للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

في ساحة الصراع العالمي..

نكون أو لا نكون

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ...

وبعد:

فما الذي يدفع دولة غارقة في بحر الأزمات الداخلية والتحديات الدولية أن

تنتزع لقمة الخبز من فم ملايين الجائعين المشردين في شوارعها كي تنفقها على

سلسلة من التفجيرات النووية؟ ؟ خصوصاً أن هذه التفجيرات تهدد بتطبيق عقوبات

اقتصادية يلوّح بها (نادي الأقوياء) لكل من تُسوّل له نفسه من الدول (القاصرة) التي

لا بد من تطبيق (الحجر) النووي عليها؛ لأنها لا تمتلك (الرقي) الحضاري الكافي

الذي يسمح لها بامتلاك قنابل الدمار الهائلة، التي يطبق قانون امتلاكها كما تطبق

القوانين العشائرية والقبلية البائدة ... ! !

ما الذي يدفع الهند إلى (إعلان) انضمامها إلى نادي الذرة وهي التي أجرت

تفجيرات سابقة قبل أكثر من عقدين ... ! ؟

وما الذي يدفع باكستان إلى الرد النووي على جارتها المتحرشة بها منذ أن

وجدت وبرزت للوجود ...

الدوافع إلى ذلك متعددة، كما أفتى بذلك جهابذة التحليل الاستراتيجي شرقاً

وغرباً ... ، هذه هي الأعلى صوتاً وجلبة وضجيجاً ... وعجرفة! !

قيل إن الهند تريد أن تعيد إلى شعوبها شيئاً من الفخر، وهي أمة مكونة من

آلاف المجموعات الصغيرة، ودولة تضرب جذورها في التاريخ، وتشعر بأنها قد

أهينت وهُمّشت من قِبَلِ القوى الكبرى التي لا تزال تنظر إلى الهند من خلال

صورة هندي جائع بائس فقير يثير العطف والشفقة أكثر مما يثير الإعجاب

بحضارته وبلاده الشاسعة ذات الموقع الاستراتيجي! !

وقيل إن الهند تعيش في حي آسيوي مكتظ بالتحديات ومليء بالجيران

المثيرين للشغب.. فالصين جارتها الشمالية لا تخفي تطلعاتها إلى السيطرة والتهديد

للجار الهندي، وروسيا بجمهورياتها المضطربة تطل بوجهها الشاحب المفزع وقد

تناثرت على قسماته آثار الأنياب والصواريخ الذرية، وباكستان الجار المقلق لا

زال ينظر إلى الهند نظرة الند للند ولا زال يحاول أن يصارع للحصول على وضع

أفضل في كشمير المثيرة للجدل! !

وقيل إن الحزب الهندوسي الحاكم في نيودلهي قد رأى العالم ينظر لوصول

حكومة العقائد الضيقة في فلسطين وهي لا تبالي بكل قرارات الأمم المتحدة ومندوبي

واشنطن المتعجرفين في العادة وتحولهم إلى عرائس هزيلة في مسرح عبثي مثير

للدهشة دونما عقاب، لا سيما أن هذه الدولة تمارس لغة القوة وتفرض شروطها في

ظل الحملة الظالمة على المسلمين في كل صقع وموقع؛ فتكرس لأول مرة في

التاريخ المعاصر مفهوم الاختطاف السياسي للقرار في معاقل صنع القرار الأمريكي

والأوروبي! .. هذا التطرف الهندوسي يمكن أن يكون مقبولاً دولياً لأنه يجابه عدواً

مسلماً بالدرجة الأولى هو شعب باكستان إذ سمح هذا التطرف لعصابات هدم

المساجد وهتك الأعراض في المدن الهندية أن تصل إلى السلطة، وأن تنتهز

الفرصة لإجراء هذه التجارب.. وقد أكّد الرد الهزيل من المجتمع الدولي على

تجارب الهند الثقة في النفس لدى الهنود..

وقيل إن الهند أرادت بهذا التحرك إغلاق الملف الكشميري إلى الأبد؛ وذلك

بتحريك قواتها شمالاً مع بداية الصيف وزوال الثلوج لاحتلال الإقليم بالكامل

خصوصاً أن التحركات الهندية العسكرية أصبحت مكشوفة للعالم ومرصودة من

خلال الأقمار الصناعية لحظة بلحظة!

