للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقالات معربة

الاقتصاديات الحديثة للنفط

(مختصر المقال بتصرف) [*]

بقلم: بيتر كوي وجاري ماك وليامز

لقد خفضت التقنية من تكلفة التنقيب عن الذهب الأسود (النفط) ولذا فلن ترتفع

أسعاره في المستقبل رغم ازدياد الطلب عليه.

تبدو أسعار النفط الخام هذا الخريف وكأنها تتحرك كالكرات الفولاذية

المتدافعة؛ فقد تأثرت بالأخبار والإشاعات عن المشكلات المحتملة في منطقة

الشرق الأوسط في الفترة القادمة. ورغم محاولات تذكير العالم باحتمال تعرض مصادر النفط للخطر فإن استهلاك النفط سيبقى مرتفعاً. إن الأمريكيين قد وقعوا في حب السيارات ذات الاستهلاك الشره للوقود، وحتى في البلدان النامية أصبح في مقدور عامة الناس ولأول مرة أن يقتنوا سيارة، فقد ذكر استطلاع في صحيفة (شباب الصين) أن ٧٥% من العائلات في العاصمة بكين قد خططوا لشراء سيارة خلال السنوات الخمس القادمة. أيعقل هذا؟ !

الأسعار بين الارتفاع والانخفاض:

هل نحن على حافة أزمة نفطية أخرى؟ الجواب: بإمكانك أن تظن ذلك؛

فالمستثمر الكبير (ريتشارد راينوتر) قد وضع حوالي ٣٠% من ثروته المقدرة بـ

٥ر١ بليون دولار في مجال استثمارات الغاز والنفط؛ لأنه يعتقد أن الأسعار سترفع

ما بين ٥٠% إلى ٧٥% خلال السنوات القادمة، وقد يكون هذا ممكناً إلا أن هناك

(منحًى) آخر مختلف تماماً عن التوقعات السابقة يبين أن أسعار النفط لن ترتفع

إطلاقاً على المدى البعيد، بل إنها ستزداد انخفاضاً. فما السبب؟

أولاً: إن منتجي النفط في منطقة الشرق الأوسط وغيرها بحاجة لعائدات

النفط المالية، وهم لهذا لن يختاروا إيقاف تصديره لمدة طويلة رغم المناوشات

السياسية والعسكرية.

أما السبب الثاني والأهم: فإن زيادة الطلب لن ترفع الأسعار طالما ظلت

متوازنة مع زيادة العرض، وهذا ما سيحدث بالفعل؛ فمنحنى العرض يتجه دائماً

نحو الأعلى بفضل التقنية.

الكنوز النفطية:

لقد أدى التقدم التقني إلى خفض أسعار التنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره،

يقول (فيليب كارول) المدير التنفيذي لشركة (شل النفطية) : إن التقنية تدفع دائماً

نحو خفض الأسعار. ولا أظن أن تأثيرها على هذه الصناعة سيكون مختلفاً.

إذاً لا داعي للقلق من المشكلات الأخيرة في (الشرق الأوسط) فلن تقدر أيّ من

دوله على خفض إمدادات النفط العالمية أو رفع الأسعار طويلاً، كما أن انتهاء

الحرب الباردة وانتشار الرأسمالية في العالم لم يؤد فحسب إلى ازدياد الطلب على

النفط بل إلى ازدياد إمداداته كذلك (زيادة العرض) ويعود ذلك لترحيب العديد من

الدول بدءاً من فنزويلا إلى كازاخستان بالاستثمارات الأجنبية في استخلاص ثرواتها

النفطية.

إن التقدم الذي تم إنجازه من خلال التقنية أمر مذهل حقاً، فقد انخفض معدل

سعر برميل النفط تنقيباً وإنتاجاً إلى حوالي ٦٠% خلال السنوات العشر الماضية في

الوقت الذي تأكد لنا أن الاحتياطيات العالمية المسجلة من النفط الآن هي أعلى

بحوالي ٦٠% مما كان مثبتاً في عام ١٩٨٥م.

لقد أخطأ الخبراء في حساباتهم وتوقعاتهم بشأن كمية احتياطي النفط منذ عام

١٨٧٤م؛ إذ حذر الجيولوجيون في ولاية بنسلفانيا من أن (الولايات المتحدة لا

تمتلك من البترول إلا ما يكفي لإشعال مصابيح الجاز لمدة أربع سنوات فقط. وجاء

خبراء لاحقون ليسفهوا توقعات تاريخ استنفاد النفط في العشرينات ثم الأربعينات

من هذا القرن. وفي عام ١٩٧٢م أعلن نادي روما أن العالم يمتلك فقط ما بين ٢٠

إلى ٣١ عاماً من احتياطي النفط. أما الآن فإننا نجد أن الاحتياطات المقدرة هي

أعلى بكثير من أي وقت مضى.

