للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حمَّى سنة ٢٠٠٠

(الحلقة السابعة)

[العلة الألفية ... والأسرار الخفية]

عبد العزيز كامل

هذه الحلقات

تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن

الميلادي الذي أوشك على الانتهاء. ولا يفصل بيننا وبين العام ٢٠٠٠ للميلاد سوى

شهور معدودة، ومن اللافت للنظر أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية

التي يربطها أصحابها بحلول ذلك العام؛ مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود

أفعال قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا؛ وذلك كلما اقترب

الوقت من العام ٢٠٠٠ وما بعده، وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها

لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل.

وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر، وتحليل أسبابها،

ودوافعها، ورصد التوقعات المنتظرة بسببها، يتم نشرها إن شاء الله في حلقات

منفصلة.

- البيان-

شاء الله - تعالى - أن تتجلى عظمته في الخلق بخلق الإنسان، وشاء -

سبحانه - أن تظهر عظمة عقل الإنسان باختراعه لهذا الجهاز العجيب: الحاسوب، أو (الكمبيوتر) فهو يدل على ذكاء خارق لدى المخلوق الآدمي، ولكن الإنسان هو

الإنسان في ضعفه وعجلته وجهله.

[وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً] [النساء: ٢٨] ، [إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً]

[الأحزاب: ٧٢] ، [وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً] . [الإسراء: ١١] .

وقد اجتمعت آثار تلك الصفات البشرية المتناقضة: الذكاء مع الجهل والظلم

مع الضعف في صنعة الإنسان (الحاسوب) الذي مثّل حتى الآن الذروة فيما يمكن أن

تصل إليه إمكانات البشر العقلية؛ فبينما تبدّت ملامح الذكاء والدقة والإتقان في هذا

الجهاز، بدت فيه - من نواحٍ أخرى - المظاهر الدالة على قصر النظر والعجلة

والضعف، فيبدو أنه لم يكن في حسبان من ابتكروا أجهزة الحاسوب قبل نحو ٥٠

سنة أن تلك الأجهزة سوف يجرى تشبيكها في وقت لاحق بغيرها، ولم يكن في

حسبانهم أن الشبكات التي أنشئت هكذا ستصبح عاملة حسب أنظمة سارية المفعول

حتى بلوغ القرن نهايته. وكان لسوء الفهم أو سوء التدبير فيما يتعلق بهذا الشأن

ثمار مرة وآثار مدمرة يمكن أن تجني على الإنسان بدلاً من أن يجني هو منها ما

يريد.

فالمشكلة التي اصطُلح على تسميتها بـ (العلة الألفية) أو (علة القرن) أو

(حشرة ٢٠٠٠م) أو (بقة ٢٠٠٠م) ، تكمن في أن أجهزة الكمبيوتر التي جسدت فتنة

الإنسان بعقله سوف تعتقد في الأول من يناير عام ٢٠٠٠م، أنها عادت إلى مطلع

العام ١٩٠٠م بسبب استخدام الرقمين الأخيرين فقط للدلالة على السنة، وهنا

ستضرب تلك الأجهزة الحاسوبية أخماساً في أسداس، وسينشأ تخوف حقيقي بسبب

عدم تمكن الأنظمة المبرمجة من التفريق بين عامي ٢٠٠٠م و ١٩٠٠م الذي ينتهي

كل منهما بصفرين، مما سيُحِدث خطأً في قراءة تلك الأنظمة لرقمي (٠٠) في

الأول من يناير عام ٢٠٠٠م، على أنها إشارة إلى عام ١٩٠٠م؛ مما يعني أن

كثيراً من الأنظمة المبرمجة ستتعطل أو تتوقف عن العمل. وبمعنى آخر: بعض

هذه الأجهزة ستُضرب عن العمل، وبعضها سيعمل (على مزاجه) وبعض آخر

سيستمر في العمل بنشاط، ولكنه سيعطي معلومات خاطئة، ولا يسلم منها إلا ما

يتم علاج علته (الألفية) قبل بدء الألفية.

والمشكلة هنا ليست في تعطل الأجهزة كلها أو بعضها، ولكن المشكلة فيما

سيترتب على تعطلها من أخطار تتمثل في الانقطاع أو الانهيار الذي يمكن أن

يصيب قطاعات حيوية عديدة مثل الاتصالات والمواصلات ومراكز المال والمرافق

الطبية والصناعية وغيرها، والأخطر من ذلك مجالات استخدام الأسلحة والدفاع

والطيران ونظم البيئة.

أبعاد المشكلة:

أولاً: البعد الزمني: هذه المشكلة ليست متعلقة فقط بمطلع العام ٢٠٠٠م، بل

يتوقع الخبراء أن تستمر لأشهر أو سنوات بعد يناير ٢٠٠٠م.

