للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

[حوار مع الشيخ أحمد فريد]

أجرى الحوار: وائل عبد الغني

١- في مستهل حوارنا نرحب بضيفنا الشيخ أحمد فريد، ونحب أن نتعرف

على فضيلتك، وكيف طلبت العلم؟ وحبذا لو أشرت إلى أهم مؤلفاتك.

الاسم: أحمد محمود فريد.

محل الميلاد: الدقهلية جمهورية مصر العربية.

حصلت على بكالوريس الطب والجراحة من جامعة الإسكندرية في مايو

١٩٧٧م.

في الحقيقة إن المرحلة التي نشأنا فيها لم يكن فيها علماء مشهورون في بلدنا

ممن يأوي إليهم طلبة العلم لينهلوا منهم، ولذلك كان تلقّينا للعلم مدارسةً بيننا وبين

الأقران، بالإضافة إلى الاستماع إلى دروس مشايخ الصحوة الذين لم نتمكن من

التلقي عنهم وطلب العلم على أيديهم، إلا أن الله شرّفني بمجالسة بعضهم ومحادثته؛ مثل: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، والشيخ محمد بن صالح

العثيمين حفظه الله، والشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله، والشيخ أبو بكر

الجزائري حفظه الله.

أما مؤلفاتي: فهي بحمد الله كثيرة، منها: البحر الرائق في الزهد والرقائق،

وهو أحب كتبي إليّ الثمرات الزكية في العقائد السلفية خصائص أهل السنة

والجماعة وقفات تربوية مع السيرة النبوية مواقف إيمانية تحفة الواعظ في الخطب

والمواعظ تزكية النفوس وتربيتها كما يقرره السلف غاية السقيا في تعبير الرؤيا.

٢- باعتبارك قد عاصرت تجربة الصحوة الإسلامية خلال العقدين: الماضي

والحالي.. فكيف تقيّم هذه الفترة من حيث: الإيجابيات المتحقّقة السلبيات الدروس؟

شهدتُ الصحوة الإسلامية في بداية السبعينات، وكنتُ في بداية دراستي

الجامعية. ومنذ نعومة أظفاري وأنا أمتلك عاطفة إسلامية، وتطلعاً للبذل والعطاء

لإعزاز دين الله عز وجل ورفع رايته، وقد جمعني الله عز وجل إلى إخوة كرام

بالجامعة وفقهم الله عز وجل لرفع راية الإسلام، والدعوة إلى دين الملك العلام،

وبدأتِ الدعوةُ بالإسكندرية، وكان المنهج الذي تتبناه هذه الدعوة: هو منهج أهل

السنة والجماعة، وقد كنا بحمد الله القطفة الأولى من هذه الصحوة المباركة. ومما

ساعد كثيراً على انتشار الدعوة، وتربية أفرادها: رحلات العمرة، والاهتمام

بالنواحي التربوية، والاجتماع على الإفطار والقيام. وكان الإخوة القائمون على

الدعوة يتعلمون ويعلمون إخوانهم، وكان ذلك قبل ظهور المسميات المختلفة، وكان

الحب والوئام وسلامة المنهج والإخلاص من أعظم أسباب انتشار الدعوة، وظهور

بركتها. ولم تكن الصحوة المباركة بالإسكندرية وحدها؛ ولكن الله عز وجل وفق

إخوة كراماً في القاهرة، وفي أكثر المحافظات يدعون إلى الله عز وجل وقد قال

النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم

في طاعته) [١] وهذا النبت المبارك لا شك من ثمرات الشجرة الطيبة شجرة: لا

إله إلا الله؛ فقد أخبر الله عز وجل أنها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ فنسأل الله

أن يتم علينا وعلى سائر المسلمين نعمته، وألا نُحرم هذا الشرف العظيم: شرف

الدعوة إلى الدين القويم، والصراط المستقيم.

ولا شك أن الدعوة مرت بمراحل كثيرة. وكل مرحلة من المراحل لها من

الظروف الإيجابية أو السلبية ما لها.

فمن الظروف الإيجابية لهذه الفترة:

١- انتشار الدعوة، ومعرفة كثير من الناس معنى السلفية ومنهج أهل السنة

والجماعة، وانحسار كثير من الدعوات المخالفة لأهل السنة: كالدعوة إلى التصوف

أو التكفير.

