للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

[الإعلام والتغيير الاجتماعي]

الحديث بكثرة عن موضوع ما من خلال أكثر من منبر ولسان، والدندنة حوله

بالحق والباطل حتى يبدو للناس وكأنه تيار كاسح أسلوب يسلكه بعض من يحملون

هَمَّ التغيير لتمرير طروحاتهم بحجة أن هذا هو التيار العام في هذا المجتمع أو ذاك، وأن الوقوف أمامه ضرب من الحمق، وأن الواجب هو التعامل معه والتسليم به

دون مواجهة. وهذا الأسلوب يظهر واضحاً في أكثر من مناسبة في أغلب

المجتمعات - إسلامية أو غير إسلامية - عند حدوث صخب فكري أو سياسي أو

اجتماعي حول قضية معينة أو خلال حملة انتخابية لشخصية سياسية أو بلدية؛ إذ

يلجأ مُلاَّك الإعلام والمتنفذون فيه إلى أسلوب الحشد واحتكار الأصوات لمحاصرة

المتلقين ذات اليمين وذات الشمال بالحديث في نسق واحد عن رأي أو دعوة يريدون

لها الانتصار والانتشار فيجعلونها محور حملاتهم الإعلامية.

ومُلاَّك الإعلام بجميع أنواعه يتكئون على حتمية نفسية واجتماعية تقول: إن

المعلومة وإن كانت كاذبة، والفكرة وإن كان أنصارها قلة، قد تتحول في عقول

الأفراد إلى عكس ذلك إذا كثر تردادها وبدا للجماهير أن الناس يؤيدونها (وإن كان

الواقع بخلاف ذلك) ؛ ولذا فإن الحملات الانتخابية في كل مكان تصاحبها حملات

استطلاعات الرأي التي وإن كان الأصل فيها أنها تعبر عن رأي الجماهير حول ذلك

الأمر أو ذلك الشخص إلا أنها قد تكون سائقاً للجماهير إلى هذا الأمر أو ذاك من

حيث لا يشعرون. فمقالات تنشر اليوم في مجلات وجرائد متعددة تنادي بفكرة أو

تطبل لشخصية مصحوبة ببضع برامج متلفزة حول الموضوع نفسه في مساء ذلك

اليوم كافية لجعل استطلاعات الرأي صباح اليوم التالي تصب في الاتجاه الذي يراد. وعندما يفاجأ أصحاب الرأي الآخر بتلك الجماهيرية التي تؤيد ذلك الرأي يسقط

نصفهم في منتصف الطريق.

هذا الأمر وإن كان ظاهراً في الدول التي تطبق ما يسمى بالديموقراطية

الغربية، إلا أنه أصبح منهجاً يسلكه غيرهم في سبيل تحقيق ما يريدونه من تغيير؛

خصوصاً في تلك المجتمعات الإسلامية التي تتصارع عليها تيارات التغريب

ودعوات تجفيف المنابع بحكم صمودها مِن قبلُ في وجه الفكر الاشتراكي، ومِن بعدُ

في وجه الفكر الغربي (الليبرالي) .

ومن التطبيقات البارزة لهذه الظاهرة: (قضية المرأة) ؛ فلقد كانت - ولا

زالت - قضية صمود المرأة المسلمة خصوصاً في بعض المجتمعات الإسلامية

مسرحاً لمنازلات متعددة بين أنصار المرأة المسلمة وأعدائها، هذه المنازلات

تتفاوت من مجتمع لآخر حسب مستوى التغريب الذي وصل إليه.

فمن بلد إسلامي سيطر عليه العلمانيون تُمنع المرأة فيه من مجرد غطاء

الرأس، وتُهدد بحرب استئصالية، ومحاكمة الحزب الذي تنتمي إليه بهذه التهمة بل

الجريمة في زعمهم إلى مجتمع سبقت فيه الصحوة الإسلامية غيرها؛ حيث تنطلق

دعاوى التحرر والاختلاط ونزع حجاب الوجه مصحوبة بحملات إعلامية منظمة

عبر منافذ إعلامية مقروءة ومرئية تشبه في فلسفتها الضربات الجوية العسكرية التي

تهدف إلى إنهاك الخصم تمهيداً للانقضاض عليه. هذه الحملات الإعلامية

استخدمت سلاح الحشد والأرقام المضللة مصحوبة بتلميحات وجداول زمنية للتغيير، ووضع هذه الحملة في قالب المصلحة المتوهمة والحرص على رقي المجتمع.

ورغم إخفاق تلك الحملات وانكشافها ووقوف الرأي العام ضدها فإنها أثارت

عدداً من التساؤلات والوقفات الجديرة بالتأمل. ومنها:

- ليس بمستغرب أن يتفنن دعاة أي فكرة ومنهج ويستميتون من أجل بث

فكرتهم ومنهجهم؛ وإنما المستغرب هو التقاعس عن ذلك.

- التيارات العلمانية رغم أنها نخبوية - حسب زعمها - إلا أنها تيارات

منظمة، لها أهداف قريبة وأخرى بعيدة المدى، وهي تستخدم الإعلام والاحتكار

الفكري من أجل بث شعور كاذب في المجتمعات بأن طروحاتها تمثل رأي السواد

الأعظم.

- يوماً بعد يوم يزيد الاستقطاب بين الإعلام من جهة وبين المجتمعات

الإسلامية من جهة أخرى، مما ينذر بأخطار تربوية على الناشئة؛ فبعض ما هو

محرم وممنوع في البيوت والمدارس وكتب الفقه وبرامج الفتوى والمساجد مباح في

وسائل الإعلام! هذا التناقض قد يستطيع أصحاب الحكمة التعامل معه على مضض، بخلاف الشباب والفتيات الذين يعيشون في طور المراهقة وطور النمو العقلي.

- لا بد أن يعي الإعلام الإسلامي دوره وواجبه في الوصول إلى عيون وآذان

المجتمعات، لتسمع صوتاً آخر، وترى صورة أخرى. فمن غير المعقول الانشغال

فقط بمخاطبة الذات وترك الجماهير للآخرين. لقد كان الإعلام ورجاله يُسمَّون

بالسلطة الرابعة في أي مجتمع، وها نحن نراهم اليوم في مراكز أكثر تقدماً.

- يجب تربية المجتمعات والأفراد على أن يكون معيار القبول والرفض

عندهم هو ميزان الشرع والدليل وليس ميزان الكثرة والغلبة الفكرية أو الإرادة

السياسية أو الشعبية.

- يجب أن يكون للمجتمعات الإسلامية القدرة على تصحيح أخطائها ذاتياً حتى

لا ندع مساحة للعلمانيين ولا ثغرة ينْفذون من خلالها؛ فحماية المرأة من أي ظلم يقع

عليها، وتمحيص حقوقها التي كفلها لها الشرع مما علق بها من أوضار الجاهلية

والعلمانية أمور يجب عدم السكوت عنها ولا إهمالها.

- فضح الطروحات العلمانية التي تجعل من المرأة ضحية، وهم يريدونها

طُعماً يُفسِدون به المجتمعات. إن النساء كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

شقائق الرجال لهن دورهن في بناء المجتمعات في إطار ما قرره الشرع المطهر،

وإقحامهن في كل شاردة وواردة ذريعة لاختلاطهن بالرجال وقتل الحياء في نفوسهن

وإشاعة الرذيلة بينهن، وهذا ما يجب أن تتنبه له النساء المسلمات حتى لا يفتنهن

أولئك المشبوهون عن رسالتهن السامية بدعاوى كاذبة ومآرب معروفة.