للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

تقرير الحالة الدينية في مصر

(عرض وتحليل)

(١من٣)

بقلم: أيمن محمد سلامة

(مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية) الذي أنشئ في العهد الناصري

ملحقاً بمؤسسة الأهرام الصحفية بالقاهرة من أقدم المراكز التي تعنى بهذه الدراسات

المتخصصة في منطقتنا العربية، كما تزداد أهميته من كونه يعرّف نفسه دائماً على

اعتبار أنه يقدم خدماته (للباحث المتخصص والقارئ المهتم والمؤسسات البحثية

والصحفية والسفارات العربية والأجنبية) (بهدف تنوير الرأي العام المصري

والعربي بتلك القضايا، وأيضاً بهدف ترشيد الخطاب السياسي وعملية صنع القرار

في مصر) ، وكثير من دراساته وتقاريره المتنوعة تتوجه أساساً (إلى صانعي القرار

والدوائر المتخصصة والنخبة ذات الاهتمام) .

وقد خرج علينا هذا المركز منذ عدة أشهر بتقرير مثير للجدل، كرّس له أكثر

من ثلاثين باحثاً، بين مستشار، وباحث رئيس، وباحث، وباحث مساعد، فأعدوا

فيما يقارب الأربعمئة صفحة من القطع الكبير بحثاً شاملاً عن (الحالة الدينية في

مصر) ، وهذا الجهد الضخم يعبر عن مدى المكانة والأهمية التي تحتلها الحالة

الدينية في عقل أصحاب قرار الدراسة والمخاطبين بهذا العمل.

يقع التقرير في ٣٨٩ صفحة، وبعد افتتاحية كتبها مدير المركز جاء التقديم

الذي كتبه رئيس تحرير التقرير الأستاذ نبيل عبد الفتاح، بعنوان: (تقرير عن

الحالة الدينية المصرية.. لماذا؟) في اثنتي عشرة صفحة، ثم تتابعت أقسام

التقرير، فكان القسم الأول عن المؤسسات الدينية الرسمية، وتناولت الدراسة فيه:

الأزهر (٣٢صفحة) ، ووزارة الأوقاف (١٤ص) ، ودار الإفتاء (٨ص) ، ثم

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (٢٤ص) ، والكنيسة الكاثوليكية في مصر (١٦ص)

والكنيسة الإنجيلية في مصر (١٢ص) ، وأخيراً: دراسة خاصة عن نظام الرهبنة

والتكريس والتفرغ في الكنائس (٢٦ص) .

أما القسم الثاني فكان عن الحركات الدينية غير الرسمية، فكان مما درس فيه: الإخوان المسلمون (١٨ص) ، والجماعات الإسلامية الراديكالية (المتشددة)

(٢٨ ص) ، وإسلاميو الخارج (٦ص) ، وأقباط المهجر (١٢ص) . وتحدث القسم الثالث عن العمل الأهلي والطوعي، فتناول الجمعيات الأهلية الإسلامية (١٤ص) ، ثم الجمعيات الأهلية المسيحية (٢٦ص) ، ثم الحركة الصوفية (١٤ص) .

وتحت عنوان (العلاقات والتفاعلات) جاء القسم الرابع ليتناول موضوعات:

التيار الإسلامي في انتخابات ١٩٩٥م (١٦ص) ، والأقباط وانتخابات ١٩٩٥

(٢٦ ص) ، ثم: الخطاب الديني المؤسسي في مصر.. الآليات والتوجهات

(٢٦ ص) ، وأخيراً: الصحافة الدينية في عام ١٩٩٥م: المجلات الإسلامية

(٤ص) ، المجلات المسيحية (٦ص) ..

ثم اختتم التقرير بـ (قاموس الحالة الدينية) : القاموس الإسلامي (٥ص) ،

والقاموس المسيحي (٩ص) .

وقد أحدث التقرير ردود فعل واسعة في الأوساط الثقافية المهتمة بهذا المجال،

وعلق عليه أكثر من كاتب، وكان من أبرز التعليقات في حدود ما اطلعت عليه: ما

كتبه الأستاذ فهمي هويدي، والدكتور حسن حنفي.

وقبل أن نخوض في عرض بعض النقاط التي ينبغي التوقف عندها نود

الإشارة إلى أن هذا المقال وما فيه من نقد لا يعني نقض التقرير ولا إهدار الجهود

التي قام بها فريق البحث؛ فما قاموا به خطوة رائدة من حيث نوعيتها، كنا نتمنى

لو قامت بها جهة إسلامية يوثق في مصداقيتها وقدرتها، وما نعرضه إنما يهدف إلى

التنبيه على النقص والخلل الذي نرى أنه شاب التقرير؛ عسى أن يُتدارك ذلك في

الأعداد القادمة، حيث يعتزم القائمون عليه إصداره سنويّاً.

