للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الدور الصهيوني في الخلاف التركي السوري

باسل يوسف النيرب

تطورت العلاقة التركية الإسرائيلية من خلال السعي الإسرائيلي في توسيع

مدى العلاقة في آسيا وأفريقيا، فكان الاتفاق الإسرائيلي التركي الإيراني نحو

الشرق الأوسط، والإسرائيلي الأثيوبي في إفريقيا بداية للتغلغل الإسرائيلي.

وجاء الاعتراف التركي بـ (إسرائيل) في ٨/٥/١٩٤٩م، من خلال تصريح

أدلى به وزير خارجية تركيا، نجم الدين صادق، ومما جاء في التصريح: (إن

دولة (إسرائيل) حقيقة واقعة، وقد اعترفت بها أكثر من ثلاثين دولة، والآن يتجسد

رسمياً في هذا الاعتراف الرسمي) ، وكانت تركيا أول بلد إسلامي شرقي يعترف

بـ (إسرائيل) ، وفتحت أول مفوضية تركية بـ (إسرائيل) ، وعُيّن إلياهو ساسون

أول سفير إسرائيلي في تركيا.

ومع نهاية الخمسينيات التقى رئيس (إسرائيل) ديفيد بن غوريون مع رئيس

وزراء تركيا عدنان مندريس، وتم الاتفاق على رفع مستوى التمثيل والتعاون

السياسي والاقتصادي بين البلدين، وكتب ديفيد بن غوريون عن بداية التعاون

والتغلغل في آسيا وأفريقيا إلى الرئيس الأمريكي أيزنهاور قائلاً: (إن هذا التحالف

يجب أن يثير اهتمام الولايات المتحدة، نظراً لأهمية تركيا، وللمصلحة الخاصة

للولايات المتحدة بالحفاظ على أمنها) . وقد أكد بن غوريون في حديثه على أن

مجموعة الدول التي يتحدث عنها قادرة على حماية الحرية في الجزء الشرقي من

الشرق الأوسط.

في أعقاب حرب ١٩٦٧م، شهدت العلاقة التركية الإسرائيلية فتوراً،

فاستدعت تركيا سفيرها من إسرائيل، وظل التمثيل على مستوى دبلوماسي بدرجة

مفوضية يقوم بها قائم بالأعمال بدرجة سفير، وتضم عدداً من الدبلوماسيين بينهم

ملحق عسكري، وخلال هذه المرحلة اتسمت العلاقة بعدم الوضوح. ومع بداية عام

١٩٧٠م وخلال انعقاد المؤتمر الدولي الأول لوزراء خارجية الدول العربية والبلدان

الإسلامية في مارس ١٩٧٠م حاولت تركيا استمالة المؤتمرين إلى سياسة أكثر ليونة

مع (إسرائيل) . وفي أعقاب حرب أكتوبر ١٩٧٣م، حاولت تركيا تدعيم علاقاتها

بالدول العربية، فقامت في عام ١٩٧٥م بالتصويت مع العرب في الأمم المتحدة

على القرار الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.

في بداية عام ١٩٨٠م شهدت العلاقة عدة متغيرات، إذ تم مرة أخرى خفض

التمثيل الدبلوماسي التركي رداً على قرار الكنيست الإسرائيلي بإعلان القدس

عاصمة أبدية لدولة (إسرائيل) ؛ وبسبب عدم تراجع (إسرائيل) عن الأمر الواقع

الذي تريد إيجاده فيما يتعلق بالوضع الدولي لـ (القدس) ؛ أغلقت تركيا قنصليتها

في القدس، واستدعت القائم بالأعمال للتشاور، وأبلغت (إسرائيل) تركيا بالقرار

الإسرائيلي بتخفيض مستوى العلاقات، وفي الوقت ذاته قدم حزب الخلاص الوطني

التركي طلباً بحجب الثقة عن وزير الخارجية بسبب سياسته المؤيدة لـ (إسرائيل)

والمنفرة للبلدان الإسلامية.

بدأ الانفراج في العلاقات التركية الإسرائيلية عقب عام ١٩٨٥م؛ حيث رفع

مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الطرفين إلى مفوضية، وعين أكرم عو بندرين أول

سفير تركي في (إسرائيل) عقب سلسلة من الأزمات التي عرفتها علاقات البلدين،

وعقب مؤتمر مدريد للسلام رفعت تركيا تمثيلها الدبلوماسي مع (إسرائيل) إلى درجة

سفير، مما أدى إلى تدهور علاقاتها مع دول الجوار خاصة في قضيتي المياه

والأكراد.

