للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

حوار مع:

فضيلة د. علي السالوس

أجراه: د. جلال الدين صالح

ضيف مجلة البيان في هذا العدد هو فضيلة الشيخ (علي بن أحمد السالوس)

وهو أستاذ جامعي بقسم الفقه وأصوله في كلية الشريعة بجامعة قطر، وهو خبير

في الفقه والاقتصاد تميز وفقه الله بالإنتاج الغزير بما يزيد على خمسين كتاباً وبحثاً. ويمكن تقسيم أبحاثه إلى محاور ثلاثة:

١- ما يتعلق بالدراسات المقارنة بين الشيعة والسنة في الأصول والفروع،

وهي دراسات علمية متميزة.

٢- الدراسات الفقهية والاقتصادية المعاصرة مثل: التضخم، والكساد، وبيع

التقسيط، وتمويل البنوك، والاستثمار، وغيرها. مع دراسة في السنة وفقهها.

٣- المناقشة والردود العلمية مثل ردوده على مبيحي الفوائد البنكية، ومسألة

زواج الأقارب، والتحذير من الفتوى بلا علم.

وكتابات فضيلته تتسم بالدراسة العلمية والتوثيق، ويلمس فيها القارئ

الإخلاص والصدق؛ هذا ما نحسبه، والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً.

ويسعدنا في هذا العدد الحوار مع فضيلته في مسائل شرعية واقتصادية مختلفة

راجين أن يجد فيها القارئ بغيته، وأن يثيب الله الشيخ على جهوده العلمية

والدعوية خير الجزاء. وإلى الحوار ... ...

... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... - البيان-

س: فضيلة الدكتور: لا شك في أن ثمة ضرورة دعت إلى إقامة البنك غير

الربوي مقابل البنك الربوي؛ فهلاّ تكرمتم بإلقاء الضوء على الموجبات التي دعت

إلى إنشاء البنوك الإسلامية؟

ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...

أولاً: علينا أن نعرِّف الفرق بين البنوك الربوية والبنوك الإسلامية لنعرف

هل هناك ضرورة أم لا توجد ضرورة؟ وتعريف البنك الربوي في الاقتصاد: أنه

المنشأة التي تتاجر في الديون (التعامل في الائتمان عن طريق الاقتراض

والإقراض) فهي لا تتاجر في سلع، أو عقارات، أو منقولات، إنما في الديْن. ثم

أصبح لها وظيفة ثانية، وهي إيجاد النقود أي أنها تقرض نقوداً لا تملكها ولا وجود

لها.

أما البنك الإسلامي، فإن مجمع البحوث الإسلامية انتهى في مؤتمره الثاني

سنة ١٣٨٥هـ سنة ١٩٦٥م بإجماع كبار العلماء من ٣٥ دولة إسلامية، إلى أن

فوائد البنوك هي من الربا المقطوع بتحريمه بنص الكتاب والسنة، ودُعي في هذا

المؤتمر إلى إنشاء بديل إسلامي، وكيف يكون البديل إسلامياً؟

نظروا أولاً إلى العلاقة بين المودع في البنك وبين البنك، ثم العلاقة بين

البنك ومن يأخذ من البنك؛ فالعلاقة بين المودع والبنك علاقة مقرض ومقترض:

البنك يقترض، والمودع مقرض سواء أكان القرض (الحساب الجاري) بفوائد أو

بدون فوائد، أو كان القرض وديعة لأجل، بفوائد، ثم العلاقة بين من يأخذ النقود

من البنك وبين البنك علاقة مقرض بمقترض، فالبنك الذي كان مقترضاً أصبح

مقرضاً. وقد رأى المجمع أن هذه العلاقة لا بد أن تتغير، فكيف تتغير؟

إن من الممكن للبنك أن يكون مضارباً بدلاً من أن يكون مقترضاً؛ فمن يودع

المال في البنك الإسلامي يعتبر شريكاً للبنك في شركة مضاربة أو قِراض، والبنك

يمثل عامل المضاربة والربح بالنسبة المتفق عليها. وإن إنشاء بنك إسلامي هنا

معناه إخراج اقتصاد الإسلام من الواقع النظري الذي كان عملياً من قبل في مجالات

كثيرة إلى الواقع العملي في حياتنا؛ هذا باختصار هو التطبيق العملي للشريعة

الإسلامية في مجال معاملات البنوك.

