للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات إعلانية

دور الإعلام

في الصراع بين الإسلام والعلمانية في تركيا

د. مالك الأحمد

تعتبر تركيا أول بلد إسلامي تقام فيه العلمانية، بصورة تختلف جذرياً حتى

عن التطبيقات العلمانية في البلدان الأوروبية المجاورة لها، التي تعتبر مصدر

العلمانية.

فالعلمانية في تركيا تعني: (لا للإسلام) ، فليس الأمر مقتصراً على الحُكم

(العلماني) بل يتعدى ذلك إلى سائر النشاطات البشرية حتى التصرفات الشخصية.

وتركيا البلد الوحيد في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي واندثار أثر لينين

التي يحكمها رجل من قبره، رجل مُعظّم بل ومُقدّس، لا يُمس ولا يُنتقد ولا

يُعترض عليه وهو في قبره.

وتركيا بلد الخلافة الإسلامية التي أصبحت أشد البلدان الإسلامية معاداةً

للإسلام ومحاربةً حتى لشعائره كحجاب المرأة المسلمة.

الإعلام في تركيا:

رغم انتماء تركيا في العصر الحاضر إلى منظومة دول العالم الثالث؛ إلا أنها

شذت عنها في أمور كثيرة ومنها الإعلام؛ فالإعلام في تركيا حر بكل معنى الكلمة، ولا يحتاج الأمر ترخيصاً من وزارة الإعلام أو إدارة المطبوعات لإصدار دورية

(جريدة أو مجلة) ، أو إنشاء قناة إذاعية أو تلفزيونية. هذا الانفتاح الإعلامي الذي

لا يتجاوز عمره عشر سنوات أثمر العشرات من الصحف اليومية ومئات المجلات

الدورية. أما في جانب الإعلام المرئي والمسموع فيوجد الآن (١٥٠٠) إذاعة

ومعظمها محلي على نطاق موجة () ، وقليل جداً منها إقليمي يغطي منطقة معينة،

وبالنسبة للتلفاز فهناك (٣٠٠) قناة تلفزيونية، منها ثلاثون قناة فضائية تغطي كافة

الأراضي التركية من خلال القمر الصناعي (ترك سات) ، إضافة إلى أجزاء من

آسيا وأوروبا، أما الباقي فهي قنوات محلية في نطاق المدينة أو المنطقة. هذا

الانتشار الواسع لوسائل الإعلام في تركيا، لا مثيل له في البلدان النامية؛ بل حتى

في البلدان الأوروبية، وهو أشبه ما يكون بالإعلام الأمريكي من حيث التعدد

والانتشار، مع فارق وحيد هو أن اللغة التركية محصورة في مناطق محدودة من

العالم وليست لغة دولية كالإنجليزية.

هذا التنوع في أدوات الإعلام مع الكثرة؛ جعل للإعلام سلطة فاعلة وحركة

أساسية في المجتمع حتى إن الباحثين والمراقبين للشأن التركي يختلفون في القوة

الأولى التي تحكم البلد؛ فالبعض يقول: إن الجيش هو القوة الأولى والإعلام القوة

الثانية، أما الفريق الآخر فيرى العكس. والحقيقة أن الإعلام في كل الأحوال هو

الذي يحرك الجيش ويستفزه لضرب أي توجهات إسلامية ولو كانت محدودة

ومحصورة، بل لا يعبأ أن يحرّض في كثير من الأحيان على التدخل المباشر

والقيام بانقلاب عندما يرى العلمانيون أن التوجه الإسلامي قد يهددهم، أو أن

الصحوة الإسلامية بدأت ترفع الرأس وتتنسم الهواء الطلق. إنهم لا يريدون وجود

قوي مؤثرة في البلد غير العلمانيين، فكيف يقبلون ببروز إسلامي صاعد؟ ويكاد

يتفق المتابعون للشأن التركي أن سقوط حكومة التحالف الإسلامي/ العلماني كان

على يد الإعلام وبشكل أخص الصحافة اليومية العلمانية ذات النفوذ والانتشار

الواسع [١] .