الاختلاف بسبب المياه:

وبخصوص قضية المياه، فإن السياسة التركية تتصرف فيها منفردة عبر

إنشاء شبكة ضخمة من السدود، ودون أدنى اعتبار لمصلحة كل من سوريا والعراق. وقد بدأت أزمة المياه بعد وضع حجر الأساس لبناء سد (كيبان) على نهر الفرات

بتركيا.

وفي يناير ١٩٩٠م أوقفت تركيا مياه نهر الفرات عن سورية لمدة شهر كامل

بحجة ملء سد أتاتورك؛ مما جعل سوريا ترى أن الإشراف التام على نهر الفرات

قد أصبح بيد تركيا، وهو الأمر الذي يهدد الأمن الأقتصادي والغذائي والسياسي

لسورية. وفي عام ١٩٩٥م دخل ملف الفرات مرحلة جديدة بعد أن بدأت تركيا

بإقامة سد (بيرجيك) بتمويل دولي، إضافة إلى ارتفاع نسبة التلوث في رافد (البليخ)

أحد روافد نهر الفرات إلى نسبة تجاوزت الحد المسموح به دولياً. وازدادت أزمة

المياه بعد إقامة مشروع (جاب) التركي بما يقتضي إقامة ١٧ سداً على نهر الفرات،

و٤ سدود على نهر دجلة، مما يخفض نصيب سورياً من نهر الفرات من ٢٨ مليار

متر مكعب إلى ١٣ مليار متر مكعب، ويترتب عليه استبعاد ٤٠% من حوض

الفرات في العراق من الاستغلال الزراعي، إضافة إلى تضرر أكثر من ثلثي

الأراضي الزراعية المروية من نهر الفرات.

وتطالب سوريا برفع المنسوب إلى ٧٥٠ متر مكعب ليستفيد منه العراق

وسوريا، كما تطالب بوقف إنشاء السدود؛ نظراً للخطر الذي يصيب الحياة

الزراعية والمرافق الحيوية وخاصة سد تشرين؛ باعتبار أن سوريا تسعى إلى إقامة

محطات توليد كهربائية لإنتاج ٦٣٠ ميجا وات، وتخزين بليوني متر مكعب من

المياه.

قضية عبد الله أوجلان:

أما حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان، فإن الحديث عنه وعن

الحركة الكردية المطالبة باستقلالها يطول؛ لكن الأمر باختصار أن الحركة الكردية

قامت في عام ١٩٨٤م في جنوب شرق الأناضول، وبدأت بشن عمليات داخل

تركيا، وهذه المعارك الدائرة بشكل يكاد يكون مستمراً تكلف الحكومة التركية ٩

ملايين دولار سنوياً، إضافة إلى البلبلة الداخلية التي لم تسفر عن حل للمواجهات

بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني بل عززت النزاعات الانفصالية داخل تركيا.

تركيا من الداخل:

إن ما يحدث على الصعيد التركي (الإسرائيلي) يعود في أساسه إلى بقايا نفوذ

يهود البلقان وتغلغلهم داخل الجيش التركي منذ انقلاب أتاتورك، ونجاحهم في

تشجيع الاتجاه نحو الغرب وانفصال تركيا عن محيطها العربي الإسلامي، وفرض

العلمانية واستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية. وتعاني تركيا من أزمة

هوية ناتجة عن التأرجح بين الرغبة في الانتماء السياسي الغربي والحالة السابقة

التي كانت سائدة في تركيا والمتمثلة في الانتماء الإسلامي، ومن أزمات تركيا أيضاً: الصراع بين العلمانيين والإسلاميين الذي يعد صراعاً خطراً على الوحدة التركية.

والصراع الحالي في تركيا دائر بين العثمانية والكمالية؛ فالعثمانية تعني محاربة

الكمالية والبعد عن التوجهات الحديثه، والكمالية تمنع الإرث العثماني من الظهور

تحت أي سبب من الأسباب.