س: فضيلةَ الدكتور: يُتّهَمُ الاقتصاد الإسلامي بالجمود والعجز عن مواكبة

التطور الاقتصادي العالمي فضلاً عن منافسته: فكيف يمكن تفنيد هذا الادعاء بشكل

موجز؟

ج: هذا يدل على جهل من يزعم ذلك؛ لأنه لا يعرف الاقتصاد الإسلامي؛

وهذا ما أشرت إليه من قبل في المحاضرة التي ألقيتها بكندا؛ إذ بينت ماذا خسر

العالم نتيجةً لعدم تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي؛ ومن غير المسلمين من بدأ

يشعر بهذه الخسارة؛ وأذكر على سبيل المثال أن مديراً لبنك ربوي في

(فرانكفورت) هو مستر (بتمن) كتب بحثاً رُشّح بسببه لنيل جائزة (نوبل) والبحث

عنوانه: (كارثة الفوائد) بيّن فيه أن العالم مقبل على كارثة، فما الحل عند (بتمن)

مدير هذا البنك؟

قال: الحل هو الآتي: عندنا رأس المال، والإنتاج، لا نحدد فائدة مقدماً،

وما دام لا يجوز لنا أن نحدد فائدة أولاً، فماذا نفعل إذن؟

قال: المال هنا يشارك في الإنتاج؛ وعليه فإن الفائدة تحدد تبعاً للمشاركة في

الإنتاج وزيادته، فإن زاد الإنتاج بمقدار ٢٠% فإن رأس المال يأخذ نصيبه من

الزيادة، وبذلك يرجع ربح رأس المال للإنتاج؛ بحيث أن الفوائد لا تحدد سلفاً وإنما

يكون مقدارها تبعاً للإنتاج الفعلي، فإذا زاد الإنتاج زاد نصيب رأس المال بسبب

زيادة الإنتاج؛ هذا هو الحل عند (بتمن) الذي التقى به أحد الإخوة الدارسين

للاقتصاد الإسلامي يرحمه الله وقال له: هذه النظرية ليست جديدة عندنا! قال:

عندكم! أين؟ قال: عندنا نظام يسمى: المضاربة أو القِراض. وشرح له النظام

الإسلامي فقال: أمّا الإسلام فلا نريد الإسلام! !

في كتاب (الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة) عندما ذكرت

ملخصاً لهذا الكتاب، وبينت كارثة الفائدة الربوبية عقّبت عليه بعنوان آخر هو:

(كارثة أكبر) الكارثة الأكبر أن شيخاً يقول: تحديد الفائدة واجب، واجب، واجب، قلت سبحان الله! من الذي فهم الإسلام: الخواجة (بتمن) أم الشيخ فلان؟

س: فضيلة الدكتور: ظهرت كتابات في بعض الصحف والمجلات، ومن

بعض الكتّاب تتهم الرقابة الشرعية على البنوك الإسلامية بالانهزام أمام الإغراءات

المالية، ومن ثَمّ الوقوع في تسويغ المخالفات الشرعية وتمريرها: فهل لكم أن

تفيدونا عن الكيفية التي تقوم بها الرقابة الشرعية في سير المعاملات المصرفية؟

ج: الرقابة الشرعية في البنوك ليست سواء، فهناك هيئات رقابية شرعية

تعمل بلا مقابل، وهي تشترط هذا، وهناك رقابة آراؤها ملزِمة للبنك كي لا يمكن

للبنك أن يخالفها، وهناك رقابة شرعية تستشار فيما يعرض عليها. إذن الذي لم

يُعرَض لم تستشر فيه، ثم حتى الذي عرض كان لمجرد الحصول على رأي

استشاري؛ لكن البنوك جميعها تذكر هيئة الرقابة الشرعية! ! وهناك حالات

لاستغلال أسماء هيئة الرقابة الشرعية (من بعض البنوك الربوية) . وتساهل بعض

هيئات الرقابة الشرعية، وعدم علم بعضها، كل هذا أساء بلا شك؛ ولكن يبقى أن

هناك هيئات للرقابة الشرعية تقوم بواجبها، وآراؤها ملزمة للبنوك الإسلامية،

فعندما تقرر أنها راجعت أعمال البنك، وأنها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية عند

ذلك تكون قراراتها وشهاداتها صحيحة.