كما نشير أيضاً إلى أننا لن نناقش بعض الآراء والأفكار التي وردت في

التقرير حكاية عن بعض الشخصيات أو المذاهب، والتي نعتقد بخطئها؛ وذلك لأن

هذه المناقشة غير مقصودة في هذا المقال الذي ينصبّ على مناقشة التقرير ذاته

ومنهجه في البحث من خلال تناول القائمين به، إضافة إلى بعض الملحوظات على

الحالة الدينية كما تظهر من خلال التقرير.

مصداقية وعلامات استفهام! !

يحرص المركز صاحب التقرير على التأكيد في كل إصدار من إصداراته

على أنه مركز (علمي مستقل) ، بمعنى أنه لا يخضع لتأثير أي جهة؛ أو ضغوطها، أي إن حياده فوق مستوى الشبهات! ولا يشهد إلا بما علم (مركز علمي!) ..

وإذا كنا نستطيع مغالبة أنفسنا وتمرير أن المركز مستقل مالياً وإدارياً عن

الحكومة، فلا نستطيع تصديق أنه مستقل عنها فكريّاً، فلا نظن أن القائمين على

المركز ينفون عنه توجهه العلماني أو محاولته توجيه سياساتها من خلال دراسته،

فهو من هذه الناحية يعتبر طرفاً غير محايد تجاه التيار الإسلامي الذي نظن أن

التقرير يهدف إلى الإحاطة به، فبدهي أن هذا التيار إذا عارض تلك الحكومة فإنه

لا يعارضها لكونها مجرد تنظيم حكومي؛ بل لكونها تحمل فكرة ومنهجاً يعتقد أنها

تخالف الإسلام (أي: العلمانية) ، وهو ما يحمله أيضاً المركز صاحب التقرير..

أضف إلى ذلك: فإن المركز عرفاناً بهامش حرية التعبير الذي وفره له العهد الحالي

أضفى على الموضوعية رداء الخجل عندما تناول موضوعات لها صلة بهذا العهد،

حيث تبنى وجهة النظر الحكومية تجاه التيار الإسلامي في جل أجزاء التقرير، عدا

الجزء الخاص بالعلاقات والتفاعلات عند الحديث عن التيار الإسلامي في انتخابات

١٩٩٥م، الذي نظن أنه جاء موضوعيّاً.

وفي هذا الإطار: فالمركز لم يحاول عرض وجهة نظر هذا التيار حسب

المنتمين إليه رغم عرضه لوجهة النظر بل والمطالب الكنسية كاملة كما سيتضح

لاحقاً، حيث كان ضمن فريق البحث أقباط مخلصون لكنيستهم، بل منهم قساوسة

وأعضاء على قائمة البطريرك الأرثوذكسي، ولا نستبعد أن تكون بعض أجزاء

التقرير خرجت من الكنيسة نفسها، وبقول آخر: فإن الذين أعدوا الأجزاء الخاصة

بالحالة الإسلامية كانوا علمانيين متعصبين لعلمانيتهم، رأوا أنه من الحياد والشجاعة

الأدبية عدم الميل إلى مشخصات هذه الحالة فجاروا عليها، أما الذين أعدوا الأجزاء

الخاصة بالأقباط فهم من أبناء الكنيسة المخلصين الذين أحسنوا عرض وجهة نظرهم

ومطالبهم من خلال التقرير!

وباختصار: فإن المركز حاول أن يمارس الحياد، ولكنه جاء كحياد الخصم

في حدود المتاح من حرية التعبير، فإذا أضفنا إلى ذلك ضلوع مؤسسة أجنبية في

تمويل التقرير هي مؤسسة (كونراد أديناور) الألمانية التي يثني مدير مركز

الدراسات عليها وعلى مدير مكتبها بالقاهرة، ويصف تمويلها للتقرير بأنه (دون

تدخل في أي مرحلة من مراحله!) [١] فإن التساؤلات تثور حول حقيقة الأهداف

التي يصب في خدمتها التقرير وحول الطريقة التي قدمت بها المعلومات الواردة في

التقرير.. ولعلنا نلتمس في التقرير ذاته إجابات لتلك التساؤلات:

