للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأقلامهن

[عاطفة المرأة بين السلب والإيجاب]

فاتن سعد الصويلح

أختي الحبيبة.. أُختي في الله.

هل لي أن استأذنك لأعيش معك بفكرك وخاطرك.

هل لي أن استأذنك وأمشي معك في حديث ومكاشفة.. وأخاطب تلك الروح

الشفافة التي ارتضت الله رباً والإسلام ديناً ومحمداً رسولاً. أستأذنك لأعيش معك

دقائق معدودة مع كلمات أحسبها صادقة لا تعرف المجاملة ولا التزييف وإنما غايتها

النصح وقصدها الهداية.

أُختي ... إن الله سبحانه وتعالى قد فطرك على توحيده والإيمان به، ومما

فطرك عليه ما تحملينه من حب وشفقة وحنان وود ورحمة وعطف قد تفوقين به

الرجل، وكل ذلك لا يمثل إلا مجموعة من العواطف والمشاعر والأحاسيس التي

تأخذ في مسارها السلب والإيجاب؛ فمن أحبت الله بذلك النهج أحبت هذا الكون

الفسيح الذي يدل دلالة واضحة على المبدع والخالق سبحانه وتعالى. وبما أن

خطابي لك يا أمَةَ الله خطاب المسلمة للمسلمة فإني أعلم يقيناً أنك تعلمين أن تلك

المشاعر والعواطف يجب أن تكون وفق ما يرتضيه الله ورسوله أولاً، ووفقاً لما

يكون مقبولاً عقلاً وعرفاً ثانياً، وانطلاقاً من قول الله تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ

وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ

الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ] [التوبة: ٧١] . وإن كنت قد

استعرضت فيها نقداً لي ولك فاصبري لأجل الحق في الله رحمني الله وإياك،

ولتعلمي أن النقد ضرورة فطرية، ومطلب شرعي تربوي [١] .

إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق قلبكِ ضاماً أحاسيسك وعواطفك عبثاً بل خلقه

لغاية ولهدف منطلقاً من هذا الهدف السامي وهو الإيمان بالله نوجه عواطفنا

ومشاعرنا وأحاسيسنا لما يقويه من إيجابيات، ونبتعد عما يضعفه من سلبيات قاتلة

نسعى جاهدين للبعد عنها وتوقي الشر حيثما كان.

سلبيات العواطف والمشاعر:

أختي الحبيبة: إن أقوالنا وأعمالنا لا تكاد تسلم من الخلل والكمال لله سبحانه

وتعالى ومما لمسته من سلبيات قد تكون فيّ أو فيك، ولا أرجو من الله إلا أن يقينا

شرها ويبعدها عنا. فأدعوك صادقة للتأمل في المسائل الآتية:

أولاً: إن الله سبحانه وتعالى قد قال: [الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ

المُتَّقِينَ] [الزخرف: ٦٧] وإن (الشعور بالمحبة، أصل ترجع إليه مكارم خلقية

كثيرة كالتعاون وإرادة الخير للناس، ومشاركتهم الوجدانية في السراء والضراء،

وأن يحب لهم مثلما يحب لنفسه، وأن يعاملهم بمثل الذي يحب أن يعاملوه به) [٢]

وهذا هو ما دعانا إليه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فمن أحبت الله ورسوله

أحبت العابدات الصالحات في الله. ولله الحمد؛ فإن ظاهرة الأخوة والمحبة في الله

لا تزال ظاهرة بين الأخوات؛ ولكن وماذا بعدُ لكن؟ ؟ الشيطان وجنوده من

شياطين الإنس أعاذنا الله وإياكم منهم لم يتركوا طريقاً إلا ولجوه حتى في هذه

المحبة والأخوة التي أصبحت العواطف والمشاعر والأحاسيس المحرك الأساس لها

إلا من رحم الله فتجد الغيرة في غير محلها، والتفكير والانشغال إلى درجة تلهي

عن ذكر الله، فأختنا أصلحها الله إن تكلمت فعن تلك الفتاة، وإن فكرت ففي تلك

الفتاة حتى إنك تجدين بعضهن تسعى لإرضاء الأخرى في شهواتها وأهوائها، وإن

تفاوتن في درجة ذلك الإرضاء؛ وكل ذلك من باب الأخوة في الله؛ وما علمت

المسكينة أن المحبة في الله لا تكون بهذه الصفة.