والحقيقة أن مفهوم الاحتياطي النفطي ذاته يتغير؛ فبدلاً من تعريفه على أنه

عدد ثابت من البراميل، أصبح ينظر إليه على أنه شيء ينمو في الوقت الذي

تكشف فيه التقنية مصادر جديدة للنفط وتستخلص المزيد من النفط الموجود في

الحقول الحالية، ولنأخذ على سبيل المثال حقول الأربعينات الضخمة في القطاع

البريطاني في بحر الشمال، فقد قدرت شركة (بريتش بتروليوم) احتياطي النفط في

هذا الحقل بحوالي ٨ , ١ بليون برميل عام ١٩٧٠م إلا أنه بحلول عام ١٩٩٥م

أنتج الحقل حوالي ٦، ٣ بليون برميل، وتقول الشركة إنه ما زال هناك ٨، ٢

بليون برميل من الاحتياطي المثبت وجوده في الحقل.

لقد كان أثر التقدم التقني على أسعار النفط كبيراً؛ ففي عام ١٩٨٠م استقدمت

جامعة ستانفورد عشرة من كبار خبراء النفط، فكان المعدل الذي توقعه ستة منهم

لأسعار النفط لعام ١٩٩٧م هو ٩٨ دولاراً للبرميل! بل وحتى في عام ١٩٩١م كان

الخبراء يتوقعون أن يكون سعر البرميل في حدود ٤٥ دولاراً في عام ١٩٩٧م،

ولكنّ ما حدث هو العكس تماماً؛ حيث ازدادت أسعار النفط انخفاضاً، حتى أصبح

النفط أرخص من المياه المحلاّة. يقول مايكل لينش خبير الطاقة في معهد (غبيس

مستيوستس) للدراسات التقنية: (إن متنبئي أسعار النفط جعلوا الخراف تبدو وكأنها

قادرة على التفكير المستقل) ويضيف: (لا يوجد دليل على أن أسعار المعادن تزداد

مع الوقت، إن التقنية تتفوق دائماً على النقص) .

انخفاض سعر البرميل:

إن الرأي يتجه ببطء بعيداً عن (آراء المتنبئين) يقول (جوليان لي) الاقتصادي

الكبير في مركز دراسات الطاقة العالمية (CGFS) في لندن: (إننا لا نرى أي

احتمال لارتفاع أسعار النفط تأثراً بأي سبب عدا الأسباب السياسية) وقد حذرت

مؤسسة (ماكيلسي) زبائن النفط من وجود احتمال متزايد (لسيناريو يهبط بالأسعار) .

إن الأسعار المنخفضة للنفط تشجع الاقتصاد العالمي على الحركة، فهذه

الأسعار تدعم نمواً سريعاً وتضخماً منخفضاً في الولايات المتحدة اليوم، وإذا

انخفض سعر النفط الخام إلى ٥ دولارات للبرميل وبقي كذلك للسنوات الخمس

التالية فإن معدل تضخم المستهلك السنوي في الولايات المتحدة سينخفض في مقابل

زيادة الناتج الاقتصادي، وبعد مرور عقد من الزمان فإن الربح المتراكم في الإنتاج

المحلي الإجمالي الناجم عن انخفاض أسعار النفط سيصل إلى حوالي ٤٠٠ بليون

دولار.

إن أرباح صناعات النفط تتغير زيادة ونقصاً بحسب تغير النفط الخام، إلا أن

التقنية تسمح للشركات بالمحافظة على مكتسبات جيدة من خلال أسعار نفط منخفضة

بشكل ثابت. وقد قامت معظم الشركات الرئيسة اليوم بتخفيض كلفة استخراج النفط، وستقفز الشركات ذات التقنيات المتقدمة مثل (شل) و (إكسون) و (بريتش

بتروليوم) أمام الشركات التي لا تمتلك مثل تلك التقنيات، ومما يجدر ذكره أن كثيراً

من شركات النفط المستقلة كذلك قد بلغت أحدث ما توصلت إليه التقنيات المتقدمة

في مجال استخراج النفط.

الحفر في أعماق المياه:

إن الاقتصاديات الجديدة للنفط مبنية على تطور كل ركن من أركان الصناعة؛ ففي مجال التكرير مثلاً يتم استخلاص المزيد من البنزين والديزل من كل برميل

نفطي بسبب فعالية العوامل الحافزة والقدرة على التخلص من مشكلة عنق الزجاجة

في مرحلة المعالجة. لقد أغلق القطاع الصناعي في الولايات المتحدة ٢٩ مصفاة

منذ عام ١٩٩٠م، ومع ذلك تمكن من زيادة الإنتاج بمعدل ٠٠٠ر١٠٥ برميل يومياً.