يقول مدير المركز الدكتور عبد المنعم سعيد في الافتتاحية: (ومن هنا يأتي

التقرير كجزء لا يتجزأ من جهد عالمي تقوم به الجماعة العالمية للعلوم السياسية لفهم

ودراسة الظاهرة الدينية في أبعادها المختلفة، ومن ناحية أخرى: فإنه يأتي استجابة

لظروف إقليمية ومحلية تراكمت خلال السنوات الماضية، لم تأخذ فقط شكل تنامي

الأصوليات الإسلامية والمسيحية واليهودية في منطقة الشرق الأوسط، وإنما وربما

كان ذلك لا يقل أهمية لتزايد دور المؤسسات الدينية التقليدية والمجتمع المدني

المستند إلى الدين [الجمعيات الأهلية الدينية] في تقرير أمور كثيرة في الحياة العامة)

(ص ٩) .

ويقول رئيس تحرير التقرير الأستاذ نبيل عبد الفتاح في المقدمة: (إذن لم تعد

الحالة الإسلامية الرسمية واللارسمية محض حالة أخلاقية أو سياسية أو اجتماعية أو

ثقافية، وإنما هي حالة عامة ونفسية، ومن ثم: لم تدرس هذه الحالة إلا من

المنظور السياسي الذي يتعامل مع أبعادها السياسية والأمنية وظواهر العنف

المصاحب لها ... أي إن الحالة الدينية المصرية لا تزال مجهولاً على مستوى

المعرفة، وعلى مستوى الوعي العام بها..) (ص ١٢، ١٣) ، ويقول أيضاً: (إن

عملنا يستهدف بناء اندماج قومي مصري رصين، نتجاوز به ومعه مشكلات

وظواهر نراها عارضة) (؟ !) (ص٢٢) .

ويسوّغ التقرير أسباب الاهتمام بدراسة الجماعات الإسلامية ورصدها على النحو التالي:

١- إننا إزاء نمط متميز من الجماعات السياسية التي ترتكز على قاعدة

اجتماعية، وتتسم هذه الركيزة الاجتماعية بالسيولة، ومع غياب دراسات

سوسيولوجية معمقة لهذا الأساس الاجتماعي، وخصائصه، وسماته، ومناطق

تركزه جغرافياً، ومحلياً داخل البلاد، ومن ناحية أخرى: تتسم القاعدة الاجتماعية

لهذه الجماعات بالتغير، وعدم الثبات، سواء في موجاتها المختلفة، أو في أجيالها

العديدة.

٢- إن الخصائص العمرية والاجتماعية والمهنية لهذه الجماعات على اختلافها

لا زالت أمراً مسكوتاً عنه في الدرس الأكاديمي المصري المعاصر.

٣- الفوارق بين الأنظمة الفكرية، والمعيارية والتنظيمية وأنماط التنشئة

والتجنيد السياسي لها، لا زالت أمراً مجهولاً، نظراً لغياب بنية معلوماتية عن

البناء التنظيمي والحركي لهذه الجماعات) (ص١٦١) .

ويقول التقرير أيضاً: (وربما يكون التركيز على أهمية المرجعية الدينية في

التفسير والتحليل مقصوداً منه لفت الانتباه إلى أهميتها [اي: المرجعية] ، وعدم

قصر الرؤية على بعد واحد دون غيره، وإيلاء أهمية خاصة لهذه المرجعية في أي

تناول أو حوار مع تلك الجماعات) (ص ١٨٨) .

فهل جاء التقرير ليسد الفراغ في هذه الدراسات الذي نشأ نتيجة الانشغال

بالمنظور السياسي والأمني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإلى من يقدم هذا التقرير؟ ! · شاهد أم طرف؟ !

فإذا انتقلنا إلى استطلاع موقف التقرير من التيار الإسلامي نجد أنه اختار أن

يكون طرفاً مقابل هذا التيار، وليس مجرد واصف أمين أو محلل دقيق له، فهو في

مواجهة هذا التيار يتبنى مواقف فكرية، ويشيد بإجراءات وأساليب حكومية:

* فهو يبتر تاريخ هذا التيار عندما يقرر تحديد انتقال (الحالة الدينية من

محض استلهامات خلقية ومعيارية وسلوكية للمجال الخاص إلى المجال العام

السياسي والثقافي) بعام ١٩٧٤م (ص١١) ، يريد بذلك ربط هذا التحول كما يراه

بأول محاولة انقلاب منسوبة لهذا التيار فيما يسمى بحادثة الفنية العسكرية عام

١٩٧٤م (ص ١٨٣) ، وهو بذلك يهدر كفاح هذا التيار بل منهج هذه الأمة قبل هذا

التاريخ، وفي الوقت نفسه: يربطه باستدعاء خلفيات العنف الذي سيصبح هذا

التيار مسؤولاً عنه فيما بعد، فهي محاولة لتشويه المرجعية التاريخية لهذا التيار.