ثانياً: مشاعر فياضة وأحاسيس مرهفة وشفافة وعالية تُرجمت إلى كلمات،

وسطرت في صورة أشعار وكلمات نثرية رائعة. أعطاك الله هذه النعمة العظيمة

ووهبك إياها بينما مُنعت أخرى منها، فكم تتمناها وكم تمنتها؛ فلِمَ يا مُحبّة الهدى

تترجمينها لكلمات غزل وحب وعربدة وفسق؟ ولِمَ أعرضت عن أن تخاطبيني

بعقلك وبقلبك الراغب في النصح؟ ولِمَ يا محبتي تبخلين عليّ بكلمات تعبر عن

حالي وحالك، وأن تسطري لي ما استشعرته من حال أمتك وخوفك من الله ومن

النار؟ أرضيت بهذه الكلمات؟ ! أين أنت من الخنساء الشاعرة العابدة التي عرفت

أديبة قبل الإسلام، أما بعده فكانت تلك التي بكلماتها دفعت بأبنائها الأربعة وقدمتهم

لله شهداء، وحمدت الله على استشهادهم، وسألته أن يجمعها بهم (قال عمر بن

الخطاب للخنساء: (ما أقرح مآقي عينيك؟ قالت: بكائي على السادات من مضر.

قال: يا خنساء إنهم في النار. قالت: ذاك أطول لعويلي عليهم. وقالت: كنت

أبكي لصخر على الحياة فأنا اليوم أبكي له من النار) [٣] .

ثالثاً: انشغال قلبك بعواطف وأحاسيس ومشاعر متألمة ومتضجرة ساخطة

على قدرها جالبة لنفسك الآلام النفسية والهموم والأمراض، قد بدا الحزن مرتسماً

في وجهك كأنك كهلة أتعبتها السنون والأيام، وانغلقت على نفسك وكلفت قلبك ما لا

يطيق، فلِمَ أنت في تردٍّ وليس في غيرك؟ ولِمَ الحظ لا يحالفك ولم ولم ولم ... ؟

كل ذلك أشغلك وصرفك عن معالجة موطن الضعف فيك؛ فلِمَ التسخّط يا مُحبتي،

ولِمَ عدم الرضا بقضاء الله وقدره؟ وأين القناعة والبحث عن جديد يصلح حالك

ويسعد أيامك؟ ولتقرئي ما قاله ابن القيم رحمه الله: (إذا حمّلت القلب هموم الدنيا

وأثقالها وتهاونت بأوراده التي هي قوته وحياته، كنت كالمسافر الذي يحمّل دابته

فوق طاقتها ولا يوفيها علفها، فما أسرع ما تقف به) [٤] .

رابعاً: إن الله سبحانه وتعالى قد ربط الزوجين برباط وثيق، هذا الرباط

الذي أوجد المحبة والسكينة بين الزوجين، وتحت ظلاله ينشأ أبناء متوافقون نفسياً

وصالحون اجتماعياً يسعون لإعلاء الدين والحفاظ عليه، وهذا ما تتمنينه يا أختي

الغالية، وعتابي لكِ: لماذا أراك تمسكين بيد زوجك وهو ذاهب لحلقة ذكر أو

لدعوة أو لزيارة رفقة صالحة أو لصلة رحم واجبة تريدينه لكِ أنت لا لغيرك، لا

يفارقك لحظة واحدة، يلبي رغباتك وعواطفك وغير ذلك دون أن تتركي له وقفة مع

نفسه. أوَ ما علمت أنك قد تكونين سبباً لانتكاسته؟ أوَ ما تعلمين أنه إن لم يصاحب

الصالحين تلقفته أيدي أصحاب السوء والانحراف؟ وغيرك إن قدر الله فتزوج

زوجها بأخرى شغلت قلبها، وألهبت مشاعرها، وكادت تُجن إلى درجة أصبح فيها

همها غيبته أو شتمه أو قذفه وتعييره! نعم يا محبتي أنا مثلك امرأة ولا أنكر عليك

غيرتك، ولكن هل لي أنا أو أنت أن نحرِّم ما أحله الله؛ أو نرتكب ذنوباً هي في

المحصلة من صحائف أعمالي وأعمالك؟ نعم أعلم يا محبتي أنك تغارين، ولقد

غارت أمي وأمك أم المؤمنين عائشة من قبلُ، فعنها رضي الله عنها قالت: ما

رأيت صانعة طعام مثل صفية، صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاماً

وهو في بيتي، فأخذتني الرعدة فارتعدت من شدة الغيرة، فكسرتُ الإناء، ثم ندمتُ

فقلت: يا رسول الله! ما كفارة ما صنعت؟ قال: (إناء مثل إناء، وطعام مثل

طعام) [٥] .

أرأيت أن الغيرة لم تمنع عائشة رضي الله عنها من الندم على ما فعلت ولم

تمنعها ومن قول الحق في صفية رضي الله عنها؟ فهل لي ولك أن تكون أمهات

المؤمنين والصالحات قدوة لنا؟ وهل لك أن تجاهدي وتصبري؛ ولن يضيع الله

صبرك؟

خامساً: شفقة الأم وحنوها على ولدها شيء فطري، ولكن قد توجد عند

بعضنا بصورة سلبية؛ لأنها قد أفرطت في تدليله وتلبية كل ما يريده دون توجيه أو

إرشاد؛ إذ وضعت هذه العاطفة في غير محلها، لبت له رغباته وأهواءه لحنوها

عليه وحبها له، لم تنكر عليه ما يقع فيه من أخطاء، لم تعنفه لم تضربه يوماً لأنه

أخطأ؛ كل ذلك لأجل ماذا؟ لأنها أم حنون عواطفها ومشاعرها ضعيفة لا تقوى

على التحمل فتلقي به في مواطن الهلاك من حيث لا تدري (إن تلك الأم الجاهلة

الحمقاء، التي أشفقت على ولدها فأهملت تربيته قد دفعت به وهي لا تشعر حتى

صار مجرماً، وساقته الجريمة إلى يد العدالة، عندئذ وقفت تبكي جزعاً من أجله

وحسرة عليه، وندماً على ما فرطت في جنبه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول لها: أنت التي دفعت بي إلى هذا المصير المهلك بشفقتك عليّ وسوء تربيتك لي،

وإهمالك شأني، وسرورك باتباعي أهواء نفسي) [٦] .

سادساً: تتحكم العاطفة في الكثير منا إلا من رحم الله حتى إن تلك العاطفة لا

تردعها عن فعل قبيح أو محرم والله المستعان فكم من المرات انتهكت أعراض

وضُيّعت أسر وأسودت وجوه رجال هم مثال للعفة والصلاح، كل ذلك لماذا؟ لأن

تلك المرأة دفعت عاطفتها للبحث عن الجديد، أو لأن عاطفتها لم تشبع أسرياً ولم

تلق قلباً حانياً يحن عليها، ومن ثم خرجت خارج المنزل لتلبي هواها، متناسية ما

يعقب ذلك من ألم وأذى وعار لأجل ماذا؟ لأجل لذة حاضرة وعاطفة عمياء. يقول

ابن الجوزي في ذم الهوى: (اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من

غير فكر في عاقبة، وبحث على نيل الشهوات عاجلاً، وإن كانت سبباً للألم

والأذى في العاجل وفيه لذات في الآجل. فأما العاقل فإنه ينهى نفسه عن لذة تعقب

ألماً وشهوةٍ تورث ندماً) [٧] .

الأسباب:

ترجع سلبيات العواطف والمشاعر إلى أسباب كثيرة، منها:

١- ضعف الإيمان بالله، وخواء القلب، وولوج الشيطان من مداخل وإن

كانت بسيطة إلا أنها قد تمثل نقطة ضعف بالإضافة إلى وساوسه وهواجسه التي

يوردها على الإنسان.

٢- الابتعاد عن الأجواء الإيمانية.

