للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتدى القراء

حددت الهدف! !

بقلم: عصام الناصر

بالرغم من هول النكبات، ومرارة الواقع، وقسوة الحقيقة التي ترفل بها حياة

رامي فما زال يتخبط في سيره..

تهتز مبادئه أمام كل ناعق.. شبكة من الضياع والتشتت معششة في عقله، لم

يحدد هدفه وحقيقة سيره! ! ولم يحبك فصول حياته، ولم يرسم خريطة دربه؛

فغرق في مستنقعات ضحلة.. تاهت به الأيام، وغررت به الأقلام..

الكل يشير إليه بأصابع الاتهام، ويرمقه بنظرات الشك! !

بصعوبة يصل إلى مكتبه، ويجلس ... ضربات قلبه متسارعة كعقرب

الثواني في الساعة الحائطية التي أمامه.

يُقلم أظافره بعصبية، ونظراته هائمة، وعقله منشغل في التهمة الأخيرة التي

علقته، يخلص يده من فمه، ويتركها تداعب وريقات على المكتب بعد أن تكونت

حلقة من علامات الاستفهام في فلك عقله المنشغل.

وفي لحظة.. يتبدد كل ذلك عندما أنار الزر الأخضر الذي أمامه علامة على

طلب المدير له.. ينهض بهدوء.. ويمسح جبينه بمنديله من حبيبات عرق اجتمعت

حوله.. ثم خرج.

.. وبين النظرات الفضولية في المؤسسة، وبكل ثقة.. اتجه نحو غرفة

المدير.

لم يستطع أن يخفي عن نفسه ذاك الشعور الذي داهمه. لكن تفهّم المدير

وموضوعيته المعتادة عززت من فرص الشجاعة والأمن لديه.

طرق الباب وولج.. أقبل نحو المدير، ورأسه متدل إلى الأرض.. ثم توقف، وقال وقد حشد ما يملك من نبرات الأدب: نعم يا سيد سامي..

.. وبكلمات حانية صادقة قال المدير: كيف حالك يا رامي؟

رفع رأسه ناحية المدير وعلق بصره ببصره، لينسج حواراً بلغة العيون لا

يفهمها إلا مالكها، يرسل الأستاذ سامي نظرات العتاب الممزوجة بالخيبة، ويرد

رامي بنظرات الاعتراف، وطلب العفو.. ثم ينقطع حوار النظرات بقول المدير:

إلى متى تعيش في الكهوف والجميع في نور الشمس، إلى متى تتخبط في

دياجير الظلمة؟ أتعتقد أن الصمت علامة للجبن أو الجهل؟

.. اعتبرتك مثل أخي، ورحبت بعملك في المؤسسة.. شدني ذكاؤك،

وحسن أدبك، ونشاطك في عملك، ولم أتوقع يوماً أن تستغل مكانك لمصلحتك.

وبكلمات فقدت بعض هدوئها قاطع المدير قائلاً: معذرة يا أستاذ.

أعترف بتقصيري. لكن.. أقسم بالله أنني بريء مما نسب إليّ، وبما لطخ

بي.

.. ترتكز عينا المدير على وجه رامي.. الذي أحس أنها سياط تلسع وجنتيه، ثم قال المدير:

(من يعبث بالطين تتسخ يداه، فرصة أخيرة. ولك أن تختار، انصرف) .

ذيول من الخيبة يجرها رامي خلفه وهو خارج يغلق الباب.. لم يستطع أن

يخنق تلك الدموع التي أبت إلا أن تطفو في حدقتيه.. تنفس بعمق، وصراع على

أوجه قائم في رأسه، ترجم له تنهد ساخن، وحركة غير منضبطة في أصابعه..

.. وبخطوات مزيفة بوقار يقطع الممر إلى مكتبه الذي اكتظ بالموظفين الذين

يرقبونه.. نظرات حارة ومحرقة أحس بها..

.. تجرأ أحدهم: واقترب إلى رامي من الخلف ووضع يده على كتفه وقال

بصوت يشبه فحيح الأفعى: (هل طردت؟ !)

.. ازداد ذاك الصداع، وتلاحقت أنفاسه.. فالتفت إلى الخلف وقال صارخاً: (بل حددت الهدف) .