للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

حلف الأطلسي هل يرفع الرايات

الصليبية بعدما لوَّح بها؟

بقلم:حسن قطامش [*]

في الثاني والعشرين من إبريل عام ١٩٩٣م لم يكن مضى على استلام الرئيس

الأمريكي (بل كلينتون) للحكم أكثر من ثلاثة أشهر، حين أقام احتفالاً في العاصمة

الأمريكية بمناسبة افتتاح متحف المحرقة اليهودية، وبحضور عدد من رؤساء

أوروبا بشرقها وغربها، في ذلك اليوم وقف رئيس وزراء الكيان الصهيوني الهالك

(رابين) خطيباً يقول:

(إننا لسنا متأكدين بعدُ من أن الرئيس كلينتون وفريقه يدركان تماماً خطر

الأصولية الإسلامية والدور الحاسم لإسرائيل في محاربتها، إن مقاومتنا ضد

الإرهابيين المسلمين القتلة مقصود منها إيقاظ العالم الذي يرقد في سبات عميق على

حقيقة أن هذا خطر جاد وحقيقي يهدد السلام العالمي) .

في ذلك الحفل هطلت الأمطار وسادت الفوضى، وذهب حرس الرئيس

كلينتون للبحث عن مظلات ليحتمي بها الضيوف، وفجأة ودون ترتيب بروتوكولي

وجد الرئيس التشيكي (فاتسلاف هافل) نفسه إلى جانب الرئيس الأمريكي يحتميان

ببعضهما. انتهز هافل الفرصة وقال: سيدي الرئيس! لماذا لا تفكر في تحريك

مجتمع حلف الأطلنطي بقيمه المشتركة، وأنظمة دفاعاته إلى الشرق ليضم الدول

الديمقراطية الجديدة في وسط أوروبا؟

هذا المشهد السينمائي الأخير يروّج له ساسة أمريكان على أنه الموحي والملهم

للرئيس بفكرة توسيع (الناتو) شرقاً؛ كي يبعدوا واقعية التخطيط المسبق لتوسيع

الحلف ولمحاولة إخفاء الأهداف الحقيقية وراء ذلك، ولتبدو الصورة استجابة رحيمة

من رئيس عطوف على أوروبا الشرقية التي خرجت من العباءة الشيوعية لترى

النور الغربي. ويبدو أن الأمريكان أخفقوا في هذا السيناريو الهوليودي غير

المحبوك عن قصة التوسعة للحلف، التي سنعود إليها من أولها.

أنشئ حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، بعد الحرب العالمية الثانية، ليكون

وسيلة دفاعية ضد ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، وكانت دول أوروبا وحلفاؤها

تشعر بالقلق تجاه السياسة السوفييتية التوسعية بعد أن ووجهت بالحاجة إلى إعادة

بناء اقتصادها لفترة ما بعد الحرب. وبعد أن قامت الحكومات الغربية بتنفيذ

تعهداتها على نفسها خلال سني الحرب بتخفيض مؤسساتها الدفاعية الخاصة،

وتسريح القوات العسكرية، فوجئت هذه الحكومات بالتحركات السوفييتية للمحافظة

على قواتها العسكرية بكامل عددها وعتادها، وازدادت المخاوف عندما فرض

السوفييت أشكالاً من الحكومات الشيوعية على العديد من دول وسط أوروبا وشرقها؛ ونتيجة لذلك سعت الحكومات الغربية إلى تحالف جديد لفترة ما بعد الحرب

العالمية لتأمين الدفاعات الأوربية ضد احتمالات التهديد السوفييتي، وكانت النواة

الأولى للحلف وضعت في بروكسل، عام ١٩٤٨م بتوقيع معاهدة تعاون أمني ودفاع

مشترك لمدة خمسين عاماً بين كل من فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج وهولندا

وبريطانيا، ثم أعلن عن تأسيس الحلف رسمياً بوصفه منظمة دفاعية في ٤ أبريل

١٩٤٩م بإضافة البرتغال وإيطاليا والولايات المتحدة وكندا وأيسلاندا والنرويج

والدنمارك، ثم انضمت في عام ١٩٥١م كل من اليونان وتركيا ثم ألمانيا، والتحقت

أسبانيا في العام ١٩٨١م سياسياً فقط.

