للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

عولمة أم أمركة؟ !

(٣)

المصلحة.. وديبلوماسية الإجبار! !

بقلم: حسن قطامش

تعرض الكاتب في الحلقتين السابقتين إلى الحديث عن التاريخ الأمريكي

الحقيقي، وفند التلميع الزائف لهذا التاريخ المزور وتناقضاته، ويبدأ في هذه الحلقة

الحديث عن محددات السياسة الأمريكية وطرق عولمة النموذج الأمريكي.

- البيان -

المصلحة استراتيجية أمريكية:

مصلحة أمريكا أولاً وآخراً، هذه باختصار إحدى البدهيات الأولى

لاستراتيجية السياسة الأمريكية تجاه العالم.

في سؤال طرحته مجلة (تايم) الأمريكية الأسبوعية، مع إيرادها الإجابة عليه

في الوقت نفسه: لماذا طالب الجمهور الأمريكي بسحب القوات الأمريكية من

الصومال، على الرغم من أنه لم يقل شيئاً عن طلعات الطيران الأمريكي فوق

العراق وسقوط طائرتي هليوكوبتر، ومقتل ١٥ جندياً أمريكياً؟ والجواب: الفرق

واضح، فالجمهور الأمريكي يفهم أن البترول يمثل (مصلحة حيوية) وأن صدّام

طاغية يأمل في صنع أسلحة نووية ويمثل خطراً على الأمن الأمريكي.

سؤال آخر طرحته المجلة ذاتها مع التدخل الأمريكي في البوسنة: ما الذي

يجعل البوسنة تستحق الموت من أجله؟ ما المصلحة القومية في ذلك؟ أما الجواب

فكان من رئيس أمريكا وتبعه وزير الدفاع السابق، أما كلينتون فأجاب: (إذا لم نقم

بالجزء الذي يخصنا من مهمة حلف الناتو فسنضعف التحالف، ونعرض الزعامة

الأمريكية في أوروبا للخطر) .

أما وليام بيري وزير الدفاع السابق فكان موافقاً رئيسه في (أن مهمة حفظ

السلام في البوسنة تؤثر على مصالح الأمن القومي الأمريكي من خلال الحفاظ على

مصداقية حلف الناتو) .

أقسام المصلحة الأمريكية:

تنقسم المصالح الأمريكية إلى أقسام ثلاثة:

١- مصالح استراتيجية: وهي التي تمس الأمن القومي الأمريكي مباشرة،

وتؤثر على مصالحها الذاتية بصورة بالغة، أو ترى أنها تهدد الزعامة الأمريكية

للعالم، وأوضح الأمثلة على ذلك: بقاء كيان يهود بين الدول الإسلامية، ثم

البترول العربي، ولعله لا يوجد ما نستدل به على ذلك أفضل من إخبار هنري

كسينجر اليهودي، وزير الخارجية الأسبق لأحد المسؤولين العرب عند حظر

البترول: أن أمريكا أعدت خطة لاحتلال أحد منابع النفط في الخليج وبالتحديد

(أبو ظبي) وليمنع العرب ما شاؤوا!

٢- مصالح ملحة: وهي مصالح تؤدي إلى خدمة المصالح الحيوية بصورة

كبيرة، كالحفاظ على الأنظمة الصديقة في العالم، ونجاح عملية السلام، ومحاربة

الإرهاب كمهدد للأنظمة الصديقة ومقوض لعملية السلام.

٣- مصالح تكتيكية: وهي غالباً ما تكون للمناورة وإثبات الذات والظهور

الدائم على الساحة العالمية والإعلامية كالضغط على إيران والعراق، والسودان

وسوريا وليبيا كدول إرهابية ومساندة للإرهاب! !

ولن نجهد كثيراً للبرهنة على أن المصلحة عقيدة سياسية، بل هي المحرك

الأساس للسياسة الخارجية الأمريكية، فالنبرة المصلحية واضحة جداً في الخطاب

الرسمي الأمريكي بداية من الرئيس، ومروراً بوزرائه، وانتهاءً بالفرد العادي.