البعد المكاني: يتوقع أن تأخذ المشكلة بُعداً دولياً؛ فهي لن تقتصر على دولة

أو دولتين أو قارة أو قارتين، بل يتوقع أن تفرض نفسها على القارات الخمس

والدول جميعها، وقد وصلت الأزمة في مستواها الدولي إلى حد تَدخّل الأمم المتحدة

التي عقدت في عام ١٩٩٨م أول مؤتمر دولي للتصدي لمشكلة ٢٠٠٠م، وأصدر

المؤتمر الذي ضم مندوبين عن أكثر من ١٣٠ دولة قراراً يهيب بدول العالم أن

تعمل بصفة عاجلة على مضاعفة الجهود لمعالجة المشكلة، ويدعو إلى مزيد من

التعاون الدولي في هذا المجال، ومع هذا الاهتمام الاستثنائي من الأمم المتحدة

بمشكلة من ذلك النوع، فإن بعض الخبراء يتهمونها بالإهمال؛ لأن اهتمامها

بالمشكلة جاء متأخراً، وأن ما جاء به مؤتمرها من توصيات لا يكفي لتدارك الخطر

الذي سيحيق ببلدان العالم عندما يحل عام ٢٠٠٠م.

البعد الاقتصادي: جاء في دراسة تحليلية أعدها المعهد الدولي للدراسات

الاستراتيجية في لندن، ونشرتها الصحف في ٢٧/١/١٩٩٩م، أن المشكلات

الاقتصادية والفنية المترتبة على العلة الألفية لن تتوقف عند حد بدء الألفية الثالثة،

بل يتوقع أن تزداد في الأشهر بل السنوات التي تعقب يناير ٢٠٠٠م، وذكرت

الدراسة أن العديد من المشكلات المنتظرة لا يمكن التنبؤ بجوانبها وأبعادها، وأن

جهود المؤسسات والشركات في محاربتها قد تكون بلا طائل، وحذرت من أن

الأزمة قد تؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي. وقدرت بعض المصادر التكلفة العالمية

الإجمالية لعلاج المشكلة بنحو ٦٥٥ مليار دولار.

وفي تطور يمثل انعكاساً لقلق بالغ، عقدت في مقر أمانة صندوق النقد الدولي

ندوة عالمية في منتصف إبريل ١٩٩٩م، شارك فيها خبراء من البنك الدولي،

وتحدثوا عن مشكلة ٢٠٠٠م وآثارها الاقتصادية المتوقعة، وجاءت توصيات الندوة

بمثابة (صدمة) لجمهور الحاضرين؛ حيث انتهت إلى الحقائق الآتية:

- معضلة القرن هي أكبر بكثير مما يتصوره المهتمون والمتابعون فضلاً عن

غيرهم.

- الاستعدادات الدولية حتى الآن - بما في ذلك الدول المتقدمة - أقل بكثير

مما يعلن عنه.

- الدول التي لديها القدرة على وضع حلول جذرية للمشكلة هي فقط الدول

المتقدمة الغنية.

- الدول النامية والفقيرة هي أكثر عرضة لأخطار الأزمة.

- القطاعات التي ستتأثر أكثر بالأزمة هي قطاعات النفط والغاز والاتصالات

والمواصلات والنظم المصرفية والمالية وقطاعات الكهرباء والماء.

- بعض القطاعات قد تنجح بشكل جزئي في حل المشكلة في الدول النامية،

ولكن هذا النجاح قد يعطله الإخفاق في القطاع نفسه في مكان آخر؛ لأن القطاعات

تعمل بشكل متكامل، والخلل في بعضها سيؤثر حتماً في البعض الآخر [جريدة

الخليج، ١/٥/١٩٩٩م] .

وكانت أصداء الأزمة قد وصلت إلى مستوى القمة الاقتصادية للدول الصناعية

الكبرى (قمة الثمانية) التي عقدت في شهر مايو ١٩٩٨م؛ حيث أصدرت القمة

تحذيراً في بيانها الختامي ينبه إلى أن أزمة اقتصادية عالمية قد تقع بسبب معضلة

القرن. وصدر تحذير مشابه عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس والمنعقد في

فبراير ١٩٩٩م.

ولا يعني سبق الولايات المتحدة في الاهتمام بعلاج المشكلة أنها لن تتجرع

مرارة الأزمة، بل على العكس من ذلك؛ فإن المؤشرات القادمة من هناك تدل على

فواجع اقتصادية كارثية سيتحملها الاقتصاد الأمريكي من جراء الأزمة.

فسينفقونها..:

قدر المختصون في الولايات المتحدة المبالغ التي ستصرفها المؤسسات

الأمريكية لجعل أنظمتها جاهزة لمواجهة مشكلة الألفية بأكثر من ٢٧٦ مليار دولار

أمريكي مما جعل مشكلة ٢٠٠٠م من أعقد المشاكل وأكثرها كلفة فيما يتوقع، ومع

هذا فإنها إذا لم تعالج في الوقت المحدد - أي قبل ١/١/٢٠٠٠م، فإن الخسائر

ستكون أفدح في الأموال، وربما الأرواح.

