للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

حرب القرن القادم..

وراء افتعال علاقة بين الإسلام والإرهاب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

وبعد: فمنذ سنوات قلائل، والدعوات والصيحات تخرج من الغرب مبشرة بصراع

قادم لا محالة ... وظلت التصريحات تتناثر هنا وهناك محذرة من (الأصولية

الإسلامية) باعتبارها العدو الأول للحضارة الغربية بعد زوال الشيوعية. وجرى في

الوقت ذاته ربط مريب بين ثلاث مفردات، لتصبح ذات مدلول واحد في النهاية

وهي: (الإسلام الأصولية الإرهاب) وليتم التسلسل التلقائي بينها وتتعود عليه

الأفهام والأسماع؛ فالتمسك بالإسلام: يعني الأصولية، والأصولية: تعني الإرهاب! ولسنا في حاجة الآن لاستعراض الدلائل على هذا الربط المتعمد؛ لأنها أكثر من

أن تحصى.

وعلى إيقاع دوران الآلة الإعلامية الغربية لإتقان تلك المعزوفة؛ كانت آلات

الإعلام العربي تكرر الأنشودة السمجة ببلاهة وبلادة حيناً، وبخبث ومكر أحياناً..

وظلت النغمة النشاز تتعالى شيئاً فشيئاً، حتى عدنا لا نسمع لهؤلاء حديثاً عن

الإسلام إلا قليلاً ولكن نسمع عن الأصولية الإسلامية.. ومع الوقت قلّ الحديث عن

الأصولية ليحل محلها: الإرهاب؛ لتكون تلك الكلمة هي المرادف المباشر لـ

(الإسلام) ! حتى إذا كاد (المصطلح) أن يستقر، بدأنا نسمع عن السعي لخطوات

عملية للاستعداد لدخول الصراع القادم ... مع الإسلام؟ ! لا لا ... مع الإرهاب!

وأصبح كل عدو لدود يقول: نحن لا نحارب الإسلام، بل نحارب الأصولية.. لا

بل نحارب الإرهاب. وعلى هذا الزعم بدأت الحرب بصورة إقليمية في أكثر بلاد

المسلمين ضد الإسلاميين باسم محاربة الإرهاب، والأمثلة على ذلك ماثلة أمامنا من

كل مكان، ولا تحتاج إلى برهان.

ثم بُدئ في إعطاء تلك الحرب بُعداً دولياً، وتعالت صيحات متشنجة هنا

وهناك بضرورة عقد المؤتمرات الدولية لمكافحة الإرهاب بصورة جماعية!

ثم بلغت الأمور ذروتها عندما انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة

الصريحة إلى خوض (حرب عالمية) تقودها أمريكا (ضد الإسلام) عفواً ضد

الإرهاب! !

لقد انتهز الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حوادث تفجير السفارتين الأمريكيتين

في كينيا وتنزانيا ليدشن مرحلة البدء بتلك الحرب، فقبل أن تنتهي التحقيقات في

حوادث التفجير، وقبل أن تثبت أي جهة دولية أو غير دولية التهمة ضد أحد بدأ

بتوجيه ضربات جوية ضد أهداف في السودان وأفغانستان. ولكم كانت عجيبة

غريبة ومريبة تلك التصريحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته بُعيد

توجيه تلك الضربات. قال كلينتون: (لقد بدأنا حربنا ضد الإرهاب.. وعلينا

الاستعداد لحرب طويلة) ! في حين زادت في الصراحة والوقاحة وزيرة خارجيته

اليهودية (مادلين أولبرايت) فقالت: (على الأمريكيين أن يعدوا أنفسهم للحرب ضد

الإرهاب.. إنها حرب القرن القادم) ! بينما تحدث وزير الدفاع عن حرب تشبه

الحرب العالمية الأولى والثانية.

والظاهر أن الصراع الذي بشر به (هنجتون) في كتابه (صراع الحضارات)

والسيناريو الذي وضع خطوطه (واينبرجر) في كتابه: (الحرب القادمة) والظروف

المواتية التي تحدث عنها نيكسون في كتابه (عام ١٩٩٩ نصر بلا حرب)

و (اغتنموا الفرصة) والنهاية المزعومة التي نظّر لها (فوكوياما) في كتابه: (نهاية

التاريخ) يبدو أن تلك الاحتفالية الألفية، قد قص شريط افتتاحها الرئيس المراهق

(كلينتون) ! فما هي ملامح تلك الحرب المرتقبة، أو التي أعلنت بالفعل؟

يمكننا من خلال أولى جولاتها في السودان وأفغانستان أن نلمح أبرز معالم تلك

الحرب فيما يلي:

* إنها ستكون صليبية عالمية، بأسلحة غربية وتوجيهات يهودية.

* أن العدو الوحيد فيها هم: الإسلاميون باعتبارهم عدو الغرب الباقي الذي لم

يركع.

* أن تلك الحرب لن تقيم وزناً لما يسمى بـ (الشرعية الدولية) إلا إذا خدمت

أهداف تلك الحرب المعدة سلفاً.

