للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حمَّى سنة ٢٠٠

- الحلقة السادسة -

[الألفية الثالثة ... وهواجس الحرب الثالثة]

عبد العزيز كامل

هذه الحلقات

تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن

الميلادي الذي أوشك على الانتهاء. ولا يفصل بيننا وبين العام ٢٠٠٠ للميلاد سوى

شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية

التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام؛ مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود

أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا؛ وذلك كلما اقترب

الوقت من العام ٢٠٠٠ وما بعده، وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها

لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل.

وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر، وتحليل أسبابها،

ودوافعها، ورصد التوقعات المنتظرة بسببها، يتم نشرها - إن شاء الله - في

حلقات منفصلة.

- البيان -

هل أصبحنا نعيش عصر (الأيام الأخيرة) أيام ما قبل النهاية؟ !

وهل صحيح أن حرباً عالمية ثالثة لا بد أن تنشب مع بدايات القرن الجديد؟

نحن - المسلمين - نقول: العلم عند الله، لأنه [لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ

والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ] [النمل: ٦٥] ، فالتحديد والقطع جرأة على الغيب، نبرأ

بأنفسنا عنه ونبرأ إلى الله منه، خاصة إذا تعلق بعلم الساعة التي [عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي

لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلاَ هُوَ] [الأعراف: ١٨٧] ، أما أماراتها فأمر يدور بين الظن

الراجح والظن المرجوح.

لكن العتاة الغلاة من طوائف اليهود والنصارى يعتقدون بجزم ويعملون بحزم

لهذه الأيام (الأخيرة) التي يربطونها بقدوم الألفية الثالثة؛ حيث يتوقعون أن تبدأ فيها

نهاية أيام (العامة) ، لتأتي بعدها أيام (الخاصة) أتباع المسيح القادم للخلاص.

ونحن - المسلمين - لا يهمنا من جزمهم أو حزمهم في معتقدهم هذا إلا ما

يمكن أن يترتب عليه من سياسات وخطوات يمكن أن يقدموا عليها بزعم التهيئة

لتلك الأيام الأخيرة [١] استدعاءً لعلاماتها واستجلاءً لأماراتها.

ففي مسيرة منتظمة في طريق الاستدراج منذ بداية القرن الميلادي الحالي،

نراهم يزعمون أنهم نجحوا في (إنجاز) علامات مهمة من أشراط الأيام الأخيرة،

يأتي في طليعتها ما يعدونه أولى وأبرز العلامات وهي: إعادة اليهود إلى أرض

بيت المقدس! ولكن تلك العلامة ستتبعها في معتقدهم علامات أخرى، وسيعملون

أيضاً لإنجازها وإخراجها إلى حيز الوجود، وقد ظهر لنا من خلال الحلقات السابقة

مدى سعيهم لهدم الأقصى وتسارعهم لبناء الهيكل، وإعلانهم لظهور البقرة الحمراء، وتصميمهم على إسكان القدس بالمتشددين الدينيين وغير ذلك.

ولكن تبقى هناك علامة أخرى تبرزها مصادرهم العقدية ويؤمنون بحتمية

حدوثها عندما تبدأ الأيام! الأخيرة في التوالي، وتتمثل في (إقامة) قيامة صغرى

تهيئ للقيامة الكبرى! وتأويل هذا يجيء باشتعال أو إشعال حرب مدمرة تهلك فيها

غالبية سكان الأرض، ففي (الأيام الأخيرة) لا بد أن تقوم حرب بسبب (إسرائيل)

وعلى أيدي أحباب (إسرائيل) وعلى أرض (إسرائيل) ! ومن أجل (إسرائيل) !

تقول التوراة التي في أيديهم: (في الأيام الأخيرة، عندما تتجمع إسرائيل من

الأمم، سوف تتسبب في أمر ما، هذا ما سوف يحدث. إني، سوف أضع صنارة

في أفواه القوى المؤتلفة) وجاء فيها أيضاً: (بعد أيام كثيرة تُفتقد في السنين الأخيرة، تأتي إلى الأرض المستردة من السيف، المجموعة من جبال إسرائيل التي كانت

خربة للذين أخرجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلهم، وتصعد وتأتي كزوبعة،

وتكون كسحابة تغشى الأرض أنت وكل جيوشك وشعوب كثيرون معك) .

وهذه الجيوش الكبيرة المعادية لـ (إسرائيل) وحلفائها يطلق عليهم في التوراة

جوج وماجوج، وهم سيأتون إلى الأرض المقدسة في يوم من الأيام الأخيرة من

جهة الشرق كما تتحدث التوراة: (ويكون في ذلك اليوم يوم مجيء جوج على أرض

إسرائيل، يقول السيد الرب: إن غضبي يصعد، وغيرتي في نار سخطي، تكلمت

أنه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فيرعش أمامي سمك

البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدابات التي تدب على الأرض، وكل الناس

الذين على وجه الأرض، وتندكُّ الجبال، وتسقط المعاقل، وتسقط كل الأسوار إلى

الأرض، وأستدعي السيف عليه في كل جبالي، يقول السيد الرب: فيكون سيف

كل واحد على أخيه، وأعاقبه بالوباء وبالدم، وأمطر عليه وعلى جيشه وعلى

الشعوب الكثيرة الذين معه مطراً جارفاً وحجارة بَرَد عظيم وناراً وكبريتاً) [٢] .