وقيل الكثير غير هذا ... ، وإذا كانت كل هذه التحليلات صحيحة ومؤثرة

وواضحة فلا بد من القول إن القيادة الهندوسية المتطرفة أدركت أن العصر الآن هو

عصر القوة، وأن الأمم كالأفراد والجماعات، تضع نفسها حيث تريد، فإن أرادت

أن يُنظر لها باحترام فعليها بأخذ أسباب ذلك، وإن أرادت أن تكون ظلاً تافهاً

للمنتصر فما عليها سوى أن تعيش في المستنقع العالمي الآسن، المليء بالطحالب!!

أخفقت الأمم المتحدة، وأخفق النظام العالمي القديم والجديد في أن يجرد العالم

من التهديد النووي وقيادة البشرية نحو عالم أكثر أمناً.. وسيُخفق طالما أن الغرب

بقيادة أمريكا اليوم ينظر إلى العالم نظرة (هندوسية) طبقية: طبقة البراهما التي

تمتلك المال والسلطة والنفوذ والإثراء وأسلحة الموت.. ويمثلها دول أوربا وأمريكا

ممثلين للصليبية المتغطرسة.. وعالم المنبوذين الذين هم مادة بقاء البراهمة؛ حيث

يُسخّرون لخدمة السادة، وثراء السادة، ونفوذ السادة، دون أن يكون لهم حق

استخدام (سكاكين) المطبخ) للدفاع عن أنفسهم بحجة حفظ النظام والأمن وعدم تعكير

صفو مباريات نهاية الأسبوع! ! إنها لغة الغاب هي التي تجعل الكيان الصهيوني

يمارس كل ألوان الطيش والكبر والاستهتار بكل العالم دون عقاب أو لفت نظر،

ولغة القوة هي التي جعلت الغرب يحترم الصين ويدخلها في (نادي الفيتو (وهي

الدولة التي يصاب الغرب بالصمم عند الحديث عن الديمقراطية فيها. أو حين

تسحق ثوار الحرية أمام عدسات المصورين الغربيين، ثم لا يجد الرئيس الأمريكي

حرجاً من زيارتها وإتمام مزيد من الصفقات والعقود والاتفاقيات مع هذا العملاق

المخيف، الذي تحميه قوة عسكرية ونووية يحسب لها الغرب ألف حساب، ويذبح

الديموقراطية ويقدمها قرباناً في حفلة الغابة التي تتكرر بأسماء وطقوس مختلفة!

باكستان في الجانب الآخر تستحق أن يقال عنها ككيان ما قيل عن جارتها

البادئة بالمبارزة النووية..، باكستان لا تحكمها (عصابة) هدمت معبداً هندوسياً أو

أحرقت ممتلكات السيخ في البنجاب كما فعل الحزب الحاكم في نيودلهي بمسلمي

بومباي قبل سنوات، ولم تقدم حكومتها على تغيير اسم شارع واحد لأنه يذكّرها

بالاستعمار الهندوسي لأرض المسلمين في باكستان، وهي الحجة نفسها التي دافع

من خلالها مفكرون غربيون عن الحزب الهندوسي الحاكم عندما قامت كوادره

ورموزه بتغيير اسم أكبر مدينة هندية (بومباي) وأسموها (مومباي) بحجة أن الاسم

الأصلي يذكّر بالعرب والمسلمين وفترة حكمهم لهذا الجزء من العالم ... !

ما قد يقال عن باكستان وحكوماتها منذ الاستقلال هو أنها كانت تراهن على

أمريكا ودعمها لها، وكانت النتائج: ثلاث هزائم مع الهند، وإحجاماً عن تطبيق

قرارات الأمم المتحدة العتيقة المطالبة باستفتاء شعبي في كشمير يحدد مستقبلها، هذا

إذا تناسينا الإهانات المزرية المتمثلة بقانون الكونجرس الأمريكي الذي يحرم

باكستان من امتلاك أسلحة تقليدية متطورة دفعت باكستان قيمتها، ما لم تستسلم

وتعلن توبتها من الإثم النووي الذي يتهددها من كل جانب ...