في كتاب: (بين الأمل والتاريخ) يحدثنا كلينتون عن المصلحة الأمريكية

بشيء من التفصيل فيقول: (إن على أمريكا أن تكون قوة فاعلة في تحقيق السلام

العادل في عالم مليء بالصراعات، ليس ثمة طريقة أخرى (لتدعيم أمننا) على

المدى الطويل، إن علينا أن نتحمل مسؤوليتنا تجاه ذلك العالم، لا أن نقف منه

موقف غير المبالي؛ فعندما تصبح التحالفات ضرورية، فإن علينا أن نقيمها،

وعندما تصبح المفاوضات ضرورية، فإن علينا إجراءها، وعندما تصبح

الاستثمارات مطلوبة، فإن علينا تقديمها، وعندما تصبح القوة مطلوبة (لضمان

أمننا) فإن علينا استعمالها، ومعنى ذلك كله: أن علينا الترحيب بآمال العالم وثقته

لا أن نُعرض عنه، ليس لأجل العالم فقط.. بل لأجلنا نحن أيضاً) ، أما روبرت

دول زعيم الأغلبية في الكونجرس، فكتب دراسة في مجلة (فورين بولسي) في

العام ١٩٩٥م، بعنوان: تشكيل مستقبل الولايات المتحدة، وكان أكثر وضوحاً من

كلينتون في شرح استراتيجية المصلحة، يقول: (صحيح أن التلوث البيئي والتفجر

السكاني في إفريقيا أو جنوب آسيا مشكلتان، لكن تأثيرهما على (مصالح أمريكا)

هامشي في أحسن الأحوال، ولا شك أن المجاعة في الصومال ورواندا مأساوية

يتعين على أمريكا مد يد المساعدة الإنسانية في الكوارث وفقاً لمواردنا وبطريقة لا

تفضي إلى نسف جاهزيتنا العسكرية، غير أن الأحداث في رواندا والصومال لا

تنطوي في أسوأ الأحوال إلا على تأثيرات هامشية بالنسبة لأمريكا. إننا لا نستطيع

أن نستمر في نسف سمعة قواتنا المسلحة من أجل عمليات إنسانية (لا تفعل شيئاً في

مجال تعزير مكانة أمريكا! ! فلا تجوز المخاطرة بحياة الأمريكيين إلا دفاعاً عن

المصالح الأمريكية) إن من شأن مثل هذه التحركات أن تزيد صعوبة إقناع الأمهات

والآباء الأمريكيين بضرورة إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المعركة (التي تكون مصالحنا

الحيوية معرضة فيها للخطر) لن يطيق الشعب الأمريكي إصابات أمريكية في سبيل ... أممية غير مسؤولة) .

أما مادلين أولبرايت فإنها تُجْمِلُ سياسة وزارتها في أن الأهداف الحيوية:

(تأمين مصالح الولايات المتحدة) ، والتوسع بها لتشمل الكرة الأرضية.

وكثيراً ما ترى المحللين والكتاب عن السياسة الأمريكية يجهدون أنفسهم في

تفسير المواقف المتناقضة والمزدوجة للولايات المتحدة، ويذهبون في ذلك مذاهب

شديدة الغرابة لا تخلو من الطرافة أحياناً، ومن اللامعقولية أحياناً أخرى في فهم

السياسة الأمريكية، ونحن نوقن أن السياسة الأمريكية ليس لها محرك حقيقي إلا

المصلحة الأمريكية فقط.

