للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

معركة الإسلام في إندونيسيا

في مواجهة هجمات التبشير النصراني

توفيق محمد علوان

الإسلام في إندونيسيا يخوض معركة فاصلة في مواجهة شرسة مع شراذم

المبشرين النصارى، مدعومة بكل التأييد السياسي والمعنوي والمادي من دول

الغرب على اختلاف مشاربها، وفي فترة وجودي في إندونيسيا، وبحكم عملي

أستاذاً للتفسير في الجامعة الإسلامية الحكومية هناك، فقد تبينت لي كثير من

الحقائق المفزعة، والتي أرى لزاماً عليَّ تبليغها لتكون في عنق من بلغته أمانة

يُسأل عنها يوم القيامة يوم يقوم الناس لرب العالمين.

إن الإسلام الذي اكتسح إندونيسيا في وقت بالغ القِصَر ببركة القرآن العظيم،

وتصديقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل

والنهار) [١] ، إنما يواجه في هذا الجيل حرباً طاحنة تهدف في الدرجة الأولى إلى زعزعة سيطرته الكاملة على دولة هي أكثر دول الإسلام قاطبة من جهة تعداد سكانه؛ فإن حشداً من المسلمين يبلغ مائتي مليون نسمة يجتمعون في هذا الركن من العالم، والذي علم النصارى أنه ناءٍ فركزوا دعايتهم على أطرافه لتقطيع أوصاله؛ حيث علموا أن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية.

وبعد بحث عميق ودقيق وجدنا أن الأسباب الكامنة وراء ذلك هي ما يلي:

أولاً: الأسباب الجغرافية:

١ - السبب الأول: تتكون إندونيسيا من ما يقارب ١٧٠٠٠ جزيرة تترامى

في مناطق شاسعة تملأ المساحة بين قارتي آسيا وأستراليا مما يجعل الأسفار الداخلية

حتى بالطائرات الحديثة ربما يستغرق أياماً. إن الجزر التي انقطعت بها السبل ولا

وسيلة فاعلة لها للاتصال مع إخوانها تنهار مناعتها؛ حيث الشعور بالعزلة والانفراد، وكذلك يصير من العسير إنقاذها حال تعرضها إلى خطر داهم يهدد دينها الذي هو

عصمة أمرها.

ومن هنا فإن المبشرين بما لديهم من قدرة فائقة على الخداع والمكر قد أدركوا

هذه النقطة البالغة الأهمية، فركزوا حملتهم بهذا الإصرار على إندونيسيا دون

سواها من دول العالم الإسلامي؛ حيث لم يوجد مَثَلٌ لهذه الحملة وبهذا الحجم إلا في

بعض الدول المغمورة في مجاهل إفريقيا.

٢ - السبب الثاني: هو قرب إندونيسيا نسبياً من أمريكا واستراليا والفلبين؛

حيث لا يفصل بينها وبينهم إلا بحار يمكن قطعها مباشرة ودون أية عوائق جغرافية

وسياسية يمكن أن تمنع الوصول إليها. ومن المعلوم أن المرض إنما يصيب العضو

الأقرب له في حالة انعدام وسائل المناعة والدفاع، وإن أوروبا وأمريكا هما اللتان

تتوليان كِبْر الحملة الصليبية التبشيرية؛ حيث يمكن للمبشرين منهما دون عائق

يُذكر الوصول بإمكاناتهم المادية والمعنوية لافتراس ما يستطيعون من جَهَلَةِ المسلمين.

ثانياً: الأسباب التاريخية:

إن إندونيسيا شأنها شأن غيرها من دول العالم الإسلامي قد تعرضت لحملة

عسكرية استعمارية جبارة أدت إلى السيطرة على مقدراتها وامتصاص دمائها

وسحب بريق الحياة من جنباتها، وإن الأفعى المتوحشة التي قامت بهذا الدور باسم

الاستعمار في هذه البقعة من العالم الإسلامي هي هولندا التي اقتحمت إندونيسيا

بالقوة بعد اقتحام البرتغال وأسبانيا لها، وكذلك إنجلترا بصورة مؤقتة، وقد ساعدت

هذه الدول بغير هوادة عمليةَ التنصير التي جرت على قدم وساق زاعمة أن دعوتها

هي دعوة سلمية وادعة بينما تلجأ إلى أشد التدابير فظاظة وضراوة عند الضرورة.

