للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات تربوية

[بعضهم أولياء بعض]

عبد الملك بن محمد القاسم

تميز عصرنا الحاضر بارتفاع أصوات المنافقين والمنافقات في أنحاء العالم

الإسلامي، فأُفردت لهم الصفحات، ودُعوا إلى التحدث في المنتديات، واحتفلت

بهم التجمعات، وسيطروا على كثير من وسائل الإعلام كما يلاحظه القاصي والداني

لفشو الأمر وظهوره.

وحالُ المنافقين ليست بجديدة على أمة الإسلام.. فهم أعداء ألِدّاء لهذا الدين

منذ بعثة محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يكيدون ويدبرون ويخططون

وينفذون، وقد وصفهم الله عز وجل في سبعة وثلاثين موضعاً من القرآن، وسميت

سورة كاملة باسم المنافقين، وأفاضت السنة النبوية المطهرة في ذلك الأمر العظيم

وتوضيحه وجلائه.

ولأن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة؛ فإننا لا نزال نرى

الصفات نفسها تتوارثها الأجيال المنافقة زمناً بعد زمن حتى وقتنا الحاضر. يقول

الله عن صفة من صفاتهم: [وَإذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ

كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ] [المنافقون: ٤] .

فما أكثر المستمعين لحديثهم المنصتين لهرائهم المتابعين لإنتاجهم وهم يلبّسون

على الناس ويدّعون فيهم الإصلاح والفلاح كما كان فرعون يقول لقومه عن موسى

نبي الله عليه الصلاة والسلام: [إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ

الفَسَادَ] [غافر: ٢٦] .

ومن العجب أن يتولى نفر من المنافقين والمنافقات، إفساد الأمة ومسخها عن

دينها ودعوتها إلى التحرر والإباحية والرذيلة، ومن تأمل في التاريخ القريب مثلاً

أدرك أن (هدى شعراوي) و (قاسم أمين) ، وحثالة لا يزيدون عن المائة قوّضوا

أركان الفضيلة مما أدى إلى نزع الحجاب عن وجه المسلمات، وأوردوا قومهم

موارد الهلاك وما ترتب على ذلك من شيوع قله الحياء والتهاون بالحشمة والفضيلة؛ حتى ظهرت المرأة متبرجة في الشارع والمكتب والمسرح، بل صارت شبه

عارية على شواطئ البحر؛ وقد كان لا يُرى لأمها وجدتها ظفر أو خصلة شعر

حتى جاء هؤلاء فأسقطوا الحجاب شيئاً فشيئاً! !

وهكذا هم المنافقون في كل أمة وفي كل قطر يتحينون الفرص، ويقطعون

الطريق [وَانطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ] [ص: ٦] .

ها هم يسيرون متكاتفين متماسكين يتواصون بالباطل ولهم جَلَد وصبر عجيب

[الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَاًمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ]

[التوبة: ٦٧] .

والعجب ليس من حرص هؤلاء وجدهم واجتهادهم لهدم صروح العفة

والفضيلة؛ بل ومحاولة تقويض ركائز الدين بعامة، إنما العجب كيف يرضى بذلك

عقلاء القوم وكبارهم، وكيف تترك سموم هؤلاء تنتشر في الفضاء وتنفذ إلى

القلوب؟ وكثيرٌ اليوم من أشرف الناس ينادون بالقضاء على تلوث البيئة وحصار

البعوض وإزالة النفايات.. ولا نجد لهؤلاء القوم وعقلائهم كلمة في إسكات أهل

الباطل من المنافقين والمنافقات ممن يحفل بهم جل إعلام العالم الإسلامي شرقاً

وغرباً وشمالاً وجنوباً حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبى ...

والعجب موصول أن نرى لَبِنات هذا البناء الديني والاجتماعي تتساقط واحدة

تلو الأخرى ونحن ننتظر المزيد! إن الأمر ليس خوفاً على هذا الدين فحسب؛ فالله

ناصره حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله، ولكنه خوف على أبنائا ونسائنا

وشبابنا من أن يأخذهم الطوفان ويجرفهم التيار والمؤمل فيهم أن يكونوا أهل عفة

وحياء ومرتع فضيلة ومأوى كل خير.

وإن أردت أن تلقي نظرة فاحصة على كتاباتهم وكثرة إنشائهم وتسويد أوراقهم، فهي من النطيحة والمتردية فكراً وأسلوباً؛ فأكثر أفكارهم (بهيمية) وجل كتاباتهم

سوقية، حتى إنك تخشى أن يقرأها صغارك لركاكة ألفاظها وتفاهة معانيها.. ثم

ترى للواحد منهم عدداً من المقابلات في شهر واحد.. وهم في أكثر المطبوعات

يتكررون حتى لا يحرم أحد من شرهم.. ثم ترى أحدهم إذا أتته الأسئلة مشرّقة

صرفها نحو المغرب جهلاً وغباءً، وهو مع ذلك يمدح ثلة من أتباعه ويطلق عليهم

صفات تنوء بحملها الجبال، ولو لم تعرف حقيقة أذنابهم من الممدوحين لقلت:

مرحى لأمة منهم هؤلاء؛ لما يلقى عليهم من صنوف المديح والبهرج الكاذب.