[جريدة الشرق الأوسط، ١١/٥/ ١٩٩٩ م]

ومما يزيد من قلق الأمريكيين من الآثار المتوقعة لهذه المشكلة، أن الأخبار

المنشورة تدل على أنه بالرغم من الاهتمام البالغ من الحكومة الأمريكية

بالاستعدادات لمواجهة المشكلة، إلا أن كبريات الشركات الأمريكية تتأخر في

مواعيدها لإصلاح علة القرن؛ فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في (١٩/٥/

١٩٩٩م) أن الكثير من هذه الشركات الكبرى لا تكفيها المخصصات المالية المقدمة

لعلاج المشكلة، حتى إن نسبة ٢٢% منها لن تكون جاهزة عندما تدق الساعة معلنة

بداية عام ٢٠٠٠م، وذكرت الصحيفة أن نحو ٧٢% من الشركات جابهت مشاكل

فعلية في إخفاق أجهزتها لدى اختبارها لمواجهة المشكلة، وفي استطلاع أُجري لأخذ

آراء الخبراء فيما يتعلق بالمشكلة ذكرت الصحيفة أن ١٥% يرون أن المخصصات

المالية لعلاج المشكلة لن تكفي، بل سوف تزداد، بينما رجح نحو ٩٢% أن مواعيد

علاج المشكلة سوف تتأخر عن الموعد المطلوب، كما كشف مكتب المحاسبة العامة

في الحكومة الأمريكية أمام إحدى لجان الكونجرس أن ٢٤ وزارة ووكالة رئيسة

وحيوية في الحكومة الفيدرالية لم تنته بعدُ من علاج المشكلة، وأنها متأخرة مدة عام

عن الموعد النهائي المحدد لها، وانتقد مكتب المحاسبة وزارة الدفاع (البنتاجون)

لتلكئها في معالجة المشكلة، مشيراً إلى أنها قد تواجه مشاكل كبيرة.

[جريدة الشرق الأوسط، ١١/٥/١٩٩٩م]

ولكن الجائحة الكبرى المتوقعة في المجال الاقتصادي الأمريكي هي ما أشارت

إليه صحيفة الخليج [٢ مايو ١٩٩٩م] ، بأن الكونجرس ناقش مشروعاً بتحميل

شركات الحاسب الآلي تبعة الإخفاق الذي يمكن أن يحدث في أنظمة الحواسيب؛

حيث أشارت الدراسات إلى أن تكلفة المنازعات القضائية المالية من جراء مشكلة

الكمبيوتر قد تصل إلى تريليون دولار (ألف مليار دولار) وذكرت الصحيفة أن

رئيس مجلس إدارة الاحتىاطي المالي الفيدرالي في الحكومة الأمريكية (آلان

جرنيسبان) طلب من الحكومة توفير مبلغ ٥٠ مليار دولار من العمولات الجديدة قبل

عام ٢٠٠٠م لوضعها تحت بند الطوارئ للتداول إذا حدث هلع عند الناس قد يتسبب

في تأثير سلبي على السيولة المصرفية، ولم يستبعد أن تحدث عملية (تفريغ)

للأرصدة من البنوك التي ستكون في بؤرة المشكلة الألفية!

بعد ١٩٩٩م ... (حرب بلا نصر) ؟ !

عندما ألف الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) كتابه الموسوم بـ

(١٩٩٩م.. نصر بلا حرب) كان يتكهن فيه بأن الولايات المتحدة ستحرز نصراً

حاسماً على خصومها الرئيسيين دون أن تطلق رصاصة واحدة، وقد حدث ما يشبه

هذا بانتهاء الحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتي، واليوم تعيش

الولايات المتحدة والعالم وضعاً معاكساً؛ فإذا صحت كل الأنباء المتواردة عن

الانعكاسات المتوقعة لأزمة ٢٠٠٠م، فإن العالم سيكون في مواجهة حرب غير

معهودة؛ لأنها غير مقصودة، إنها (حرب بلا نصر) فلا منتصر فيها؛ لأن الإنسان

فيها يحارب نفسه، والدول تخوض حرباً في داخلها؛ إنها حرب اللاعدو ضد

اللاعدو، بين العقل الإنساني - الإلهي في خلقته - والعقل الآلي البشري في

صنعته.

أقول: لو صحت كل التقارير المتناثرة هنا وهناك، فإننا سنكون أمام أعجب

حرب في تاريخ البشر؛ فقد حذرت وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي. آي. إيه)

من تقرير أوردته الصحف الأمريكية في (٢٥/٢/١٩٩٩م) من التضاعفات المحتملة

لأزمة الكمبيوتر في عام ٢٠٠٠م، ولفتت الانتباه إلى أن تلك المشكلة قد تسبب

اضطرابات داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتعطل بعض المفاعلات النووية

وأنظمة الأسلحة النووية الاستراتيجية وشبكات الاتصال ومحطات توليد الطاقة

وعمليات شحن النفط.