الأمركة بالقوة و ... ديبلوماسية الإجبار:

تتحرك الولايات المتحدة لأمركة العالم من أجل مصلحتها في البقاء والسيطرة، واستنزاف الدول، وهي في هذا السعي تستعمل من وجهة نظري طريقتين لفرض

هذه الأمركة، وكل واحدة منهما تكشف عمّا أوردتُه في البداية من النزعة

الاستيطانية، وحب السيطرة، والحياة على أنقاض غيرها من الشعوب، وكما

استعرضنا سريعاً النشأة الأمريكية كدولة جديدة في العالم، فإننا نستعرض كذلك

سريعاً أيضاً نشأة الولايات المتحدة كقطب وحيد في العالم الحديث، وهي الفترة التي

لم تتجاوز نصف قرن من عمر البشرية، وقد كان بروز أمريكا أثناء الحرب

العالمية الثانية وعقبها بعد انتصار الحلفاء على دول المحور، وكانت القوانين قد

حالت دون المشاركة في الحرب من بدايتها، وذلك لتشريع الحياد الذي اتبعته

الولايات المتحدة، ولكن استراتيجية (المصلحة) كانت بارزة في الحرب، فتحتم

تغيير القوانين، فألغى مجلس النواب بسرعة قانون الحياد بحجة مساعدة فرنسا

و (بريطانيا) ! ! وأصدر قانوناً يقضي ببيع الأسلحة للدول المتقاتلة.. (نقداً) ، ولكن

بريطانيا لم تعد تتحمل الدعم المالي النقدي لجيشها، فما كان من روزفلت الرئيس

الأمريكي وقتها إلا أن اقترح قانوناً سمي بقانون الإعارة والتأجير، فلا يمكن تفويت

مثل هذه الفرصة دون استغلال، ووافق الكونجرس في مارس ١٩٤١م، على

القانون الذي يقضي بإعارة مواد خام ومعدات لأي دولة تقاتل المحور، وبالفعل

تسلمت ٣٨ دولة ما مجموعه ٥٠ بليون دولار! !

وتطورت الأحداث وضربت اليابان التي كانت أمريكا تعترض على توسعها

آسيوياً ضربت الأسطول الأمريكي في جزر هاواي مما كان سبباً إلى جر الولايات

المتحدة إلى الحرب، وفي ٩ إبريل ١٩٤٢م استسلم ٧٥ ألف جندي أمريكي من

القوات الأمريكية في الفلبين للقوات اليابانية، واضطر معظم الأسرى أن يسيروا ما

يفوق المئة كيلو متراً سيراً على الأقدام إلى معسكرات الاعتقال ومات كثير من

الأسرى بسبب المرض وسوء المعاملة أثناء ما عرف وقتها بـ (مسيرة الموت)

ونذكّر بما حدث للهنود على يد الأمريكان وهي الأحداث التي سميت: (رحلة

الدموع) ، وقتل في الفلبين على يد اليابانيين ١٤ ألف أمريكي وجرح ٤٨ ألفاً، أما

اليابان فكان عليها أن تفهم العقلية الانتقامية الأمريكية التي ترى في الانتقام لذة

تساوي لذة الحياة التي يعشقونها، فكان عدد القتلى اليابانيين في معركة الفلبين٣٥٠

ألف جندي.

أحد المناضلين ضد قضايا العنف السائد في أمريكا (ديك هايماكر) يقول:

المشكلة الحقيقية تكمن في كون الأمريكيين لم يتخلصوا رغم السنين من نفسية

المستوطنين الأوائل لهذه الأرض، وعلينا أن نفهم أننا في هذا المضمار لا نعتبر

دولة متحضرة.

كان فهم هذه العقلية غائباً عن اليابانيين الذين لم يكتف الأمريكان بما قتل في

الفلبين منهم، بل كان على طوكيو نفسها أن تتلقى درساً غاية في القسوة من خلال

فن الانتقام، فلم يكن القائد الأمريكي للقوات الجوية (هانزل) بالرجل المطلوب لتنفيذ

فلسفة القتل الأمريكية، ولذا: فقد جرى استبداله في ٢٠/١/١٩٤٥م بالجنرال

(ليماي) ، الذي كان من أصحاب نظرية: اقتل أكثر تربح بشكل أفضل، فكان

هجوم قواته الجوية على العاصمة طوكيو في ١٠/٣/١٩٤٥م، وألقى ١٥٠ طناً من

القنابل، أسقطتها ٧٢ طائرة قاذفة، وعلى أثرها تهدم ٢٨ ألف منزل، وقُتِلَ مئة

ألف ياباني في يوم واحد! !