س: بالتأكيد أنّ بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية حالات من التعامل

الاقتصادي تمليها حركة التجارة على المستوى الدولي والوطني: فكيف يمكن تحقيق

الضوابط الشرعية بين مؤسستين كل منهما تنطلق من أسس متباينة؟

ج: البنوك الإسلامية تتعامل مع البنوك الربوية وهذا صحيح، وهذا مؤكد؛

وأي بنك إسلامي لا يتعامل مع البنوك الربوية لا بد أن يغلق أبوابه! ! لماذا؟ لأنه

إذا أراد أن يفتح اعتماداً مستندياً لاستيراد سلعة من إنجلترا مثلاً فلا بد أن يكون له

بنك مراسل في إنجلترا؛ وهذا البنك المراسل هو الذي يأخذ هذا الاعتماد فيتصل

بالشركة المصدرة ويطلب منها التصدير ويتعهد لها بدفع الفوائد. والشركة لا تقبل

أن يتعامل معها بنك إسلامي في دولة غير إنجلترا؛ إذن التعامل مع البنوك الربوية

أمر لا بد منه إلى أن يأذن الله تعالى بتطبيق الإسلام في كل بلاد العالم، ولا بد أن

يطبق إن شاء الله، وإلى أن يتم هذا فلا بد من التعامل مع البنوك الربوية. نعم إن

المنهج مختلف، ولكن البنك الربوي يتعامل مع البنك الإسلامي على أنه وكيل بأجر، أو يتعامل مع البنك الإسلامي بأداء عمل معين بطريقة إسلامية ويأخذ أيضاً مقابلاً

لهذا العمل. أما البنك الإسلامي فهو لا يتعامل مع البنك الربوي على أساس ودائع

لأجل، بفوائد ربوية؛ لأن المنهج المتبع في البنك الإسلامي مختلف؛ إذ إنّ العمل

متفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

س: هناك من يقول إن البنوك الإسلامية أكثر تعرضاً لمخاطر الاستثمار من

غيرها: فإلى أي حد تظن هذا القول مقبولاً؟

ج: البنوك الإسلامية ليست أكثر تعرضاً للمخاطر من غيرها؛ لأن البنوك

الربوية أصلاً لا تستثمر، البنوك الإسلامية تتعرض لمخاطر الاستثمار، والبنوك

الأخرى تتعرض لمخاطر الديون، فإن مئات البنوك الربوية أفلست؛ وبفضل الله

تعالى لم يفلس أي بنك إسلامي، نعم هناك بنوك إسلامية تعرضت للإفلاس، لكنها

بفضل الله تعالى قامت، إلا أن التعرض للمخاطر أمر قائم ولكنه لا يقارن بما

تتعرض له البنوك الربوية، وهذا من طبيعة الاستثمار الإسلامي.

س: يعاني العالم الإسلامي من التبعية الاقتصادية والديون المرهقة: فما هو

الدور الذي يمكن أن تقوم به البنوك الإسلامية لإزالة هذه التبعية وتحرير العالم

الإسلامي من ديونه؟

ج: التبعية الاقتصادية، والتبعية السياسية، والتبعية الإعلامية، هذه

التبعيات لا يمكن لدولة إسلامية أو جهة إسلامية أن تزيلها، وإنما سيكون هذا إن

شاء الله تعالى يوماً ما، وقد بُشّرنا بهذا بطرق شتى، أما الآن فالتبعية قائمة، ودور

البنوك الإسلامية يمكن أن يكون مخففاً من هذه التبعية، والأمر يتعلق برغبة الدول

الإسلامية في عدم التبعية، وتطبيق الشرعية الإسلامية، ومتى رغبت يمكن ذلك.