أما التلمود الذي فسر به الحاخامات القدامى نصوص التوراة فقد جاء فيه ما

يدل على أن (الأيام الأخيرة) ستشهد أحداثاً يكون اليهود محورها؛ فقد جاء فيه:

قبل أن يحكم اليهود نهائياً، لا بد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم،

ويبقون سبع سنين يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر وحتى البروتوكولات

التي خُطت في العصور المتأخرة تردد ذاك الصدى: إننا نقرأ في شريعة الأنبياء

أننا مختارون من الله لنحكم الأرض، وقد منحنا الله العبقرية كي نكون قادرين على

القيام بهذا العمل، إن كان في معسكر أعدائنا عبقري فقد يحاربنا، ولكن القادم

الجديد لن يكون كفؤاً لأيد عريقة كأيدينا.. إن القتال المتأخر بيننا سيكون ذا طبيعة

مقهورة لم ير العالم لها مثيلاً من قبل، والوقت متأخر بالنسبة إلى عباقرتهم [٣] .

هكذا تتحدث مصادر اليهود عن معركة الأيام الأخيرة. أما النصارى، فإن

الإنجيل الذي بأيديهم يزيد في التفصيل عن هذه المعركة، بل ينفرد عن المصادر

اليهودية بتحديد مكانها الذي ستقع فيه، إنه سهل (مَجِدُّو) بفلسطين حيث ستنشب

أكبر معركة في التاريخ في وقت العودة الثانية للمسيح.

ففي سفر الرؤيا (الإصحاح ١٦ /١٥) ، جاء على لسان عيسى - عليه السلام- وهو يصف وقت مجيئه المفاجئ: ها أنا آتي كلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ

ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عُريته، يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية

(هَرْمَجِدُّون) .

وهكذا نرى أن الاعتقاد بوقوع تلك المعركة، هو اعتقاد مشترك بين اليهود

والنصارى، فاليهود يؤمنون بها وبأن خلاصهم سيأتي بعدها، أما النصارى

فيؤمنون بالمعركة ذاتها ولكن على أن خلاصهم هم سيأتي بعدها، ولكن هذا

(الخلاص) الموهوم عند الأمتين الضالتين، لن يتم - للأسف كما يعتقدون - إلا

بالتخلص من جُل سكان الأرض عن طريق تلك الحرب المدمرة: الهرمجدون.

وأصل كلمة (هرمجدون) عبرية، ومعناها الحرفي: جبل مجيدو، فكلمة

(هار) تعني في العبرية: جبل، فإذا أضيفت إلى اسم الوادي صار (هارمجيدو)

التي دمجت في النصوص القديمة إلى (هرمجدون) .

وأرض مجدو تبعد ٥٥ ميلاً عن تل أبيب، وهي في موقع يبعد ٢٠ ميلاً

شرق حيفا، على بعد ١٥ ميلاً من شاطئ المتوسط، وترتبط في الاعتقاد القديم

بأنها الأرض التي كان الفاتحون القدامى يعتقدون أن أي قائد يسيطر عليها يمكنه أن

يصمد أمام أعدائه مهما كانت أعدادهم، ويعتقد اليهود والنصارى أن جيوشاً من

مئتي مليون جندي [٤] سيأتون إلى مجدو للبدء في خوض حرب نهائية،

ونصوصهم تدل على أن هذه المعركة سوف تتورط فيها كل الأمم، أي ستكون

حرباً عالمية ولكن أوارها سيشتعل أولاً في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين

بالذات. والنصارى يعتقدون أيضاً أن تلك الحرب سوف تستغرق مدة سبع سنين،

وهي مدة كافية تعطي لليهود فرصة كي يروا بأنفسهم كيف ينتقم الله من أعداء

المسيح مما لا يدل على صدقه فيؤمنوا به. ويعتقدون أيضاً - بمقتضى الإنجيل أنه

ستمر سبعة أشهر حتى يتمكن (بيت إسرائيل) من دفن جثث الضحايا وينظفوا

الأرض منها.

وتبقى طائفة النصارى الإنجيليين أو (المسيحيين الصهيونيين) المتزايدة النفوذ

في أمريكا اليوم، تبقى هي صاحبة الاهتمام الأول بمعتقد (الهرمجدون) والمجيء

الثاني الوشيك للمسيح.

