للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منتدى القراء

[أخطاء في فن الإقناع]

محمد مرشد المرشد

هناك أخطاء كثيرة شائعة في طريق الإقناع والتحاور، نحتاج دائماً لمعرفتها

لكي نتجنبها. منها:

-مصادرة عقول وأفكار وآراء الآخرين، وإلزامهم بما توصل إليه المتكلم

من نتائج؛ وذلك بعدم نقل الحدث والنص كما هو؛ إنما نقل ما فهمه المتكلم وما

توصل إليه اجتهاده وتحليله مع إغفال بعض الجوانب من ذلك الحدث أو النص الذي

ربما كان الصواب فيه، مع إيهام المستمع أنه لا يوجد إلا هذا الرأي، وأنه

الصواب الذي لا يحتاج معه إلى غيره.

فلا بد من التجرد في نقل الأحداث؛ ولذلك أمرنا الله تعالى بالعدل في مواطن

كثيرة من كتابه حتى مع وجود بعض التأثيرات العاطفية مثل: كون المحكوم عليه

من ذوي القربى؛ فقال عز من قائل: [وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى]

[الأنعام: ١٥٢] .

-التركيز على العاطفة في إقناع الناس فمثلاً عند إقناعهم بخطورة المعصية.

فعلى الداعي حيال ذلك أن ينطلق من المنطلقات الشرعية التي يتعبد الناس بها لله

عز وجل بأنه وحده الآمر الناهي المعبود المتصرف الذي حكم فعدل، وهو العزيز

الحكيم؛ وعند إقناعه الآخرين بأمر شرعيّ مّا؛ ينبغي عليه أولاً أن يبين حكم الله

فيه فيقول: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم- كذا، ولا مانع

من إيراد بعض الحِكمَ التي تظهر من خلال الحُكم.

ولا يخفى أن لهذا حكمة عظيمة وهي تقوية العبودية لله تعالى في قلب الإنسان

وتعويده التسليم لأمره.

-إقحام العقل وإدخاله في متاهات لم يُخلق من أجلها: كالإصرار على معرفة

العلة في الحكم؛ فإذا تعود السائل على البحث عن الحكمة التي لم تظهر له، ولم

يستطع هذا المتحدث إقناعه بها ربما نجده يتقاعس عن هذا الأمر، وهذا نقص

واضح في العبودية لله تعالى، قال الطحاوي رحمه الله: (ولا تثبت قدم الإسلام إلا

على ظهر التسليم والاستسلام. من رام علماً ما خطر عنه علمُه ولم يقنع بالتسليم

فهمُه حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان)

... ... ... ... ... ... ... [٢٣١ -٢٣٣ شرح الطحاوي]

فقد يفهم هذا ويقنع ما لا يفهم سواه ويقنع، والله أعلم.

-الإفراط في المبالغة، مما يُفقد مصداقية الداعي وُيضعف تأثير كلامه على

النفوس؛ فإن الحق أصل في البشر واضح كالشمس لا يحتاج معه إلى مبالغات

وزيادات قد يكون لها أثر عكسي إذا تبين الأمر، ثم إن الباطل أمر وارد على

النفوس يُدفع بقوة الحق ووضوحه لا بتعظيمه وتهويله.

-ويدخل في هذا الطرحُ الدفاعي في عرض الحقائق بأن يلجأ المتحدث دائماً

في طرحه وعرضه الحقائق إلى الشّبَه والأخطاء والرد عليها مما يؤدي إلى إضعاف

الحق في القلوب؛ بحيث يحتاج معه دائماً إلى دفاعٍ مما يجعل صاحبه لا تتسع

توبته في قلبه، ثم إن هذه الشّبَه ربما تعلق في القلب فتكون أقوى من الرد أو يكون

المستمع لا يستطيع إدراكه فيقع المحذور.