س: فوائد البنوك الربوية نراها تعود من جديد للإثارة بعد أن حسمها الشرع

بالتحريم وأجمعت على ذلك المجامع الفقهية: فما هي الدوافع السياسية والاقتصادية

الكامنة في نظركم وراء هذه الإثارة؟

ج: الإثارة كانت نتيجة للآتي: بعد نشأة البنوك الإسلامية ووجود شركات

استثمار إسلامية بدأ الجهاز المصرفي في بعض البلاد يهتم بهذه الظاهرة، وكذلك

من الناحية السياسية؛ فبعض الدول التي تدعي أنها إسلامية مصارفها ربوية فكيف

يكون ذلك؟ إن هناك دوافع اقتصادية لحماية الجهاز المصرفي للدولة، ودوافع

سياسية لإظهار الدولة بأنها مسلمة، أما من الناحية الاقتصادية العملية فإن البنوك

الإسلامية بدت قادرة على أن تقوم بالأعمال المصرفية والخدمات التي تقوم بها

البنوك الربوية بدون ربا، وأثبتت في هذا أنها تستطيع أن تشارك في تنمية

المجتمع ونهضته اقتصادياً؛ لأنها تقوم بالمشاركة الفعلية في الإنتاج.

والأمر محسومٌ قبل أن تنشأ البنوك الإسلامية، ففي المؤتمر الثاني لمجمع

البحوث الإسلامية الذي شارك فيه كبار العلماء من ٣٥ دولة إسلامية في القاهرة

صدر قرار بالإجماع أن الفوائد المصرفية هي من الربا المقطوع بتحريمه بنص

الكتاب والسنة، أي إنه ليس مسألة اجتهادية، ثم إنّ مجمع الفقه ورابطة العالم

الإسلامي بمكة المكرمة، حذرا من تفشي المصارف الربوية ودعَوَا إلى تأييد البنوك

الإسلامية، فكان لا بد من مخرج لحماية النظام المصرفي الربوي، ولدعم الدول

التي تدعي أنها تطبق النظام الاقتصادي الإسلامي، وكان المخرج هو الفتوى بأن

البنوك في جميع بقاع الأرض تستثمر بالطرق التي أحلها الله! !

س: من شُبَهِ الذين يقولون بإباحة الفوائد الربوية أن المودع ليس مقرضاً ولا

يخطر ذلك بباله، وأن البنك ليس مقترضاً، ومن ثم فإن ما يعود عليه من البنك

ليس من ربا النسيئة، فكيف يمكن الرد على هذه الشبهة مع بيان شيء من أوجه

الشبه بين ربا هذه البنوك وربا الجاهلية؟

ج: التعامل مع البنوك يحكمه القانون الوضعي، ولذلك فإن القانون ينص

على أن ودائع البنوك تعتبر قرضاً، وأن البنك ملتزم بأداء هذا القرض والفائدة،

فإن القانون الوضعي ينص على هذا، أما كونه يخطر بباله أو لم يخطر بباله فإن

هذا لا يؤثر في العقد. أما أوجه الشبه بين هذه وربا الجاهلية، فالواقع أن ربا

الجاهلية مظلوم بالمقارنة مع ربا المصارف في أيامنا هذه؛ ولذلك بينت في أكثر

من كتاب من كتبي أن فوائد البنوك أسوأ من ربا الجاهلية من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: ربا الجاهلية كان من الدنانير الذهبية، أو من الدراهم الفضية،

فهي فعلياً سلعة، أماربا البنوك فمنه ما هو نقود حقيقة، ومنه ما هو نقود اختلاقاً،

وهي بهذا نقود مصرفية لا وجود لها.

الوجه الثاني: ربا الجاهلية كان لتجار دوليين يقترضون لتوسيع تجارتهم إلى

الشام، واليمن، ولذلك كان المقترض تاجراً دولياً كبيراً، والمقرض قد يكون غنياً، وقد يكون فقيراً لا يملك إلا مئة درهم أقرضها بفائدة.

