للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات دعوية

أدومه وإن قل أيضاً

عبد الله المسلم

حين يتمثل الدعاة إلى الله تبارك وتعالى معنى المداومة في دعوتهم، فإنه

يؤمل من هذا أن يولد نتائج عدة، منها:

١- حصول التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وهذا عبادة بحد ذاته

يؤجر عليه المسلم، ويحصل به بركة متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٢- أن العمل قد أعد له إعداداً جيداً، وأخذ نصيبه من الدراسة والمراجعة،

ولم يكن نتاج فكرة طائشة أو خاطرة لم تأخذ حقها من التفكير.

٣- المداومة تعني التخصص الذي ينشأ عنه سد للثغرات التي قد لا تجد لها

مكاناً بين الأفكار الطارئة، وينشأ عنه التوزيع المعتدل للطاقات دون أن تسهم

التفاعلات الفكرية والثقافية في تفتيتها أو تركزها في ميدان دون آخر؛ ذلك أن

الحديث عن نجاح ميدان أو تجربة دعوية، أو الحديث عن أهمية ميدان ومجال

مهمل، أو عن خطورة تحد يواجه الأمة والدعوة، ربما أسهم ذلك كله في توجه

غير معتدل للطاقات نحو هذا الميدان مما ينشأ عنه إخلاء ثغور ومواقع لم تجد من

يجيد الاستنفار لها.

٤- المداومة تعني عمق القناعة بالعمل، وأنه لم يكن ناشئاً نتيجة ظرف معين

أو خاطر سريع، وهو يعني أن تكون ردة الفعل تجاه الأحداث متزنة؛ إذ طالما

أسهم الانسياق وراء حدث أو ظاهرة مفاجئة في ردة فعل تولد تطرفاً وغلوّاً في

الاتجاه المقابل.

٥- المداومة على العمل تقضي على ظاهرة استعجال قطف الثمرة والإجهاض

الفكري للمشروعات والبرامج الدعوية والتغيرية، وتلك إنما تنشأ عند أولئك الذين

لم يستقر لهم قرار في ميدان دعوي، أو لم يحققوا مبدأ المداومة في الدعوة.

٦- المداومة تعني انضباط أهداف العمل؛ إذ هي نتاج تفكير هادئ،

وممارسة وتجارب طويلة، وعمل متخصص، وليست مجرد حماسة أو ردة فعل

تجاه انحراف أو موقف معين.

٧- المداومة تعني التدرج في العمل، والسير فيه بخطوات هادئة ثابتة متزنة، تنظر إلى المستقبل بعين واسعة، وأفق رحب. أما أولئك الذين تحركهم العواطف

فلا يجيدون العمل المتدرج الهادئ، بل حين يقتنعون بأهميته وضرورته فلن يطيقوا

الاستمرار فيه.

٨- المداومة تعني صعوبة وصول الوصوليين، أو حُدثاء العهد بالاهتمامات

الدعوية إلى مراكز الريادة والقيادة في العمل الإسلامي الذي أصبح يملك قدراً من

الاستمرار وثبات الأهداف، ويفرض على الطارئين أن ينموا بصورة طبيعية في

ميدان العمل، وإلا فلن يجدوا لهم مكاناً رحباً.

ولقد أسهم هذا الجانب في تصدّر بعض من ليس أهلاً للتصدر في ساحة العمل

الإسلامي ولدى جماهير الصحوة، سواء أكان حسن النية والطوية لكنه لم تنضج

خبرته وتجربته الدعوية، أو كان سيئ النية.

والعناية بمبدأ المداومة في العمل الدعوي وأهميته لا يعني:

أ - احتقار البرامج الطارئة والابتكارات السريعة، التي ربما استفادت منها

الدعوة دفعة جديدة، وفُتِحت فيها آفاق لم تكن قبل كذلك.

وكما أن العابد لربه الذي له هدي راتب من العمل حين تتاح له فرصة للخير

وتتجه نفسه نحو باب من أبواب العبادة فإنه يستثمر ذلك، فكذلك الداعي إلى الله

تبارك وتعالى، ينبغي ألا تحول عنايته بالعمل الدائم دون اغتنام الفرص، لكنْ

هناك فرق بين أن يكون ذلك هو الأصل وهو المسير للعمل، وبين أن يكون ميداناً

يستثمر حين يتاح.

ب - الجمود في الأعمال الدعوية والبرامج والوسائل؛ إذ التجديد والتطوير لا

يعني إلغاء الأصل، كما أن الاستمرار والمداومة لا تعني المحافظة على الرسوم

وتحوّل الوسائل إلى غايات.

ج - عدم التكيف مع الظروف والتعامل معها؛ إذ هي تفرض نوعاً من

المراجعة لأهداف العمل وبرامجه، بما يضمن لها استمرار البقاء والتأثير.

د - ترك توظيف الطاقات الأقل جدية والتي لا تجيد العمل الدائم، والبرامج

بعيدة المدى، بل على الدعاة إلى الله أن يعنوا بتوظيف كل طاقة خيرة، وألا

يحتقروا جهداً أو فرداً يمكن أن يقدم عملاً مثمراً، لكن يبقى أولئك في موقعهم

الطبيعي، ولا يتحول هذا إلى قاعدة ينطلق منها الجميع.