لم يكن هذا كافياً، فجاءت القنبلة النووية الأولى التي حملت اسم: (الفتى

الصغير) وألقيت على هيروشيما اليابانية، لتخلف وراءها ما يقارب المئة ألف قتيل، وثلاثة عشر كيلو متراً مربعاً من الأرض مدمرة تدميراً شاملاً، وكان ذلك في

٦/٨/١٩٤٥م، وبعد ثلاثة أيام فقط جاء دور قنبلة: (الرجل السمين) النووية لتسقط على مدينة نجازاكي لتقتل ٤٠ ألفاً من السكان، ومات فيما بعد عدة آلاف من آثار الإشعاع الناتج عن القنبلتين، وهنا أعلن اليابانيون الاعتراف بالهزيمة، واكتفى الأمريكان بهذا العدد من القتلى!

كان من الضروري ذلك الاستعراض السريع لأكبر حرب خاضتها الولايات

المتحدة خارج أراضيها؛ لعدة أسباب نفهم من خلالها النموذج الأمريكي المتربع

على عرش العالم:

١- فهم النفسية الانتقامية لدى الشعب الأمريكي.

٢- الاستغلال السيئ للشعوب، ما دامت المصلحة الخاصة قائمة.

٣- أن هذه المرحلة شهدت نشوء أمريكا كقوة عظمى.

٤- شهدت هذه المرحلة كذلك ازدياد القناعة الأمريكية بضرورة تطوير الكفاءة

العسكرية؛ إذ هي عماد القوة والسيطرة.

٥- الانضواء الأوروبي تحت اللواء الأمريكي؛ إذ خرجت أوروبا منهكة

مدمرة في أمسِّ الحاجة للمساعدة الأمريكية.

٦- تبلور سياسة أمريكية جديدة وخاصة بعد الاختلاف مع الاتحاد السوفييتي

الذي كان أهم أسبابه، الاتهام بتشجيع نشر الشيوعية في أوروبا في فترة ما سمي

بالحرب الباردة والانقسام الهائل الذي حدث في العالم واختلاف موازين القوى.

والذي يهمنا هنا أكثر، هو القناعة الأمريكية بضرورة التفوق العسكري

وحتمية الانتشار والتدخل؛ إذ هي الطريقة الأكثر جدوى، ونقف الآن على

تفصيلات الحقائق حول هذه القناعة من خلال مرئيات الساسة وصناع القرار.

بيل كلينتون رئيس العالم يتحدث عن دور القوات الأمريكية في صناعة

الزعامة الأمريكية: (تمتلك أمريكا اليوم أفضل قوة قتالية في العالم من حيث

التدريب والتسليح والاستعداد؛ وهذا هو أكثر من أي حقيقة أخرى! ! وإننا لنفضل

الدبلوماسية على القوة؛ غير أننا مستعدون لاستعمال القوة العسكرية عندما يكون

ذلك ضرورياً للدفاع عن مصالحنا القومية، وكما كنا طيلة هذا القرن، فإننا سنقود

بقوة المثال الذي نقدمه للعالم، غير أننا مستعدون أن نجعل قوتنا.. هي ذلك المثال؛ ولهذا فإن مجرد التهديد بقوتنا أصبح اليوم كفيلاً بردع المعتدين كما شاهدنا أخيراً

عندما استنفرنا قواتنا في الخليج رداً على محاولة صدام حسين المجهضة لحشد قواته

مجدداً على حدود الكويت) ، ويضيف في مكان آخر من كتابه: (عندما تسلمت

منصب الرئاسة كانت هناك استراتيجية جديدة ونحن ندخل القرن الحادي والعشرين

وهي استراتيجية تتألف من ثلاث مراحل، ويخصنا هنا صدر الحديث وهو: ( ...