٣- عدم التوسط في الأمور، والاستهانة ببعضها وعدم حملها محمل الجد.

٤- قلة محاسبة النفس والبطء في معالجة مواطن الضعف والقصور.

٥- قلة الوعي والاطلاع في الأمور المتعلقة بالنساء، وضعف بروز الأقلام

النسائية التي تتجه للحديث عن مثل هذه الأمور وغيرها من الخصوصيات التي قد

لا يعلمها الرجل الداعية.

٦- عدم استشعار المسؤولية الملقاة على الأم والأب تجاه الأسرة عند بعضهم؛

فكل راع مسؤول عن رعيته.

٧- عدم إشباع الحاجات النفسية للفتاة وعدم الاهتمام بهذا الجانب لدى بعض

الأسر.

٨- قلة الإنصاف من قِبَل الزوج إلا من رحم الله مما يسبب الغيرة والشحناء

والمبالغة المفرطة في بعض الأمور من قِبَل المرأة.

٩- تبني أصحاب السوء للأقلام المنحرفة والمعبرة عن فسق ومجون لدى

بعض النساء.

العلاج:

١- اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه وسؤاله الثبات؛ فالله ما

أنزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت والهرم.

٢- الإكثار من الأعمال الصالحة؛ ومن رزقها الله قدرة على الكتابة شعراً

ونثراً فلتجعله لخدمة هذا الدين ولتوعية أخواتها المسلمات ولا تتردد في ذلك فهي

مأجورة بإذن الله.

٣- على الأسرة متمثلة في الوالدين استشعار المسؤولية نحو الأبناء والبنات

من إشباع حاجاتهم النفسية وإرشادهم للخير حيث كان، وتحذيرهم من الشر.

٤ - الحرص على القرب من الأجواء الإيمانية وحلقات الذكر التي تحفها

الملائكة والعمل على توجيه النساء وتعاهدهن، والمسارعة إلى علاج موطن الخلل

لديهن.

٥- الاستعاذة من وساوس الشيطان الجالبة للهموم والآلام النفسية.

٦- اختيار الصحبة الصالحة الموثوقة والاقتداء بالسلف الصالح ومن جاء

بعدهم.

٧- العدل بين الزوجات؛ والله سبحانه وتعالى قد أوصاكَ أخي الزوج بالعدل

فقال سبحانه: [وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ

المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً] .

[النساء: ١٢٩] .

٨- التوسط والاعتدال من قِبَل الزوجة، وأن لا تترك الغيرة تدعوها إلى

ارتكاب الذنوب كالغيبة والكذب واللعن وغيره من النكران والجحود.

٩- مجاهدة النفس والصبر على ما قدره الله، والرضا والقناعة به ابتغاء

مرضاة الله وطلباً للفوز بجناته.

١٠- الحذر من الاستهانة بالمحرمات، ومعرفة ما تحدثه المعاصي من آثار

وخيمة وعواقب جسيمة.

وأخيراً:

(احذر نفسك؛ فما أصابك بلاء قط إلا منها، ولا تهادنها، فوالله ما أكرمها

من لم يهنها، ولا أعزها من لم يذلها، ولا جبرها من لم يكسرها، ولا أراحها من

لم يتعبها، ولا أمّنها من لم يخوِّفها، ولا فرّحها من لم يحزنها) [٨] .

نفعني الله وإياكِ يا أختي. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت،

أستغفرك وأتوب إليك.


(١) التربية الجادة ضرورة، محمد الدويش.
(٢) الأخلاق الإسلامية.
(٢) الميداني، ص ٢٣٩، الجزء الثاني.
(٣) أعلام النساء، عمر كحالة، ص ٣٦٨، الجزء الأول.
(٤) الفوائد، ص ٦٠، ابن القيم.
(٥) رواه أبو داود والنسائي.
(٦) الأخلاق الإسلامية، الجزء الثاني، ص ٢٤٥، الميداني.
(٧) الأخلاق الإسلامية، الجزء الثاني، ص ٢٤٥، الميداني.
(٨) الفوائد، ابن القيم، ص ٧٩.