ومن غرائب حرية الإعلام التركي وجود محطات تلفزيونية وإذاعية تقدم

خدمات خاصة لأصحابها، وتقوم بحماية مصالحهم الشخصية الاقتصادية، وأحياناً

بطريقة فجة؛ فهناك قناة تلفزيونية مهتمة بالدفاع عن كازينوهات القمار، تسوّق لها

وتعدّد فوائدها وآثارها الاقتصادية على المنطقة المحلية، وأنها مصدر دخل قوي

للعملة الصعبة، خصوصاً من إسرائيل بدلاً من الدراهم القليلة من السياح العرب

(المتخلفين) ! .

من جانب آخر يعتبر الكثير من الصحف اليومية العلمانية أن من مقومات

الصحافة العري والتفسخ؛ فيندر أن يخلو عدد من هذه الصحف من صور نسائية

عارية أو شبه عارية وبشكل متكرر ومقزز؛ تشبهاً بالصحف الشعبية الإنجليزية

(التابلويد) ، ولكن بنساء تركيات (مسلمات على الأغلب) ، هذا الأمر لا يوجد على

حد علمنا في أي بلد مسلم. ويلاحظ وجود دعم غير مباشر من الحكومات العلمانية

للصحف اليومية كي تَغُضّ الطّرْف عن الأخطاء، وتركز جهودها فقط لتتبع

الإسلاميين وأنشطتهم وإثارة العامة والجيش عليهم.

الإعلام الإسلامي في تركيا:

نظراً للجهد الضخم والإرث التراكمي للدولة العلمانية ومؤسساتها في محاربة

الإسلام من جذوره؛ فإن أي جهد لمقابلة هذا المد أو حتى التخفيف من دوره يصب

في خانة العمل الإسلامي؛ باعتبار أن القائمين عليه من أهل القبلة وذوو نيات

حسنة، وإن خالفوا أحياناً المنهج الإسلامي الصحيح.

وعند الحديث عن النشاط الإسلامي إجمالاً في تركيا، فإنه يمكن تقسيمه إلى

الفئات التالية:

* الحركات الصوفية النقشبندية: وهي ذات انتشار واسع في أوساط عامة

الناس خصوصاً بين القرويين وبعيداً عن المراكز الحضرية الأساسية في البلاد،

وهي ذات عمق تاريخي بعيد منذ أيام الخلافة العثمانية.

* حركة النورسيين: وهي حركة إسلامية منظمة، واسعة الانتشار، تهتم

كثيراً بالتعليم، وتتبعها آلاف المدارس داخل تركيا وخارجها، وهي تعتمد على

نفسها كلياً في الإنفاق على نشاطاتها، وهي صوفية أيضاً في الكثير من توجهاتها.

* حزب الرفاه: وهو حزب سياسي بالدرجة الأولى؛ ولكن له أنشطة متنوعة: اقتصادية وتعليمية وثقافية، وله حضور واسع، ويستفيد في الانتخابات من

الجماعات الصوفية. ومنهج الحزب في الجملة قريب من منهج الإخوان المسلمين،

مع الأخذ في الاعتبار خصوصية البيئة التركية ونفوذ التيار العلماني وسيطرته

الواسعة. وهو الحزب الذي حظر نشاطه بشكل رسمي أخيراً، وانتقل كثير من

أنصاره إلى حزب بديل هو (حزب الفضيلة) .

* تجمعات أخرى:

بخلاف الجماعات السابقة فإنه يوجد في تركيا تجمعات محلية محدودة

ومتنوعة الاتجاهات؛ بعضها سلفي وبعضها إصلاحي عام، لكن أثرها محدود

وانتشارها ضيق وأتباعها قلة.