وذكرت صحيفة الشرق الأوسط في (٢٧/٢/١٩٩٩م) أن اللواء (جون

جوردن) نائب رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية نبه أمام لجنة القوات المسلحة

في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى أنه من المتعذر جداً تقدير حجم الخسائر التي قد

تترتب على هذه المشكلة بالنسبة للبلدان الأجنبية، خاصة روسيا التي تأخرت كثيراً

في معالجة الأزمة، وحذر المسؤول الأمريكي من الخطر الذي تمثله الأجهزة التي

تشرف على عمليات إطلاق الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات من ناحية كفاءة

معدات السيطرة إذا تدنت حرارتها، أو ظهرت أعطال في أنظمة الإنذار المبكر،

مما يعني توجيه معلومات وإرشادات خاطئة، وقال اللواء (جوردن) : إن العالم

النامي يواجه أهم معضلات المشكلة، والبلدان النامية ستكون عرضة للعديد من

الأخطار التي لا يمكن التكهن بها حالياً، وقال أيضاً: إن الولايات المتحدة نفسها لن

تنجو من الخطر في عديد من القطاعات.

وقد انعقدت قمة عالمية في العاصمة الفلالينية (مانيلا) حول المشكلة في أول

مارس ١٩٩٩م، وأعرب (جون كوشينين) رئيس اللجنة الرئاسية الأمريكية [١]

حول مشكلة ٢٠٠٠م عن القلق من الخلل المتعدد الأوجه الذي قد يصيب أجهزة

الإنذار مثل تعطل الشاشات والرادارات، وذكرت صحيفة الشرق الأوسط في (٣/٣

/١٩٩٩م) أن القمة ناقشت الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتلافي الارتباكات التي

يمكن أن يقع فيها العاملون في أجهزة الدفاع في الدول المختلفة، ونسبت صحيفة

الحياة في (٣ مارس ١٩٩٩م) إلى أحد المتحدثين في المؤتمر قوله: (إن الصواريخ

لن تنطلق دون تدخل بشري، ولكن مصدر القلق الرئيس هو الخلل المتعدد الأوجه

الذي قد يصيب أجهزة الإنذار، مثل تعطل شاشات الرادار، وهو الأمر الذي قد

يحدث ارتباكاً وفوضى) !

ونظراً لأن المجال النووي هو أخطر المجالات التي يمكن أن تعكس آثاراً

كارثية إذا تأثرت بالعلة الألفية، فإن الرابطة الدولية للنشاط النووي ركزت اهتمامها

بمتابعة التفاعلات المتوقعة من جراء الأزمة تخوفاً من التأثيرات الخطرة على أنظمة

الإنذار المبكر في مناطق التوتر والنزاع، وقال مسؤولون فيها: إنه حتى لو تم

التوصل إلى حل فني، فإن أصغر خطأ أو إخفاق يمكن أن يتسبب في اندفاع

وتزاحم قد يؤدي إلى خطأ في الحسابات في مناطق غاية في الحساسية مثل البلقان

والشرق الأوسط وجنوب آسيا. [جريدة الشرق الأوسط، ٢٧/١/١٩٩٩م] .

وقد اجتمع في شيكاغو أكثر من عشرة آلاف من المهتمين والزائرين والخبراء

وأصحاب الشركات المصنعة للحاسوبات في أكبر مؤتمر من نوعه في العالم لمناقشة

سبل تأمين الشبكات الالكترونية من بقة ٢٠٠٠م ومواجهة الأخطار التي تهدد العالم

بسببها.

[جريدة الخليج، ٢٣/٥/١٩٩٩م]

ولأجل هذا كله، فقد بدأت الحكومة الأمريكية ما يشبه المناورات الحية،

لمحاربة حشرة ٢٠٠٠م، فقد نشرت دورية (سالت ليك تربيون) الأمريكية في ١٥

مايو ١٩٩٩م، أن سلاح الجو الأمريكي أقام معسكراً قرب مطار ديندوفر على قطعة

أرض بولاية يوتاه، وفرضت عليه حراسة مشددة بغرض استخدامه في اختبارات

الطائرات وأجهزة الرادار والأسلحة تحسباً لتفاعلات علة القرن، وذكرت الصحيفة

أن أفراد طاقم سلاح الجو داخل المعسكر يحرصون يومياً على القيام بتعطيل أجهزة

الرادار والأقمار الصناعية والميكرويف التي يمكنها متابعة الصواريخ الفتاكة التي

يتم إسقاطها قرب المعسكر في عمليات مستمرة للتدريب على التعامل مع ظروف

مختلفة تفرضها العلة الألفية، وتشارك في هذه المناورات طائرات إف ١٦ وإف

١٥.