الإنجيليون وجيل النهاية:

بعد قرون طوال من تبديل المحرفين المخرفين للتوراة والإنجيل، جاء جيل

من المخربين ليدعوا أنهم جيل النهاية الذي سيشهد (نهاية التاريخ) وهؤلاء تمثلهم

في الأساس جماعات الإنجيليين في أمريكا وكندا وإنجلترا الذين يقدر عددهم في

الولايات المتحدة وحدها بنحو ٩٠ مليون نسمة. إن الشيطان لم يعثر على صنف

من أتباعه أنسب من غلاة طائفة البروتستانت الإنجيلية النصرانية أدعياء التمسك

الحرفي بالتوراة والإنجيل، فهؤلاء يرون أنهم سيعدُّون مسرح الدنيا لتمثيل الفصل

الأخير من عمرها؛ فالهرمجدون أو (الهولوكست النووي) أو الحرب العالمية الثالثة

هي المعركة المنتظرة التي يؤمن الإنجيليون النصارى بحتمية بل بضرورة وقوعها، ولهذا يروجون لها على أوسع وأعلى المستويات في الغرب، وقد أقنعوا بها

الرئيس ريجان نفسه حتى تكاثرت التصريحات الصادرة عنه التي تدل على إيمانه

بحتمية وقوعها قبل انقضاء هذا الجيل، فقد نشرت مجلة (سان رييجو مجازين) في

أغسطس من عام ١٩٨٥م مقالاً لـ (جيمس ملز) الذي كان رئيساً لمجلس شيوخ

ولاية كاليفورنيا قال فيه: إن ريجان قال له أثناء مأدبة عشاء حضرها: إن كل

النبوءات التي يتعين تحقيقها قبل معركة مجدو قد حدثت، والفصل ٣٨ من سفر

حزقيال يقول: إن الله سيأخذ إسرائيل من وسط الكفار بعد أن يكونوا مشتتين، ثم

يلم شملهم مرة أخرى في أرض الميعاد، وقد حدث هذا بعد قرابة ألفي سنة، ولأول

مرة في التاريخ فإن كل شيء مهيأ لمعركة مجدو والمجيء الثاني للمسيح.

وكلما اقترب قدوم الألفية الثالثة ازدادت وتيرة الصياح عن الحرب العالمية

الثالثة؛ فقد صدرت في السنوات الأخيرة العديد من المؤلفات التي تتحدث عن هذه

الحرب، ولاقى بعضها إقبالاً منقطع النظير، منها كتاب: (دراما نهاية الزمن)

لمؤلفه (أو ترال لوبرتس) وبيعت منه ملايين النسخ، وكتاب: (الكرة الأرضية،

ذلك الراحل العظيم) من تأليف (هال لندسي) وقد بيعت منه نحو ١٨ مليون نسخة،

ومؤخراً صدر كتاب على الشاكلة نفسها بعنوان: (أسرار نهاية العالم) ، وقد ألفه

عدد من العلماء، وهم الدكتور الفرنسي (لرجان بير) المتخصص في سيمولوجيا

الانثربولوجي والدكتور الإنجليزي (ديفيد) المتخصص في مجال المعلومات،

والدكتور اليوناني (ديمتري) المتخصص في علم اللغويات، والدكتورة (ميريام)

الإسرائيلية المتخصصة في دراسة اللاهوت، وقد استنبطوا من سفر يوحنا في

الإنجيل مادة كتابهم، وجاء في مقدمة الكتاب: إن حضارتنا هذه ستكون ضحية مرة

أخرى لجنون حرب عالمية ثالثة لن تستغرق كثيراً؛ لأن الأسلحة الموجودة الآن

نووية، وستحرك هذه الحرب (يأجوج ومأجوج) الذي تمثلهم الصين في هذا العصر

بما تملك من ترسانات نووية موجهة نحو الغرب، ويتوقع أن يفوق هذا الكتاب ما

سبقه من كتب في شدة الإقبال وذيوع الصيت. وإلى جانب ذلك تقدم السينما في

الغرب كل مدة أفلاماً مرعبة تصور ما يمكن أن يحدث للعالم إذا نشبت الحرب

العالمية الثالثة، منها فيلم: (الشتاء النووي) الذي عُرض في بداية التسعينات وأثار

رعباً واسع النطاق. أما في نهاية التسعينات فقد نشرت صحيفة نيوزويك الأمريكية

في منتصف مايو ١٩٩٩م، أن دور السينما الأمريكية ستبدأ في ١٩ من الشهر نفسه

عرض ما أطلق عليه (فيلم القرن) وهو بعنوان: (الشبح ... ظاهرة نهاية القرن

العشرين) وقالت الصحيفة: إن ميزانية الفيلم قدرت بـ ١١٥ مليون دولار،

وتوقعت الصحيفة أن يُحْدث الفيلم دوياً غير مسبوق في تاريخ السينما! والمشكلة

هنا أن أجواء الحرب يمكن أن تصنع الحرب.

ولا ندري هل هذا الزخم الإعلامي الضخم هو المسؤول عن اللوثات الدينية

(الأخروية) في أمريكا أم أن تلك اللوثات هي التي تصنع ذلك الزخم؟

على أي حال فإن التيار الإنجيلي البروتستانتي الذي يطلق على نفسه:

