للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

إحياء مقبور الأدب العلماني

خالد أبو الفتوح

كان أدب العلمانيين (اليساريين على وجه الخصوص) يعاني دوماً بأنه (أدب

نخبة) ، نخبة أدبية منفصلة عن القاعدة الشعبية العريضة، تماماً مثل النخب

السياسية التي تمثل هذا التوجه، ولم يُحدِث هذا الأدب تأثيره على القاعدة الشعبية

إلا عن طريق تحويله إلى أعمال فنية (تمثيلية أو غنائية) وهو المجال الذي يسيطر

عليه ويوجهه أصحاب هذه التوجهات، بينما ظلت محاولاتهم في تشكيل العقل

الثقافي الراسخ محدودة الأثر رغم جهود فرضها على قطاعات كبيرة من الأمة، بما

فيها بعض الأعمال الأدبية والثقافية في مناهج التعليم العام، وإعادة طبع بعض هذه

الأعمال لطرحها في الأسواق على نطاق واسع وبتكاليف زهيدة عسى أن يكون لهم

موضع قدم في العقل العربي.

ولكننا رأينا مؤخراً تدخلاً دولياً في العقل العربي لتكثيف جهود إحياء مقبور

الأدب العربي العلماني (الإنساني!) وحشد الإمكانات الهائلة لذلك الهدف، وذلك

من خلال (ابتكار أدوات جديدة لنقل روائع الإبداع والفن وإيصالها إلى أكبر رقعة

من الناس) على حد تعبير (فديريكو مايور) المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية

والثقافة والعلوم (يونسكو) التي تبنت (أكبر مشروع عربي مشترك يهدف إلى إيصال

الكتاب العربي مجاناً إلى قارئه أينما كان في الوطن العربي وخارجه) ، وهو

المشروع الذي خرج باسم (كتاب في جريدة) ، والهدف منه يوضحه شوقي

عبد الأمير المشرف العام على هذا المشروع؛ حيث يقول: (ولأن (كتاب في جريدة)

بحكم المساحة الشعبية الهائلة التي يحتلها والتي تتسع رقعتها إلى الملايين يُخرج

الأدب من دائرة (القراء) التقليدية إلى دائرة (القارئين) ! الأرحب حضوراً ومدى؛

فهو بهذا يحدث اختراقاً لحواجز ثقافية اجتماعية اقتصادية متراكمة منذ أزمان، ليقيم

علاقات جديدة في منطقة قصوى تقع بين الأدب والفن وبين مستهلكيه من أبناء لغته

وثقافته) .

ولأن منظمة (اليونسكو) لا تعمل لوجه الله وإن كانت تدعي أنها تعمل لوجه

(الإنسانية) فقد اختارت (من أجل مزيد من التلاحم وترسيخ وحدة اللغة والثقافة) نحو

خمسة وعشرين كتاباً لأعمال أدبية سبق نشرها لتقدمها مجاناً إلى ملايين القراء

العرب خلال سنتين عبر أكبر الصحف العربية، وإليك بعضاً من أصحاب هذه

الأعمال حتى تعرف الثقافة المقصودة بالإلحاح والإغراء:

المتنبي (مختارات) سعد الله ونوس نجيب محفوظ بدر شاكر السياب الجاحظ

(مختارات) صلاح عبد الصبور غسان كنفاني أمل دنقل قصص المرأة العربية

(مختارات) غالب طعمة فرمان قيصر بايّاخو (شاعر إسباني) يوسف إدريس زيد

مطيع دماج غالب هلسا توفيق الحكيم حنا مينة عبد المجيد بن جلون محمد خضير

الطيب صالح إلياس خوري الطاهر وطار محمود المسعدي ...

فهي أعمال موجهة مختارة لكتّاب أصحاب توجه فكري واضح ومعلوم..

وليس هذا بمستغرب؛ حيث لا بد أن القائمين على اختيار الأعمال سينتقون

ما يتوافق مع قناعاتهم، ولتعرف هذه القناعات نذكر قائمة (الهيئة الاستشارية) كما

جاؤوا في (كتاب في جريدة) ومنهم: أدونيس محمود درويش جابر عصفور

عبد العزيز المقالح يمني العيد ناصر الظاهري أحلام مستغانمي توفيق بكار بدر عبد الملك.

فمن الذي وضع هؤلاء أو أولئك أوصياء على وعي الأمة؟ !

ومن الذي أعطى لليونسكو سلطة تشكيل العقل العربي (أو الإنساني) ؟ !