الحكومة الباكستانية الحالية تعرضت لكل أنواع الضغوط الدولية والإقليمية ...

ضغط هائل ومخزون من التهديد والابتزاز إذا أقدمت على تطوير مقدراتها النووية..، فبينما كان كل الفرح والغبطة الممزوجة بالفخر والتحدي في نيودلهي، كان كل التهديد والضغط على الجانب الأضعف في إسلام أباد، وهي صورة أخرى لازدواج المعايير و (الحَوَل) المزمن الذي أصيبت به الولايات المتحدة وحليفاتها!

إذا كان للهند من دافع كي تجد لنفسها فخراً وطنياً وموطئاً للقدم في نادي

الكبار، فباكستان قد أصيبت في سويداء كبريائها وأهينت أكبر إهانة حين هدد

المتعصبون الهندوس بتدمير منشآتها النووية، ولا يكون هذا هاجس الفخر، بل

هاجس الوجود وإثباته بالنسبة لباكستان!

وإذا كان للهند ميول للزعامة والسيطرة وتقسيم المنطقة وفق تصورات

هندوسية ضيقة، فباكستان تعيش هاجس التحديات على حدودها في كشمير وإيران

وأفغانستان فضلاً عن الجار الهندي الذي لا يعرف للجيرة أي حق، والذي يحمل

ملفاً أسود في التآمر على باكستان منذ الاستقلال وحتى الحروب المتتالية معها

ودوره الفاضح في تقسيم الوجود الإسلامي في القارة الهندية إلى دولتين هما باكستان

وبنغلاديش.

باكستان في نظر الحكم الهندوسي المضطرب في تصوراته لا تتعدى كونها

ولاية هندية لا بد من إعادتها إلى بيت الطاعة الهندوسي، وهي لو لم تقم بتفجيرها

النووي؛ لما اعترف العالم لها بحقها في الوجود ولأصبحت كشمير أخرى، لا تثير

لدى النظام العالمي القائم وسدنته سوى الازدراء ... ، إذن كانت القضية بالنسبة

لباكستان تتمحور في هامش ضيق: وجود أو عدم!

لقد جاء التفجير النووي الباكستاني ليعطي الإجابة المنطقية لشعب يعيش

هاجس الوجود أو العدم، وقال الشارع الباكستاني كلمته: نعم للوجود الحر

ولامتلاك القرار الحر ...

لكن التحدي الذي يقف أمام باكستان هو: كيف يكون هذا الوجود قوياً

ومتناغماً مع الفكرة الأساسية التي قامت عليها البلاد، أي تكريس الوجود الإسلامي

في جنوب آسيا..

لقد وصفت قنبلة باكستان وحدها بأنها قنبلة عقدية، وقيل عنها إنها قنبلة

إسلامية! ! أما قنابل أمريكا الصليبية وأوروبا النصرانية و (إسرائيل) اليهودية

والهند الهندوسية، فقد جردت من الديانة وأصبحت قومية، وهذا بحد ذاته يكشف

بوضوح حجم التحدي الذي يواجه باكستان خصوصاً مع تأكيد مصادر متعددة لدور

إسرائيلي في الاستفزاز الهندي، بل إن الهند قامت بتفجيرات نووية لحساب تل

أبيب كما نشر فيما بعد.

إن العالم الإسلامي الذي أُجبرت دوله على التوقيع على اتفاقية الحد من

الأسلحة النووية مطالب بأن يعيد حساباته خصوصاً مع تكشير الصهاينة عن أنيابهم

والكشف عن امتلاكهم لمئات من القنابل النووية.

ولا بد أن تختار هذه الأمم والشعوب على ضوء معطيات الحاضر بين أن

تكون أو لا تكون..

أن تكون أمماً تحترم نفسها وتمتلك القدرة على ردع العدوان المتزايد؛ أو أن

تكتفي بأن تكون عرضة للابتزاز والعدوان، كما حصل ويحصل، وهو خيار لا

مجال فيه للتفكير أو التردد.. حين تكون هناك إرادة واعية! ! وحين يتم رفض

أسلوب (الحَجْر) على الدول (القاصرة) .. وهو بالضبط أحد أبرز عناوين نظامهم

العالمي المزود بالأنياب والأظافر النووية.