تقضي بجعل الشعب الأمريكي أكثر أمناً، وذلك عن طريق المحافظة على قواتنا

العسكرية وتحالفاتنا بحيث نتمكن من درء الأخطار الرئيسية التي تهدد أمننا كانتشار

أسلحة الدمار الشامل والإرهاب) .

لقد سببت القوة الأمريكية للرؤساء والساسة الأمريكان وخاصة بعد حرب

الخليج ما سمي مرض (نشوة النصر) فهم يعيشون تحت وهم الاعتقاد بأن التفوق

الأمريكي أمر مفروغ منه وأنه تفوق هائل وغير مسبوق، وهذا ما يفسر الصلف

في التصريحات والعنجهية المقيتة في الخطاب الاستصغاري للعالم، وقد اعتمدت

الولايات المتحدة القوات المسلحة عنصراً رئيساً لأمركة العالم وذلك بما يمكن أن

نقسمه إلى ثلاث طرق:

الأولى: إنشاء قوة عسكرية متفوقة والتحكم في سوق السلاح الدولي.

الثانية: العمل على الحد من انتشار الأسلحة التي لا رغبة لها في انتشارها.

الثالثة: تعميم النموذج العسكري الأمريكي في العالم؛ وذلك بتدريب وأمركة

العسكر في الدول الصديقة.

وبهذه الحلقات يكتمل الدور المطلوب من القوة العسكرية لتحقيق الأمركة.

ونأتي إلى تفصيل هذه الطرق حتى يتبين لنا حجم التخطيط والكيد الشيطاني

لفرض نمط غير صالح للتعميم.

الطريقة الأولى للأمركة بالقوة: صدر في أكتوبر ١٩٩٦م تقرير المعهد

الدولي للدراسات الاستراتيجية حول ميزان القوى العسكرية في العالم عام

٩٦/١٩٩٧م، وأكد التقرير أن أمريكا هي أكبر بائع للأسلحة في العالم، فقد بلغت قيمة مبيعاتها خلال عام ١٩٩٢م ١٥ بليون دولار، ثم ارتفعت إلى ١٧. ٥ بليون دولارعام ١٩٩٣م، وهبطت إلى ٢، ١٥ بليون دولار عام ١٩٩٤م و٣، ١٣بليوناً عام ١٩٩٥م، أما المركز الثاني فكان من نصيب بريطانيا التي كان إجمالي مبيعاتها عام ١٩٩٥م ٤ بلايين و ٨٠٠ مليون دولار.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قام في

ديسمبر ١٩٩٥م بالاتصال بمسؤول كبير في دولة الإمارات ثم حثه على شراء ما

يصل إلى ٨٠ طائرة من طراز إف ١٦ من مؤسسة لوكهيد مارتن الأمريكية

العملاقة المتخصصة في الصناعات العسكرية والدفاعية وقد تمت الصفقة مؤخراً

فهل نصدق إذن ما يتشدق به الساسة الأمريكان دائماً ومطالبتهم أن يعيش العالم في

سلام وأمن، وأن تُحل المشاكل دون اللجوء إلى العنف حتى يكونوا شركاء طيبين

لأمريكا! !

إذن: لماذا هذا الكم الهائل من مبيعات الأسلحة لمختلف دول العالم، وخاصة

بؤر الصراع والنزاعات المشتعلة منه، والتي لأمريكا فيها (جهود سلمية) لحل

النزاعات؟ ! المسألة تبدو معقدة في بدايتها ولكن بالنظر إلى الاستراتيجية الأمريكية

يتبين حرص الولايات المتحدة على انتشار أسلحتها في العالم لأسباب عدة:

١- الأموال الطائلة التي تجنيها من وراء صفقات بيع الأسلحة وتشغيل

المصانع والعمال، وهو ما يساعد على الانتعاش الاقتصادي للدولة.

٢- ارتباط الدول المستوردة بأمريكا؛ وذلك لضرورة الحاجة إلى التدريب

على هذه الأسلحة، وقطع غيارها، وأنواع الذخيرة المحددة لها، وبهذا تضمن

أمريكا أكثر من ميزة لبيع السلاح الواحد.