من الأمور المسلّمة في تركيا والتي تمثل إرثاً قديماً من أيام الخلافة العثمانية

أن الفقه حنفي، والسلوك صوفي، والعقيدة ماتريدية؛ لذلك لا يستغرب الباحث أن

الأصل في المجتمع التركي هذه المسلّمات، وقلّما تخلو منها جماعة أو حزب. أما

التوجه السلفي فهو حديث، ومحدود الانتشار ومحارب من الكثير من الجهات

الصوفية المتعصبة. ومن الملاحظ أيضاً على الأنشطة الإسلامية رغم قصورها

المنهجي أنها تنتمي إلى جماعات أو طوائف أو أحزاب، وقلما تكون مستقلة.

عند الحديث عن الإعلام الإسلامي لا بد من مراعاة طبيعة وتوجهات القائمين

على الأنشطة الإسلامية (كما هو موضح مسبقاً) وكذلك طبيعة البلد والهجمة الشرسة

على المسلمين والإسلام؛ ويمكن حصر خصائص الإعلام الإسلامي التركي فيما يلي: ...

* إعلام محافظ في الجملة.

* إعلامي تربوي (بشكل محدود) .

* إعلام ثقافي بدون مجون أو انحلال.

* إعلام سياسي (أحياناً) يقارع العلمانية بشكل متزن ومتعقل.

* إعلام بديلي (يحاول أن يقدم مواد إعلامية مناسبة بديلاً عما يقدم في

الوسائل الإعلامية العلمانية) .

هذه الخصائص تعطينا رؤية معتدلة وصائبة عند تحليل ونقد ما تقدمه هذه

الوسائل الإعلامية، من مواد وبرامج.

ورغم هامش الحرية الإعلامية فإن الإعلام الإسلامي بالذات يظل تحت

المجهر، وسيف الدستور العلماني مسلط في وجه التحركات الإسلامية الإعلامية،

رغم تعقلها واتزانها وقصورها أيضاً في جانب ما تقدمه من مواد إسلامية.

بمعنى آخر: الحرية مقصورة إلى حد كبير على الإعلام العلماني ليقدم ما

يشاء من انحلال وتفسخ، وحتى تشويه الإسلام مسموح به، أما خلاف ذلك فالأصل

التتبع والمحاكمة وحتى السجن للمخالفين.

إذن عند تقويم النشاط الإعلامي الإسلامي لا بد من أن نأخذ في الاعتبار العديد

من العوامل المحلية ومنها:

* قسوة النظام العلماني.

* الحرية العوجاء.

* الإرث العلماني الأتاتوركي.

* انتشار التصوف.

* حداثة الحركة الإسلامية نسبياً.

* حداثة التجربة الإعلامية الإسلامية.

* التنوع الكثيف والواسع الانتشار لوسائل الإعلام.

* قوة الجيش وهيمنته ودوره في حماية العلمانية.

* ضعف البيئة الديمقراطية.

بدايات الإعلام الإسلامي:

كانت فترة الستينيات هي فترة ظهور الإعلام الإسلامي في صيغته البسيطة

والضعيفة، كانت البدايةُ جريدةً أسبوعية ثم يومية (الاتحاد، ١٩٦٦م) ، ثم (آسيا

الجديدة) الأسبوعية، ثم (الهلال) التي استمرت طويلاً ثم توقفت، كذلك صدرت

(هذا اليوم) و (الصباح) التي تحولت إلى علمانية فيما بعد.

وكانت هذه الفترة تتميز عموماً بضعف تلك المطبوعات وعدم انتظام صدورها

وتوقف أغلبها.

بعد ذلك ظهرت جريدة (تركيا) عن جماعة حسين حلمي الصوفية، ثم في عام

(١٩٧٣م) ظهرت جريدة (الوطنية) عن حزب الرفاه.