٢- انتشار تتبع الأدلة والارتفاع بالمستوى العلمي عند كثير من المنتسبين إلى

الدعوة، وكذلك عند المتعاطفين الذين يشاركون إخوانهم في الندوات العامة وصلاة

العيد، أو يقرؤون في الكتب والمجلات التي تنشر فكر أهل السنة والجماعة،

وتدعو إليه.

٣- التقارب بين كثير من جماعات الدعوة في ساحة الصحوة الإسلامية،

وغض الطرف عن كثير من الخلافات الفرعية التي شغلتهم حيناً من الدهر، وهو

ما نطمح في زيادته واستمراره خاصة بين جماعات الدعوة التي تتبنى عقيدة السلف

رضي الله عنهم وتنتهج منهج السلف في فهم الكتاب والسنة.

وفي مقابل هذه الإيجابيات وُجِدت بعض السلبيات التي ينبغي علاجها

والقضاء عليها، فمن ذلك:

١- تعصب بعض من أهل الصحوة للاّفتات التي تُرفع، وإن كانت جميعاً

تشير إلى شيءٍ واحد وجماعة واحدة وهي جماعة الصحابة رضي الله عنهم ومَنْ

على شاكلتهم، والتي إمامها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

٢- روح الانعزالية والفردية التي تُميّز بعض الدعاة إلى الله عز وجل وكذلك

الملتزمين بطاعته. وقد قال الله تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا

عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ] [المائدة: ٢] والدعوة مهمة كبرى، وأكبر من أن يقوم بها

فرد أو أفراد متناثرون؛ بل الواجب على المسلمين التعاون عليها؛ حيث يكمل

بعضهم بعضاً، وأن يتشاوروا من أجل الوصول إلى أنجح السبل وأمثل الطرق

للدعوة. ولا شك أن في الاجتماع من البركة والتوفيق وقلة الخطأ وكثرة الخير

والصواب أكثر مما في الدعوة الفردية الانعزالية، ثم إن الاجتماع على الدعوة

أقرب إلى الإخلاص؛ فيكون العبد ممن دعا إلى الله؛ وليس إلى نفسه أو جماعته.

٣- ضعف الهمم في الدعوة وقلة تحصيل العلوم الشرعية، والتراخي في أداء

الطاعات والعبادات.

أما الدروس المستفادة من هذه الفترة، فمنها:

أ - استشعار الدعاة إلى الله عز وجل بأهمية الاجتماع على منهج أهل السنة

وعقيدة السلف رضي الله عنهم وأن اختلاف جماعات الدعوة الإسلامية ينبغي أن

يستفاد منه في تكميل بعضهم بعضاً، وأن يكون بين الجميع من التناصح والتناصر

ما يكون فيه عز الإسلام والمسلمين.

ب - حث الأفراد واستنهاض الهمم لمزيد من البذل والجهد والطاقة؛ لأن

المسلمين إذا استفرغوا وسعهم في البذل أعانهم الله عز وجل وأمدهم بمدد من عنده.

٣- ما هي رؤيتكم للاختلافات المتزايدة بين الاتجاهات الإسلامية على الساحة

بوجه عام، وعلى الساحة السلفية بوجه خاص؟

الاختلافات بين الاتجاهات الإسلامية بوجه عام، وعلى الساحة السلفية بوجه

خاص أمور نسبية إضافية تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ ففي بعض البلاد:

ليس هناك فرق بين السلفيين وأنصار السنة وهذا هو الأصل وفي بعضها: هناك

مساجد خاصة بأنصار السنة، ومساجد خاصة بالسلفية، وفي بعضها الآخر:

السلفيون أنفسهم ينقسمون على أنفسهم وتبرز عند ذلك الأسماء ويتعصب الأفراد

لدعاة وعلماء بأسمائهم، وهذا بلاء مبين، ومخالفة لما كان عليه السلف الصالح

رضي الله عنهم وهذا الخلاف ناشئ عن خلل تربوي عند كثير ممن يُنسبون إلى

منهج السلف رضي الله عنهم فيجب أن يتربى الشباب على أن الولاء لله عز وجل

ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولجماعة المؤمنين التي أرشدنا النبي -صلى الله

عليه وسلم- إلى الالتزام بها حينما أخبر عن افتراق الأمة؛ فقال: (وستفترق أمتي

إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الجماعة) [٢] ، ثم فُسّرت الجماعة في الرواية الأخرى بقوله -صلى الله عليه

وسلم-: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) فالجماعة التي ينبغي

أن ينضم إليها كل مسلم هي جماعة الصحابة ومن على شاكلتهم عبر القرون

والأجيال؛ ولذا لما سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله عن الجماعة قال: أبو بكر

وعمر. فقيل: قد مات أبو بكر وعمر! فقال: فلان وفلان، فقيل: قد مات فلان

وفلان، فقال: أبو حمزة السكري جماعة. فعلى الدعاة والمربين أن لا يربطوا

الناس بأشخاصهم وأعيانهم؛ ولكن عليهم أن يجعلوا ولاءهم للجماعة الأم: جماعة

الصحابة.