* وهو يكرر ذكر الأسباب نفسها التي طالما لاكها خصوم هذا التيار حول

نشأته، فيراها في (تفسير هزيمة ١٩٦٧م ببعد المجتمع عن الدين، وتشجيع سلطة

السبعينيات الفكر والحركة الإسلامية في مواجهة تيارات سياسية أخرى [يسارية

وناصرية وماركسية] ، والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع المصري منذ

هزيمة سنة ١٩٦٧م، وفشل الاتجاهات الاشتراكية والليبرالية في معالجة المشاكل

الاقتصادية) (ص ١٨٧) .. إلى آخر تلك الأسباب التي تهدف إلى سحب الشرعية

الإيمانية من هذا التيار؛ ليقف على الأرضية نفسها التي ينطلق منها خصومه،

أرضية الدوافع والمصالح المادية والذاتية.. وهي الأسباب التي سبق أن ناقشها

كاتب آخر على صفحات (البيان) [٢] عند تناول طرح مماثل عن أسباب نشوء

ظاهرة التوجه الإسلامي في مصر للأستاذ/ السيد ياسين أحد مستشاري هذا التقرير، ولكن أُضِيفَ هنا سبب أكثر يسارية، وهو ما يزعم من (تشجيع سلطة السبعينيات

الفكر والحركة الإسلامية في مواجهة تيارات سياسية أخرى) ، وتكرر الزعم نفسه

في مواضع أخرى، (كما في ص ٢١٦، ٢١٩، ٢٣٦) (يمكن القول إن سياسة

الرئيس السادات في مواجهة اليسار والناصريين في السبعينيات كانت أحد الأسباب

الرئيسية في ارتفاع نسبة الجمعيات الإسلامية [الأهلية الخيرية] ) [٣] .

وهذا الزعم يعوزه البرهان والدليل؛ فأصحاب هذه الدعوى لا يقدمون لنا

إيضاحاً تاريخياً لوقائع ذلك الدعم وكيفية حدوثه، فهل زوّر النظام حينها الانتخابات

لصالحهم كما يحدث دائماً مع غيرهم وآخرها انتخابات ١٩٩٥م التي يذكر التقرير

أن الحكومة ذاتها اعترفت بحدوث تجاوزات فيها؟ (ص ٢٨١) ، أم أصدر القوانين

التي تحول دون سيطرة غيرهم على النقابات كما فعلوا مع أنصار التيار الإسلامي؟

(ص ٢٩٩) ، أم شطب ٦٠% من المرشحين لانتخابات الاتحادات الطلابية ليحول

دون انتخاب اليساريين كما حدث مع التيار الإسلامي؟ (ص٣٠٢) ..

إن (الدعم) الذي قدمه النظام وقتها هو أنه أعطى للجميع فرصاً متساوية،

وهنا انكشف اليساريون والعلمانيون، فأطلقوا هذه الدعوى ... وكأن قمع الإسلاميين

وخنقهم وحرمانهم بات أهم الطقوس السياسية العلمانية، وغير ذلك يعتبر كرماً

ودعماً وتضامناً معهم!

والواقع يكذب هذه الدعوى، فالأستاذ فهمي هويدي يصفها بأنها: (توفر

تفسيراً مريحاً للظاهرة الإسلامية، يعطي الانطباع بأنها من صنع السلطة وليست

خارجة من عمق المجتمع وضميره وأشواقه، غير أن الدكتور كمال أبو المجد الذي

عاصر تلك الفترة بحكم موقعه كوزير للشباب يعتبر الواقعة (افتراء وشائعة مختلقة

ومكذوبة من أساسها) ، وسمعته يتحدث عن شهود أحياء يمكن الرجوع إليهم للتثبت

من حقيقة الأمر، وقد كانوا أعضاء في الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي آنذاك، وقد

عرضت عليهم قضية الشباب وحركته، ومنهم الأساتذة: محمد عثمان إسماعيل،

وأحمد عبد الآخر، وإبراهيم شكري) [٤] .