٣- الحضور المستمر في بؤر الصراع لاستخدامه سلباً وإيجاباً للمصلحة

الأمريكية ولإثبات القدرة على التحكم بالتدخل السريع وحسم النزاع وتغيير موازين

القوى في مناطق الصراع، وليس أدل على ذلك من النموذج الإفريقي، الذي

خسرت فيه فرنسا خسارة كبيرة لصالح الولايات المتحدة، ولهذا كان من الضروري

لأمريكا الاحتفاظ بقوة عسكرية تخدم أهدافها.

لمن كل هذه القوة؟ !

والآن تعد أمريكا خطة لتطوير معمل (لوس ألاموس القومي) بولاية

(نيومكسكو (وهو المصنع الذي أنتج قنبلتي (الفتى الصغير) و (الرجل السمين)

اللتين ألقيتا على هيروشيما ونجازاكي، على أن يستأنف (الإنتاج) عام ٢٠٠٣م أي

بعد ست سنوات من الآن فقط.

أما وزارة الدفاع الأمريكية فتقدمت بخطة إلى الكونجرس الأمريكي تبين

مطالبها العسكرية للفترة القادمة ومتطلبات القوات الأمريكية؛ فالقوة الجوية

الأمريكية تريد الحصول على ٤٣٨ طائرة من طراز (إف ٢٢) المقاتلة الخفية التي

يبلغ ثمن الواحدة منها ١٦٠ مليون دولار، وطلبت البحرية الأمريكية ١٠٠٠ طائرة

متقدمة، أما الجيش فيريد الحصول على ١٢٩٢ طائرة هيلوكبتر من طراز

(كوماتشي) وتريد قطاعات القوات المسلحة كلها معاً الحصول على ٩٧٨ طائرة

مقاتلة ضاربة، وهذه القائمة تبلغ قيمتها ٤١٥ بليون دولار.

ونتساءل: لمن كل هذه القوة؟ نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال

جوزيف رالستون قدم لأعضاء الكونجرس وثائق وخرائط تظهر أماكن انتشار

الطائرات في مختلف أنحاء العالم والتهديد المحتمل الذي تثيره هذه الطائرات للأمن

الأمريكي التي، وقال إنها تزيد عن ٦٠٠ طائرة، إشارة منه إلى مواضع الخطر

على أمريكا، ولكن مجلة تايم تعلق على هذا بأن هذه الطائرات ملك لدول صديقة أو

حليفة كبريطانيا وفرنسا وكندا وغيرها من الدول.

ونضيف: أن أعداء أمريكا (إيران، العراق، كوريا الشمالية) لديهم حوالي

١٠٠ طائرة هجومية وسيزيد العدد إلى ١٢٠ طائرة بحلول عام ٥.. ٢م! .

ويتساءل معنا السناتور الأمريكي والمرشح السابق للرئاسة الأمريكية عن

الحزب الجمهوري، (جورج ماكغفرن) السؤال نفسه في مقاله بجريدة الحياة في ٢٧

/٣/١٩٩٧م يقول: لكن السؤال: لماذا علينا تهيئة قوات أمريكية كبيرة محتملة

للدفاع عن كوريا الجنوبية ضد أي هجوم من كوريا الشمالية؟ فيما نعرف أن

بمقدور كوريا الجنوبية الدفاع عن نفسها ودحر الشمال، لماذا نضطر إلى تهيئة

قوات إضافية لحرب محتملة ضد العراق بعدما برهنا في عاصفة الصحراء أن في

إمكاننا دحر الجيش العراقي بـ ١٧% فقط من قواتنا، وفي الوقت الذي كان العراق

فيه أقوى بكثير مما هو عليه اليوم؟ عندما ننظر بعناية إلى سياستنا الدفاعية الحالية، نجد أن الكثير منها (يصعب تبريره) .