* أنها ستكون حرباً ذرائعية، تتصيد الفرص وتصطنعها إن لم تجدها.

* أن تأييد العالم أو تنديده سيستويان، ولن يقيم الأمريكان وزناً لمعارض أياً

كان.

* أنها ستدوس على سيادة الدول وحريتها في أراضيها، إذا ما تعارضت مع

خطوات هذه الحرب.

* أنها ستعتمد أسلوب الغدر والمباغتة حتى لا تترك أحداً في مأمن..

أما عن هدف تلك الحرب والاستمرار فيها، فالواضح أنها ترمي إلى إبقاء

المسلمين في ذيل الأمم، ومؤخرة الركب، وتجريدهم من أي قدرة على المبادرة أو

المبادأة. سواء أكانت على مستوى مجموع دولهم أو بعضها أو حتى على مستوى

التجمعات التي تتطلع إلى الخروج من الأزمة المصيرية التي تعيشها أمتنا الإسلامية..

إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين لا يخفون إصرارهم العنيد

على فرض الحصار الحضاري على أمة الإسلام، بمنعها من كل أسباب التقدم،

وشغلها بمشكلاتها الداخلية والخارجية، لتنعم دولة اليهود بعد ذلك بالاستقرار والقوة

والعلو.

نعم: يجب ألا نتجاهل الرمز الذي تشير إليه كلمات (مادلين) و (كوهين)

اليهوديين في الإلحاح على إعطاء الحرب بُعداً كونياً وزمنياً أبعد مما يتصور..

فنحن نعتقد جازمين أن وقود تلك الحرب المعلنة يُستمد من حقد اليهود.. وليست

أحقادهم القديمة وتصريحاتهم العدائية بأفصح ولا أصرح من تصريحاتهم التحريضية

الجديدة. ففي عام ١٩٩٣م قال (حاييم هيرتزوج) الرئيس الإسرائيلي السابق أثناء

زيارة قام بها لبريطانيا: (إن الأصولية الإسلامية هي الخطر الأكبر على العالم

الحر) وأعاد التحريض بأسلوب آخر زعيم آخر، هو الهالك (رابين) فقد قال في

مؤتمر لاتحاد المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة (إيباك) في إبريل ١٩٩٣م

(إننا نريد التأكد من أن الرئيس كلينتون وفريقه يدركان تماماً خطر (الأصولية

الإسلامية) والدور الإسرائيلي الحاسم في محاربتها) واستطرد قائلاً: (إن مقاومتنا

ضد الإرهابيين المسلمين القتلة مقصود منها أيضاً إيقاظ العالم الذي يرقد في سبات

عميق على حقيقة أن هذا خطر جاد وحقيقي يهدد السلام العالمي، والآن نقف نحن

الإسرائيليين في خط النار الأول ضد الإسلام الأصولي، ونحن نطالب كل الدول

وكل الشعوب أن يكرسوا انتباههم إلى الخطر الضخم الكامن في الأصولية

الإسلامية) .

ولما جاءت الأغلبية اليهودية إلى (الكونجرس الأمريكي) بدأت تترجم هذه

الصيحات التحذيرية إلى سياسات عملية، حتى إن رئيس مجلس النواب الأمريكي

(بنوت جنجريتش) ترأس جلسة للمجلس عرض فيها برنامجاً شاملاً للسياسة

المقترحة لمواجهة الأصولية الإسلامية في العالم، وضمت الجلسة التي عقدت في

واشنطن ما يزيد على ٤٠٠ من كبار الخبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية، وقدم

خطة من أربعة بنود تهدف إلى كسر شوكة الإسلاميين في العالم، وقال

(جينجرتش) في هذا المؤتمر بالحرف الواحد: (الأصولية تعني إعلان الحرب علينا

وعلى الحضارة الغربية، فيجب التعامل معها من واقع الحرب المعلنة) .

أما نحن فعلى يقين قبل هذه التصريحات وبعدها أن اليهود والنصارى

مجتمعين لم يكونوا يوماً إلا أعداء للإسلام نفسه، دون وصف الأصولية والإرهاب، لأنهم كما قال الله يتمنون أن يرونا كفاراً ولو كنا مسالمين مهادنين: [وَدُّوا لَوْ

تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] [النساء: ٨٩] وهم سيناصبوننا ذلك العداء إلى

حد القتال [وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونََكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا]

[البقرة: ٢١٧] وقال تعالى: [إن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] [الممتحنة: ٢] ولن يرضوا عنا مهما أظهرنا لهم من رغبة في الود والحب وحسن الجوار إلا إذا كنا على ديانتهم الباطلة [وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] [البقرة: ١٢٠] . وإن الذي أخبرنا عن ذلك كله سبحانه هو الذي أكد أن النصر حليفنا عليهم إن اعتصمنا به والتجأنا إليه: [وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِياً وَلا نَصِيراً] [الفتح: ٢٢] .

فاللهم كن للمسلمين جميعاً ولياً ونصيراً،،،