وكذلك فإن الواجب على الجميع ألا يتلمّس كل منهم عثرات الآخرين من أجل

التشهير به وتنفير من عنده؛ فالمؤمن يلتمس المعاذير والمنافق يتلمّس العثرات.

ولذا؛ فالواجب على الدعاة تعميق معاني الأدب مع العلماء، ومعرفة حرمتهم. وأنصح إخواننا الدعاة وكذلك المنتسبين إلى الدعوة بقراءة كتاب فضيلة الشيخ

محمد بن أحمد بن إسماعيل: (الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام) ؛ حتى يعرفوا

كيف كان العلماء يتعامل بعضهم مع بعض؟ وما الواجب علينا تجاه أهل العلم؟

ولو حدثت من العالم هفوة فليس معنى ذلك أن يستباح عرضه، وأن يُضرب بعلمه

عُرض الحائط؛ نعم كل كلام عارضَ الكتاب والسنة يُضرب به عرض الحائط؛

أما العالم فقد يكون معذوراً عند الله عز وجل لأنه ما قصد الخطأ، وهو مأجور على

كل حال. أسأل الله أن يوفق الجميع إلى طاعته.

٤- كيف تقوّم أداء الحركة السلفية في مصر مُقارَنَةً بالحركات السلفية في

البلاد الأخرى من حيث التأثير؟

لا شك أن الإخوة القائمين على المجلة أعلم بمدى تأثير الحركات السلفية في

سائر البلاد؛ ولكن بحسب علمي لا يزال تأثير الدعوة السلفية في مصر محدوداً؛

فالوسائل التي تمتلكها الدعوة لا تصل إلى أكثر الأماكن؛ فالدعوة تؤثر على

المجتمع من خلال خطب الجمعة في المساجد التابعة للدعوة، وكذا الندوات العامة،

والدروس الثابتة في مساجد الدعوة، وكذا من خلال الكتب والرسائل للمنتسبين إلى

الدعوة، ولا شك فإن نسبة المخاطَبين بكل هذه الوسائل قليلة بالنسبة إلى عموم

الناس. وعلى كل حال قد تكون السلفية في البلاد الأخرى أكثر تأثيراً، وفي بعضها

أقل تأثيراً، والله الموفق الجميع لما يحب ويرضى.

٥- هل لدى الحركة السلفية في مصر مشروعات أو تصورات للعمل الدعوي

لعامة الأمة؟

هذا السؤال لا شك مكمل للسؤال السابق؛ لأن تأثير الدعوة السلفية في مصر

يخص قطاعاً صغيراً أو فئة محدودة من فئات المجتمع، فإن لم تكن هناك

مشروعات للعمل الدعوي لسائر الأمة فلا أقل من وجود تصورات معينة قد يوفق

الله عز وجل إلى تنفيذها.

أما كيف تصل الدعوة إلى قطاعات عريضة من الأمة؛ ففي تصوري أن هذا

يحتاج إلى جهود متضافرة، وتعاون من الجميع، ومساعدة من أجل الوصول إلى

أمثل الطرق. فمن الوسائل التي يمكن أن تصل بها الدعوة إلى قطاعات أكثر من

الأمة الدعوة بالأشرطة للدعاة المشهورين والمعروفين بالاتجاه الصحيح؛ وذلك

بتوزيعها على سائقي التاكسي مثلاً، وكذا سيارات الأجرة بين المحافظات بشرط

استعمالها، وكذلك الرسائل التي تنشر عقيدة السلف وفكر السلف رضي الله عنهم

توزع في المناسبات، وكذلك بعمل المسابقات التي تركز على العقيدة والمفاهيم

السلفية وتعريف عوام الناس معنى الانتساب إلى السلف أو أهل السنة والجماعة،

والاهتمام بالمحاضرات العامة التي يشترك فيها أكثر من محاضر، وحبذا لو كانوا

ممن يعملون تحت رايات وأسماء مختلفة، ما دام الفكر الذي ينتسبون إليه فكراً

صحيحاً؛ فهذا مما يجعل انتماء الناس للمنهج والعقيدة، وتذوب بذلك العصبيات

والثلوج التي تُجمّد كل داعية، وكل شخص ملتزم براية معينة يعمل تحتها

ويتعصب لها؛ فلا تكون الدعوة إلى الله ومنهجه؛ ولكن للانتماءات والمسميات

والأفراد. وكذا تكون الندوات في قضايا تعيشها الأمة، وتهم عموم الناس. وإن

أمكن عمل دورات مكثفة لتوحيد الفكر في القضايا التي تهم الدعوة مثل: قضية

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، والغلو؛ حيث يلتقي فيها الدعاة