الأوضاع الخارجية:

ترتب على ما سبق أن تركيا اعتبرت نفسها امتداداً للغرب؛ ولهذا تولت

عملية منع التوسع السوفييتي في المنطقة قبل انهياره، وحاولت السيطرة على

البلدان المستقلة عن الاتحاد السوفييتي سابقاً، ولهذا أيضاً نجد أن المؤسسة

العسكرية التركية عادت إلى فرض قراراتها بعد فترة من حكم السياسيين، وهناك

مشكلات تعاني منها تركيا مع دول الجوار في كل من أرمينيا، وإيران، والعراق،

واليونان؛ وكان لها علاقات متميزة مع الولايات المتحدة جعلتها تعتقد أنها جديرة

بالموافقه الأمريكية على المشاريع التركية في المنطقة؛ إلا أن النقد الذي وجهته

الخارجية الأمريكية لمذابح الأرمن في تركيا عام ١٩١٥م ١٩١٦م، إضافة إلى ملف

حقوق الإنسان في تركيا سجلا تراجعاً أمريكياً عن تأييد الموقف التركي في هذا

الصعيد.

ومن آثار العلاقات الخارجية على الموقف الداخلي في تركيا نجاح واشنطن

في عقد اتفاق سلام بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود وبرزاني

والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، بعيداً عن تركيا التي أخفقت

في إنجاح أي وفاق بين الخصمين يعطي الحزبين فرصة لإقامة كيان كردي، ويبعد

شبح التغلغل التركي المقلق للحزبين في المنطقة، والذي يمكن أن ينتقل به الوضع

إلى المناطق التركية لإقامة كردستان الشمالية الواقعة جنوب تركيا وهو ما ترفضه

الحكومة التركية جملةً وتفصيلاً.

إسرائيل وتركيا:

مهما تعددت الأزمات على الصعيد التركي فإن الدور الإسرائيلي للمطلع على

خفايا العلاقات التركية الإسرائيلية يبدو جلياً؛ لأن (إسرائيل) تلعب دور الممول

بالمعلومات والمخابرات لتركيا في سياساتها ومواقفها الخارجية، مع سوريا أو

غيرها، وهذا ما أكدته تقارير مجموعة (جنيز) للدراسات العسكرية في لندن في

تحليل منشور يوم ٨/١٠/١٩٩٨م، مما يوجب أن نلقي الضوء بشكل أوضح على

طبيعة العلاقة ونوعها وأبعادها على دول المنطقة.

العلاقة الاقتصادية:

تعود بداية العلاقة الاقتصادية بين تركيا و (إسرائيل) إلى عام ١٩٥٠م حين تم

توقيع اتفاقية مقايضة بين أنقرة وتل أبيب، وبدأت (إسرائيل) بموجبها باستيراد

الأغنام التركية، والأعلاف ومختلف المنتجات التركية، وفي المقابل تصدير سلع

صناعية إلى تركيا. وفي منتصف الستينيات شاركت (إسرائيل) في معرض

(أزمير) التقليدي وعرضت فيه ١٥٠ شركة إسرائيلية سلعاً تقدر بـ ٢٢ مليون

دولار، وأرقام التبادل التجاري تدل على مدى التعاون الاقتصادي الذي تألف على

إثره مجلس العمل التركي الإسرائيلي الذي يعمل على تنمية وتطوير التعاون بين

الدولتين، ويرتكز التعاون الاقتصادي بين (إسرائيل) وتركيا على التجارة والسياحة

والزراعة وكان رد الفعل العربي لذلك هو إدراج الشركات التركية التي تعاونت مع

إسرائيل ضمن قائمة المقاطعة العربية.

ارتفع مستوى التمثيل في المجال التجاري، وافتتحت (إسرائيل) ممثلية

تجارية في إسطنبول، وفي الوقت ذاته دعي وزير التجارة التركي إلى إقامة سوق

حرة للتبادل التجاري بين البلدين، ونص الاتفاق على إلغاء الرسوم الجمركية بينهما، مما يشكل الخطوة الأولى نحو النظام الشرق أوسطي، وفي إبريل ١٩٩٥م وقعت

تركيا و (إسرائيل) اتفاقاً للتعاون في التنظيم النوعي للإدارة، وتضمّن الاتفاق

تدريب أصحاب المهن وعقد اجتماعات دورية، وتبادل المعلومات والمحاضر

والنشرات، وتقديم المساعدة لتطوير برامج تعليمية في مجالات نوعية مختلفة. كما

برز التعاون الزراعي بين البلدين والذي يتمثل في مشروع تنمية شرق الأناضول

ويشمل إقامة عدد كبير من السدود والمحطات الكهربائية.