بل إن من عايشوا وقائع تلك الفترة يروون أن الاتحادات الطلابية التي يتوجه

الكلام أساساً نحوها بهذه الدعوى (ص ٢١٩) كانت تسيطر عليها التيارات اليسارية

والناصرية تماماً حتى عام ١٩٧٥م، وفي الفترة التالية (١٩٧٥ ١٩٧٧م) التي

شهدت بداية نمو التيار الإسلامي في هذه الاتحادات شهدت الحركة الطلابية

الإسلامية معوقات وضعتها السلطة وصلت إلى حد الصدام، كاعتقال محيي الدين

أحمد عيسى أحد رموز هذه الحركة، والمشادة التي حدثت بين عبد المنعم

أبوالفتوح والسادات عام ١٩٧٧م، ثم في عام ١٩٧٨م رفضت الحكومة عقد مؤتمر اتحاد طلاب الجمهورية لانتخاب مكتب تنفيذي للاتحاد؛ لأنه كان واضحاً أن الطلاب الإسلاميين سيسيطرون على المكتب، وبعد بذلك تم إغلاق مقر الاتحاد في القاهرة بالشمع الأحمر، وتعطل فترة طويلة، ثم صدر قرار جمهوري بإلغاء لائحة اتحاد طلاب مصر الصادرة عام ١٩٧٦م لتحل محلها لائحة ١٩٧٩م الشهيرة التي ألغت نهائياً كيان اتحاد طلاب مصر [٥] .

وقد حاول التقرير في موضع آخر (ص١٨٨) وضع مثل هذه الأسباب في

حجمها، حيث يقول في معرض إبدائه وجهة نظره في طبيعة (هذه الجماعات)

وتقييمه لها: (ويمتد تأثير الأساس الفكري الديني إلى مختلف جوانب وجود الحركة

الإسلامية، بدءاً من مصطلحاتها ورموزها وحتى تكتيكات واستراتيجيات حركتها،

الأمر الذي يميزها في نهاية الأمر من نواح عديدة عن غيرها من الحركات السياسية

والاجتماعية.

والحقيقة أن التركيز على أهمية العامل الفكري، أو المرجعية الدينية، في

تفسير ظهور ونمو وانقسام الجماعات الإسلامية المتشددة لا يعني الاستبعاد التام لأي

تفسيرات اجتماعية أو سياسية.. إلا إن ذلك لا يصل إلى حد اعتبارها مجرد ظاهرة

اجتماعية أو سياسية لا علاقة للعامل الديني بها) .

* والتقرير يحمّل الإسلاميين بمشاركة الحكومة المصرية مسؤولية إحباط

الأقباط وسلبيتهم السياسية والاجتماعية: (ويترتب على ذلك تكريس الانقسام الديني

بين المواطنين والاستبعاد السياسي للأقباط، وساعد على هذه الأنماط التفكيكية

والانقسامية: نزوع الحركة الإسلامية الأصولية الراديكالية والمعتدلة ومؤسسات

الإسلام الرسمي إلى فرض الخطاب الديني وتأويلاته الفقهية ومعاييره على الفضاء

السياسي والاجتماعي والقيمي في المجتمع..) (ص ٣١٠) ..) إذن شكّل التغير

في التركيبة الاجتماعية والثقافية والقيمية اتجاهاً عاماً نحو مزيد من المحافظة

السلوكية، وفي أنماط الزي والرموز والطقوس الاجتماعية؛ مما أدى إلى خلق

مظاهر من التميز القيمي والسلوكي بين المواطنين المصريين على اختلاف

انتماءاتهم الدينية فضلاً عن تنامي عمليات العنف ذي الوجوه الدينية والطائفية أيّاً

كانت أهدافه! ، والسطو على محلات بيع الحلي الذهبية في مناطق متعددة بالوجه

القبلي والقاهرة والجيزة، أدى ذلك إلى خلق حالة نفسية انسحابية لدى المواطنين

المصريين الأقباط من المجال العام والسياسي تحديداً تحت وطأة إحساس جمعي بأنه

لا يمثلهم، ولا يجدون فيه تعبيراً سياسياً، أو ثقافياً، أو رمزياً عنهم، وأنهم غير

مرغوب فيهم) (ص ٣٠٨) .. ليس ذلك فقط، بل (شكّل تزايد مظاهر المد الإسلامي

في المجتمع المصري وتنامي نشاط ونفوذ جماعات الإسلام السياسي بمختلف تياراته

قيداً عملياً وأمنياً على حرية إنشاء جمعيات أهلية مسيحية جديدة، خاصة في

المناطق الساخنة أمنياً) (ص ٢٥٣) .