أما القفزات الأكبر فكانت في مجال التنقيب فقد وجدت آلات الحفر التي تنقب

عمودياً وأفقياً والتي تتبع مسار النفط لعدة أميال في باطن الأرض، وهنالك

المجسات التي تستخدم التصوير عن طريق الرنين المغناطيسي تماماً كأجهزة الـ

MRI في المستشفيات وتستكشف الطريق أمام آلة الحفر للبحث عن أرخص الطرق

للوصول إلى الذهب الأسود.

وتقول شركة (إكسون) : إن تقنيات من هذا النوع قد أسهمت في خفض تكلفة

التنقيب بمقدار ٨٥%خلال عشر سنوات.

كذلك أصبحت أعماق المياه ضمن المجالات المربحة للتنقيب عن النفط بعد أن

كانت خارجة عنها؛ وذلك نتيجة للتقدم التقني في مجال الحفارات العائمة، كما

وجدت الغرازات التي تعمل بالحاسب الآلي والتي تحافظ على ثبات سفن وعوامات

الحفر في أماكنها حتى في البحار الهائجة.

إن شركة (بريتش برونيو بتروليوم) تخطط للبدء في تشغيل أول منصة تنقيب

منخفضة الكلفة بالقرب من سواحل لويزيانا في العام المقبل؛ إذ تم تصميم منصة

عائمة مثبتة في قاع المحيط ذات نسبة إنتاج منخفضة مقارنة بالمنصات الثابتة بكلفة

٨٥ مليون دولار فقط، وسيكون بمقدورها إنتاج ٠٠٠ر٣٥ برميل من النفط يومياً،

وفي المقابل فإن أول منصة عائمة والتي صممتها شركة (شل) للتنقيب في خليج

المكسيك كانت بتكلفة ٢ر١ بليون دولار عام ١٩٩٤م بقدرة إنتاجية مقاربة لمنصة

(بريتش برونيو) وهي ٠٠٠ر٤٦ برميل يومياً.

إن هذه التكاليف المنخفضة لاستخراج النفط تفسح المجال للتغلغل في الحقول

الصغيرة كذلك؛ ففي الماضي كان يجب أن يحتوي الحقل على ٨٠ مليون برميل

ليكون استخراج النفط منه أمراً مربحاً. أما الآن فإن منصة (بريتش برونيو)

المذكورة بإمكانها وبطريقة مربحة تفريغ حقول تحتوي على ٣٠ مليون برميل فقط، ويضيف (جاينور) المدير التنفيذي: (ومن المحتمل أن نخفض الرقم إلى أدنى من

ذلك أيضاً) .

ويدور البحث حول السرعة والخفة في كل مكان، وربما كان الانتصار

الأخير للأسلوب القديم في استخراج النفط يتمثل في مشروع النفط الأيرلندي في

الضفاف الكندية العظمى بتكلفة قدرها ٢، ٤ بليون دولار، ومن المفترض أن يبدأ

إنتاج هذا المشروع قريباً، وقد صممت له المنصات الثابتة التي تحوي ٥٥٠٠٠٠

طن من الفولاذ والخرسانة لمواجهة الجبال الجليدية الضخمة في تلك المناطق،

وتطلّب إتمام المشروع سبع سنوات من العمل، فإذا قارنا هذا المشروع بمشروع

المنصات العائمة (تيرانوفا) الأرض الجديدة التي سيمكن سحبها عن طريق سفن

السحب بعيداً عن الجبال الجليدية في حالة الأخطار المحتملة، نجد أن تكلفة

المشروع ٢. ٢ بليون دولار، وأنه سيتطلب ثلاث سنوات من التصميم والبناء.

كذلك نجد أن كمية النفط التي يمكن استخلاصها من حقل معين في تزايد؛

فالحقل الواحد يُعطي عادةً ما معدله ٣٥% من محتواه؛ لأن الضغط الطبيعي الذي

يدفع النفط نحو الأعلى يتبدد تدريجياً، إلا أن شركة أموكو تمكنت من استعادة

٧٠ % من محتوى بعض الحقول التجريبية عن طريق استخدام أسلوب الضغط الهوائي. كما يقوم المنتجون الآن بالتقاط صور دورية اهتزازية لحقول النفط ويعتمدون لرفع الإنتاج على الحقول (الذكية) عن طريق توظيف المرتفع في حقل معين لدفع النفط خارج حقل مجاور ذي ضغط منخفض.

