للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضايا دعوية

[التخصص ألم يحن وقته بعد؟]

محمد بن عبد الرحمن الزامل

الدعوة لله ربنا، لإخلاص العبادة له، والذب عن إسلامتا، والغيرة عليه،

والتضحية في سبيل ذلك كله.. . تلك سمات نرجو أن توجد في المسلمين عموماً،

ويتحدد الرجاء للشباب منهم خصوصا. لكن: هل توفرت هذه الصفات في أحدنا،

أو في مجموعة منا؟ الواقع ينطق بأن فينا - ولله الحمد - من هؤلاء كثيراً يحقق

بعضهم الأهداف التي صاغوها لأنفسهم، ويخفق بعضهم الآخر. ما مرد هذا

الإخفاق؟ لا يمكننا الإجابة عن هذا التساؤل بمجموعة قليلة من الكلمات، وبلحظات

قصيرة من التأمل؛ فالإخفاق والنجاح، لا يزالان مصدر القلق الرئيس للإنسان منذ

وضع قدميه على الأرض: الإخفاق والنجاح في الاقتصاد، الإخفاق والنجاح في

التعليم، وفي العمران، وفي الرراعة، وفي العلاقات، وهو في كل شيء وارد،

لكن مع التعاون والعمل الفعال تقترب النتائج من النجاح. والبحث الجاد عن مثل

هذه الإجابة يتطلب شخصيات ومجموعات كثيرة تكون قد مارست هذا العمل، أو

على أقل تقدير اطلعت عليه واحتكت به، ومع هذا فليس من الضرورة أن يكون

كل ما تتوصل إليه إجابات وافية لا مرية فيها ولا نقاش حولها؟ فالحكم - أولا

وأخيراً - لميدان العمل التنفيذي وما يمدك به من تقارير واستبانات تضع يد الطبيب

على مكمن الداء، ومن دراسات لتجارب سابقة تفيد منها وتبني عليها. غير أن هذا

كله لا يعني أن محاولة تسليط الضوء على تساؤلنا، وتجلية غامضه يعد خطيئة،

ولو عد كذلك فهو بالتأكيد ليس خطراً؛ فهي مجرد كلمات تلقى، ويتلقاها أرباب

العمل، فينظرون ما فيها من حق ليأخذوه وما فيها من زلل ليقوموه. ومن الأسباب

التي لها أثرها القوي في إضعاف الفاعلية وفي إعاقة إحراز النتائج المطلوبة عدم

التخصص، فترى أحدنا قد اشتغل بالعلم والتعليم والتدريس والمدارسة، يجود ذهنه

بفكرة تجول في خاطره وتسيطر عليه، يرى أن لها مردودا عظيما ونفعا كبيرا إن

هي طبقت، فينقطع اهتمامه عما هو عليه أولاً، وعما كان منشغلاً به، وكاد يعطي

أكله، وينصرف إلى مشروعه الجديد. ولأن كل عمل يمكن السيطرة عليه وإيقافه

تماماً إلا العمل الذهني فإن أفكارا ستستمر في الظهور، وسيستمر هو معها في

التنقل، فيشرع في مشروع تلو آخر دون أن يعطي كلا حقه من الاهتمام والمتابعة،

لتمسي هذه المشاريع فريسة سهلة للإخفاق، والمشروع الدعوي له صفة خاصة:

إن لم ينبت ثماراً طيبة فلا بد أن يترك نتاجا سلبيا قد نحتاج إلى طاقات أخرى

تتحرك لعلاجه. هل هذه دعوة لعدم التفكير، أو قتله (برصاصة الرحمة) ؟

لا.. . إنما هي دعوة للتخصص ينهض بها على ضوء ثلاثة مقومات:

١ - إن كل مشروع - مهما كان نوعه - مفتقر إلى من يتفرغ له في أيامه

الأولى، حتى يلج مرحلة النضج والاعتماد على الذات، وقد لا يحتاج إلى جهود

عملية كثيرة، ولكنه - بلا شك - بحاجة إلى اهتمام وتركيز ذ هني لا يتوفران لمن

يتشتت قي أكثر من اتجاه، وتكمن أهمية التركيز الذهني في أن أخطر انحراف

يعتري المشروع ما يكون من نقطة البدء، فهو كفيل بتغيير الأهداف ذاتها، ولذا

فإن على راعي المشروع أن يتيقظ وينتبه إلى السلبيات التي تطرأ، ويحاول

معالجتها بالحال، ويلاحظ الإيجابيات ويهتم بترسيخها وتنميتها وتحسينها، وبالطبع

فإن هناك مشاريع تحتاج إلى جهود عملية وتخطيطية ورقابية كثيرة.

٢ - حتى في حال توفر الفكرة فهذا لا يستلزم أن لا يقوم بتنفيذها إلا صاحبها، أبداً.. فاستمر أنت في مشروعك، وانقل فكرتك إلى مؤهل يقوم بها ويرعاها،

وليس ثم ما يمنع من الاطلاع عليها بين الفينة والأخرى للتأكد من التزام المشروع

أهدافه، وسلامة سيره تجاهها؛ بل إنا لندعو إلى أكثر من ذلك: إلى قيام

مجموعات تفكير لا يكون التنفيذ من مهمتها في شيء؛ بل مجرد اقتراح الأفكار،

والبحث عمن ينفذها، ومراقبة مسارها.

٣ - إذا كان هناك من استطاع أن يقوم بعدة أعمال ناجحة في زمن مضى فإن

الوقت الآن قد تغير؛ فالمعلومات تزايدت وتسارعت حتى تضاربت، والتغيرات

الاجتماعية والثقافية تختلف بين يوم وليلة، ومستلزمات الشخص ذاته وحاجاته

وواجباته قد أصبحت تتطلب حظاً من الوقت أوفر، وكما من العناء أكبر، ودونكم

تربية الأبناء وتنشئتهم نشأة صالحة مثالاً على ذلك. وإمعان النظر في أولئك النفر

يبين أنهم كانوا لا يبدؤون بمشروع حتى يستوي الأول على سوقه، ويقوم بنفسه،

ويقل لغوب مراقبته وتقويمه، ويوجد من يتولاه ويدير شوونه.

وبعد؛ فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وهذه الكلمات لا تغني في الإجابة

عن تساؤلنا، إلا أنها فكرة تبحث عمن يطورها.