(التحالف المسيحي الصهيوني) أصبح يقود حركة مد ديني متنامٍ في الولايات

المتحدة، وبات لا يكتفي بالتدخل في السياسة؛ بل يطمع في توجيهها، ويطمح إلى الإمساك بزمامها. وللتذكير؛ فإن هذا التيار هو الذي انتخب الكونجرس الأمريكي عام ١٩٩٤م وسيطر على أغلبيته لصالح الحزب الجمهوري، ولما تباطأ هذا الحزب في التنفيذ الشامل لكل برامجهم الموجهة أعلنت كتلتهم المسماة بـ (الائتلاف المسيحي) احتجاجها، وحذرت الحزب بأنه لن يحظى ثانية بتأييدهم في انتخابات الكونجرس القادمة، وأمام هذا التهديد أذعن الحزب الجمهوري لمطالب (الائتلاف المسيحي) الذي سحب تهديده. وقد ظهر أثر وقوفه مع الحزب مرة أخرى في انتخابات نوفمبر من عام ١٩٩٨م التي فاز بها الجمهوريون بأغلبية ساحقة كان سببها التأييد القوي من الائتلاف المسيحي الصهيوني، ويكرر هذا الائتلاف لعبته، فيتوعد الحزب الجمهوري بالتخلي عنه في انتخابات عام ٢٠٠٠م إذا لم يضع برامجهم الدينية موضع التنفيذ [٥] ، بل هدد أحد زعماء الائتلاف بنسف الحزب الجمهوري انتخابياً إذا تخلى عن برنامج الأصوليين (الإصلاحي) !

والائتلاف المسيحي - كما يبدو للمتابع - لن يدع فرصة انتخابات عام ألفين

تفوته؛ فانتخابات الألفية لا بد أن يحصد ثمرتها (الألفيون) ولهذا؛ فإن مؤسس

الائتلاف المسيحي (بات روبتسون) قد بدأ من الآن في إعداد حملة ضخمة لضمان

سيطرة الأصولية الأمريكية على انتخابات القرن الحادي والعشرين التي ستأتي

بالحكومة الأولى في الألف الثالثة، وقد سبق لروبتسون أن قاد حملة الحزب

الجمهوري عام ١٩٨٨م، وهو من الأصدقاء الشخصيين لكل من ريجان وبوش،

بل إن تكتل الأصوليين الذي يتزعمه هو الذي جاء بالرئيس ريجان ليضعه على

رأس أكبر دولة في العالم، وكان الائتلاف مسانداً قوياً لجورج بوش من بعده،

وعندما حصلت الانتخابات التي جاءت بكلينتون مرشح الحزب الديمقراطي، كان

منافسه فيها (بوب دول) مرشح الحزب الجمهوري، ولكن (دول) لم يفلح في كسب

تأييد الأصوليين الإنجيليين فتخلوا عنه فسقط [٦] ، وجاء كلينتون الذي أثبت أنه

أصولي أكثر من الأصوليين في تأييده للإسرائيليين رغم انتمائه للديمقراطيين.

ويستعد الإنجيليون من الآن لخوض حملة رئاسية عنيفة وفاصلة من أجل

تسليم زمام السلطة في أمريكا إلى رئيس أصولي إنجيلي أو تابع للأصوليين

الإنجيليين في انتخابات عام ٢٠٠٠، وقد بدأ زعيم (الائتلاف المسيحي) روبتسون

هذه الحملة باستعدادات وصفها المراقبون بأنها (أسطورية) !

فقد نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في ١٢ /٣ /١٩٩٩م، أن القس

الأمريكي (بات روبتسون) تعهد بإطلاق حملة ميزانيتها ٢١ مليون دولار لتوجيه

الناخبين الأصوليين ودفعهم إلى مراكز الاقتراع في انتخابات عام ٢٠٠٠ للرئاسة

ومجلس الكونجرس، وتقضي خطته الانتخابية بتجنيد مليون و ٥٠٠ ألف حركي

لضمان صب أصوات ١٥ مليون ناخب في خانة المرشحين الأصوليين اليمينيين،

وفي سياق إعلانه عن الحملة ذكر القس الأمريكي أن الحركيين التابعين لتحالفه

سيُكلَّفون بتوزيع ٧٥ مليون دليل انتخابي خلال الحملة المقبلة، وسيتحركون سياسياً

في ١٠٠ ألف كنيسة. أما عن المسائل ذات الاهتمام التي سيركز عليها في حملته

فقد قال القس: إن الائتلاف المسيحي مهتم أساساً بالمسائل الدينية التي تواجه أمريكا، وخارجياً فإن أشد ما يزعجه هو حصول الصين [٧] على أسرار تكنولوجية نووية

أمريكية.

ولا يستبعد أن يرشح هذا القس نفسه شخصياً في الانتخابات الرئاسية لعام

٢٠٠٠، فقد سبق أن عزم على ذلك في الانتخابات الرئاسية عام ١٩٨٦م، وبالرغم

من أنه لم يكن يمتلك ما يمتلكه اليوم من إمكانات، فقد علقت صحيفة نيويورك

تايمز وقتها على الفرص الكبيرة المتوافرة أمامه للفوز إذا مضى في عزمه فقالت:

إن هناك ٢٤ مليون مشاهد للمحطة التلفزيونية المسيحية التي يسيطر عليها (بات

روبتسون) ، وإن احتمال ترشيحه يستند إلى لوائح كبيرة من المساهمين والممولين،

وكذلك على إقبال كبير من المشاهدين يفوق عددهم عدد قراء صحف التايم

ونيوزويك ونيويورك تايمز ولوس أنجيلوس تايمز والواشنطن بوست مجتمعة!