أما في الجانب السياحي، فقد أكد وزير السياحة التركي مصطفى تركمان أن

تركيا و (إسرائيل) ليستا في حاجة للتنافس السياحي بل على العكس ينبغي عليهما

التعاون من أجل تشجيع وزيادة الحركة السياحية إلى المنطقة، وتم توقيع اتفاقية

التعاون السياحي بين تركيا وإسرائيل عام ١٩٩٢م، حيث تقوم تركيا بنقل صورة

عن تاريخها عن طريق السياح اليهود، واستمالة الرأي العام الإسرائيلي نحو تركيا، وتحصل تركيا على دخل من السياحة الإسرائيلية يُقَدّر بـ ٢٥٠ مليون دولار

وذلك عام١٩٩٠م، وتستقطب (إسرائيل) السياحة التركية من خلال الترويج

للعلمانية والديمقراطية.

وفي مجال المقاولات، تعتمد (إسرائيل) على شركات المقاولات التركية في

مجال بناء المستوطنات، ويعمل في (إسرائيل) من (٢٥٠٠ ٥٠٠٠) عامل تركي،

بنسبة تتراوح من ٥ ١٠ بالمائة من العمالة في (إسرائيل) .

التعاون الأمني العسكري:

الحديث الذي ظهر مؤخراً عن المناورات العسكرية والتعاون الأمني، وإقامة

حلف أمني، يعود في بداياته العلنية إلى عام ١٩٩٤م وذلك من خلال مناورة جوية

مشتركة كانت الأولى من نوعها، وتم خلالها تزويد الطائرات التركية المختلفة

بالوقود من طائرة بوينغ إسرائيلية، وكان الهدف من هذه المناورة تشجيع مبيعات

الصناعات الجوية الإسرائيلية، كما زار قائد سلاح الجو التركي (إسرائيل) لإجراء

مباحثات لتحسين طائرات الفانتوم عقب التحسينات على طائرات (إف ٥) وإنتاج

أجزاء من طائرات (إف ١٦) الأمريكية.

تم توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين (إسرائيل) وتركيا في ٢٣ فبراير

١٩٩٦م، وتضمنت الاتفاقية العمل على إيجاد حوار استراتيجي بين تركيا

و (إسرائيل) ومعرفة توقع الأخطار التي تعمل على تهديد (إسرائيل) وتركيا، كذلك

إجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين في مختلف المجالات

البرية والبحرية والجوية، ونص الاتفاق على تعهد إسرائيلي لتركيا بتقديم

المعلومات اللازمة عن حزب العمال الكردستاني، كما تضمن الاتفاق القيام بثماني

مناورات جوية في السماء التركية، وأن تقوم تركيا باستقبال الطيران (الإسرائيلي)

على أراضيها، وللطائرات الإسرائيلية الحق في اللجوء إلى الأراضي التركية عند

إعلان حالة الطوارئ في (إسرائيل) ، ونصت الاتفاقية على التعاون في مجال

الاستخبارات بين البلدين.

لم يكن هذا الاتفاق الأول من نوعه؛ إذ وقعت تركيا مثله مع ليبيا ١٩٧٥م

وإيران ١٩٧٧م والعراق ١٩٧٩م والسعودية ١٩٨٤م والكويت ومصر ١٩٨٧م

والأردن والإمارات ١٩٨٩م وتونس ١٩٩٠م. وتعتبر هذه الاتفاقيات سارية

المفعول إلا أنه لم يتم توظيفها رسمياً. ومن خلال الاتفاق العسكري التركي

(الإسرائيلي) عملت تركيا على تحسين كفاءتها العسكرية والأمنية، بينما نجد أن

هدف الجانب (الإسرائيلي) هو اختراق المجال الجوي التركي، وإحكام القبضة على

سوريا والضغط عليها من خلال المفاوضات الدائرة حول الجولان، كما يتيح

الاتفاق الاستعانة بالخبرات العسكرية (الإسرائيلية) لقمع المقاومة الكردية، ويشكل

الاتفاق ورقة ضغط تركية (إسرائيلية) على العراق وسورية تحديداً؛ حيث إن مد

أنابيب المياه من تركيا إلى (إسرائيل) سيؤثر على نصيب العراق وسورية من المياه.