أصحاب المنهج الصحيح وقد اتحد الفكر وتلاينت القلوب، وجُمعت الهمم،

وتضافرت الجهود؛ فإن اتباع السلف يجمع الأمة، واتباع الهوى والرأي يفرقها؛

ولذا يقولون: (أهل السنة والجماعة) ، و (أهل البدع والافتراق) فاتباع السنة يكون

سبباً للاجتماع، واتباع البدع سبباً للافتراق. وطالما اجتمعت الأمة على الحق ولا

يمكن أن تجتمع على خلافه جاء نصر الله والفتح. والله الموفق للطاعات والهادي

لأعلى الدرجات.

٦- ما هي أعظم صور البلاء التي نزلت بالأمة في وقتها الراهن؟ وما هي

الأسباب؟ وما العلاج؟

لا شك أن أصل البلاء الذي نزل بالأمة هو إعراض الأفراد والحكومات عن

الشرع المتين والتحاكم إلى القوانين الأرضية والأنظمة البشرية، والذي نشأ عنه

ألوان أخرى من البلاء، من أعظمها في نظري: محاولة الحكومات العلمانية مقاومة

تيار الصحوة الإسلامية بتيارات من الإباحية والفجور والتبرج والسفور؛ كي

ينجرف أكثر الشباب المسلم في هذه التيارات؛ فلا ينفعهم نصح ولا تذكير. ويقترن

هذا البلاء ببلاءٍ آخر هو سيل البث الفضائي الموجه عبر الأقمار الصناعية إلينا،

والتي تبث الإلحاد والإباحية والتخلي عن الأديان والأخلاق والقيم. ومما يفتت

الفؤاد أسىً تسابق المسلمين إلى اقتناء الوسائل التي يستقبلون من خلالها مثل هذا

الغزو. وبلاءٌ تابعٌ لذلك هو انفتاح الأمم بعضها على بعض فيما يُعرف بالعولمة؛

مما يفتح أنفاقاً من التبعية أكثر.

أما الأسباب فأعظمها:

جهل المسلمين بربهم ودينهم وواجبهم.

مكر الليل والنهار.

دور الإعلام الماجن الذي يفعل فعل السحر في النفوس.

الهزيمة النفسية والفكرية أمام الغرب، وعدم استغلال الأمة لطاقاتها.

أما العلاج: فبالتحذير من الفتن، والسعي لحفظ طاقات الأمة ومقدراتها من

التبديد وتوجيهها نحو الأصلح والأنفع، وبإعادة الناس إلى ربهم ودينهم وتذكيرهم

بواجبهم في هذه الحياة وما يستقبلهم من أخطار في طريقهم الذي يسيرون عليه إن لم

يعودوا إلى ربهم.

٧- ما الملامح التي ينبغي أن تميز العمل الدعوي الملتزم بالمنهج السلفي لكي

يوجه للأمة؟

أما الملامح فهي:

-إخلاص العمل الدعوي لله وحده.

-اتباع الحق في العقيدة والفكر؛ أي: الفهم الصحيح لمنهج السلف رضي

الله عنهم.

-الشمولية؛ فلا تهتم الدعوة بقضايا على حساب قضايا أخرى؛ بل ينبغي أن

تهتم بكل أصول الإسلام بتوازن واعتدال، والتمييز بين الأهم والمهم، ولا تقدم

قضية مثلاً على قضية التوحيد؛ لأن الرسل الكرام كان اهتمامهم الأول بالتوحيد؛

فكل دعوة لا تهتم بالتوحيد ولا تجعله منهجها هي دعوة على غير هدي المرسلين.

-الدعوة ينبغي أن يكون لها واجب تبليغي، وواجب تربوي؛ فالتبليغ لعموم

الناس من خلال خطب الجمعة والندوات العامة. ومن وُجد فيه الإخلاص للدعوة،

والاستعداد للبذل في سبيل نشرها يُهتم بتربيته وترقيته بمزيد من العلم والتوجيه

والإعداد.