وآخر منهم يفتعل الغضب والخلاف مع صاحبه وهو في ثنايا كلماته الواهية

يشيد به ويروّج لآثاره وكتاباته ومؤلفاته.. وإن تطفلت وقلت: لا أدع هذه الثروات

تفوتني، لَهَالَكَ اسم هذه المؤلفات وعددها وتناثُر حروفها وفحش غلافها وتهالك

مادتها.. وإن يممت نحو العلماء الحقيقيين ممن رفعت بهم الأمة رأساً، ولهم قدم

صدق وجهاد في الأمة لوجدت عشرات المجلدات: السطر الواحد منها يعجز أن

يأتي ببعضه أمثال أولئك القوم؛ ولكنْ بتآمر عجيب وخطط ماكرة أُخمد ذكرهم

وطُويت سيرتهم وأُخفي أثرهم، وسُميت أوراقهم الذهبية ومؤلفاتهم العظيمة: (كتباً

صفراء) استهتاراً واستهزاءً بهم، وتنفيراً وتحقيراً لشأنهم.

وتأمل حال المنافقين والمنافقات؛ فهم أولياء بعضهم لبعض، قد ملؤوا الساحة

ضجيجاً وعفناً في الصحف وعلى الشاشات المرئية وفي بث الإذاعات. إننا نجد

غزواً عجيباً لا تسلم منه خيمة ولا بيت، ولا امرأة ولا رجل، ولا طفل ولا شيخ،

وتتقزز نفسك وأنت ترى تلك الكتابات والصور التي يطل عليك من خلالها شؤم

المعصية؛ فهي كغثاء السيل، وحاطب الليل يتبرأ منهم بل هو خير منهم صفاتٍ.

وحتى يكتمل الحديث وتتضح الصورة لبعض القرّاء أُورد بعضاً من صفات

المنافقين حتى يكون على بينة من أمره ولا يسلك مسلكاً خطيراً، وطريقاً وعراً،

وهو تصنيف الناس بالظن والحدس والتوقع، بل أمامه ركائز يعتمد عليها ومنائر

يسير على هداها، وليعرف المنافق برأسه وعينه متثبتاً متيقناً هم العدو؛ فاحذرهم:

الأولى: الكسل في العبادة قال تعالى: [وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى] [النساء: ١٤٢] .

الثانية: قلة ذكرهم الله عز وجل قال تعالى: [وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً] ...

[النساء: ١٤٢]

الثالثة: لمز المطوعين من المؤمنين والصالحين والنيل منهم: [الَّذِينَ

يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ] [التوبة: ٧٩] .

الرابعة: الاستهزاء بالقرآن والسنة. يقول الله تعالى: [قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ

وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ] [التوبة: ٦٥، ٦٦] .

الخامسة: الوقوع في أعراض الصالحين غيبة وحقداً. يقول الله تعالى عنهم: [فَإذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخَيْرِ] [الأحزاب: ١٩]

[الأحزاب: ١٩] .

السادسة: التخلف عن صلاة الجماعة؛ قال ابن مسعود: (وما يتخلف عنها

إلا منافق معلوم النفاق) رواه مسلم.

السابعة: مخالفة الظاهر للباطن. وهذه المسألة تدور عليها جميع المسائل.

يقول الله تعالى: [إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ

لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ] [المنافقون: ١]

فما أكثر ترديدهم دعوى الحدب على صلاح هذا الدين وشريعته والحرص

على هذا المجتمع؛ وما إن ترى أفعالهم حتى تتمثل لك تلك الآية تفضح خبيئة

نفوسهم وبواطن قلوبهم.

الثامنة: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. يقول الله تعالى: [يَاًمُرُونَ

بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ] [التوبة: ٦٧] .

وتأمل آراءهم حول الحجاب والتحرر وعمل المرأة وغيرها ترى الضلال

المبين والدعاية للمبطلين.

التاسعة: عدم الفقه في الدين؛ فتجد الكثير يملك معلومات عجيبة وتفصيلات

دقيقة وجزئيات صغيرة في أمور الدنيا دقيقها وجليلها، كبيرها وصغيرها، ولكن

إذا سئل عن المسح على الخفين سكت! ! يقول الله عنهم: [هُمُ الَذِينَ يَقُولُونَ لا

تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ

المُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ] [المنافقون: ٧] .

هذه تسع من ثلاثين أو تزيد من صفاتهم، ولكن حسبك من العقد ما أحاط

بالعنق.. وبواحدة من هذه تعرف من يبارز الحرب والعداء لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ولعظم الأمر وخطورته، ولأنهم بؤرة فساد وموطن سوء جعلهم الله في الدرك

الأسفل من النار وهم أشد عذاباً من الكفار: [إنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ

النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً] [النساء: ١٤٥] .

وقد قال بعض السلف: لو كان للمنافقين أذناب لما استطعنا السير في

الشوارع والطرقات من كثرتها! ! وفي أمة الإسلام اليوم أكثر من ذلك، والله غالب

على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.