فأين المفر أمام الأقباط المضطهدين أمام زحف التتار الإسلاميين؟ ! . لقد

وجدوه في (اعتصامهم بالحقل الديني القبطي، ومؤسسته وأكليروسة كل منهم في

إطار مذهبه الديني) (ص ٣٠٨، ١٤) .

فهل عرفنا الآن سبب تعصب الأقباط والتفافهم حول كنيستهم كما يرى التقرير؟ .. إنهم الإسلاميون! ! ، بل أكثر من ذلك: فهؤلاء الإسلاميون هم سبب ترك

بعض الأقباط لمصر (فإذا كانت الدولة قد أسقطت كافة القيود التي كانت مفروضة

على الهجرة بشقيها الدائم والمؤقت.. فإن ذلك ترافق مع تزايد نفوذ الجماعات التي

رفعت شعارات دينية [اسلامية] ) (ص ٢١٦) ، وهم سبب إصابة هؤلاء المهاجرين

بالحساسية الشديدة والتأثر تجاه أقباط الداخل (وقد تزايدت معدلات الهجرة بفعل

سياسات التأميم والتعبئة السياسية قبل نكسة ١٩٦٧م، ثم تصاعد المد الإسلامي بعد

النكسة.... من هنا أدت ظروف الخروج من مصر إلى جعل هذه التجمعات شديدة

الحساسية والتأثر تجاه كل ما يجري على أرض الوطن) (ص ٢١٨) .

بالطبع فإنه لا يُذكر في هذا المقام أن العهد الناصري كان عهد (التوافق

الاستراتيجي) بين الدولة والكنيسة (ص ٩٣) ، ولا يذكر (التوافق الشخصي الحميم)

بين عبد الناصر وبابا الكنيسة (ص ٩٣) ، ولا يذكر أيضاً أن ظواهر الإسلام

السياسي لم تبدأ في الظهور إلا عام ١٩٧٤ (ص١١) ، ولا تذكر الأسباب

الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى ظهور هذا التيار (ص ١٨٧) ، ولا

يذكر أن هذه الأسباب أثرت في المحيط القبطي! ، ولا يذكر أن قرارات التحفظ

التي أصدرها السادات (سبتمبر ١٩٨١م) التي اتخذت مبرراً لردود فعل الأقباط في

الداخل والخارج إلى حد مطالبة بعضهم المجتمع الدولي بفرض عقوبات على مصر.. أنها إذا كانت طالت ٤٩ شخصاً من رجال الكنيسة ومجموعة من الأقباط

(ص ٢١٩) فإنها طالت الآلاف من العلماء ورموز الحركة الإسلامية وشبابها.. لا يذكر كل ذلك وتُذكر فقط الصحوة الإسلامية، أصل كل شر على العلمانيين

وحلفائهم! ! .

* والتقرير لا يدع فرصة ولو مفتعلة لإظهار نصرته لأهل قرابته في التوجه

إلا ويقتنصها:

فهو يمتدح الدولة الفاطمية بأنها لم تلجأ إلى نشر مذهبها الباطني قسراً رغم

ذكره أن تعصبها وصل إلى حد الحجر على حريات الأفراد، في حين ينعى على

الدولة الأيوبية التي (كانت سنية المذهب وأوغلت إيغالاً بعيداً في لدد الخصومة

للمذهب الشيعي، وكان في مقدمة برنامجها الداخلي القضاء على هذا المذهب

واستئصال شعائره ومعالمه ومحاربة معاقله) (ص ٢٧) .

فهل يريد إفهامنا أن أمثال هؤلاء (السنية) إذا وصلوا إلى السلطة فلن يبقوا

على أي مخالف لهم؟ !

ويمتدح اختيار شيخ الأزهر منذ عهد محمد علي باشا وخصوصاً بعد (ثورة

يوليو) ، معتبراً أنه (أصبح من يتولى المشيخة يوزن بميزان علمي دقيق وتتوافر

فيه مواصفات وخبرة وتخصص ومستوى رفيع) ، وسبب هذا المدح أوضحه سابقاً

في الصفحة نفسها (ولما جاءت الحملة الفرنسية حركت الركود في الأزهر،

وتمخض الاحتكاك العلمي أثناء الحملة على إدخال علوم مدنية! ، ودعم هذا الأمر

سفر علماء الأزهر بعد ذلك إلى الخارج) (ص ٤٤) ، فهو امتداح لتأثير الحملة

الفرنسية والبعثات الأوروبية، وهو ما أشار إليه في مواضع أخرى من الإشادة

بالشيوخ (المطربشين) والإشارة إلى الصراع بينهم وبين (المعممين)

(ص ٤٣، ٤٤، ٥٤) .