الوجه الثالث: في الجاهلية كانت الفائدة تُدفع بعد الاستثمار، أما في ربا

الجاهلية المعاصرة فالفائدة تحسب وتحسم أولاً، ولذلك فالفائدة التي تؤخذ في الودائع

هي أكثر مما يذكر.

س: تُطرح قضية (الموركج) كضرورة حيث يضطر الفرد المسلم في بلاد

الغرب إلى اللجوء إليها لحل مشكلات السكن: فكيف ترون شرعية هذا الاضطرار؟

ج: هذا الموضوع عرض على مجمع علوم الفقه والبحوث الإسلامية،

والسؤال جاءه من معهد الفكر الإسلامي بواشنطن. الضرورة تبيح المحظورات،

ولكن الضرورة تقدر بقدرها، المسلم في حاجة إلى السكن، ولكن ليس من

الضرورة أن يمتلك، فإذا وجد مسكناً بالإيجار فلا يجوز له أن يقترض بالربا لشراء

مسكن؛ ومن هنا انتهى المجمع إلى عدم جواز الاقتراض من البنوك الربوية لشراء

المسكن ما دام المسلم يجد مسكناً ولو بالإيجار.

س: يلاحظ أن بعض البنوك لجأت في الآونة الأخيرة إلى تخصيص جناح

للاستثمار الإسلامي فيها، جذباً لمال المستثمر المسلم: فما هو الموقف الشرعي

المطلوب سلوكه معها؟

ج: نعم هذا ملاحظ، إنما أكثر من هذا، أن (سيتي بنك) وهو بنك في

البحرين قد خصص فرعاً كاملاً وليس جزءاً منه للاستثمار الإسلامي، وهذه البنوك

بالطبع، لم تفعل هذا حباً في الإسلام، أو رغبة في خدمة المسلم؛ وإنما لأنها

أحست بأن الأموال تذهب إلى بنوك إسلامية، فلا بد أن تشارك في الاستفادة قبل

أن تذهب الأموال منها؛ فقد أحست بهذا الخطر في أول نشأة اللواء الإسلامي، ثم

بنك التنمية الإسلامي؛ إذ لاحظوا الإقبال الشديد؛ ومعنى هذا أن الأموال بدأت

تُسحب من البنوك الربوية لتودع في بنوك إسلامية؛ فلا بد من التفكير في حل؛

فالهدف هنا ليس إسلامياً؛ لكن التطبيق هل هو إسلامي أم غير إسلامي؟ قد يكون

إسلامياً، وقد يكون شعاراً مزيفاً، فعلى من يتعامل مع هذه البنوك أن يتأكد من

سلامة التطبيق وأنه متفقٌ مع أحكام الشريعة الإسلامية.

س: العالم الإسلامي غني بموارده الطبيعية: فكيف تنظرون إلى الصورة

التي يتم بها استغلال هذه الموارد؟ وكيف ترون التعامل الاقتصادي بين دوله؟ وما

هو الدور الذي يمكن أن تقوم به البنوك الإسلامية لإيجاد حالة من التعاون

الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي؟

ج: هذا سؤال مثير للألم، فالدول الإسلامية عندها من الموارد ما يتيح لها

الاكتفاء الذاتي وزيادة، بل إن أرض (العراق) كانت تغذي الدولة الإسلامية، وفي

أيام سيدنا (يوسف) عليه السلام كانت (مصر) تطعم من حولها، وأرض (السودان)

يمكن أن تفي بحاجة كل البلاد العربية، ومع ذلك فإن كل البلاد تقريباً تستورد

الطعام، ولا تملك طعامها ولا سلاحها، فهل هذه الدول عاجزة عن أن تستغل كل

مواردها؟

هناك أشياء سياسية قد لا نستطيع الخوض فيها، ومن ذلك أنّ دولاً تُلزَم بألا

تستغل أراضيها في الزراعة لتبقى مستوردة! لماذا؟ وهناك دول أخرى أرضها

تكفي ليس لها فقط بل ولغيرها، ولكنها تستورد؛ كيلا يتوقف إنتاج القمح الأمريكي! إذن هناك مسائل سياسية، أو ضغوط على هذه الدولة وخضوع لغيرها.

