للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من فتاوى أهل الذكر

فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

فتاوى أهل العلم الأثبات هي عصارة علم المفتين وخلاصة فقههم، ومنارات

يُسترشد بها، هي جواب عن مسائل ونوازل ومستجدات، وباب لتبليغ دين الله

(تعالى) .. ونظراً لأهمية (الفتاوى) ، وتحقيقاً لرغبة القراء، فستقوم (البيان) إن

شاء الله (تعالى) بنشر جملة من الفتاوى المهمة، حيث روعي في اختيارها تنوّع

موضوعاتها، وعظم الحاجة إليها في هذا العصر، إضافة إلى تنوّع أصحابها زماناً

ومكاناً.

تساءل بعض الأحبة من الشباب عن حقيقة ما هو شائع لدى بعض المنتسبين

للدوحة النبوية من (آل البيت) من دعوى أنه لا يُعاقَب العصاة منهم تكريماً لانتمائهم

لهذا النسب الشريف، وبينما نحن نُعد السؤال لعرضه على أحد علمائنا الأجلاء

وجدنا السؤال نفسه قد طرح على الإمام الشوكاني (رحمه الله) في رسالته (إرشاد

السائل إلى دليل المسائل) [١] ووجدنا جواباً مفيداً في بابه ننقل السؤال والجواب

فيما يلي:

السؤال: حاصله: ما قيل من أن العصاة من أهل بيت النبوة لا يُعاقَبون على

ما يرتكبون من الذنوب بل هم من أهل الجنة على كل حال تكريماً وتشريفاً! هل

ذلك صحيح أم لا؟ .

الجواب: أقول: لا شك ولا ريب أن أهل هذا البيت المطهّر لهم من المزايا

والخصائص والمناقب ما ليس لغيرهم، وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث

النبوية شاهدة لهم بما خصهم الله به من التشريف والتكريم والتبجيل والتعظيم، وأما

القول: برفع العقوبات عن عصاتهم، وأنهم لا يُخاطَبون بما اقترفوه من المآثم،

ولا يُطالَبُون بما جنوه من العظائم، فهذه مقالة باطلة ليس عليها أثارة من علم، ولم

يصح في ذلك عن الله ولا عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- حرف واحد، وجميع

ما أورده علماء السوء المتقربون إلى المتعلِّقين بالرياسات من أهل هذا البيت

الشريف: فهو إما باطل موضوع أو خارج عن محل النزاع؛ بل القرآن أعدل

شاهد وأصدق دليل على زجر قول كل مكابر جاحد فإنه قال (عز وجل) في نساء

النبي -صلى الله عليه وسلم-: [مَن يَاًتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ

ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً] [الأحزاب: ٣٠] ، وليس ذلك إلا لما لهن من

رفعة القدر وشرافة المحل بالقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذريتُه

الأطهار هم أحق منهن بهذا المضمار فإنهم أقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- وأشرف قدراً وأعلى محلاً وأكرم عنصراً وأفخم ذكراً، ولو كان الأمر كما

زعم هذا الزاعم لم يكن لقوله (تعالى) : [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ]

[الشعراء: ٢١٤] ، معنى ولا كبير فائدة، وإذا كان المصطفى يقول لفاطمة البتول التي هي بضعة منه يغضبه ما يغضبها ويرضيه ما يرضيها: (يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً) فليت شعري مَنْ هذا من أولادها الذي خصه الله بما لم يخصها ورفعه إلى درجة قصّرت عنها؟ !

فأبعد الله علماء السوء وقلل عددهم؛ فإن العاصي من أهل هذا البيت الشريف

المطهر إذا لم يكن مستحقاً على معصيته مضاعفة العقوبة، فأقل الأحوال أن يكون

كسائر الناس.

فيا من شرفه الله بهذا النسب الشريف! إياك أن تغتر بما ينمقه لك أهل

التبديل والتحريف.


(١) طبع الكتاب الذي يحتوي على هذا السؤال وغيره (إرشاد السائل إلى دليل المسائل) للعلامة الشوكاني بتحقيق الأستاذ (محمد صبحي الحلاق) ، نشر دار الهجرة بصنعاء.