بدأ النشاط الإعلامي الإسلامي القوي والواسع الانتشار في الثمانينيات،

وترسخت أقدامه في بداية التسعينيات؛ حيث كانت الأوضاع مهيأة لذلك بعد

الانقلاب العسكري سنة (١٩٨٧م) ؛ حيث استفاد الإسلاميون كما استفاد غيرهم من

الديمقراطية المعقولة في ذلك الحين (عهد أوزال) ، وكانت وما تزال جل الجهود

مركزة على تقديم إعلام هادئ متزن، يهادن العلمانية في كثير من الأحيان كي لا

يضطر إلى المصادمة معها، مع احتفاظه بتوجهات إسلامية بحسب الجهة المصدرة.

الأنشطة الإعلامية الإسلامية:

يمتلك الإسلاميون بمختلف ميولهم وتوجهاتهم العديد من وسائل الإعلام، فلهم

خمس قنوات فضائية تلفزيونية، إضافة إلى بعض القنوات المحلية، والعشرات من

الإذاعات المحلية (إحدى الإذاعات تبث أشرطة لمشاهير الدعاة في العالم الإسلامي

والعربي) ، إضافة إلى بعض الصحف اليومية والعشرات من المجلات المتنوعة.

أولاً: الصحافة اليومية:

* صحيفة الزمان: أوسع صحيفة إسلامية يومية توزع ما يقارب ٣٠٠٠٠٠

نسخة، تدعمها وكالة أنباء خاصة بها وهي (جيهان) ، وتصدر عن جماعة

النورسيين، وهي تهادن الدولة ولا تتصادم مع العلمانيين، متبعة في ذلك النهج

التبليغي في الدعوة، وتعتبر جريدة سياسية دعوية عامة.

* صحيفة الوطنية: لسان حال حزب الرفاه، جريدة يومية سياسية دعوية.

* صحيفة تركيا: ذات توجه صوفي يساير العلمانيين.

* صحيفة العقد.

ثانياً: الدوريات الإسلامية:

هناك العديد من الدوريات الإسلامية (أكثر من ٢٥٠) بين صحف يومية

وأسبوعية ومجلات أسبوعية وشهرية، أغلبها محلي مرتبط بأحزاب أو جماعات أو

تجمعات إسلامية، ومنها على سبيل المثال:

* (العصر) أسبوعية سياسية دعوية سُنّية ذات ارتباط وميول سياسية إيرانية.

* (الشفق الجديد) حزب الرفاه، يومية سياسية دعوية عامة، توزع ١٥٠٠٠

نسخة يومياً.

* (السلام) أسبوعية شيعية.

* (الشعب) حزب الرفاه.

* (الوقف) مجلة أسبوعية شبابية (حزب الرفاه) .

* (الإسلام) سياسية (صوفية نقشبندية) .

* (الأسرة) اجتماعية (صوفية نقشبندية) .

* (الفاتح) سياسية شهرية.

* (التفاؤل) يومية صوفية.

* (الرسالة الجديدة) مجلة صوفية.

* (البحوث الإسلامية) مجلة فكرية عقلانية.

* (إسلاميات) مجلة فكرية عقلانية.

* (الفرقان) صوفية نقشبندية.

* (الدعاء) شهرية دعوية غير سياسية تصدر في قبرص التركية عن مؤسسة

الوقف الإسلامي.

ثالثاً: القنوات الفضائية الإسلامية:

١-قناة تركيا:

أبرز القنوات وأوسعها انتشاراً، تصدر عن جماعة صوفية نقشبندية:

(جماعة الإخلاص) ، ولديهم الكثير من النشاط الإعلامي: (جريدة تركيا، وكالة

أنباء الإخلاص، إضافة إلى ٨١ دورية ومجلة) .

وإضافة إلى النشاط الثقافي والتجاري لأصحاب القناة فإن لديهم ولاء للدولة،

ويهادنون العلمانية، ومع ذلك تسمى قناة إسلامية؛ لأنها تقدم بعض التوجيهات

والنصائح الدينية، وموادها الإعلامية محتشمة وليست إباحية (مقارنة بالقنوات

العلمانية) ، أما ضوابطهم الشرعية فضعيفة؛ حيث يُكفّرون الكثير من مخالفيهم

ومنهم الوهابية.