-الدعوة ينبغي أن تعيش عصرها؛ بأن تعلم الأخطار المحيطة بها،

والأعداء الذين يتربصون بها.

-وجود قطاعات دعوية في المجالات والتخصصات المختلفة فلا تكفي

العاطفة الصادقة والعقيدة الصحيحة.

-اهتمام الدعوة بأحوال الأفراد الإيمانية وربط أبنائها بالقرآن والقيام والصيام

والأذكار الموظّفة وغير الموظفة.

-اهتمام الدعوة بالهدي الظاهر؛ فصلاح الباطن لا يغني عن صلاح الظاهر، وقد قال عمر رضي الله عنه: من أظهر لنا خيراً ظننا به خيراً وأحببناه عليه،

ومن أظهر لنا شراً ظننا به شراً وأبغضناه عليه.

-ومن ذلك: التزام الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة.

- ومنه أيضاً: التسلح بالعلم النافع حتى تكون الدعوة على بصيرة.

٨- معلوم أن المنهج الأقوم الذي ينبغي أن تتبناه جميع فصائل العمل

الإسلامي هو منهج أهل السنة والجماعة، ومع تسليم أكثر التجمعات الإسلامية بهذا؛ إلا أننا لا نرى لتلك الوحدة المنهجية أثراً ملموساً في الوحدة القلبية؛ فبِمَ تعلل ذلك؟

هذا الأمر يعتبر خللاً تربوياً في الجماعات التي تنتسب إلى منهج أهل السنة

وتعتقد اعتقادهم؛ لأن الاجتماع مطلبٌ شرعي ولا سبيل للنصر والتمكين بدونه.

فكان على القائمين على هذه الدعوات أن يربطوا الناس بأصول أهل السنة

والجماعة وبإمامها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يكون الولاء لأصحاب

النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَنْ على شاكلتهم، ويحبون من كان على مثل هذا

المعتقد، كما قال تعالى: [فَإنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ... ]

[البقرة: ١٣٧] .

والله تعالى قد جعل عقيدة الصحابة المقياس للعقيدة الصحيحة؛ فكان ينبغي

على القائمين على أمر هذه الدعوات أن يعمقوا مثل هذه المعاني في نفوس الأفراد

حتى لا تكون الدعوة إلى اللافتة، وتكون لله تعالى ويكون التعصب للحق وحده.

٩- نعود للصحوة وبعض قضايا الدعوة؛ فبعض الدعاة يشغل مدعويه الجدد

بقضايا خلافية بين اتجاهات الصحوة، ويجعلونها من أولويات الدعوة ... فكيف

ترى الأولويات؟

ينبغي أن نحدد المسائل المختلف فيها؛ فإن كانت من المسائل التي يسع فيها

الخلاف والتي اختلف فيها العلماء فيسعنا ما وسعهم فيها. وإذا كنا في ذيل الزمان

طلاب علم ما نستطيع أن نحسم الخلاف في مثل هذه المسائل؛ فلا أقل من ألاّ

تكون سبباً لتفريق الأمة فضلاً عن تفريق أصحاب المنهج الواحد.

ورغم أن علماء الأمة قد اختلفوا في مثل هذه المسائل إلا أنهم حرصوا على

الائتلاف والموالاة والمحبة فيما بينهم، هذا من جهةٍ منهجية. أما من الناحية

التربوية: فإن المدعو عندما يُشغل بمثل هذه المسائل فإنه يُشغل بها عن قضايا هي

أوْلى في حقه الانشغال بها، وقد يُحرم بذلك من معانٍ إيمانية؛ كمحبته لأهل الإيمان، كما يُحرم من الإلمام بقضايا قد تكون أخطر من هذه القضية التي جُعل ولاؤه

وبراؤه عليها.