ومن الواضح أن المخاوف الأمريكية من تأثيرات العلة الألفية تتجاوز حدودها

الداخلية، بل إن مخاوفها من الأضرار الخارجية المتوقعة أكثر من المخاوف

الداخلية، وقد نقلت صحيتفة الشرق الأوسط (٢٣/٣/١٩٩٩) ، عن بعض الصحف

الأمريكية أن الولايات المتحدة تراقب بقلق ما يمكن أن يحدث في العالم بسبب أزمة

الكمبيوتر عام ٢٠٠٠م، وذلك في ضوء التقارير التي ترسم صورة قاتمة للأوضاع

في بعض الدول الهامة بما فيها روسيا والصين وبعض الدول المصدرة للبترول،

وما سيكون لذلك من تضاعفات دولية، وتشكل روسيا مصدر قلق خاص على

الأصعدة الاقتصادية والعسكرية؛ إذ تخشى واشنطن من أن تؤدي أزمة الكمبيوتر

في نهاية الألفية الثانية إلى تشويش الأجهزة التي تتحكم بأنظمة الأسلحة النووية أو

إلى حصول أخطاء وارتباكات في سير أجهزة التحكم والتوجيه مما يمكن أن يشكل

خطورة كبيرة.

وماذا بعد..؟ !

تقارير أخرى تشير إلى أن هناك مخاوف لا تقل خطورة عن الصواريخ

البالستية والرؤوس النووية، وقد حذر منها خبراء أمريكيون أيضاً كما ذكرت ذلك

صحيفة الخليج في (٢٨/٢/١٩٩٩م) ؛ حيث نسبت لبعض الخبراء قولهم: إن

المخاوف من اختلال عمل أجهزة الكمبيوتر عام ٢٠٠٠م يمكن أن يعطل أنظمة

مراقبة تلوث المياه والهواء، وهذا ما أوضحه على وجه الخصوص (ألفريد ليف)

المتحدث باسم الوكالة الأمريكية لحماية البيئة خلال مؤتمر نظمه مجلس البيئة في

كاليفورنيا؛ حيث قال: (إن تكنولوجيا الكمبيوتر من المكونات الأساسية لحماية

البيئة، والمشكلة التي تواجهها الأجهزة عام ٢٠٠٠م، قد تكون لها انعكاسات مدمرة

على البيئة، مثل التسبب في حدوث تلوث عرضي في مياه الشرب أو تسرب

ملوثات سامة) ! وعقد مؤتمر بعنوان: (مشكلة السنة ٢٠٠٠م) في أبو ظبي في ٤/

٥/١٩٩٩م شارك فيه العديد من خبراء المعلوماتية، وتوصلوا إلى أنه لا يوجد حل

جذري للمشكلة، خاصة في قطاع النفط، وتوقعوا أن يؤدي عدم التوصل إلى حلول إلى حدوث اضطرابات في ذلك القطاع يترتب عليه حدوث نقص في إمدادات النفط.

[جريدة الحياة، ٦/٥/١٩٩٩م] .

والشعوب.. إلى أين الهروب؟ !

بالرغم من أن الشعوب في بلادنا العربية والإسلامية تبدو غير مهتمة

بمضاعفات حمى سنة ٢٠٠٠م وأعراضها المختلفة، إلا أنه، وعلى العكس من ذلك؛ فإن الشعوب الغربية تبدو في حالة قلق بالغ يتجاوز حد الاهتمام إلى الاغتمام؛

فحياة الإنسان الغربي في بلاد الغرب - كما هو معلوم - لا تقدر بثمن، في حين أن

حياة أي إنسان آخر غير غربي ليس لها عندهم أي ثمن، ولهذا فإن الأخبار الواردة

من الولايات المتحدة على وجه الخصوص تعكس بوادر مبكرة من حالات الهلع

والفزع والجزع مما يمكن أن تتسبب فيه حشرة ٢٠٠٠م من أذى ينال صميم حياة

المواطن العادي، ونظراً لأن تقنية الإعلام والمعلومات هناك متقدمة للغاية -

بخلاف البلاد النامية - فإن أثر ذلك يظهر في تفاعل الناس مع أي ظواهر جديدة،

خاصة إذا كان لها تعلق بالمصالح والحياة الخاصة، وفي نبأ لوكالة رويتر نشرته

الصحف في ٦/٣/١٩٩٩م، قالت الحكومة الأمريكية إنها وضعت خططاً طارئة

للأمريكيين المقيمين أو المسافرين إلى الخارج في مستهل الألفية الجديدة لمواجهة أي

خلل واسع النطاق قد يحدث في أداء أجهزة الكمبيوتر، وأشارت وزارة الخارجية

الأمريكية إلى أنها تتخذ منذ مدة خطوات للتجهيز للمواجهة الخارجية للمشكلة لحماية

المواطنين الأمريكيين في الخارج، منها أنها طلبت من جميع السفارات الأمريكية

تخزين إمدادات تكفي لمدة ٣٠ يوماً تحسباً لأي عزلة قد تتعرض لها، وأضاف

مسؤول الخارجية: (إن الذعر من مشكلة الألفية الثالثة قد يدفع المستثمرين لسحب

الأموال، فتنعدم الثقة في البنية الأساسية لبعض البلاد مما قد يدفع الشركات العالمية

لإغلاق عملياتها) وتابع: (كل هذا قد يسبب انهياراً لأي اقتصاد هش، أو لأي

حكومة تعاني صراعاً داخلياً) .

