للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نص شعري

[عرفات يخرج عن صمته]

أحمد حسبو

عرفاتُ ذكِرْ أمةَ المختارِ ... واقرأ عليها نشرة الأخبارِ

فلربما أرْعت خطابَك سمعَها ... واسترشدت بالنصح والتّذكارِ

ولربما بعد استماعك ترعوي ... وتهبّ من نوم إلى اسْتنفارِ

ولربما آن الأوان لكي ترى ... ما قد دهاها اليوم من أخطارِ

إني أرى هذا التجمعَ فرصةً ... فحذارِ من إهدارها فحذارِ

فالمسلمون على ثراك تجمعوا ... وتدفقوا من سائر الأقطارِ

حملوا الذنوبَ الموبقاتِ وأسرعوا ... يُلْقونها في ساحة الغفارِ

يومٌ له يُهدي الزمانُ تحيّةً ... سيمرّ مرّ البارق السيّارِ

فإذا أفاضوا من حِماكَ عشِيّةً ... عصفت بك الأحزان كالإعصارِ

لَهفي عليك وقد وقفتَ مودِّعاً ... ونظرْتَ نحو الركب باستعبارِ

أنا لا ألومك إن حفظْتَ عهودَهُم ... إنّ الوفاءَ سجية الأخيارِ

لكنْ ألومُك إن رأيتُك ساكتاً ... وانفضّ هذا الجمع دون قرارِ

فاكسرْ جدارَ الصمتِ واقرعْ سمعَهم ... فلكم وراءَ الصمت من أسرار! !

واقرأ على الدنيا مآثِرَ عِزّةِ ... وأَذِعْ عليها سيرة الأطهارِ

أغضى حياءً ثمّ ألقى نظرةً ... ضمّت معاني الحبِّ والإكْبارِ

ثم استدار إلى الجموعِ وقد بدا ... طلقَ الحديث، مرتّب الأفكارِ

حمْداً لمن جمعَ الحجيجَ بساحتى ... وصلاته تَترى على المختارِ

يا أمةً بالشوقِ أرقُب عوْدَها ... كالرّوض يرقبُ عوْدة الأمطارِ

أنا لن أقدم للحديث إليكم ... لا وقتَ للتقديم والإكثارِ

لكنْ بذاكرتي مشاهدُ عِشتُها ... ستظلُ مِلءَ السمع والأبصارِ

فهنا بكى خيرُ العبادِ (محمدٌ) ... وروى الصّعيدَ بدمعهِ المدرارِ

وهناك يخطب في الجموع مودِّعاً ... وكلامُهُ فيضٌ من الأنوارِ

وهنا، جثا (الصدِّيق) يرجف خائفاً ... وَجِلاً يُحاذِرُ غضبة الجبارِ

وهنا، أتى (الفاروق) يبكي بعدما ... لاقى (أُوَيْس) وفازَ باستغفارِ

وهنا بدا (عثمان) في استحيائهِ ... وعليه ثوبُ سكينةٍ ووقارِ

وهنا (عليّ) قد تفجّر حكمة ... ولباسهُ الإيمانُ خير دثارِ

ولكم رأيت على صعيدي إخوة ... فهموا معاني الحب والإيثارِ

عاماً هنا حجّوا، وعاماً جاهدوا ... يرجون وجه الواحدِ القهّارِ

عزّوا ولم يعطوا الدنية مطلقاً ... فالموت أسمى من حياةِ العارِ

الفرق بين الحاضرين ومن مضى ... كالفرق بين الشَوْكِ والأزهارِ! !

فإلى متى تستقبلون دواهِياً ... حلّتْ بكُمْ بالشّجْبِ والإنْكارِ؟ !

وإلى متى والغاصبون بأرضِكم ... يتَصرّفون تصرّفَ الأحرارِ؟ !

وإلى متى تلك الحواجز بينكم؟ ؟ ... ولِمَ الحياةُ بذِلةٍ وصَغارِ؟ !

وإلى متى والقدس ترقب فجرها ... والليلُ يضربُ حولَها بحصارِ؟ !

كلّ المنافذ دونها قد أُغلِقتْ ... لَمْ يبْق غير الصّارمِ البتارِ

فاقضوا المناسك وارجعوا لدياركمْ ... وتفرّغوا للفتكِ بالكُفّارِ

إما حياةً بالجهاد كريمة ... أو جنةً؛ فَلَنِعْمَ عُقْبى الدّارِ