وهذا (الملك) النصراني غير المتوج يؤمن إيماناً مطلقاً بإسرائيل، وبأنها المحور

الذي تدور حوله أحداث (الأيام الأخيرة) يقول: إن إعادة ميلاد إسرائيل، هو

الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية العالم قد بدأ، كما أنه مع مولدها؛ فإن

بقية التنبؤات ستتحقق بسرعة [٨] .

الإنجيليون والهرمجدون:

الإنجيليون حرفيون، ولهذا فهم يؤمنون حرفياً بحديث التوراة والإنجيل عن

معركة النهاية بكل ما فيها من تفصيلات مكانية وزمانية وما يتعلق بها من وقائع

وأسماء أشخاص وزعماء وبلدان وبحار وأنهار وأشجار؛ فليس هناك - في

اعتقادهم - معنى ظاهر وآخر باطن في نصوص الكتابيْن، ولهذا؛ فإن حديث

التوراة والإنجيل عن محاربة أنصار المسيح لأعدائهم بالسيف والرمح والخيل لا

يدل على شيء آخر غير فناء الحضارة المادية المعاصرة وعودة الناس إلى الحياة

البدائية أو قريب منها! !

والنصوص الدينية التي استعرضنا بعضاً منها، تمثل هواجس دافعة، تؤز

بها شياطين الجن أتباعها من شياطين الإنس ليرسما سوياً معالم الصورة المأساوية

لإنهاء خلافة الإنسان في الأرض؛ والمطلع على تصريحات رموز وأعضاء هذا

التيار الإنجيلي (المتدين) يشعر بأنه يسمع الشياطين تتحدث على ألسنة البشر؛

فعندما سألت الكاتبة الأمريكية (جريس هالسيل) أحد هؤلاء الإنجيليين عن السبب

في أن إله الرحمة والسلام يحب - كما يزعمون - أن تقوم حرب نووية مدمرة قال: (يجب أن نتذكر أن الله هو الذي عرَّف الإنسان بصناعة وإنتاج هذه القوة المدمرة؛ فهي ليست جديدة على الله، ولن تستعمل دون مشيئته [٩] .

ويقول (هال ليندسي) في كتاب له بعنوان: (العالم الجديد القادم) : فكِّروا فيما

لا يقل عن ٢٠٠ مليون جندي من الشرق، مع ملايين أخرى من قوات الغرب

يقودها أعداء المسيح ... إن عيسى المسيح سوف يضرب أولاً أولئك الذين دنسوا

مدينة القدس، ثم يضرب الجيوش المحتشدة في (هرمجدون) فلا غرابة أن يرتفع

الدم إلى مستوى ألْجِمَة الخيل مسافة ٢٠٠ ميل من القدس، وهذا الوادي سوف يملأ

بالأدوات الحربية والحيوانات وجثث الرجال والدماء! ! وأضاف: إن الأمر يبدو

وكأنه لا يصدق! إن العقل البشري لا يستطيع أن يستوعب مثل هذه اللاإنسانية من

الإنسان ضد الإنسان [١٠] ، ومع ذلك فإن الله يُمكِّن طبيعة الإنسان من تحقيق ذاتها

في ذلك اليوم!

إذن؛ فالحرب الثالثة عندهم ليست مجرد أمل ينتظر، وإنما هي قدر لا بد من

الرضى به، بل والسعي إليه في نظر هؤلاء المهاويس، أما ما يسمى بـ (المساعي

الدولية للتعايش السلمي) فإنها في نظر الإنجيليين ضرب من تحدي الإرادة الإلهية.

ألقى (جيمي سواجارت) القس الأمريكي الإنجيلي الشهير موعظة في ٢٢

سبتمبر١٩٨٥م تحدث فيها، - وكأنه يقوم بمشهد تمثيلي - فقال: كنت أتمنى أن

أستطيع القول بأننا سنحصل على السلام، ولكني أؤمن بأن هرمجدون مقبلة، إن

هرمجدون مقبلة، وسيخاض غمارها في وادي مجيدو، إنها قادمة، إنهم يستطيعون

أن يوقعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، ولكن ذلك لن يحقق شيئاً. هناك أيام

سوداء قادمة ... إنني لا أخطط لدخول جهنم القادمة، ولكن الإله سوف يهبط من

عليائه ... يا إلهي! ! إنني سعيد من أجل ذلك ... إنه قادم ثانية، إن هرمجدون

تنعش روحي! .

ولكن ما هو سبب هذا (الانتعاش) الروحي المستمد من روائح الدم وأدخنة

الخراب؟ !