مما لا شك فيه أن لكلا الدولتين أسبابهما الخاصة في التعاون الاستراتيجي؛

ففي كتابه: (نحو شرق أوسط جديد) أكد شمعون بيريز أن القادة الأتراك اندفعوا

نحو تطوير علاقاتهم مع تل أبيب، وقد تجسد ذلك في زيارة تانسو شيلر إلى

(إسرائيل) في نوفمبر ١٩٩٤م، ورأت تركيا أن (إسرائيل) تشكل بوابة للعبور نحو

إيجاد حصة اقتصادية مناسبة لها في المرحلة الجديدة لها في منطقة الشرق الأوسط،

كما أنها ستستفيد بالخبرات (الإسرائيلية) .

وتأسست العلاقة التعاونية على مخرج لـ (إسرائيل) وإن كانت قد وقعت

اتفاقات مع الدول العربية إلا أنها ما زالت متعثرة في مسيرتها بالتطبيع مع

(إسرائيل) ، هذا ويطمح الجانب (الإسرائيلي) بتفكيك البنية التحتية لما يسمونه بـ

(الإرهاب) وهذا يتوافق مع المفهوم المرحلي الأمني عند كل من تركيا و (إسرائيل)

من جراء الرفض الأوربي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، والموقف الأوربي

المساند (للشرعية الدولية) فيما يخص مؤتمر مدريد ونتائجه الحالية. كما تعاني

تركيا و (إسرائيل) من عدم الاستقرار السياسي الداخلي؛ فتتصاعد حدة المشكلة

الكردية ويتصاعد الانقسام العلماني الديني في (إسرائيل) .

وعلى أي حال فتوقيع الاتفاقية وما ترتب عليه من مناورات مشتركة في عام

١٩٩٧م أدت إلى رد فعل عربي معارض للمناورات العسكرية؛ فسوريا اعتبرت

المناورات أداة ضغط عليها في المفاوضات (الإسرائيلية) السورية حول الجولان،

ورأت مصر أن المناورات عبارة عن رسالة سلبية كما اعتبرت إيران أن توقيع

الاتفاق يتعارض مع المصالح الأساسية للعالم الإسلامي.

وفي خضم الصراع الدائر في المنطقة لا بد من التنويه إلى أهمية الموضوع

المائي؛ فتركيا لها نصيبها من مياه الفرات، و (إسرائيل) تعاني من نقص مائي

شديد لمشاريع التنمية التي تقوم بها، واستغلال الجزء الأكبر في عمليات التصنيع

والزراعة؛ فالتعاون المائي التركي والإسرائيلي من خلال مشاريع أنابيب السلام

يسير قُدماً؛ فقد طرح الرئيس (الإسرائيلي) عزرا وايزمن مشروعاً لجر المياه من

تركيا إلى (إسرائيل) ، أجرى المدير العام لهيئة تخطيط المياه في (إسرائيل) (تاهل)

محادثات حول بناء ميناء للشحن والتصدير على مصب نهر (مانا فقات) على البحر

المتوسط جنوب أضنة والذي يشكل حوضاً طبيعياً يحتوي على نحو ٧، ٤ مليار م ٣ سنوياً، وكانت تشيلر رئيسة الوزراء التركية خلال زيارتها لـ (إسرائيل) أكدت

أن بلادها مستعدة لبحث الطرق التي من خلالها يتم استغلال الفائض من مياهها

لخدمة الشرق الأوسط.

الأزمة الأخيرة:

إن تتبع مسارات العلاقة التركية السورية في الفترة الأخيرة يفسره إلى حد

كبير التعاون بين تركيا و (إسرائيل) ، فالعلاقة من عهد شيلر أخذت منحى تصاعدياً. وتسعى السياسة التركية الآن وبعد التصعيد الأخير مع سورية إلى ضم أكبر عدد

من الدول العربية إلى هذا الحلف، ومن ذلك ما صرح به مسعود يلمز من أن

الحلف بين تركيا و (إسرائيل) ليس موجهاً ضد طرف ثالث، في حين اعتبر

الجانب (الإسرائيلي) أن الحلف يخدم المصالح التركية والإسرائيلية، وأكد (نتن

ياهو) رئيس وزراء (إسرائيل) على أن هذا الحلف يشكل خطوة نحو إرساء السلام

في المنطقة؛ وساعده في ذلك تأكيد (يلمز) على أن الهدف هو استقرار المنطقة.