رأس المال الأجنبي:

إن كثيراً من الأفكار بدأت تخرج من مختبرات (أموكو) و (إكسون)

و (سنتروليوم) و (ساسول بجنوب أفريقيا) من أجل إنتاج نفط صناعي من الغاز الطبيعي شريك النفط في باطن الأرض؛ إذ يتم إعادة تجميع الغاز الطبيعي الرخيص والمتوفر وتحويله إلى سوائل بترولية كالميثانول أو نواتج مكررة (كالديزل) و (البنزين) .

واليوم نجد أن الدول الغنية بالنفط التي وقفت في وجه شركات النفط الغربية

باعتبارها إمبريالية في فترة ما.. بدأت تدرك أنها قد تخسر الكثير إذا وقفت مثل

هذا الموقف مرة أخرى؛ لذلك نجدها ترحب بهذه الشركات وبالتقنية التي تجلبها؛

فمثلاً فنزويلا تعمل مع (كونوكو) و (أركو) و (تكساكو) ، والجزائر ترحب برأس

المال الغربي حيث وقّعت عقوداً مع شركات كشركة أرض لويزيانا المحدودة

للتنقيب، وإيران تعمل مع الشركات الفرنسية مثل (توتال) و (إلف) وإندونيسيا

وماليزيا وقطر عقدت اتفاقيات مع شركة (إكسون) . أما روسيا فمع أنها انقسمت

بين مرحب ومعارض لمثل هذه المشاريع المشتركة إلا أن (ريتشارد فريمان) مدير

مكتب (تكساكو (في موسكو يقول: (إن التقنية الغربية هي التي وضعتنا هنا موضع

الاعتبار) .

إذا أضفنا كل ما سبق إلى بعضه فسنجد أمامنا وصفة لانفجار محتمل في سوق

إنتاج النفط، والطريقة الوحيدة التي بإمكان السعودية أن تؤدب بها أولئك الذين

يخالفون نصاب (الأوبيك) هي رفع الإنتاج بشكل هائل بحيث يؤدي إلى هبوط

الأسعار؛ وهذا ما حدث خلال أواسط الثمانينات عندما انخفض السعر العالمي للنفط

الخام لأقل من ١٠ دولارات للبرميل؛ ويقول وزير النفط السعودي الأسبق (أحمد

زكي) : (إن ما حدث قد يتكرر) .

إن من الممكن طبعاً أن نشهد ارتفاعاً لأسعار النفط لفترة وجيزة؛ لأن

المصدات الواقية اليوم هي أضعف من ذي قبل؛ فمنتجو النفط القلقون بشأن

الأسعار لا يبنون الحفارات حتى يحتاجوها، أما مكررو النفط فقد خفضوا

المحتويات الخام للحد الأدنى، وفي الوقت ذاته نجد أن الحكومات الغربية،

لشعورها بالأمان تقوم بتقليص احتياطاتها الاستراتيجية، فوزارة الطاقة الأمريكية

مثلاً أعلنت في السادس من أكتوبر أنها ستقوم ببيع ٧٨% من أرباحها في احتياطي

(ألك هيلس) لشركة أوكيدنتال بتروليوم الغربية بسعر ٦٥، ٣ بليون دولار.

وإذا وضعنا الحروب والسياسة جانباً فعلينا أن ندرك أن التقنية هي القوة

الحقيقية الدافعة في الصناعة النفطية اليوم، ورغم أن الطبيعة قد منحتنا [١] الكثير

من النفط إلا أن التقنية ستقوم بسحب هذا النفط بكميات أكثر مما تخيله الناس في

أي وقت مضى.


(*) أعد خصيصاً لـ (البيان) بالاتفاق مع المجموعة الإعلامية الدولية في أمريكا تعريف بصاحب المقال: بيتر كوي هو أحد كتاب مجلة بيزنس ويك، ومتخصص في تغطية الأخبار الاقتصادية بالمجلة، وكان يشغل من قبل مهمة تغطية أخبار التقنيات الحديثة أما جاري ماك وليامز فهو كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية بمدينة هيوستن بولاية تكساس تعريف بالدورية: مجلة بيزنس ويك هي إحدى أهم المجلات الأمريكية المتخصصة في الموضوعات الاقتصادية وكل ما يهم رجال الأعمال وتتميز المجلة بعمق التحليلات الاقتصادية التي تقدم فيها، وكثرة استخدام المجلة للإحصاءات والجداول التوضيحية والمجلة تصدر أسبوعياً، ولها أكثر من ٢٠٠ مراسل من كل أنحاء العالم، إضافة إلى مكاتب في ٢٦ دولة، وتصل إلى ما يزيد عن ستة ملايين قارئ على مستوى العالم الغربي.
(١) ينسب الكاتب كغيره من الكتاب الغربيين صفة العطاء والمنع للطبيعة بدلاً من أن ينسبها لخالق الطبيعة عز وجل.