إنه فصل معاصر من فصول الحقد التاريخي اليهودي على البشر الذي انتقلت

عدواه إلى النصارى الذين كانوا يوماً مَّا من المغرمين بالحديث عن السلام تحت

شعار: (الله محبة) ! فعقدة (الجويم) أو الكفار أو العامة أو (الجنتيل) الذين خلقهم الله

لخدمة اليهود، ولكن خلقهم على هيئة البشر لئلا يستوحش منهم اليهود. هذه العقدة

يشارك البروتستانت اليهود فيها، ولهذا؛ فإن الحديث عن فناء (العامة) من غير

اليهود وأشباههم من البروتستانت هو من الأحاديث المنعشة لأرواحهم والمسعدة

لأسماعهم. قال القس الإنجيلي البارز (جيري فالويل) في محاضرة ألقاها في ١٢

ديسمبر ١٩٨٤م عن أحداث هرمجدون: ما أعظم أن نكون مسيحيين؛ إن أمامنا

مستقبلاً رائعاً، نشكر الله أن هذه المعركة سوف تكون نهاية أيام العامة (الجنتيل) ؛

لأنها بعد ذلك سوف تعد المسرح لقدوم الرب المسيح بقوة وعظمة!

وأحباب (الهرمجدون) لا يقفون عند حد الأماني (الوردية) بقرب مجيء أيامه

الحمراء أو السوداء، ولكنهم يصنعون سيناريوهات (واقعية) يمكن أن تجر الدنيا

لمجيئه؛ فقد أجرت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز حديثاً مع القس المذكور (فالويل)

في ٤ مارس ١٩٨١م، وسأله الصحفي عن تصوره لكيفية حصول الحرب النووية

العالمية فقال: أعتقد أن روسيا ستحدث بها أزمات، وعلى رأسها أزمة في النفط

وسينفد احتياطيها منه، وعندها سوف تتحرك إلى الشرق الأوسط وأيضاً نحو

إسرائيل، وعندما يحدث ذلك ستنفتح أبواب جهنم!

وقد أصدر ذلك القس بعد ذلك بعامين كتاباً بعنوان: (الحرب النووية والمجيء

الثاني) ، عقد فيه فصلاً عن الحرب إلي ستشنها روسيا، وتكهن فيه بأنها ستخوض

حرباً في الشرق الأوسط ينتج عنها إبادة خمسة أسداس جنودها كما تنبأ بذلك سفر

حزقيال، وقال (فالويل) : بذلك سوف يبدأ الاحتفال الأول بقرب عودة الرب، ثم

يأتي الاحتفال الآخر بعد انتهاء معركة الهرمجدون!

ولكن لماذا روسيا بالذات؟ ! في الحقيقة إن روسيا - مع دول أخرى - يزعم

هؤلاء الإنجيليون أن اسماءها قد وردت بالنص في طليعة المشاركين في حرب

الهرمجدون؛ ففي التوراة التي بأيديهم وفي سفر حزقيال على وجه التحديد في

الفصل ٣٨، ٣٩ يرد اسم (روش) وهي كما يقولون: روسيا! و (ماشك) التي

يقولون: إنها موسكو، و (توبال) التي يعتبرون أنها مدينة (تيبولسك) الكبيرة في

روسيا، ويذكر السفر أيضاً بلاد (فارس) وهي بالطبع إيران التي يجزمون بأنها

ستكون مشاركاً رئيساً في حرب هرمجدون، ويترجمون بلاد (كومر) بأنها منطقة

بلدان أوروبا الشرقية كما كانت تعرف في أزمنة التوراة و (توغارما) التي تعني

بلاد القوقاز، ولا ينسون ضم ليبيا التي يعتقدون أنها (بوت) المذكورة في التوراة،

ومنطقة القرن الإفريقي مع إثيوبيا وقد يحشرون معها السودان وجنوب اليمن

(غومر) ، أما العراق فهي (آشور الآثمة) و (بابل الزانية) التي يتحدث كتاب التوراة

عنها بلهجة حنق وغيظ تظن معها أنهم كانوا متحدثين باسم اللجنة الدولية للتفتيش

عن أسلحة الدمار الشامل!

أما (إسرائيل) فهى نفسها إسرائيل التي نعرفها اليوم، والتي لم يجد مؤسسوها

اسماً آخر يصلح لها إلا ذلك الاسم الذي تذكر به في التوراة في الأيام الأخيرة،

والتي ستكون بسببه في بؤرة الأحداث العالمية.

على درب الدمار:

لم يعد احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة مدمرة من الاحتمالات المستحيلة في

ظل السياسات المجنونة للتسلح في العالم؛ حيث بلغت تلك السياسات نقطة اللاعودة

بحيازة الولايات المتحدة الأمريكية للقنبلة الذرية في الأربعينات واستعمالها الفعلي لها

في الحرب العالمية الثانية التي حصدت نحو خمسين مليوناً من البشر!

ومن يومها والولايات المتحدة - فكك الله وحدتها - تقود العالم إلى سباق

نووي شيطاني لا يعلم إلا الله ما هي محطته الأخيرة. واستناداً إلى كتاب: (ساحات

المعارك النووية) لمؤلفيه (وليام آركن) و (ريتشارد فيلد) ؛ فإن الولايات المتحدة

الأمريكية تملكت حتى بداية الثمانينات الميلادية ٦٧٠ أداة للأسلحة النووية في ٤٠

ولاية، بحيث يبلغ مجموع الرؤوس النووية الجاهزة ١٤٥٠٠ رأس، ولها محطات

نووية خارج حدودها، ففي ألمانيا يوجد ٣٣٩٦ سلاحاً أمريكياً، وفي بريطانيا يوجد

١٢٦٨، وفي إيطاليا يوجد ٥٤٩، وفي تركيا ٤٨٩، وفي اليونان ١٦٤، وفي

جنوب كوريا ١٥١، وفي هولندا ٨١، وفي بلجيكا ٢٥، وتبلغ القوة التدميرية

الإجمالية لهذا السلاح النووي - كما ذكر ذلك وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (كلارك