وفي خبر آخر أوردته صحيفة الحياة في (٦/٣/١٩٩٩م) أن لجنة من مجلس

الشيوخ الأمريكي تختص بالتعامل مع مشكلة الألفية الثالثة، نصحت وزارة

الخارجية الأمريكية أن توجه تحذيراً للأمريكيين من السفر للخارج إذا تدهورت

الأحوال في دول معينة، أما إذا ظهرت مشاكل أكثرة حدة، فإن وزارة الخارجية

يجب أن تحث الأمريكيين على العودة لبلادهم) !

وقد ظهرت من الآن آثار التجاوب مع تلك النذر؛ فقد نشرت الصحف أن

توقع حدوث مشاكل وحالات من الفوضى في الولايات المتحدة بسبب مشكلة القرن،

دفع قيادات الحرس الوطني الأمريكي في العديد من الولايات إلى بدء تدريبات

خاصة لمجابهة الطوارئ التي يمكن أن تنجم عن انهيار بعض النظم الكمبيوترية في

مطلع العام ٢٠٠٠م، وذكرت صحيفة الشرق الأوسط تحت عنوان: (الولايات

المتحدة لن تفلت من أزمة عام ٢٠٠٠م) أن جموعاً من الأمريكيين بدؤوا يخزنون

الأغذية والمعلبات والأدوية والمواد الحيوية تحسباً لأي طارئ، كما أن هناك من

أخذوا يسحبون أموالهم من البنوك خشية أن تتوقف أجهزتها عن العمل في مطلع

العام المقبل.

ومثل تلك الأخبار القليلة المنشورة عن التحسبات الوجلة من مقدم الألفية،

تُشعر بأن هناك نوعاً مّا من التكتم أو على الأقل اللامبالاة أو التعمية على تفاصيل

الأزمة المنتظرة وخلفياتها - على الأقل في وسائل الإعلام العربية - وإلا، فكيف

يمكن لأزمة بهذا الحجم العالمي - ولو كانت توقعات - ألاّ تأخذ حيزاً بارزاً في

اهتمامات الإعلام المسموع والمشاهد والمقروء؟ ! خصوصاً أن كل التوقعات تشير

إلى أن البلاد النامية سوف تكون في مقدمة الدول المتضررة من علة القرن!

إن الاهتمام فقط ينصبّ - بشكل جزئي - على حسابات البنوك وميزانيات

الشركات ونحو ذلك مما ينشر في الزوايا الاقتصادية، وهو ما أوجد اهتماماً هامشياً

بالمشكلة، أو لم يوجِد اهتماماً على الإطلاق! وبعض الناس يظن أنها مجرد مشكلة

فنية تقنية تهم شركات الكمبيوتر فحسب، ونظراً لأن تقنية الحاسب الآلي لا تزال

حديثة في بلادنا العربية والإسلامية، فإن الشريحة المهتمة بها لا تزال محدودة،

ولكن ما حدث في السنوات والشهور القليلة الماضية حول ظاهرة (الفيروسات)

بدأت تعطي انطباعاً بأن الكمبيوتر يمكن أن يكون ميداناً لحرب أشبه بحروب

الأشباح، مع فارق أن خسائرها حقيقية.

وبرغم الاختلاف في طبيعة مشكلة الفيروسات عن مشكلة العام ٢٠٠٠م، إلا

أن مشكلة الفيروسات هذه تعطي مؤشراً عن الأخطار المضاعفة لسوء استغلال تقنية

الحاسب الآلي.

فيروس تشرنوبيل ... نموذج مصغر:

فيروس المعروف بـ (تشرنوبيل) ظهر لأول مرة في شهر يونيو ١٩٩٨م في

جنوب شرق آسيا، ليبدأ نشاطه في ٢٦ من الشهر نفسه، ثم تم إصدار نماذج

أخرى منه لتعمل في أوقات مختلفة بعضها في ٢٦ من كل شهر ميلادي، وبعضها

ينشط في ٢٦ من إبريل من كل عام.

والفيروس كان قد تم تفعيله في الذكرى الثالثة عشرة لكارثة المحطة النووية

الأوكرانية في الاتحاد السوفييتي السابق في ٢٦ من إبريل عام ١٩٨٦م، وهو

يصيب البرامج بسرعة ويؤدي إلى محو مضمون القرص الصلب والقرص المدمج

في الكمبيوتر، وقد سجل فيروس تشرنوبيل في شهر إبريل من عام ١٩٩٩م خسائر

فادحة في أجهزة الكمبيوتر المستعملة في الدوائر الحكومية والقطاعات الحيوية

والأجهزة الشخصية على مستوى العالم؛ فقد بلغ عدد الأجهزة المصابة في كل من

أوروبا وروسيا ٣٠٠ ألف جهاز، فيما تجاوز العدد المليون من الأجهزة في

الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثرت قطاعات عديد من دول العالم الثالث، وأول

الدول التي أُعلن عن الأضرار الجسيمة فيها (بنجلاديش) وتأثرت قطاعات متعددة

في العالم العربي ودول الخليج بالفيروس المفترس، ولكن الأحجام الحقيقية

للأضرار لم تعلن لأنه لا توجد إحصاءات دقيقة متعلقة بها، إضافة إلى أن هناك

جهات كثيرة متضررة - خاصة في المجال التجاري والاستثماري - امتنعت عن

الإعلان عن الأضرار التي لحقت بها خشية أن تصاب بأضرار أشد من جراء تأثر

سمعتها تجارياً ومالياً بالحديث في مثل تلك الأمور.