إن المتتبع لمراحل الأزمة يرى أن هناك انعطافاً أصاب السياسة التركية

الخارجية مؤخراً، ويرى كيف تطورت العلاقات العسكرية إلى علاقات اقتصادية

مرتبطة بالمصالح الحيوية (الإسرائيلية) ، ويشهد على ذلك المناورات العسكرية

التركية (الإسرائيلية) التي تحظى برعاية أمريكية، وانضمام تركيا إلى برنامج

الصاروخ (آرو) السهم؛ الذي يتم العمل على تطويره بين الولايات المتحدة

و (إسرائيل) ، إضافة إلى تحديث الطائرات الجوية التركية بمساعدة مؤسسة

الصناعات الجوية (الإسرائيلية) .

ومن ناحية أخرى تؤكد الصحف السورية والمصرية على تورط (إسرائيلي) ؛

في هذه الأزمة خصوصاً أن خبراء الموساد أشرفوا على عمليات الملاحقة ضد أفراد

حزب العمال الكردستاني وتدريس العمليات العسكرية مثل: الليطاني، عناقيد

الغضب في ثكنات قوات الحدود، ويلاحظ أيضاً في هذه العملية النفي الرسمي

وعلى لسان الخارجية الأمريكية لوجود أي علاقة إسرائيلية في الحشود ضد سورية. هذا ويلاحظ على السياسة الخارجية التركية بناءً على الموقف التركي والأمريكي

الرغبة في التعامل العلني أكثر من قبل مع (إسرائيل) على اعتبار أنها الحليف

الأول لها في منطقة الشرق الأوسط، والاستمرار في التعبير عن الانتماء إلى

المعسكر الغربي.

ومن المفيد الآن استعراض تأثير هذا التحالف على بلدان الجوار لتركيا

والدول الشرق أوسطية في ظل الرفض التام للسياسة التركية في مجال الحشود على

الحدود مع سوريا:

* يمنح هذا التحالف الفرصة لضرب التحالف الإيراني السوري بمنح القوات

(الإسرائيلية) مجالاً واسعاً في شمال سوريا، مما يجعل القوة السورية تشتت

جهودها في الشمال والجنوب في مواجهة القوة (الإسرائيلية) ، ويسوّغ الإجراءات

والموقف السوري من التصعيد أو الحلف القائم أصلاً بين (إسرائيل) وتركيا والذي

يؤدي إلى خرق الجسم العربي.

* تأثير العلاقة على الأردن من خلال التدهور المستمر في العلاقة الأردنية

السورية والتي ظهرت مجدداً، والأردنية العراقية، مما يجعل الأردن يبحث عن

تعاون للخروج من المأزق الحالي وفي نفس الوقت يطالب الأردن بهوية أمنية شاملة

لكل الدول العربية، مع تأكيد الجانب الأردني أنه ليس طرفاً في أي تحالف؛ مع

أن الجانب الأردني شارك في المناورات الجوية والبحرية بين تركيا و (إسرائيل)

بصفة مراقب مما يشكل خطوة إلى جر الأردن لهذا الحلف نظراً لتأثيره على العالم

العربي.

* أما إيران فإنها تحاول الفرار من هذا التحالف بإنشاء نظام دولي متعدد

الأقطاب، يشمل الصين وروسيا إضافة إلى تحالف آخر مع سوريا ومصر؛ مما

سيؤدي إلى خلق تكتلات جديدة في المنطقة تعمل على حفظ توازن منطقة الشرق

الأوسط، وفي المقابل ترى (إسرائيل) أن أي تهديد لسوريا هو تهديد لإيران التي

تخشاها (إسرائيل) لكونها قوة عسكرية تسعى لأن تكون نووية؛ إضافة إلى أن هذا

الحلف التركي (الإسرائيلي) يعطي الفرصة لـ (إسرائيل) لكشف المواقع العسكرية

النووية الإيرانية.