٢-الرسالة: ذات توجه صوفي، تذيع القرآن والبرامج التعليمية، وهي

أفضل من قناة تركيا.

٣-سمان: تتبع النورسيين، وهي قوية في الجانب التقني، وموادها

الإعلامية محافظة في الجملة؛ لكنها تفتقد للمواد التربوية الهادفة.

أبرز الإنشطة الإعلامية الإسلامية:

١- صحيفة العقد:

وهي أكبر جريدة يومية إسلامية مستقلة، غير مرتبطة بأحزاب أو جماعات،

تتعاون مع جميع الاتجاهات الإسلامية، وذات هدف واضح ومحدد وهو كشف

العلمانية والعلمانيين؛ وإظهار عوراتهم وفضحهم أمام الناس بالأدلة والبراهين،

معتمدين على الجرأة في الطرح والثقة بالنفس، مع الاستعانة بالخبراء القانونيين؛

خشية الوقوع فيما يصادم القوانين ويعرض الصحيفة للتوقف، أو القائمين عليها

للسجن. منهجها كما يوضحه مصطفى أوغلو الناشر ورئيس التحرير: (أذلة على

المؤمنين، أعزة على الكافرين) .

معاركهم موجهة ضد خندق الزنادقة والمعاندين، فليس لديهم وقت للمعارك

الجانبية مع التيارات الإسلامية، ومنهجهم في فهم الإسلام جيد في الجملة.

تدافع الجريدة عن القضايا الإسلامية في تركيا بشكل خاص والعالم الإسلامي

بشكل عام.

رئيس التحرير ذو خبرة صحفية واسعة (ما يقارب ٣٠ عاماً) كان مديراً

لتحرير جريدة الوطن (التابعة للرفاه) سابقاً.

تأسست الجريدة قبل خمس سنوات، بأهداف محددة، وبإمكانات محدودة

تتكوّن من قروض شخصية متطورة من مجلة الجمعة الشهرية ثم الأسبوعية لاحقاً

والتي أدت دوراً جيداً في الجانب السياسي والدعوي الإسلامي؛ حتى وصل

توزيعها إلى ٣٥٠٠٠ نسخة أسبوعياً.

توزع الجريدة الآن ١٢٠٠٠٠ نسخة يومياً، وهو معدل مرتفع مقارنة بأوسع

الصحف العلمانية انتشاراً وهي جريدة الحرية التي توزع ٥٠٠٠٠٠ نسخة من

مجموع ٥، ٢ مليون نسخة توزعها كافة الجرائد اليومية.

تطورت الجريدة فنياً ومالياً، فبدأت بمبنى مستأجر، ثم مبنى مملوك، ثم

اشترت أخيراً مطبعة خاصة بها؛ كي تستغني عن الطباعة لدى الجهات التجارية

الأخرى.

يقول مصطفى أوغلو رئيس التحرير: (لدينا سلاح واحد وعدد قليل من

الطلقات، نحاول الاستفادة منها بأقصى ما يمكن دون أن نُُجر إلى معارك لم نخطط

لها، وغير قادرين على الانتصار فيها) .

واستقلالية الجريدة أعطتها قبولاً واسعاً لدى طبقات الصحوة الإسلامية المثقفة

سواء التي لها ارتباط بأحزاب أو جماعات أو المستقلين.

رغم التحري الواسع في شأن ما تطرحه الجريدة من قضايا مع الاستعانة

بالجهات القانونية؛ إلا أنها لم تسلم من المواجهات مع الجهات العلمانية؛ حتى

وصل عدد القضايا التي رُفعت ضدها في المحاكم إلى ألف قضية، خرجت من

بعضها بالبراءة، وحُكم عليها في البعض الآخر بالغرامات المالية.