س: أنشئت بنوك إسلامية في بعض الدول الغربية ثم أغلق بعضها: فما

السبب في نظركم؟

ج: السبب هو أن دولاً لا تريد الإسلام، أو أي شيء يتصل بالإسلام، وهذا

واضح هنا في إنجلترا؛ فإن بنك البركة عندما أراد أن يفتح فرعاً له وضعوا أمامه

شروطاً شديدة التعقيد، ونفذت كل شروطهم، وفي النهاية أغلق؛ لأن كل هذه

الشروط تعجيزية، وما داموا يعجزون إذن يغلق، ولكنهم كانوا يريدون للإغلاق أن

يكون بسبب العجز لا بقرار منهم، على أن هناك دولاً غير إسلامية بها بنوك

إسلامية تزاول نشاطها ولا تتعرض لأي مضايقات مثل بنك التقوى في سويسرا؛

فإنه من أحسن البنوك الإسلامية إن لم يكن أحسنها على الإطلاق، وهو مقيد في

جزر البهاما من أجل الضرائب ولكن نشاطه في سويسرا.

س: تثار بعض الشبهات من بعض الناس حول المرابحة، فهل بالإمكان

توضيح صورة المرابحة كما تجريها البنوك الإسلامية؟

ج: المرابحة كما تجريها البنوك الإسلامية لها جانب نظري، وجانب عملي.

الجانب النظري أقره مجمع الفقه الإسلامي، وسبق من قبل أربعة عشر سنة أن

قُرر هذا في المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية، أن بيع المرابحة يكون كما يلي:

المصرف الإسلامي يبيع بعد أن يشتري السلعة ويتملكها ويمولها، ويقع عليه

تبعات الإهلاك قبل التسليم، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعد التسليم؛ هذه هي

الشروط التي وضعها المؤتمر للمصارف الإسلامية، ثم بحثها مجمع الفقه الإسلامي

وانتهى أيضاً إلى هذا القرار، وبُحث أيضاً في مؤتمرات عدة وانتهت إلى هذا

القرار أيضاً، وبهذه الطريقة يكون بيع المرابحة بيعاً إسلامياً ١٠٠%.

التطبيق العملي هذا يدعونا إلى أن ننظر إلى تطبيق كل بنك على حدة، أو

كل شركة على حدة؛ فإن باع قبل أن يملك فالبيع باطل، وإن باع بفائدة قبل أن

يملك فهو ربا.

س: ختاماً: نسأل فضيلتكم هذا السؤال: إنشاء السوق الإسلامية المشتركة

أمنية يحلم بها كل مسلم! فما هي الشروط اللازمة التي ترونها ضرورة لإنشاء مثل

هذه السوق؟

ج: عندما تنشأ إن شاء الله سوف نتحدث عنها، فالمسألة ليست مسألة السوق

الإسلامية المشتركة؛ بل الأمر يتعلق بالإسلام: فهل هناك اتجاه لتطبيق الإسلام،

وهل هناك اتجاه لتعاون الدول الإسلامية، وهل نحن فعلاً جادون في إنشاء السوق

الإسلامية المشتركة؟ من الناحية النظرية هذا ممكن، أما من الناحية العملية فلا

ندري! ! وللأسف الشديد فإن السوق الأوروبية المشتركة، لا يجمع بين دولها

شيء إلا المصلحة الاقتصادية، لا يجمعها دين، ولا لغة، ولا تاريخ، ولا أي

شيء، ومع ذلك تنشئ سوقاً أوروبية مشتركة، أما الدول الإسلامية بتاريخها

المشترك، ودينها العظيم، وعاداتها وتقاليدها ولغاتها في أكثر الدول مع ذلك كله لا

تنشئ سوقاً إسلامية. إن الأمر يتعلق بتطبيق الإسلام أساساً، وبعدم تبعية الدول

الإسلامية، فهل يُسمح للدول الإسلامية بعدم التبعية حتى لو أرادت؟