كليفورد) - مليون ضعف من قوة القنبلة التي أسقطها الأمريكيون على مدينة

هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، ورغم هذا، تساءل (كليفورد) عما

يجب أن تفعله أمريكا في المستقبل فقال: مع ذلك، ماذا علينا أن نفعل؟ ! ثم أجاب

على نفسه قائلاً: علينا أن نمضي قدماً في صناعة المزيد! !

وهل من مزيد؟

نعم؟ فهم لما بدؤوا السباق في مضمار الدمار الذي اخترعه (نوبل) رمز

السلام النووي، اضطرت القوى الكبرى الأخرى أن تدخل السباق لتتمكن من ردع

تلك القوة المجنونة التي صبت جام جنونها على هيروشيما ونجازاكي، ثم تتابعت

الدول في حيازة ذلك السلاح (الهرمجدوني) حتى أصبحت الدول النامية تتسابق الآن

هي الأخرى إلى حيازته، كما حدت في الهند وباكستان، وأصبحنا الآن نعيش

عصراً تقتطع فيه الدول من أقوات الشعوب، لتطعم ترساناتها بكل جديد مهلك من

السلاح، فإذا لم تظفر بظروف تختطف فيها فرصتها النووية فإنها تبذل المساعي

لامتلاك أسلحة كيمياوية أو بيولوجية، أو تكتفي بالتجهيز لامتلاك صواريخ بالستية

ريثما تتوفر لها الفرص لتزويدها بالرؤوس النووية التدميرية. وقد ذكرت مجلة

(جنيس ديفنزويكلي) المتخصصة في الشؤون الدفاعية التي تصدر في لندن في

عددها الصادر في شهر مايو ١٩٩٩م: أن أي دولة في العالم مهما كانت خبراتها

وقدراتها الحالية، ستتمكن خلال خمسة عشر عاماً بعد العام ٢٠٠٠م من استخدام

ونشر الصواريخ البالستية العابرة للقارات، واستشهدت المجلة على تنامي أخطار

التسلح بما حققته دول مثل إيران التي اختبرت عام ١٩٩٨م صاروخ (شهاب ٣) ،

وكوريا الشمالية التي جربت صاروخ (تايبو دونج ١) وباكستان التي اختبرت

صاروخ (غوري) رداً على اختبار الهند لصاروخها (إجني) !

وهل توقف الأمر بعد الدول الكبرى عند حد الدول الفقيرة والنامية؟ ! لا؛

فالحديث الآن يتداول في الغرب بكثرة عن الفرص المتاحة أمام بعض الجماعات

المسلحة في الغرب وفي الشرق لكي تحوز أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو حتى

نووية تكتيكية [١١] والفضل في النهاية - أقصد الإثم - يعود إلى فجور المفجِّرين

الأوَل للقمقم الذي أخرجوا منه المارد النووي على مشارف النصف الأخير من

القرن العشرين.

وأين اليهود؟ !

هم من جانبهم أعدوا عدتهم بحصيلة نووية (متواضعة) تتراوح بين ٢٠٠ إلى

٣٠٠ قنبلة نووية، وهم لن يحتاجوا لأكثر من ذلك إذا قسَّموا هذه الحصيلة على

العواصم المحيطة (المحبة للسلام) بواقع عشر قنابل لكل عاصمة! علماً بأن الغرب

وعلى رأسه الأمريكان لم يسمحوا لواحدة من تلك العواصم العربية بالاقتراب من

حيازة قنبلة واحدة نووية لردع الجارة الجائرة (إسرائيل) !

إن هذه الدولة اليهودية (الصغيرة) بل الحقيرة تمسك بتلابيب الغرب

النصراني مبتزة إياه باقتنائها المتفلت لأسلحة الدمار الشامل، وهي تفرض بذلك

هواجس دائمة بأنها تملك جره إلى حرب مباشرة، كما حدث في حرب ١٩٧٣م

عندما هددت (إسرائيل) في بدايتها باستعمال السلاح النووي مما دفع الرئيس

الأمريكي الأسبق إلى أن يعلن استنفاراً نووياً من الدرجة الثالثة من الاستعداد في كل

أنحاء العالم، وتكرر هذا الابتزاز في حرب الخليج عندما أطلق صدام حسين

صواريخه على تل أبيب، ولكن اليهود مع هذا يعلمون أنهم سيكونون أول ضحايا

حرب نووية في المنطقة، ولهذا؛ فإنهم يعتمدون ما يسمى بـ (الخيار

شمشون) [١٢] ومعناه: أنهم سيضحون بالجميع إذا ترجح عندهم أنهم يواجهون خطر الاستئصال.