١٠- باعتبارك من المتخصصين في الدعوة الإيمانية والرقائق القلبية؛ هل

ترى أنه قد بُذل قدرٌ كافٍ من الجهد الدعوي في هذا المجال يفي بالحاجة إلى إنشاء

جيلٍ مربىً تربية إيمانية؟

الاهتمام بما تزكو به النفس ويرق به القلب من أوْلى ما تنفق فيه نفائس

الأنفاس، والقلوب لا تصل إلى مُناها حتى تصل إلى مولاها، ولا تصل إلى

مولاها حتى تكون صحيحة سليمة؛ فالنفس الزكية تسعد في الدنيا والآخرة

وتستجيب لربها عز وجل، ولا ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

والعمل الإسلامي في أكثر البلاد يعاني من خللٍ تربوي نتيجة قلة اهتمام

القائمين على العمل في أكثر المواطن بالنواحي التربوية، وربط أبناء الدعوة

بالقرآن والعبادة ودوام التذكير بالآخرة، خاصة مع كثرة الشواغل ومغريات الفتن

التي تموج موج البحر. فالتركيز على الرقائق والتربية العملية على الطاعة

والاستقامة من أنفع الأمور للدعاة والأفراد، ولا يكفي الملتزم وضوح الفكر وصحة

المعتقد حتى يضم إلى ذلك الاهتمام بالعبادات وتهذيب النفس والارتباط بالقرآن؛

حتى يستطيع مقاومة الفتن؛ لأن الرقائق هي التي تقوي في النفس بذرة الاستجابة

لله عز وجل وللرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتجعلها قريبة من الله تعالى،

وتعودها على المعاني الإيمانية من الحب والتوكل والخشية والإنابة وأمثالها.

وقد جاء في صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:

افترض الله على نبيه قيام الليل، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام الصحابة

حولاً كاملاً تعني سورة المزمل فاحتجز الله خاتمة السورة اثني عشر شهراً، ثم نزل

بعد ذلك التخفيف في آخر السورة.

وإن القرآن الذي تكاد ألاّ تخلو صفحة من صفحاته من ذكر الآخرة وأخبارها

ليذكرنا أن التكرار قد جاء لفائدةٍ زائدة عن مجرد الإخبار الذي يحصل به الإيمان،

هذا التكرار جاء ليغرس حقائق الإيمان في القلب؛ ليبني عليها الإنسان أقواله

وأعماله، وبهذا تسهل عليه الطاعة والاستقامة وتتحقق له الخشية.

ولبعد كثير من الملتزمين عن هذه المراتب فإني أرى أن الأمر يحتاج لجهدٍ

تربوي أكبر، وترسيخٍ لهذه الحقائق أعمق. نسأل الله أن يتولانا وإخواننا المسلمين

بطاعته، ويسبغ علينا وعليهم سوابغ نعمته.

١١- تؤثر الموجة المادية العاتية التي تجتاح العالم كله بما فيه العالم الإسلامي

تأثيراً بالغاً في شتى المناحي والقطاعات. ومن هذه القطاعات: قطاع الدعاة، هذا

التأثير إن لم يكن فيهم ففي مجال دعوتهم؛ فكيف ترى مواجهة هذه الموجة؟

وظيفة الدعاة كما سبق أن قلت هي تعبيد الناس لله وإخراجهم من عبادة الآلهة

الباطلة وجعلهم عباداً لله عز وجل، وهذه هي الوظيفة الرئيسة للدعاة، كما قال

ربعي بن عامر رضي الله عنه: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى

عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. ولهم

مع ذلك وظائف أخرى منها علاج أمراض الأمة.

ولا شك أن الموجة المادية العاتية التي تجتاح العالم قد أثرت في قطاعات

كبيرة من الأمة. والدعاة إلى الله عز وجل والملتزمون بالشرع المتين من هذه

القطاعات التي تأثرت بهذه الموجة العاتية على اختلاف درجات التأثر؛ فضعف

عند الكثير منهم المعاني الإيمانية الراقية كمعاني بر الوالدين وصلة الأرحام والحب

في الله، ومعاني الاحتساب وطلب الأجر والثواب من الله تعالى، وصارت

الحسابات عند البعض مادية بحتة! فالواجب على الدعاة إلى الله تعالى إحياء

المعاني الإيمانية، ودوام التذكير بفضائل الأعمال وقيمتها في الدنيا، والآخرة،

وتذكير الناس بأمور الآخرة وتحبيبها إليهم؛ لأنها هي التي تهوّن على الإنسان

مصائب الدنيا، وتهوّن في نظره حسابات الدنيا. ولا شك في ذلك؛ فإن حب الأمر

الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير.

١٢- يقلل بعض المشتغلين بالسياسة والحركة من شأن الرقائق والآداب،

ويعتبرونها (دروشة) ! تهدر الطاقات وتدغدغ المشاعر في وقتٍ تحتاج فيه الأمة

إلى مزيد من الطاقات لمواجهة الأخطار المحيطة.. فما مدى صحة ذلك؟ !

