للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات دعوية

[أدومه وإن قل]

بقلم:عبد الله المسلم

ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ،

وأخبر: (أن أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه) [١] وكان هديه -صلى الله

عليه وسلم- المداومة على العمل، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً

أثبته [٢] ، وحين سئلت عائشة رضي الله عنها عن عمله -صلى الله عليه وسلم-

قالت: كان عمله ديمة [٣] .

والعمل الذي يداوم عليه صاحبه، مع أنه أحب إلى الله تبارك وتعالى وأنه

هدي النبي؛ ففيه ما أخبر عنه بقوله: (إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما

كان يعمل مقيماً صحيحاً) [٤] ، وهذا إنما يتأتى لمن له عمل يداوم عليه.

ويتحدث أرباب السلوك عن هذا الحديث ومعانيه، ويمثلون له كثيراً بالصلاة

والذكر والصيام والصدقة، ولا شك أن هذه الأعمال أوْلى ما تدخل فيه، بل هي

تدخل فيه بالنص.

لكن: ألا يمكن أن يستضيء الدعاة إلى الله تبارك وتعالى في دعوتهم بمعاني

هذا الحديث ويتمثلوها؟ ويعلموا أنه ما دام أن أحب العمل إلى الله أدومه؛ فالدعوة

إليه تبارك وتعالى وهي من أفضل الأعمال، ينبغي أن تسلك هذا المسلك.

والمداومة في الدعوة تعني معاني عدة، منها:

١- أن يكون للدعوة عموماً أهدافٌ واضحة محددة، لا أن تكون خطوات

مرتجلة مبعثرة.

٢- أن لا تكون الدعوة مجرد ردود فعل لمواقف معينة؛ إذ يتوجب أن تأخذ

ردود الأفعال موقعها الطبيعي؛ فلا تكون مصدراً لرسم برامج الدعوة وأهدافها.

٣- أن لا تكون الدعوة دعوة مواسم ومناسبات، أو محصورة بأوقات فراغ

الداعية وإجازاته، بل ينبغي أن تكون جزءاً أساساً من وقته، ليسمع الناس داعي

الخير في كل زمان ومكان.

٤- لزوم الداعية موقعه والمحافظة عليه؛ ذلك أنه تبدو أمامه كل وقت

مجالات وفرص متعددة هنا وهناك، وحين يتاح له موقع من المواقع يسد فيه ثغرة، فينبغي أن يحافظ عليه، ولا يجاوزه إلا لمصلحة ظاهرة، أما أولئك الذين ينتقلون

كل يوم من ميدان إلى آخر فما أقلّ إنتاجهم.

٥- عدم احتقار الميادين المهمة التي لها أثر عميق لكنه غير عاجل الثمرة،

كميادين التربية والبناء، فهي وإن قلّ أثرها القريب الظاهر، إلا أنها ضرورة لا

غنى للدعوة عنها. والذي يعي مفهوم المداومة يرى أنه ليس بالضرورة أن تكون

الأعمال ذات الأثر العاجل السريع خيراً منها وأوْلى.

ومما يتأكد على الدعاة إلى سبيل الله تبارك وتعالى في ميدان المداومة: أن

يكون لأحدهم نصيب وقدر من العمل الصالح، من الصلاة والذكر والتلاوة والصيام

والصدقة وإن كان قليلاً لا يخلّ به؛ فهم أحوج الناس للصلة بالله تبارك وتعالى،

ولهم في ذلك أسوة بنبيهم محمد.


(١) رواه مسلم، ح/٧٨٥.
(٢) رواه مسلم، ح/٧٤٦.
(٣) رواه البخاري، ح/١٩٨٧.
(٤) رواه البخاري، ح/٢٩٩٦.