لقد أصبحت الفيروسات (الإلكترونية) أشبه ما تكون الآن بالفيروسات

(البيولوجية) ولسوء الحظ فإن حرب الفيروسات - التي بدأت الآن - لا تقل في

آثارها التدميرية عن الحروب البيولوجية التي لم تنتشر بعد على نطاق واسع، وإذا

كانت الفيروسات البيولوجية كما هو معروف يمكن أن يشنها فرد أو مجموعة أفراد

ضد دولة بأكملها، فإن حرب الفيروسات الإلكترونية يمكن أيضاً أن يشنها فرد أو

مجموعة قليلة من الأفراد، وهذا ما حدث للآن فيما يتعلق بفيروس تشرنوبيل الذي

يقال إن وراءه شخصاً واحداً في مكان واحد من العالم [٢] .

ولكن قد يقال:

ما علاقة مجمل ما ذكر في هذه الحلقة، بمجمل ما ذكر في الحلقات السابقة

عن الخلفيات الدينية العقدية للأعراض المختلفة لحمى سنة ٢٠٠٠م؟ !

والجواب: ليست هناك علاقة مباشرة من الناحية الدينية الاعتقادية؛ فعارض

مشكلة الكمبيوتر لعام ٢٠٠٠م لا يربطها بعقائد اليهود والنصارى رابط معين؛ لأنها

ظاهرة معلوماتية وليست عقدية، ومع ذلك فالمتوقع أن يتخذ العقائديون منها ذريعة

لزرع المزيد من نباتات الأساطير الدينية التي تنتج في الغرب الآن أشجاراً من

الخرافة يمكن أن تناطح السحاب طولاً، ولكنها في ضوء الحق والحقيقة [مَثَلُ

كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ] [ابراهيم: ٢٦] .

نعم! فالعقائديون الأصوليون، وخاصة طوائف البروتستانت المتعصبين

يتبنون في أدبياتهم المعلنة مقولات تدل على إيمانهم بأن المسيح المنتظر لن يأتي إلا

بعد فترة من الأزمات المتواصلة، والكوارث المتتابعة والانهيار الاقتصادي -

إضافة إلى الحروب التقليدية والنووية، ولما كانوا يتصايحون الآن في كل

المنتديات بأننا نعيش الأيام الأخيرة قبل قدوم المسيح؛ فما الذي يمنعهم من أن

يصبغوا تلك الاضطرابات المتوقعة بصبغة دينية، لا على أنها يمكن أن تكون

عقوبات إلهية لردع التمرد البشري، ولكن على أنها (آلام المخاض) الذي يسبق

ميلاد العصر الجديد، عصر الخلاص؟ !

تقول الكاتبة الأمريكية (جريسي هالسل) : (إن رجالاً من أمثال جيري فالويل، وهول ليندسي وبات روبتسون وغيرهم من قادة اليمين المسيحي، يعتقدون أن

الكتاب المقدس يتنبأ بالعودة الحتمية للمسيح بعد مرحلة من الحروب النووية

والكوارث الطبيعية والانهيار الاقتصادي والفوضى الاجتماعية، إنهم يعتقدون أن

هذه الأحداث يجب أن تقع قبل العودة الثانية، كما يعتقدون أنها مسجلة بوضوح في

الكتاب المقدس) [٣] .

فالبشرية - حسب معتقدهم في الغرب - يجب أن يموج بعضها في بعض في

الأيام الأخيرة، ولا بد أن تعم أنواع من الفوضى قبل قدوم المسيح. وفي الغرب

الآن حركة (تبشير) واسعة النطاق بهذه الفوضى الألفية المتوقعة، بعضها يأخذ

الشكل الديني الوعظي، وبعضها يأخذ الشكل الفلسفي التأملي، والبعض الآخر يأخذ

الشكل السياسي أو الاجتماعي التحليلي.

يقول (زيغنيو بريجنسكي) [٤] في كتابه: (الفوضى ... الاضطراب العالمي

عند مشارف القرن الحادي والعشرين) [٥] : (لن يكون الخطر القادم عشية القرن

الحادي والعشرين ناجماً عن تطور الوعي السياسي على الصعيد العالمي، بل من

حقيقة أن الجماهير الناشطة سياسياً خارج المجتمعات الديمقراطية، لم تزل تعيش

مرحلة أولية من الوعي المتميز بهوية ذاتية ضيقة قائمة على درجة عالية من

المبالغة العرقية، هذا القول يعني أن المزاج العام سيظهر في الغالب من خلال

أفكار بدائية تستجيب للنداءات العصبية السياسية منها والدينية) !