ونظرته إلى المشايخ السابقين على تلك الفترة نظرة أحادية؛ فما أخذه عليهم

من أن الاختيار كان أحياناً تؤثر فيه عوامل القرابة.. يهمل ظاهرة العائلات العلمية

التي كانت وما تزال موجودة، وأما تأثير كون العالم من طبقة أرستقراطية فهو

يهمل أن ذلك قد يكون عامل استقلال وكرامة، وقد يُنظر إلى معيار الزهد أو الثراء

على أنه أدعى إلى العفة ونظافة اليد (انظر ص ٤٤) ، وبالطبع فإن المعيار العلمي

لم يكن غائباً أو باهتاً بجوار مثل هذه المؤثرات، أما الدور السياسي الذي نوه

التقرير بقدرة مشايخ الأزهر على القيام به بعد ثورة يوليو: فواضح أنه دور تبعي

يخدم سياسة الدولة أكثر مما يخدم قضايا المسلمين كما سيأتي من أقوال التقرير نفسه.

ويُعرّض بدور الأزهر الرقابي في موقفه تجاه بعض أصحاب الانحرافات

الفكرية والثقافية، فيقول (ص٥٢) : (وتحاول الدولة أن توازن بين دور الأزهر في

حماية المعتقدات الدينية وإعطاء الضوء الأخضر له.. وفي الوقت نفسه المحافظة

على حرية الفكر والإبداع، ويبدو أن كفة الأزهر هي الغالبة كما أثبتت ممارساته

عام ١٩٩٥م، خاصة في رأيه بشأن قضية نصر حامد أبو زيد، القائم على اعتبار

أن هناك فرقاً بين (حرية الفكر وحرية الكفر (. ولم يفت التقرير أن يشير إلى أن

مجلة (منبر الإسلام) التي تصدر عن (المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية) التابع

لوزارة الأوقاف أولت قضية التفريق بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته

اهتماماً كبيراً (حيث تناول رئيس تحرير المجلة عبد اللطيف فايد في مقالته ...

الافتتاحية في عدد يوليو ١٩٩٥م تلك القضية بهجوم ضارٍ على د. أبو زيد)

(ص ٦٧) .

ولعل ذلك أحد الأسباب التي دعت التقرير إلى وصف تلك الأجهزة الرسمية

بأنها مؤسسة أصولية رسمية (ص١٢، ٣١٠) .

* والتقرير يتبنى مواقف وآراء فكرية يفترض أنها قائمة على اجتهادات

شرعية: (فما اصطلح على تسميته بالشروط العمرية) التي تحدد طريقة معاملة أهل

الذمة (الثابت تاريخياً أن عمر بن الخطاب بريء من الشروط العمرية) (ص ٨٧) ،

بينما (حفاوة) عمرو بن العاص بالبابا بنيامين بطرك الأقباط وسماحه لهم (ببناء ما

هدم من الكنائس والأديرة) لا تحتاج إلى تمحيص وتدقيق، وتعامل باعتبارها حقيقة

تاريخية ثابتة (ص ٨٧) .

والحديث عن (أهل الذمة) يغضب محرري التقرير ف (لقد ساعد على هذه

الأنماط التفكيكية والانقسامية: نزوع الحركة الأصولية الراديكالية والمعتدلة،

ومؤسسات الإسلام الرسمي، إلى فرض الخطاب الديني وتأويلاته الفقهية ومعاييره

على الفضاء السياسي والاجتماعي والقيمي في المجتمع. وثمة لغة فقهية محافظة

توظف في المطارحات السياسية والفقهية حول موقع غير المسلمين في المجتمع

الإسلامي والدولة الإسلامية، وعودة النسق التاريخي لأهل الذمة في خطابات

الجماعات الإسلامية ووعاظ الغضب والمؤسسة الأصولية الإسلامية. ولا شك أن

انتقاء هذا النسق والفقه المعبر عنه من بين رؤى أخرى أكثر تسامحاً وإنسانية

وأصالة أثار هموماً وشجوناً وصوراً تاريخية في المخيال التاريخي للأقباط

المصريين) (ص ٣١٠) .

