للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الورقة الأخيرة

بعض الدعاة.. طلاب مجتهدون

محمد يحيى

تكفل الله بنصرة دينه كما ورد ذلك في العديد من الأدلة الشرعية في الكتاب

والسنة، ويبلغ السرور بالمخلصين مبلغاً كبيراً عندما يلمسون عمل أهل الصحوة

من العلماء وطلبة العلم والدعاة ليكونوا ممن تتحقق بهم هذه البشائر الثابتة.. غير

أنه يلاحظ في بعض الأوساط الدعوية أو المحاضن التربوية وجود طائفة من

الشباب قد وقعوا في مزلق ربما لم ينتبه له أكثرهم على شدة خطورته.

ذلك أن بعض الصالحين تجده كثيراً ما يخطط للدعوة فيطرح الأفكار التي

تساعد على الارتقاء بمستوى العمل أو الآراء التي تصوب أخطاءً في مجتمعه، وقد

يكثر منه ذلك وأنا هنا أفترض إخلاصه. كذلك فإنه يقدم الدراسات والمشاريع

المتكاملة لضم أناس جدد إلى صفوف الدعوة ونقلهم إلى حياة الالتزام الكامل بدين

الله تعالى وهو مع هذا وقبله يحيط علماً بالعديد من الكتب التربوية والعلمية الدعوية

والعديد من الأشرطة النافعة في مجال الدعوة وكسب القلوب.. وكل هذا من

الأهداف السامية.. ولكن..

تكمن المشكلة في أن هذا الفرد مجرد متكلم جامع مخطط كالطالب المجتهد في

التحصيل والمناقشة ولكنه في ميدان العمل (صفر) منفرد ليست له أي قيمة موجبة.

إن جميع الأمور التي يمارسها هذا الفرد بنجاح مطلوبة للقيام بعملية الدعوة؛

والساحة بحاجة إلى من يفكر ويخطط وينتقد ويصوِّب ويؤصّل، ولكن حين يكون

الداعية إلى الله دون مرحلة التفرغ لهذه الأمور التي تحتاج الكثير من الممارسة

والخبرة المؤصلة، ثم هو لا يقوم بالقدر الأدنى من المباشرة العملية للدعوة فإن

هناك خوفاً حقيقياً من المخاطر الآتية:

١- البقاء في برج المثالية والكمال والانطلاق من خلاله؛ وهذا يلمس في

أفكاره وانتقاداته وأطروحاته وغير ذلك.

٢- أن التوقف عند هذا الحد من العمل يصور لهؤلاء أنهم من العاملين

الباذلين المنشغلين بالدعوة وهمومها؛ وهم لم يتجاوزوا حقيقةً مرحلة الكلام، وقد

يزداد الأمر ليتصور المرء نفسه من المربين المنظِّرين الذين يقودون ولا يقادون..

وخطر هذا معلوم على ثبات الداعية نفسه على دين الله.

٣- الخطر الذي سيواجهه المجتمع المحيط بهذا الشخص؛ فإنهم أولاً

سيسمعون ويسمعون من غير أن يروا القدوة العملية الدعوية.. ثم ستصبح دعوتهم

عما قريب شعارات بلا روح؛ فتجد أن عددهم لا يزيد إن لم ينقص، وتجد أنهم قد

تفرغوا للكثير من الشواغل التافهة كانتقاد كل متكلم والاجتماع على كل مناسبة بغير

فائدة حقيقية.

٤- الأخطار الفردية التي قد تؤدي إلى النفرة والأحقاد.. فإن هذا الشخص

يطرح ويقترح ويناقش.. ولا يعمل.. وغيره يسمع وينفذ.. مما يفتح مجالاً كبيراً

للشيطان حين يشعر القوم أن صاحبهم قد استأثر دونهم بالجزء الأكثر راحة وأبعد

عن المشاكل.. وقد يجد الشيطان طريقه إلى نفس الشخص عندما يجد أنهم لا

يقدِّرون جهوده ولا ينفذون مقترحاته.

٥- وأخيراً فإن هذا الشخص سيكون أول الناس فراراً عند حدوث الفتن،

وأقلهم صبراً عند نزول الابتلاء، وأكثرهم تضجراً من مشاكل الدعوة عند النزول

إلى الساحة الدعوية ومواجهة الواقع، بل قد يشعر باليأس ويترك كل ما هو فيه من

الخير عند أول معرفة حقيقية له بضخامة الواقع المرير.

ولذلك كله نقول: إن على هؤلاء أن يتقوا الله ويصلحوا من حالهم بخوض

التجارب الشخصية الفردية في كل وسط يتواجدون فيه كالبيت والمدرسة والسوق

وغيره.

ثم إن على المربين دوراً مهماً في ملاحظة هذا الصنف من الدعاة؛ فيحرص

المربي على التوجيه المبكر لصحبة من لهم قدم في الدعوة العملية، فإن هذا سيسهم

بإذن الله في تكامل شخصياتهم، ومن ثَمّ خصوبة أفكارهم واستعدادها للتأثير

الإيجابي في الواقع المعاش.