إن ملف الخلاف السوري التركي مثقل بالعديد من التعقيدات التي ما زالت

عالقة حتى بعد اللقاءات الأمنية بين الطرفين. ويدخل ضمن هذه التعقيدات والتي

يعد سبباً أساسياً لانفجارها مجدداً المحور (الإسرائيلي) الذي يمثله الحلف التركي

(الإسرائيلي) . ولا يخفى أن الوضع في تركيا قائم على التحالفات بين الحكومة

والعسكريين الذين تولوا الحكم بعد انقلابات عسكرية، ومنها ما حدث في سنوات

١٩٦٠م، ١٩٧١ و١٩٨٠ وأحياناً جاءت الانقلابات العسكرية خلف القناع الحزبي.

إن التهديد التركي لسورية بين قوة تركيا من الناحية العسكرية خاصة وأنها

قوة إقليمية لا يستهان بها، وفي الوقت نفسه بين حالة الضعف السياسي التي

وصلت إليها تركيا مما يدفع للتأكيد على قوة المؤسسة العسكرية التركية الحاكمة.

وجاء الغضب التركي إثر العديد من العوامل وعبر قنوات عسكرية مباشرة،

ولكن الموقف السوري الذي حاول جاهداً إبعاد شبح الحرب عبر سلسلة من

اجتماعات حدودية شارك فيها ١١ مسؤولاً من وزارة الخارجية والدفاع وجهاز

المخابرات من كلا البلدين نقل الحوار إلى الجانب الأمني بعد أن كان في الجانب

السياسي، وقد انتهت الاجتماعات في منطقة سيجان الحدودية قِبَل الحشود التركية

على الحدود مع سورية.

وخلال الاجتماعات اتفق الطرفان على تأجيل البحث في قضية لواء

الإسكندرونة، وعدم تحرش الجيش التركي بالسكان على الحدود التركية السورية،

وتركزت المطالب التركية على شرح مخاوفها من جراء الأعمال التي يقوم بها

حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت نفسه أكد الوفد السوري أن الأراضي

السورية ليست نقطة انطلاق لأعمال يقوم بها حزب العمال الكردستاني. ولتعزيز

الاتفاق من الناحية الأمنية؛ فقد اتفق الطرفان على إقامة خط ساخن لتبادل

المعلومات وخصوصاً بعد توافر مناخ الثقة الذي صاحبه زيارات لبعض المختصين

الأتراك إلى بعض المواقع في سورية للتأكد من إغلاق مقرات حزب العمال

الكردستاني ومنع المساعدات المالية، واعتبار حزب العمال الكردستاني حزباً

إرهابياً يُقدّم أعضاؤه إلى القضاء.

وفيما يخص موضوع المياه، تبحث دمشق عن قسمة عادلة ونهائية بدلاً من

الاتفاق المرحلي لعام ١٩٨٧. ولكن يبقى السؤال الذي سيفجر الخلاف مجدداً: ماذا

عن علاقات التعاون والتدريب وتحديث المعدات العسكرية التركية من قِبَل

(إسرائيل) ؟ فما زال هذا السؤال هاجساً للسوريين وخاصة أمام الرغبة

(الإسرائيلية) في فتح مجالات تعاون أخرى مع تركيا ومداخل أخرى لها في الشرق

الأوسط.

ختاماً:

يُجمِع الخبراء والسياسيون الأتراك على أن الولايات المتحدة دفعت تركيا إلى

هذا العمل، وقد أكد هذا الاستنتاج المفكر والمحلل السياسي عبد الرحمن ديلي ياك؛

فأكد أن الولايات المتحدة تتخذ من تركيا أداة لضرب سوريا من أجل التغيير

السياسي فيها، ويؤكد د. ماهر قيناق وهو محلل استراتيجي أن الولايات المتحدة

و (إسرائيل) تدفعان تركيا للعدوان على سوريا، لتوريط تركيا في منطقة الشرق

الأوسط المتفجرة ولمنع وصول (الأصولية) إلى الحكم خلال فترة ما بعد حافظ الأسد.

وعليه فإن الحرب بعيدة، ولكن الهدف توجيه رسالة من الحلف المعلن أصلاً

بتعاون أمني عسكري اقتصادي بين تركيا و (إسرائيل) وخلط الأوراق في منطقة

الشرق الأوسط لتكون (إسرائيل) هي الرابحة في هذا الوقت الحرج؛ خاصة أن

جسور المفاوضات عادت من جديد وأخذت اللغة الدبلوماسية دورها ولو بشكل

مرحلي.