ويقدم التقرير لنا رؤيته في علاقة الدين بالدولة من خلال تصريحات شيخ

الأزهر والمفتي: (فإن كان الدين هو مصدر المنطلقات السياسية وتوجهاتها من

حيث وجوب أن تتسم بقيم الأخلاق والفضيلة والحث على التنمية والبناء والتفاعل

الإيجابي مع الآخر ورد العدوان والوقوف إلى جانب الحق.. إلى آخره، فإن

السياسة هي الجانب الآخر المكمل لمثل هذه المنطلقات، وهي الجانب الذي يركز

على الكيفية الدقيقة أو السؤال الخاص بـ (كيف؟) ... ) (ص ٣٥٤) .

ولا يكتفي التقرير بتقديم رؤاه الفكرية في مسائل شرعية، بل يقدم أيضاً

(اجتهادات) الجانب القبطي النصراني: فبابا الأرثوذكس يوضح أن من أسباب

التطرف والإرهاب: الفهم الخاطئ للدين (وهذا الفهم الخاطئ تولدت عنه مفاهيم

مثل (التكفير) الخاطئ، مثل: تكفير الشيخ الذهبي مثلاً، وكذلك تكفير من لا يؤمن

بالإسلام!) (ص٣٤٥) ، ويشير التقرير إلى اجتهادات البابا الشرعية واستشهاداته

القرآنية! حينما يورد طلبه بإنجاز قانون الأحوال الشخصية مع مراعاة أحوال

الأقباط تنفيذاً للشرع الإسلامي الذي يقول: (احكم بينهم حسبما يدينون) [٦] ...

(ص ٣٤٧) .

ويورد رأي مجلة (رسالة الكنيسة) الكاثوليكية في وثيقة الزواج المقترحة

والتي رفضها شيخ الأزهر وتحفّظ عليها المفتي، ولكن المجلة رأت في الوثيقة ... (أنها راعت وضع المرأة المسلمة، وأنها وسيلة فعالة لحماية المرأة وضمان استقرارالأسرة) (ص ٣٦٥) .

ويبرز أن بعض أساتذة جامعة الأزهر لا يجد (مبرراً لتقسيم الكليات إلى بنين

وبنات، خاصة الكليات العملية، ويطالبون بالاختلاط على مستوى الكليات العملية؛ حتى يستطيع الخريجون التكيف أكثر مع الواقع العملي!) (ص ٥٤، ٥٥) .

* والتقرير يتدخل في نيات الناس ويفتش في قلوبهم: فإسلام بعض النصارى

ليس ناتجاً عن رغبة في الإسلام وسماحته وهروباً من النصرانية المحرفة وآصارها

ومصادمتها لفطرة البشر ومصالحهم (وقد شهد عام ١٩٩٥م حوالي ٦٧ حالة إشهار

للإسلام، معظهم من الأجانب، ولا يدل هذا العدد على حقيقة إشهار المسيحيين

المصريين لإسلامهم؛ فهناك أسباب غير دينية لإشهار إسلام بعضها يتعلق بالأحوال

الشخصية وقضايا الزواج والطلاق) (ص ٥٣، ٥٤) .

ومن يبني مسجداً أسفل منزله لا يقصد بذلك التقرب إلى الله، (الزوايا

الصغيرة في أسفل المساكن والتي يبنيها أصحابها للوجاهة الاجتماعية أحياناً،

وللتهرب من الضرائب العقارية أحياناً أخرى) (ص ٦٤) .


(١) الغريب أن التقرير أنحى باللائمة على جامعة الأزهر لقبولها دعماً ماديّاً لمعهد تابع لها، حيث يقول (ص٥٦) : (ويأخذ البعض على مركز صالح كامل تلقيه غير المحدود للهبات والتبرعات تحت لافتة تدعيم المركز تارة، ولإقامة المؤتمرات والندوات تارة أخرى، مما قد يؤدي إلى تدخلات غير محمودة من قبل الجهات والدول المانحة لهذه الهبات والتبرعات، وهو الأمر الذي قد يهز من
صورة الأزهر الشريف وهيبته!) .
(٢) انظر مجلة البيان، ع / ١٠٦، ص ٦٨.
(٣) وذلك رغم أن التقرير يدعو في الصفحة نفسها إلى (الإقرار بأهمية المكون الديني وحق هذا
النوع من الجمعيات في الوجود بدون حساسيات) .
(٤) جريدة الوطن الكويتية ع /٧٤٦٩٢٦/١١/١٩٩٦م.
(٥) انظر: أبو العلا ماضي، مقال (السادات والإخوان والحركة الطلابية في السبعينات) جريدة
الحياة اللندنية، ٣/١١/١٩٩٦م ص١٨.
(٦) لعله يريد الإشارة إلى قوله تعالى [وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ]
[المائدة: ٤٩] ! .