التقليل من أهمية الرقائق والآداب خروج عن الوسطية والاتزان؛ فاهتمام

بعض الدعاة بقضايا الفكر أو المنهج أو بعض القضايا الفرعية، وإهمال قضايا

أخرى مثلها أو أهم منها لا يثمر الثمرات المرجوة، ولا تكون الصبغة التي يُصبغ

بها الأفراد هي التي يحبها الله ورسوله. وأصحاب المنهج القويم يهدفون إلى تربية

الأفراد على شاكلة السلف رضي الله عنهم، وقد قال الإمام مالك إمام دار الهجرة

رحمه الله: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أمر أولها) . وقد صلح أمر

أولها بالعقيدة الصحيحة والفهم السليم للكتاب والسنة، وصلح أمر أولها بقيام الليل

وصيام النهار، وصلح أمر أولها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلح أمر

أولها بالجهاد والبذل والتضحية. فلا ينبغي التقليل من شأن أيّ من هذه الأمور.

والرقائق والآداب لها دور مميز مقصود منها وهو ترقيق القلوب لسرعة تأثرها

بالقرآن والسنة، وتحرير إرادة الإنسان بعد إطلاقها من أسر الشهوات ليستجيب

لأمر الله عز وجل وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

١٣- هناك ظاهرة مثيرة للقلق؛ وهي تدني مستوى الالتزام في الأجيال

الناشئة، وهم أبناء الملتزمين. فبماذا تعلل ذلك؟ وهل من نصيحة للآباء لعلاج

تلك الظاهرة؟

لا شك أن مثل هذه الظاهرة مثيرٌ للقلق، ويحتاج إلى عناية خاصة وعلاج

قويّ، ولا نستطيع أن نُخلي الآباء من المسؤولية مطلقاً، كما لا نستطيع أن نحملهم

إياها كاملةً.

والناس كما قال الأوزاعي: الناس أشبه بزمانهم منهم بآبائهم وأمهاتهم. وهنا

يبرز دور الإعلام وما يصنعه من سلوكيات وعادات وتقاليد، وحضٍ على الانسلاخ

من الشرع، كما يبرز دور برامج التعليم وما تقدمه من تقليل لشأن الالتزام.

ولا يقل عن ذلك تشاغل الآباء بالكسب والكدّ أحياناً، وبالدعوة أحياناً أخرى،

وعدم إعطائهم قدراً من جهودهم لأبنائهم، وكذلك قلة الأجواء الإيمانية، والافتقار

إلى الشخصيات التربوية الناجحة التي تربي النشء على الأدب وحسن السمت

والورع والالتزام بأحكام الإسلام، وكذا قلة المدارس التي يتربى فيها الأطفال تربية

إسلامية. فنصيحتنا للآباء والدعاة والمربين: الاهتمام بالنشء، وتوفير الأماكن

التي يتعلمون فيها العقائد والآداب والأخلاق الإسلامية، بجانب الترفيه بالوسائل

المباحة البعيدة عن أجواء الاختلاط المريب، وكذا اهتمام الآباء باصطحاب أبنائهم

معهم في دروس العلم حتى يتنفسوا هواء الإيمان، وكذا الاهتمام بربطهم بالمساجد

ودور التحفيظ، وشغلهم بالطاعات والعبادات، وارتباط الأبناء بمجموعات إيمانية

تعينهم على الخير وتؤنس غربتهم.

١٤- السيرة النبوية هي أعظم معين ننهل منه أسس التربية الإيمانية، وقد

بذلتَ جهداً ملموساً في هذا من خلال كتابك (وقفات تربوية مع السيرة النبوية) ..

فهل لك من توجيهات أو اقتراحات بشأن الطرق التي يمكن من خلالها ربط النشء

بهذه السيرة الجليلة وتربيتهم عليها؟

دراسة السيرة النبوية متعةٌ روحية، وكذلك هي من أنجع وسائل التربية

لاكتساب الصفات النبيلة والأخلاق الفاضلة؛ لأن الدارس للسيرة النبوية يصحب في

دراستها رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم- وأشرف جيل شهدته البشرية

يصحبهم في السراء والضراء وحين البأس؛ يأنس بهم، ويفرح بانتصاراتهم،

ويفخر بشجاعتهم وإقدامهم، ويتعلم منهم كيف يكون الصبر على دين الله عز وجل

والثبات عليه، وكيف يكون البذل، وكيف تكون الأخوة، يتعلم القائد منهم كيف

تكون القيادة، والجندي كيف تكون الجندية، والمربي كيف تكون التربية.

فينبغي الاهتمام بتبسيط السيرة وتدريسها للنشء بطريقةٍ جذابة، وإبراز ما

فيها من معانٍ شريفة وأخلاقٍ عظيمة، وعقد المسابقات، وتكريم من يحفظ أحداثها، ويستنبط من مواقفها العظة والعبرة؛ حتى يرتبط هذا الجيل الناشئ بالجيل الأول

الفاضل، وحتى يتخذ الأولادُ من أفاضل الصحابة القدوة الحسنة؛ فيعرفوا مناقبهم

ومواقفهم، وحتى تتخذ البنات من أمهات المؤمنين وفضليات الصحابيات أسوة،

بدلاً من أن يحفظ الأطفال أسماء الفنانين والفنانات والفاسقين والفاسقات. وهذا

العمل يحتاج إلى جهدٍ جهيد ودراسة من أساتذة متخصصين، والله الموفق للطاعات

والهادي إلى أعلى الدرجات.

١٥- هل من نصائح توجهها إلى المشتغلين بالدعوة عامة، وبالوعظ والرقائق

خاصة؟

الدعوة إلى الله عز وجل هي أشرف وظيفة؛ لأنها وظيفة الأنبياء والمرسلين

الذين اختصهم الله عز وجل بهذا الفضل المبين، قال تعالى: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي

أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي] [يوسف: ١٠٨] ، وقال -صلى الله

عليه وسلم-: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْر النّعَم)

كما روى ذلك البخاري ومسلم، وفيهم يقول سفيان بن عيينة: أشرف الناس منزلةً

من كان بين الله وبين عباده. وهم الأنبياء والعلماء.

فنصيحتى للمشتغلين بالدعوة أن يستشعروا فضل الله عز وجل عليهم

باستعمالهم في الدعوة إلى دينه وفتح قلوب العباد لرسالته، ومهما بذل أحدهم في

الدعوة فلا ينبغي له أن يظن أن له فضلاً على الدعوة؛ بل الدعوة لها الفضل عليه

في طلب العلم وتحصيل الثواب ومحبة العباد. قال رجلٌ لعمر ابن عبد العزيز:

جزاك الله عن الإسلام خيراً، فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيراً.

فينبغي على الدعاة أن يبذلوا جهدهم ولا يبخلوا بأوقاتهم وأنفاسهم عن الدعوة،

وأن يجهروا بالحق غير هائبين ولا وجلين؛ فإن جهاد الكلمة هو الجهاد الذي تُرفع

رايته الآن، وهو أفضل الجهاد كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل

الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) .

وعلى الدعاة أيضاً التسلح بالعلم حتى تكون دعوتهم على بصيرة، وحتى لا

يبثوا الأباطيل والكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم لا يدرون.

وكذلك عليهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وعدم تعميق الخلافات مع من يخالفهم في

الرأي خاصة إذا كان الخلاف سائغاً أو مما يسع فيه الخلاف أهل السنة.

أما نصيحتى لمن يعلّمون الناس الرقائق فهي: الاهتمام بالأحاديث والآثار

التي ترُوى في هذا الباب؛ لأن أكثر كتب الرقائق مليئة بالأحاديث الضعيفة

والمكذوبة والحكايات الملفقة؛ فينبغي أن يُؤخذ الصحيح من ذلك دون غيره.

وكما أن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة في أبدانها فيما حرم عليها، فكذلك

فإن شفاء القلوب لا يكون إلا بالصحيح من الأحاديث والآثار؛ لأننا نرى كثيراً من

الناس يستغنون بالأبيات عن الآيات، ولو قرأت على أحدهم القرآن من أوله إلى

آخره لم يتحرك قلبه كما يتحرك للبيت من الشعر أو الحكاية المكذوبة.

فعلى الإنسان أن يلتمس صلاح قلبه وسلامته في القرآن والسنة الصحيحة

وهي بحمد الله متوافرةٌ كثيرة إلى جانب تراجم العلماء وأخبار الصالحين.

كما ينبغي على هؤلاء الواعظين إصلاح أنفسهم ليكون كلامهم أوقع وأنفع،

كما قال بعضهم: من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أحسن ما بينه وبين

الله أحسن الله ما بينه وبين الناس، ومن شغله أمر دينه كفاه الله أمر دنياه.


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسند الشاميين.
(٢) رواه أحمد في مسند المكثيرين/ح /٤٢٧٤، وابن ماجة في الفتن ح /٣٩٩٣.