تعتمد الجريدة على نفسها في تغطية مصاريفها سواء من المبيعات أو

الإعلانات رغم محدوديتها وذلك لامتناع أغنياء المسلمين مثل (مجموعة أوكلر) عن

الإعلان فيها؛ خوفاً من متابعة الدولة لهم بدعوى دعم هذه الجريدة الإسلامية.

وفي الوقت الذي تعاني فيه جريدة (العقد) من المصاريف ومحدودية الدخل

رغم صدق اللهجة والإخلاص في الكلمة؛ فإن صحفاً أخرى محلية مثل جريدة

(الحرية) تعتبر مصدر ثروة لصاحبها، الذي يعتبر أغنى رجل في تركيا.

تقوم الجريدة كذلك بتوزيع كتب ونشرات إسلامية (١٢٠٠٠٠ نسخة) على

قراء الجريدة مجاناً وتتحمل الجريدة تكاليف الطباعة والتوزيع، وتتحمل الجهات

الخيرية الأخرى تكاليف الورق وتوزيع بعض الكتب مثل كتاب: (حصن المسلم) ،

وكتاب: (تهذيب الطحاوية) ، إضافة إلى العديد من النشرات المتنوعة الشرعية

للتوعية العامة.

أغلب مواد الجريدة معالجات محلية لقضايا ذات ارتباط بالجانب الإسلامي

(الحجاب مثلاً) ، فضلاً عن متابعات سياسية دولية مع اهتمام خاص بالشأن

الإسلامي. وتقل المواد الترفيهية فيها وتكاد تقتصر على صفحة رياضية ذات جذب

إعلاني، أما عدد صفحات الجريدة فهو (٢٠) صفحة منها (٤) صفحات ملونة.

٢- قناة ٧:

وتعتبر هذه القناة ثانية أوسع قناة إسلامية فضائية انتشاراً؛ فقد تأسست عام

١٩٩٤م، وهي لسان حال حزب الرفاه (غير رسمي) وتتميز بالاعتدال

والموضوعية. تركز هذه القناة على الأخبار والتحليلات والمقابلات السياسية،

وتعطي هامشاً للمناورة مع الجهات المعادية العلمانية، وطرحها السياسي والفكري

قوي وفعال، وتستضيف الكثير من الشخصيات سواء الإسلامية أو العلمانية أو

رموز الدولة لإحراجهم، ولها قبول واسع لدى المثقفين بشكل خاص، ونشرتها

الإخبارية الرئيسة اليومية قوية جداً.

أهداف القناة تنحصر في تقديم خدمات إعلامية عامة تخلو من الابتذال

والانحلال والتشويه للفكرة الإسلامية، وتقدم مجموعة من المواد الإعلامية العادية

من مسلسلات وأفلام ورياضة ومنوعات تخلو من المفاسد، كما تستفيد من الإنتاج

الإيراني. وهناك القليل من البرامج التربوية والاجتماعية الهادفة إضافة إلى القرآن

وبعض البرامج الفقهية.

والقناة تركز في الجملة على الجانب السياسي بفهم حزب الرفاه وفكره

وتوجهاته.

كما أنها تحاول أن تعطي الفرصة للمجتمع التركي للاطلاع على مواد إعلامية

محافظة بعيداً عن قنوات التفسخ والانحلال الأخرى. والقناة ليست إسلامية بالمعنى

الحرفي؛ لأن النظام العلماني مشهر سيفه تجاه أي توجه إسلامي قوي وبارز،

خصوصاً الإعلامي منه.

والقناة ليست تجارية، بل تعاني مادياً بسبب التكلفة العالية للإنتاج والبث

التلفزيوني الفضائي؛ بالرغم من أن مباني القناة وتجهيزاتها بسيطة وتمثل الحد

الأدنى، حتى إن أربكان صرح مرة بأن دعم القناة باب من أبواب الجهاد وذلك

لإيصال الرسالة الإسلامية للناس.

