديث عن قتال الآخرين

شيء والواقع القائم شيء آخر، وهذا الواقع يؤكد أن أحداً من دعاة الإسلام

المعتبرين لا يدعو بداراً إلى قتال الغربيين إلا على سبيل الدفاع المشروع، كما أن

أحداً لا يتحدث عن السيطرة على بلادهم، بل فقط عن الدفاع عن بلادنا، أما

الحوار فيفترض أننا نملك أمرنا في يدنا، بحيث ندخل فيه من موقع الثقة بالنفس

وليس من موقع الاعتذار والتنازل، وبحيث يكون الهدف هو الدعوة إلى الإسلام

قبل أن يكون نفي التهم ونبذ ثوابت ديننا.


(١) المقصود هنا: حوار الثقافات، وليس حوارات التعاملات السياسية والاقتصادية.