جزء مهم من سؤالنا يجيب عليه كذلك وزير الدفاع السابق وليام بيري، وذلك

فيما نشره في فصلية: (فورين أفيرز) الشؤون الخارجية في نهاية عام ١٩٩٦م

تحت عنوان: (الدفاع في عصر الأمل) ، ولكن قبل الإجابة لا بد من المرور سريعاً

للتعريف بكتاب: (الحرب المقبلة) لكاسبر واينبرجر، وزير الدفاع الأمريكي في

عهد ريجان ولمدة سبع سنوات، وكأي وزير دفاع فقد كان مطلعاً على كل الخطط

المستقبلية للدولة وعلى دراية بأهدافها الاستراتيجية.

والكتاب يتحدث عن إسقاطات مستقبلية افتراضية عن احتمالات لنشوب أكثر

من حرب في وقت واحد، وهي حسب الافتراض تبدأ عام ١٩٩٨م، وهذه الحروب

هي: غزو كوري شمالي لكوريا الجنوبية وفي الوقت نفسه غزو صيني لتايوان،

ثم رد انتقامي من الولايات المتحدة على إرهاب نووي إيراني عند احتلالها لدولة

الإمارات، وتفصيلات كثيرة عن حرب موسعة في منطقة الخليج تكون في عام

١٩٩٨م، وعدوان من جانب ديكتاتور روسي، وقيام حالة فوضى عارمة وعدم

استقرار في المكسيك مما يهدد حدود أمريكا الجنوبية، وأخيراً هجوم ياباني على

دول أخرى في منطقة الباسيفك.

وهذا الكتاب رغم كونه افتراضياً إلا أنه لا يخلو من حقائق مهمة، ونذكر أن

حرب الخليج (عاصفة الصحراء) كانت افتراضية في العام ١٩٨١م! وجدير بالذكر

أن مؤلف الكتاب حصل على نمط (الصليب الأكبر) بدرجة فارس من الملكة

إليزابيث.. كان هذا التعريف مجرد تذكير.

نعود إلى وليام بيري وإجابته على جزء من السؤال المطروح، يقول: (لا

نزاع أن خطر اندلاع صدام عالمي قد انخفض كثيراً عنه أيام الحرب الباردة، ولكن

طالما أن هناك أسلحة نووية فإن الخطر لا يزال قائماً، ولذلك فإن الولايات المتحدة

(تحتفظ بقوة نووية مخفضة، ولكنها شديدة المفعول كعامل ردع) ومن أجل ردع أي

صدام إقليمي يتعين على الولايات المتحدة أن تحتفظ بقوات مسلحة تقليدية قوية

وجاهزة وجيدة الانتشار في جبهات متقدمة، وأن يكون حضورها علنياً ومحسوساً

حتى يكون بوسعها إظهار قدرتها العسكرية الحاسمة (أينما ظهر ما يهدد المصالح

الأمريكية) وللدلالة على عزمها على استعمالها، فالولايات المتحدة هي الدولة

الوحيدة على الأرض (التي لها مصالح أمنية على نطاق العالم كله) وبؤر التوتر

الساخنة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا يمكن أن تنفجر دون سابق إنذار (فتهدد

بذلك المصالح الحيوية الأمريكية) ، ولذلك فإن حجم القوات المسلحة وتكوينها يقوم

على أساس حاجتنا إلى الردع، وإذا لزم إلى القتال والانتصار في تنسيق كامل مع

حلفائنا الإقليميين في (صدامين إقليميين قد يقعان في وقت واحد) ما نظن أن هذا

افتراضي أيضاً والمبدأ الأساس هنا: أن الولايات المتحدة إنما تقاتل لكي تنتصر! !

وليكون انتصارها حاسماً وسريعاً وبأقل ما يمكن من الخسائر) .

بقي لنا أن نتعرف على بقية الإجابة، وبقية طرق الأمركة بالقوة من خلال

انفراد القوة، وأمركة عسكر العالم، ومن أعداء أمريكا وما قوتهم؟ ثم ماذا عن

الأمركة بـ (الدولرة) : هذا ما سوف نتعرض له في الحلقة الأخيرة إن شاء الله.