المآخذ:

رغم بعض المآخذ على القناة ٧، إلا أن الأمر فيها لا يعدو أن يكون سياسة

مصالح ومفاسد؛ ولا بد لها من أن تقدم بعض المواد الإعلامية المكملة التي تعتبر

من ضرورات أي قناة تلفزيونية، وكذلك لا بد من الأخذ بتوجيهات الهيئة العليا

للإذاعة والتلفزيون التي تشرف على البث، وهي مكونة من أعضاء من الحكومة

والبرلمان وبعض الإعلاميين والمختصين، وغالبيتها من العلمانيين، وهي تقوم

بمراقبة البث بما لا يصادم دستور البلاد (العلماني) ، ويراعي حاجات المجتمع

(حسب نظرتهم) كالرياضة والموسيقى والأفلام وغيرها، وهي تؤكد متابعتها

للقنوات الإسلامية، وتقوم بمحاسبتها بناءً على المعطيات العلمانية.

ورغم هذا التوجه في القناة إلا أنها لم تسلم من النقد حتى من رئيس الوزراء

الذي صرح بأنها أي أي قناة ٧ تبث أخباراً تفرق المجتمع وأنها ليست جيدة.

تظهر في القناة بعض الملامح الإسلامية كالفتيات المحجبات، سواء في بعض

البرامج أو إدارة القناة.

كذلك تعالج بعض قضايا الناس اليومية واهتماماتهم الآنية، وتفتقد إلى الكثير

من البرامج التربوية الهامة. وهذا الضعف في التوجه الإسلامي يُعزى إلى أمرين:

الأول: مراعاة المراقبة والمتابعة الرسمية محاولةً لعدم التصادم مع النظام

العلماني المسيطر؛ فلقد أُغلقت إحدى القنوات التلفزيونية لمدة شهر؛ لأنها شرحت

حديثاً حول دخول المرأة النار بسبب ترك الحجاب.

الثاني: طبيعة حزب الرفاه وتكوينه المنهجي واعتماده التوجه السياسي في

الغالب وضعف الجانب العلمي والتربوي لديه.

خاتمة:

من المسلّمات المعاصرة أن للإعلام دوراً فاعلاً ومؤثراً في سلوك الأفراد

والمجتمعات وفي توجيه الأفكار والمعتقدات، وقلما تكون هناك فرصة للتأثير العام

على المجتمعات الإسلامية من خلال وسائل إعلام إسلامية؛ وذلك لانعدام الحرية

الإعلامية بشكل عام. ولا شك أن الوضع التركي يختلف جذرياً، وفرصة توجيه

عامة الناس والتأثير عليهم إيجابياً مواتية إذا أخذنا في الاعتبار الحرية النسبية،

وعدد السكان الضخم (٧٠ مليوناً) ، وتوافر أدوات التأثير الفعالة، ووجود خبرات

معقولة في تقنيات الإعلام المعاصر.

هذه التوطئة تدفعنا إلى تقديم بعض الاقتراحات والتوجيهات ومنها:

* دعم الأنشطة الإعلامية البارزة والمعتدلة ذات التوجه الإسلامي المعقول.

* التعاون مع القائمين على الأنشطة الإسلامية من أجل ترشيد توجهاتهم

وضبط منهجهم بما يناسب بيئتهم وتجربتهم.

* محاولة الاستفادة من التجربة الإعلامية الإسلامية التركية، ونقلها إلى

البلدان الإسلامية بما يناسب تلك البيئات ويراعي الأنظمة والقوانين المحلية.

* السعي لإيجاد أنشطة إسلامية ذات صيغة دولية، لها مراكز محلية في

البلدان الإسلامية المختلفة، وذات رسالة واضحة وبلغات متعددة.


(١) وهناك مجموعتان إعلاميتان علمانيتان: (صباح) و (دغون) تسيطران على ٥٣% من الدوريات، وكانتا من أسباب إسقاط حكومة أربكان.