الأخطاء المقصودة والعصمة المفقودة:

وفي ظل هذا الواقع الرهيب - إن كان له ظل - هل يملك المالكون لأزمة

الآلة العسكرية في بلاد الغرب أو الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى، هل

يملكون عصمة تمنعهم من فتح أبواب الجحيم الدنيوي ولو على سبيل الخطأ؟ !

إن من سوء حظ البشرية تحت القيادة الغربية، أن الشواهد كلها تدل على أن

السيطرة الكاملة على التنين النووي ذي الرؤوس الذرية - إلى ما لا نهاية - أمر

مستحيل؛ فنحن أمام حقيقة تقول: إما أن تُفني البشرية هذا الخطر أو يفنيها، إلا

أن يشاء الله - تعالى - الرحيم بعباده شيئا آخر ينقذ به الإنسانية من الشر الكامن

فيها؛ وإلا فإفناء البشرية لترسانات الدمار الشامل يحتاج إلى قوة رشيدة عاقلة ذات

دين، وأين هي الآن؟ ! فاللهم رحماك!

والآن يُتْحفنا أرباب الحضارة المعاصرة - بشكل شبه يومي - بأخبار تثير

الفزع، وتبعث على الهلع، يحدثوننا فيها عن كوارث محتملة وأخرى أكيدة ستعم

المعمورة كلها مع مطلع العام ٢٠٠٠ م. إنها ليست بسبب (جنون البشر) هذه المرة، ولكن بسبب (العقل) الذي اخترعوه وطوروه حتى كاد يتحكم فيهم بدلاً من أن

يتحكموا فيه ... إنه (الكمبيوتر) !

فالعالم الآن يُستنفر كلما اقترب موعد بدء الألفية الثالثة، بسبب مشكلة

الكمبيوتر في عام ٢٠٠٠ م أو ما اصطلح على تسميته (العلة الألفية) .. فما هي هذه

العلة؟ وما تعليلها؟ وما آثارها المتوقعة؟ وهل يمكن السيطرة على أخطارها

التسليحية والبيئية والاقتصادية..؟

هذا ما سيكون موضوع حديثنا في المقالة القادمة - إن شاء الله -.


(١) الأيام الأخيرة في المصطلح العبري (أحريت أياميم) وتعني مرحلة أخيرة من الزمان تقع داخل الزمان وتمهد لنهايته الذي يأتي بعده (يوم هدِّين) يعني بالعبرية يوم الدين.
(٢) سفر حزقيال، الإصحاح الثامن والثلاثون.
(٣) بروتوكولات حكماء صهيون - ترجمة خليفة التونسي - البروتوكول الخامس، ص ١٢٣.
(٤) الحرب العالمية الثانية شارك فيها نحو ٨٥ مليون جندي، وفني في تلك الحرب نحو ٥٠ مليون من البشر.
(٥) قارن بين هذا (التسامح) مع الأحزاب القائمة على أساس ديني (مسيحي) في بلادهم، وبين ذلك الرفض الهستيري منهم للتمكين لأي حزب يقوم على أساس ديني إسلامي في بلادنا نحن! .
(٦) بالمناسبة، فإن السيناتور (بوب دول) هو الذي وضع مشروع القانون الذي يطالب الحكومة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بهدف كسب تأييد الأصوليين الإنجيليين في معركته ضد كلينتون، وأقر الكونجرس ذلك المشروع في ٢٤ أكتوبر ١٩٩٥م، ثم عاد فأكد القرار في يونيو ١٩٩٧م.
(٧) الصين على وجه التحديد هي أول من يمثل معسكر (يأجوج ومأجوج) في اعتقاد الإنجيليين! .
(٨) النبوءة والسياسة، ص ٤٩.
(٩) النبوءة والسياسة، من المقدمة لمحمد السماك.
(١٠) هم يدربون العقل البشري من الآن على استيعاب معنى هذه اللاإنسانية، كما حدث في البوسنة ويحدث الآن في كوسوفا.
(١١) تحدثت (مادلين أولبرايت) أمام الكونجرس في ٤/٢/١٩٩٩م عن ذلك الخطر فقالت: إن إدارة الرئيس كلينتون تعتزم بذل كل ما بوسعها لدحر ما وصفته بـ (الخطر الثلاثي) المتمثل في دول وتنظيمات إرهابية وشبكات متطرفين تمتاز بحرية في الحركة وقالت: إن نوعاً جديداً من المواجهة يلوح؛ بينما القرن الجديد يبدأ وأضافت: من المحتمل أن يتجنب خصومنا ميادين القتال التقليدية، وقد يلجؤون بدلاً من ذلك إلى أسلحة الدمار الشامل وأعلنت أولبرايت في كلمتها عن برنامج جديد تبنته الولايات المتحدة يمتد لخمس سنين لمواجهة (الإرهاب) وخصصت له الإدارة الأمريكية ٥٠ بليون دولار وقالت: إن الخطة الخمسية تمثل مجرد بداية [الحياة، ٦/٢/١٩٩٩] .
(١٢) يراجع في ذلك كتاب: (الخيار شمشون أسرار وخفايا الترسانة النووية الإسرائيلية) تأليف سيمور هيرش، دار الكتاب العربي، وشمشون هو أحد (أبطال) الأساطير اليهودية الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه.