للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقفات

[براءة اختراع]

أحمد بن عبد الرحمن الصويان

من مجاهل الأزقة المهجورة (العدامة) ثم (الشميسي) إلى أعشاش (شقة

الحرية) .. توثيق وتأريخ لأنشطة رجالات الأحزاب القومية والبعثية والثورية،

فيها جرأة فكرية واضحة ممزوجة بجرأة غير أخلاقية مقززة ومفتعلة وكأنها تقول:

كانت تلك هي البذور الأولى للرفاق المناضلين، وها هي ذي ثمراتها.

تمثل هذه الروايات حالة التمرد والغليان الفكري من الخمسينات إلى السبعينات

الميلادية التي كانت تضطرب بها الأمة العربية، ولكنها خرجت في شكل تمرد على

القيم والأخلاق والثوابت الفكرية والجذور التاريخية، ثم انتهت إلى حالة التشتت

وضياع الهوية الفكرية التي كانت تسيطر على الشباب العربي في تلك الفترة. وكان

من إفرازات ذلك: الالتفاف حول الشعارات الثورية، والجري اللاهث وراءها ظناً

منهم أن فيها الخلاص والمخرج من المأزق الذي تعيشه البلاد العربية. كانت

الشعوب العربية تردد بكل غفلة: (من الخليج الثائر.. إلى المحيط الهادر.. لبيك

عبد الناصر) ! وكانت الأكف لا تفتر عن التصفيق، والتسبيح بحمد القيادات

الثورية.

ظلّت تلك الشعوب تسْبح في خيالات من الوهم الزائف، وكأنها قد ملكت زمام

الأمور، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من النصر! وإذا بها تستفيق من غفلتها بعد

أن دُكّ الطيران المصري وهو على أرضه.. وظهرت الفضيحة المدوية، التي لم

تغطّ عليها إلا بيانات (صوت العرب) التي تبشر بالنصر المؤزر، وإخفاق الخطط

الإمبريالية؛ فالقائد (البطل) ما زال حيّاً..!

تربى شباب (الحرية) و (العدامة) على مبادئ الرفاق: ماركس، ولينين،

وجيفارا، ورددوا شعارات ميشيل عفلق، وياسين الحافظ، وتقلبوا في أحضان

القومية والماركسية والبعث الاشتراكي. وبغضّ النظر عن الرمزية في تلك

القصص ومدى الصدق في أحداثها وأسمائها، إلا أن فيها دلالة واضحة على الخلفية

الفكرية لتلك الرموز الفكرية.

ودعونا نسأل هنا سؤالاً عابراً [١] ! : ها نحن نصل إلى نهاية التسعينات

الميلادية، وبعد أن خبا صوت تلك الشعارات الثورية الزائفة؛ فما الذي جناه

العرب من تلك الشعارات والأحزاب (النضالية) ؟ ! وما الذي استطاع أن ينجزه

هؤلاء الرفاق بعد مسيرة طويلة من التمرد والسخرية من (مخلفات) الماضي وتقاليده

(البالية) ؟ !

إنها حالة من التيه والتطلع إلى السراب في صحراء لاهبة محرقة لا خضرة

فيها ولا ماء.. حالة من التخبط والتردي جرّت الأمة من مأزق إلى مأزقٍ، وكانت

النهاية في (سلام الشجعان!) ، ثم نرى الرؤوس ثانية تستدير من الشرق الأحمر

حيث يسقط المنجل والمطرقة، إلى الغرب الأبيض حيث يرتفع تمثال الحرية..! !

إن تزييف الحقائق، وتغيير اللبوس، وإجادة فنون التقلب والتشكل، لن يغير

من الحقائق شيئاً على الإطلاق، فهل يعي هؤلاء مقدار الدمار والخزي الذي جَنْوه

على هذه الأمة؟ .. أم أن مقتضيات المرحلة تستدعي اكتشاف شعار جديد لينال

أصحابه براءة اختراع نضالية..؟ ! !


(١) أحد أبطال قصة العدامة والشميسي اسمه: (هشام العابر) ! .