للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

أهمية استغلال السوانح

بقلم: د.شاكر عبد الرحمن السروي

إن الدعاة إلى الله في طريق دعوتهم إنما هم في تجارة مع الله، قد أبرموا

عقدها وأتموا صفقتها؛ فلا يقيلون ولا يستقيلون: [إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ

أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاً

فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَذِي بَايَعْتُم

بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] [التوبة: ١١١]

وإن التاجر الحاذق ليتحين الفرص لينتهزها، بل ويشحذ فكره ويبذل جهده

لإيجاد هذه الفرص وبعثها من بين ركام الصفقات اليومية.

إن سمو البيع وقدسية الصفقة التي أبرم عقدها كل داعية إلى الله، لَتحتّم عليه

أن يكون على الغاية من إعمال الفكر وبذل الوسع وانتهاز الفرص ليحقق أعظم

المكاسب، فيسعد في الدنيا والآخرة.

وإن أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه كانوا أصحاب السبق في ذلك،

فهذا نوح عليه الصلاة والسلام جرّب كل الطرق وحاول بكل الوسائل المتاحة

لإبلاغ الدعوة. قال تعالى: [قَالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ

دُعَائِي إلاَّ فِرَاراً* وَإنِّي كُلِّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا

ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ

وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إسْرَاراً] [نوح: ٥ - ٩] .

فلا بد إذن من طرق كل الوسائل المشروعة، وانتهاز كل الوسائل المتاحة

لأداء مهمة البلاغ، ولدعم الانتشار الأفقي لهذه الدعوة في انسياب كانسياب الماء،

ما إن يعترضه حاجز إلا ويلتف حوله متابعاً سيله حتى يبلغ مستقره.

ولتحقيق ذلك فإننا بحاجة إلى طائفة توقف حركتها (الميكانيكية) وتنتصب

قائمة، رافعة الرأس وسط جموع العاملين، بل وحبذا لو ارتقت عالياً لتنظر إلى

أفق أوسع وتحيط بنظرتها ميدان العاملين لتؤدي مهمة استكشافية تيسّر السبل لتحديد

الغرض فتستعد لاقتناصها، وتعرف الإمكانيات فترتب لاستغلالها.

إننا وفي غياب هذا التفريغ الجزئي نصبح مجموعة من التروس الصغيرة

وسط آلة ضخمة ندور معها ونحسب أنّا نديرها، أو كالأكمه الذي لا يعرف من

الألوان إلا اسمها.

أما أحسنُنا حالاً فهو من يحتذي حذو سلف اقتنصوا فرصاً، فهو يتقمص تلك

الشخوص في وتيرة باردة هذا إن لم تكن تلك الفرص الخوالي مما لا وجود له في

واقع الحاضر بعيداً عن الإبداع الذاتي ومتخلفاً عن مجاراة ما يستجد من سوانح

الفرص التي إنما تمر مرّ السحاب؛ وقليل من يرتوي بمائها.