والفوضى التي يتحدث عنها بريجنسكي ليست وقفاً على المجتمعات (غير

الديمقراطية) كما يقول؛ بل لا يستبعد أن تنبعث أساساً من المجتمعات الديمقراطية

جداً فبقدر ما يوزع الغربيون توقعاتهم السوداوية على أنحاء الكرة الأرضية مع مقدم

الألفية الثالثة، على قدر ما يخفقون في إخفاء المخاوف من نشوء الاضطرابات

والفوضى الداخلية في مجتمعاتهم؛ ففي جلسة استماع في الكونجرس الأمريكي في

٤/٢/١٩٩٩م، حذر (لويس فريه) المدير العام لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي

من أن المتطرفين الإنجيليين وأعضاء الجماعات الدينية والرؤيوية [٦] قد يتحولون

إلى العنف مع حلول القرن الحادي والعشرين، وبعد أن حذر من تنامي الخطر

الإسلامي على الولايات المتحدة من الخارج قال: (يجب ألا نتجاهل التهديد من

المتطرفين الإنجيليين داخل أمريكا، خصوصاً مع مقدم الألفية الثالثة) وتابع يقول:

(إن احتمال حدوث أعمال عنف من جماعات محلية وارد؛ فمع قدوم عام ٢٠٠٠م،

قد تجنح هذه الجماعات إلى العنف بهدف افتعال أحداث مثيرة تستغلها لتحقيق

النبوءات التي تؤمن بها) .

وقد تكون علة القرن تعليلاً لبعض التشنجات التي يمكن أن يعايشها الألفيون

استغلالاً للفوضى المتوقعة أو إنتاجاً للمزيد منها؛ فقد حذر بعض المهتمين بعلة

الألفية (الخليج، ٢٣/٥/١٩٩٩م) من أن بعض المغامرين يمكن أن يستغلوا بتعمد

وسبق إصرار الارتباك المتوقع حدوثه ابتداء من ١/١/٢٠٠٠م بغية الوصول إلى

مواقع الأسرار ذات الشأن في مراكز الأبحاث والمؤسسات العسكرية لبعض الدول،

أو بغرض التحايل على البنوك أو محاولة الاستيلاء على أموال الشركات، وقد أذيع

بالفعل منذ مدة خبر اختراق أحد المراهقين لمراكز المعلومات داخل وزارة الدفاع

الأمريكية (البنتاجون) !

أم النبوءات:

ما هي هذه النبوءات التي من أجلها يستسيغ هؤلاء أخبار شقاء العالم بل قد

يتلذذون بها؟ إنها بعض ما أشرت إليه في الحلقات السابقة؛ ولكن فوق كل هذه

النبوءات النبوءة الكبرى عن عودة المسيح التي عاش النصارى ألفي عام مشتاقين

إليها، وظلوا خلال ذلك يتلون نصوصاً من الإنجيل تُرسّخ في قلوبهم انتظارها

وانتظار أيامها بحلوها ومرها. يقول القس (روبر كليمان) في كتابه: (إيماننا الحي) ، ص ٥٢٧: (عند مجيء المسيح تتزعزع الخليقة كلها، وَسَيَدُلّ مجيئه على انتهاء

الزمن القديم، وتظهر بداية الزمن الجديد؛ حيث يشمل الخليقة كلها ببركته، ولذلك

سُمي هذا اليوم الأخير: يوم المسيح، أي يوم مجيء الرب وحضوره) !

فللنصارى مسيح ينتظرونه قريباً ... كما أن لليهود مسيحهم المنتظر منذ أمد

بعيد، وكل من هؤلاء وأولئك يهيئون العالم الآن - في زعمهم - لمخرج المسيح

الذي يؤمنون به، فمن هو هذا المسيح المنتظر عند الأمتين الضالتين؟ وما هي (أمّ

النبوءات) المتعلقة بمجيئه عند كل منهما؟

وهل سيأتيان ويجيئان؟ وهل نحن نعيش بالفعل مقدمات ذلك الخروج؟ !

هذا ما سنعرض له في حديث مفصل في لقاء قادم - بإذن الله تعالى -.


(١) هي لجنة شكلها الرئيس الأمريكي تابعة للبيت الأبيض وأطلق عليها، لجنة التحول لعام ٢٠٠٠م.
(٢) أشيع أنه من تايوان، وأنه ألقي القبض عليه، ولكن أستبعد أن يلقى القبض على شخص بهذه الخطورة دون أن تنشر صورته أو اسمه أو تعلن أي تفاصيل عن القبض عليه.
(٣) النبوءة والسياسة (المقدمة) .
(٤) شغل بريجنسكي منصب مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي أثناء رئاسة الرئيس الأسبق جيمي كارتر.
(٥) الفوضى: تأليف زيغنيو بريجنسكي، ترجمة مالك فاضل، ط ١٩٩٨م، ص ٥٣.
(٦) أي التي تعتمد على ما تعتقد أنه رؤى الأنبياء والملهمين.