وتشمل وثيقة الحلف الرئيسة معاهدة للتعاون الاقتصادي والسياسي

والاجتماعي بين الدول الموقعة يستهدف بشكل رسمي ترسيخ القيم الغربية، أما

شعار الحلف فهو: (الاعتداء على دولة واحدة ... اعتداء على الجميع) .

ويبلغ حجم قوات الحلف مجتمعة، بدوله الست عشرة ١، ٤ مليون جندي!! بينما تصل ميزانية الدفاع لهذه الدول مجتمعة ٨، ٤٣٧ بليون دولار.

ماذا يعني توسيع الحلف.. شرقاً؟

بعد هدوء الضجيج الشديد الذي أثارته قمم هلسنكي، ودنفر، ومدريد بين

روسيا ورئاسة الناتو الأمريكية استقر الأمر على الموافقة على إدخال كل من بولندا

والمجر والتشيك أعضاء جدداً في الحلف من كتلة أوربا الشرقية، على أن يظل

الباب مفتوحاً أمام دولٍ أخرى حين تستوفي الشروط الأطلسية.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن حلف الأطلسي (الناتو) أقيم

لمناهضة التطلعات التوسعية للاتحاد السوفييتي البائد؟ وأن الحلف معني أساساً بذلك؟ فلماذا إذن بقاء الحلف فضلاً عن توسعته؟

ونجيب أولاً عن ذلك من خلال مرئيات السياسة الأطلسية الرسمية، أما

الإجابة الأخرى فلها شأن آخر، والوجه الرسمي المعلن تجيب عنه سيدة الخارجية

الأمريكية في مقال نشر في (لوس أنجلوس تايمز) ونقلته جريدة القبس في

١٣ /٧/ ١٩٩٧م، تقول أولبرايت: إن توسعة حلف الناتو لها أسباب أربعة:

الأول: أن توسيع الناتو سيجعله أقوى وأكثر تماسكاً؛، فشركاؤنا الجدد

يشاركوننا قيمنا وتطلعاتنا الأساسية لأوروبا والعالم.

الثاني: أن توسيع الحلف يقلل من مخاطر مشاركة جنود أمريكيين في حرب

أخرى داخل أوروبا.

الثالث: أن توسيع الناتو سيساعدنا في الدفاع عن مكتسبات أوروبا

الديمقراطية والسلمية والاندماجية.

الرابع: تصحيح أخطاء الماضي، فقبل ثلاث سنوات قررنا أنه إذا كان

الحلف لم يعد من مؤسسات الحرب الباردة التي تستهدف روسيا، فإن من غير

المنطقي أن تقصر عضويته على الدول الأعضاء في حقبة الحرب الباردة.

الموقف الروسي:

كذلك سنبدأ بالصورة المعلنة من الموقف الروسي، فالاتحاد السوفييتي هو

السبب الرئيس لقيام حلف شمال الأطلسي لوقف تطلعاته التوسعية في أوروبا، ومع

الانهيار المدوي للاتحاد، اغتر الغرب، وبدأ بتنفيذ خططه التي منها توسيع حلف

الأطلسي ليقف بقواته وعتاده على الأبواب الروسية لمنع أي نوايا لإعادة بناء

الإمبراطورية الشيوعية، وكذلك تطويق المنافذ الروسية إلى أوروبا، ومنع امتداد

نفوذها، فليس هناك معنى لضم المجر وتشيكا، وبولندا التي كانت مقراً لحلف

وارسو وهي دول شيوعية سابقاً قريبة من الحدود الروسية، بل والوعد لدول أخرى

أشد قرباً (دول البلطيق) ليس هناك معنى لكل ذلك إلا إذلال الأمبراطورية الشيوعية

التي طالما أجهدت الغرب في سني الحرب الباردة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

ولكن كيف تقبل روسيا بهذا الوضع، ولماذا؟

كما هو معروف في العلاقات السياسية أنه ليس هناك عداوت دائمة، ولا

صداقات دائمة، بل هناك مصالح فقط، وعليه فإن الوضع الروسي الآن لا يسمح

بمواجهة الغرب والوقوف أمامه لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا عسكرياً.

فالجيش الأحمر فقد لونه واعتل دمه، وأنياب الدببة تساقطت، فالحكومة لا

تستطيع أن توفر له سوى وجبة طعام واحدة خلال اليوم الواحد! !

وهذا يعني أن الاقتصاد الروسي في حالة انهيار شديد؛ ومعنى أن تحاول

روسيا إعادة بناء جيشها فإن ذلك فيه القضاء على حلم الانتعاش الاقتصادي.

وإن الارتباط بالغرب الأمريكي الآن يمكن اعتباره متماشياً مع العصر

الأمريكي حتى إشعار آخر.

هناك أيضاً الخوف الروسي من العملاق الصيني، وهي الجارة الكبيرة التي

يتوقع أن يكون لها تأثير كبير في الساحة الدولية خلال سنوات قليلة، مع الخوف

الأكثر من الطمع الصيني في أراضي سيبيريا القليلة السكان؛ فالانضواء تحت

الجناح الغربي مصلحة روسية بلا شك.

أيضاً كان على يلتسن أن يرد الجميل للرئيس كلينتون الذي دعمه بفريق من

الخبراء الأمريكيين لإدارة حملته الانتخابية ومساعدته للفوز بالرئاسة مؤخراً.

والأهم من ذلك كله أن روسيا ليس لديها ما يحفزها على التخلي عن الغرب

من أجله، فها هي تترك العرب المشارقة والمغاربة إلى مصيرهم الجديد.

ومع ذلك فروسيا تمتلك ما يخشاه الغرب، وهو السلاح النووي، وهو ما

يدفعها للتفاوض بقوة للحصول على أكبر ثمن ممكن نظير قبول كل هذا الذل، وهذا

ما كان مثار مناقشات في الفترة الأخيرة تمخضت عن اتفاق روسي أطلسي يكون

لروسيا فيه حق الجلوس على الموائد الدبلوماسية للحلف للإصغاء والمراقبة

والاقتراح والمشاورة.. ولكن دون أن تقرر شيئاً، وتم التوقيع على ذلك، وعقب

التوقيع مباشرة أعلن صندوق النقد الدولي عن تحويل عشرة بلايين دولار قرضاً

لروسيا، وتم تحويل ٧٠٠ مليون دولار منها فوراً.

حقيقة القصة.. والقصة الحقيقية:

كان هذا هو الوجه المعلن من التوسيع، ويظهر منه التعمد الرسمي أن هذه

الخريطة الجديدة للعالم بحكومتها الأطلسية وقيادتها الغربية النصرانية ليس للمسلمين

علاقة بها ولا ارتباط.

فعلى الصعيد القومي العربي لم يعد هناك للعرب المشارقة أو المغاربة أي

تحالفات يمكن الركون إليها؛ فالتوسع الأطلسي والتخاذل الروسي كانا المسمار

الأخير في نعش التحالفات العربية؛ بحيث لا يبقى معارض للإملاءات الأمريكية

والغربية، ولكن يبدو حتى الآن أن عرب الشرق غير مصدقين بانتهاء روسيا كدولة

عظمى يمكن الركون إليها عند غضب القبلة الغربية، أما عرب الغرب فإن الناتو

قد وضع قواته على أراضيهم قبل توسيعه إلى شرق أوروبا عبر تحالفات ثنائية

دفاعية وتدريبية، فليس هناك حاجة إلى ضمها إلى الناتو اسمياً، فالواقع أبلغ.

إذن فما قصة حلف شمال الأطلسي مع العالم الإسلامي، والظاهرة الإسلامية

خاصة؟

بدايةً: أي حلف لا بد أن يكون له عدو، وإلا ما كان لوجوده أي فائدة،

والإسلام للغرب النصراني عدو دائم وليس عدواً جديداً [وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونََكُمْ حَتَّى

يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا] [البقرة: ٢١٧] .

ففي التاسع والعاشر من يونيو ١٩٩٤م عقد اجتماع ضخم في (اسطنبول)

لاحظ المكان شارك فيه أربعون وزيراً للخارجية والدفاع بالدول الغربية في

اجتماعين منفصلين، ضم الأول وزراء حلف شمال الأطلسي الذي يضم كافة الدول

الأوروبية سواء الشرقية منها أو الغربية وكذلك ضم الاجتماع روسيا! ! وكان

محور الاجتماعين يدور حول وضع خطة لمواجهة الخطر القادم بعد زوال الشيوعية، وبعد عشرات الاجتماعات التي عقدت بين الوزراء الأعضاء في الحلف كُلّف

الأمين العام للحلف (ويلي كلايس) رسمياً بإعداد ورقة عمل للحلف عن خطر

الأصولية الإسلامية، كونها تشكل التهديد الأخطر بعد زوال الشيوعية، وبعد إعداد

كلايس للتقرير صرح في فبراير ١٩٩٥م خلال مؤتمر أمني عقد في ألمانيا أنه:

(منذ انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية، قبل خمس سنوات، برز الدعاة

المسلمون المتطرفون ربما كأخطر تهديد يواجه التحالف والأمن الغربي) الأنباء

١٢/ ٢/١٩٩٥م عن الواشنطن بوست.

وقبل ذلك بأيام صرح في حديث لصحيفة ألمانية قائلاً: (إن الأصولية هي

على الأقل خطيرة كما كانت الشيوعية، ونرجوكم ألا تقللوا من شأن هذا الخطر) .

كانت تصريحات كلايس ملخصاً لورقة العمل التي كلف بإعدادها وبدأ في

تنفيذها كاستراتيجية جديدة للحلف التي بها يتفرغ تماماً لمحاربة دين الله العزيز

الحكيم!

إرهاصات ما قبل التصريح والنتائج:

لم يكن الاجتماع ولا التصريح من قادة الأطلسي هو البداية الحقيقية لقيام

الحلف النصراني بإعلان الحرب على المسلمين، ففي العام ١٩٩٢م، وفي بداية

حرب البوسنة صرح وزير الإعلام الصربي قائلاً: (نحن طلائع الحروب الصليبية

الجديدة) وعندما تجاوز الصرب الحدود التي رسمت تكفل حلف شمال الأطلسي

بحفظ السلام في البوسنة! ! وفي ٧/٩/١٩٩١م ومع استقلال الشيشان حذرت

صحيفة الأندبندنت في تقرير لها من أن الأصولية الإسلامية ستكون البديل للأنظمة

القائمة في الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وحذرت من تنامي

المد الإسلامي السريع في هذه المناطق.

وفي افتتاحية للصاندي تايمز: (إن الغرب والاتحاد السوفييتي ينبغي أن

يستعدا لمواجهة إسفين إسلامي أصولي هائل يمتد من شواطئ البحر المتوسط في

شمال إفريقيا إلى آسيا الوسطى إلى حدود الصين) .

وفي العام ١٩٩١م كذلك صرح الجنرال هيلموت فالمان قائد الفيلق الأوروبي

عقب الانهيار السوفييتي: (كل شيء واضح الآن! ! إن محور التهديد ضد أوروبا

انتقل نحو الجنوب! !) .

وفي ٢٢/ ٤/ ١٩٩٣م كان حفل افتتاح متحف المحرقة اليهودية في واشنطن

وخطاب رابين الذي أشرت إليه سابقاً.

وفي العام نفسه ظهرت مقالة د. صموئيل هنتغتون (صدام الحضارات) التي

تحولت بعد ذلك إلى كتاب يقول فيها: إن الإسلام أصبح الخطر الجديد على الغرب

بعد زوال الشيوعية.

وفي ٢٩/١/ ٩٤م وعقب عودته من واشنطن والاجتماع مع كلينتون، صرح

المستشار الألماني هيلموت كول في اجتماع ضم ٢٠٠ من كبار المسؤولين الغربيين

المهتمين بشؤون الدفاع قائلاً:

(لا يسعني إلا أن أنصح الغربيين بأن يستفيقوا من سباتهم! ! هناك خطر

حدوث مواجهة مع ٨٠٠ مليون مسلم في العالم) .

ويأتي وزير الدفاع الفرنسي حينها (فرانسوا ليوتار) ليقول: (إن الأصولية

الإسلامية تغرز خنجرها عميقاً في صدر أوروبا وإفريقيا) .

ويبدو أن هذا التصريح لم يرق لوزير الاقتصاد الألماني، فزايد عليه قائلاً:

إن فرنسا لم تعد منذ فترة طويلة هي البلد الوحيد المهدد، وإن التطرف الإسلامي

يهدد ألمانيا أكثر فأكثر! ! ثم تساءل: لماذا علينا أن نسمح بدون حدود ببناء مساجد

وإدخال نمط الحياة الإسلامية إلى بلادنا؛ بينما لا ترفع هناك في الوقت نفسه القيود

المفروضة على المسيحيين والتمييز بحقهم؟

وفي ٦/ ٨/١٩٩٤م نشرت مجلة (الإيكونومست) دراسة مهمة تحت عنوان:

(الإسلام والغرب، يقولون إنها الحرب المقبلة) وتدور الدراسة حول تحليل الصراع

القائم والقادم بين الإسلام والغرب.

وفي ٦/٢/١٩٩٥م قدم نيوت جنجريتش للمجلس عقب فوزه بمنصب رئيس

مجلس النواب الأمريكي (الكونجرس) خطة مكونة من أربع نقاط لمواجهة (الإرهاب

الإسلامي) المزعوم وقال: إن تطوير خطة استراتيجية متماسكة لمقاومة الإرهاب

الإسلامي، يجب أن يكون لها الأولوية الأولى، إن علينا أن نتجاوز لغة العقوبات

الاقتصادية والإدانات السياسية، إن من واجبنا أن نساعد الجزائر أن تعيش! ! وأن

نساعد على استمرار السياسات العلمانية في مصر وتركيا، إن هذا من شأنه أن

يشل (القوى الاستبدادية) سواء تلك التي تقتل الإسرائيليين في الضفة الغربية، أو

تقتل الأمريكيين في نيويورك، إن الأصولية تعني إعلان الحرب على الحضارة

الحالية للعالم، وعلينا أن نتعامل مع هذا الموقف على أنه فعلاً (حرب معلنة) .

وفي ٦/٢/١٩٩٥م اجتمع وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي السابق مع عدد

من كبار المسؤولين في حلف شمال الأطلسي خلال ندوة رسمية عقدت في ميونخ،

وصرح قائلاً:

إن حالة عدم الاستقرار التي تنتشر على طول المتوسط لا تهدد الأنظمة

الصديقة في شمال إفريقيا فحسب، بل تهدد أوروبا أيضاً.

وأخيراً في ٧/٢/١٩٩٥م كان تصريح ويلي كلايس الأمين العام السابق لحلف

شمال الأطلسي آنف الذكر.

لم يكن هذا الكم من التصريحات النصرانية الأطلسية العدائية إلا قطرة في

بحر من العداء النصراني لدين الله (تعالى) [قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا

تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ] [آل عمران: ١١٨] .

وفي شهر يوليو الماضي ١٩٩٧م كانت الصياغة النهائية للمشروع الأطلسي

الجديد بزعامة أمريكية كالتي كانت في قمة مدريد التي سبقتها بقليل قمتا هلسنكي

ودنفر، وقد اتضح الدور بصورة أكثر جلاء عبر الصحافة العالمية، فنشرت

الهيرالدتربيون مقالاً تحت عنوان: (حلف شمال الأطلسي معني بمواجهة مد

الانبعاث الإسلامي) ونشرته جريدة الأنباء في ٢١/٣/١٩٩٧م وجاء فيه: إن تحالف

الأطلسي الجديد لا يصوّب أسلحته النووية وقوات الانتشار السريع نحو الشرق! !

يقصد به روسيا ولكن حلف الأطلسي ينظر بقلق في اتجاه آخر، إلى جنوب وشرق

أوروبا، فهو يتساءل عن كيفية منع صدام حسين آخر من القيام بمحاولة للاستيلاء

على نفط الخليج، وكيفية السيطرة على اندفاعات الانبعاث الإسلامي في الجزائر

ومصر وإيران، وكيفية التعامل بيد ثابتة مع الإضرابات في آسيا الوسطى، وكيفية

حدوث تفكك دموي لمعظم إفريقيا؛ هذا هو برنامج حلف الأطلسي الجديد لمرحلة ما

بعد الحرب الباردة.

لقد أصبح لدينا مقومات تحالف دائم للديمقراطيات الغربية، وجيش قائم

وجاهز للتعامل مع أي أزمات يمكن أن نواجهها في غرب آسيا وشمال إفريقيا خلال

القرن المقبل اهـ.

إن المسلمين الآن لا يواجهون حلفاً من ست عشرة دولة سيضاف إليها ثلاثة

أخرى هذا العام وثلاثة أخرى عام ١٩٩٩م وهي دول البلطيق ولكننا نواجه حلفاً

يتكون من أربع وأربعين دولة! ! وهو يعتبر أكبر تحالف في التاريخ، فإن ثمة

مجلساً ظهر في ٣٠/٥/١٩٩٧م يسمى: (المجلس الأوروبي للتعاون الأطلسي) وقد

عقدت اجتماعاته عقب قمة مدريد في يوليو السابق بحضور الدول الست عشرة

المعلنة وثمان وعشرين دولة أخرى وقّعت مع الحلف ميثاقاً خاصاً، ومن بينها كل

دول الاتحاد السوفييتي السابق، وقد صرح وليام كوهين وزير الدفاع الأمريكي

اليهودي في ١٤يوليو ١٩٩٧م بعد قمة مدريد وبعد زيارته لأوكرانيا بأن (انضمام

كل دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى الحلف أمر قادم لا محالة) .

وقد نظمت الولايات المتحدة على أراضيها في ٣٠/ ٨/ ١٩٩٥م مناورات

عسكرية مشتركة لحلف الناتو جمعت دولاً شيوعية قديمة تحت عنوان: (الشراكة

من أجل السلام) ضمت أمريكا وكندا وبريطانيا من حلف الأطلسي، وألبانيا،

وبلغاريا، والتشيك، واستونيا، والمجر، وقيرغستان، ولاتفيا، وليتوانيا،

وبولندا، ورومانيا، وسلوفيكيا، وأوكرانيا، وأوزبكستان.

وعلى هذا فالمسلمون أمام أربع وأربعين دولة مجهزة بأحدث الأسلحة وتتحكم

في ٧٠% من إنتاج العالم بزعامة حلف الأطلسي؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل.

موقف الدول العربية:

خدعة كبرى صدقتها الدوائر الرسمية العربية تلك التي وجهها الغرب: أن

حرب حلف شمال الأطلسي هي مع الأصولية وليست مع الإسلام! ! وما ذلك إلا

ليجد السند القوي والتعاون من الدول والأنظمة الصديقة التي يهدد بنيانها ويقوضه

الإرهاب الإسلامي! ! وما دام في المسألة زعزعة استقرار أنظمة فلا بد إذن من

التنسيق والترتيب مع حلفائهم الأطلسيين، فكان من مبادرة الحلف إجراء مباحثات

كذلك تحت عنوان (الشراكة من أجل السلام) وهو ما عرف ويعرف حتى الآن بـ

(الحوار المتوسطي) وهذا المشروع استهدف تحسين الرؤية السياسية الشاملة مع

ست دول متوسطية لضمان الاستقرار في منطقة البحر المتوسط، وقد بدأ في

فبراير أيضاً ١٩٩٥م مع كل من مصر وتونس والمغرب وموريتانيا وإسرائيل

والأردن سعياً إلى تبادل الرؤى الأمنية بين هذه الدول وحلف الأطلسي، وفتح

أبواب المعاهد الحربية للعسكريين من هذه الدول المتوسطية، ومشاركتهم في

الندوات الأمنية، مع الاشتراك في مناورات عسكرية مشتركة بين الحلف وهذه

الدول.

وسبق هذا الحوار المتوسطي اجتماع سري عقد في نهاية صيف عام ١٩٩٤م

عقده ممثلو الدول الغربية مع بعض الخبراء العرب في رحاب جامعة إكسفورد

لمناقشة بعض الترتيبات الأمنية! ! أما اللاحق بعد السابق، وعقب مبادرة كلايس،

فكانت هناك زيارات لعدد من رؤساء الدول الإسلامية لواشنطن، وكان أول

الزائرين رئيسة وزراء باكستان السابقة بي ناظير بوتو، وكان ذلك في إبريل

١٩٩٥م، وكان على رأس جدول الأعمال: تفكيك القواعد والمواقع التي يستخدمها

المجاهدون العرب داخل باكستان.

وإن المراقب لتلك الفترة الزمنية يجد أن المواجهات للحركات الإسلامية قد

ازدادت حدة، بداية من تكميم الأفواه الناطقة بالحق، وتحويل المحاكمات المدنية

إلى عسكرية، ومن السجن إلى الإعدام، وجاءت التبريكات الغربية والإشادة

النصرانية بالجهود المبذولة في ذلك!

ونختم هنا بتصريحين: أولهما نسأل الله أن يكون سبباً في إيقاظ النائمين

المحاربين لدين الله ممن ينتسبون إليه وهو لـ (يوجين روستو (رئيس قسم التخطيط

في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية ومستشار الرئيس الأمريكي

الأسبق جونسون لشؤون الشرق الأوسط.. يقول:

إن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول

وشعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة النصرانية (الغربية)

لقد كان الصراع محتدماً بين النصرانية والإسلام منذ القرون الوسطى، وإن

الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته وعقيدته

ونظامه، وذلك يجعلها معادية للشرق الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين

الإسلامي [الشرق/ ١٥٢/٣/٦/٩٥م] .

أما الآخر فهو لصموئيل هنتغتون في حوار أجرته معه مجلة المجلة في عددها

٨٩٦/١٣/٤/١٩٩٧م يقول: (ما دام الإسلام سيبقى إسلاماً، وليس هناك أي شك

في ذلك، وما دام الغرب سيبقى غرباً، ولا يتوقع أحد أن يصبح الغرب شرقاً،

فسيظل الصراع قائماً بينهما كما ظل قائماً لأربعة عشر قرناً) .

ولعلنا لا نذهب بعيداً إذا أشرنا إلى أن كل هذه التجهيزات النصرانية هي

للملحمة [**] التي أخبر عنها سيد البشر عليه الصلاة والسلام والتي كما هي عقيدة

لدينا فهي تعمل في عقولهم بشدة شديدة.

ــ

(*) تنبيه: يواصل الكاتب حلقات: عولمة أم أمركة.. في العدد القادم إن شاء الله.

(**) انظر/مسند الإمام أحمد/مسند الشاميين، ومسندالأنصار، وأباداود في الجهاد، والملاحم

وابن ماجه في الملاحم، والفتن.