ولكي يُفهم ما نعنيه من ذلك نضرب مثالاً واحداً: إن محافظة تيمور الشرقية

هي منطقة إندونيسية من الرأس إلى القدم، ومع أن إندونيسيا قد حصلت على

استقلالها جميعها في عام ١٩٤٥م، فإن القوات البرتغالية عادت مهرولة إلى تيمور

الشرقية متشبثة بها؛ فبقيت وحدها دون إندونيسيا تحت الاحتلال الصليبي

البرتغالي، ولقد حاول الأهالي المقاومة بما لديهم؛ ولكن القوة كانت غير متكافئة، وبقي الأمر على هذا الوضع الشاذ، والذي يسمح باستقلال دولة بكاملها إلا ما يقل عن نصف بالمائة من سكانها حتى عام ١٩٧٤م، حين وافق البرتغاليون لأول مرة على (حق تقرير المصير لشعب تيمور) ، ولكنهم خلَّفوا وراءهم حكومة ذات أقلية شعبية مما أدى إلى نشوب حرب أهلية لم تلبث أن انتهت باتحاد الأحزاب كلها في تيمور من أجل الانضمام إلى إندونيسيا.

وفي يوم ٣١-٥-١٩٧٦م وتحت ضغط المقاومة تم إجراء استفتاء عام قرر

فيه أهالي تيمور الانضمام إلى إندونيسيا، وأعلنت النتيجة رسمياً في ١٥-٧-

١٩٧٦م، وبناء عليه عادت لتصير المحافظة رقم ٢٧ في إندونيسيا مثل أخواتها.

وإنما سردت هذه النُبذة المختصرة عن تاريخ تيمور بالذات ليعلم الذي لا

دراية له بالأمر الدور الرهيب في التنصير المدعم بالقوة المسلحة، ليس في القرنين

: السادس عشر، والسابع عشر، وإنما في أواخر القرن العشرين. إن تاريخ

المستعمر الهولندي والأسباني والبرتغالي والإنجليزي قد قام على دعامة التفرقة

والتنصير، وحماية ذلك الهدف باستخدام أشد وسائل القمع ضراوة وعنفاً.

ثالثاً: الأسباب الثقافية:

لقد تبين بعد دراسة متأنية أن عمليات التبشير تبلغ أشدها حيث تستشري

الجهالة والعماية، وبحيث يعيش الناس حياة أقرب لحياة الحيوان؛ ففي بعض

حالاتهم يعيشون عراة كما ولدتهم أمهاتهم رجالاً ونساءًا في غابات نائية وجزر

متفرقة، تفترسهم الأزمات والمجاعات والأمراض مع الجهل المطبق بالإسلام، وإن

كانوا يُحْسَبون من الناحية الإحصائية في عداد المسلمين، فيمكن من غير جهد

وبحفنات قليلة من الأرز أو الذرة تحويلهم إلى قطعان تسير وراء المنصِّرين الذين

يتيهون فخراً بهذا النصر العقائدي.

رابعاً: الأسباب السياسية:

إن سياسة الحكومة الإندونيسية تقوم على عدم التمييز بين الإسلام وغيره من

الديانات، ومن ذلك: منح إجازة رسمية للبوذيين والهندوسيين في أعيادهم على

ندرتهم جداً في إندونيسيا، وأما أعياد المسيحيين فتدق لها الطبول وتتوقف الأعمال

وتتم الدعاية الصاخبة لها في كافة القنوات المرئية والمسموعة والمقروءة حتى يظن

الجاهل أن البلاد كلها من المسيحيين برغم أنهم أقلية نادرة. إن هذه الدعاية تعطي

صورة غير واقعية عن قوة التبشير وكفاءته، بل إن الدولة تسلك طريقاً غير عادلة

بين المسلمين والنصارى في مساعداتها الخاصة بالعبادات، كما نورده بأدق وأحدث

الإحصائيات الآتية:

حقائق مؤسفة بالأرقام:

في عام ١٩٩٦ - ١٩٩٧م: قدمت الحكومة مساعدات مالية لأهل الديانات

المختلفة لأجل بناء دور العبادات الخاصة بها في جميع أنحاء البلاد، وهي كما يلي:

- مساعدة للمسلمين لبناء ٢٣٠٠ مسجد.

- مساعدة للنصارى البروتستانت لبناء ١٠٢ كنيسة.

- مساعدة للنصارى الكاثوليك لبناء ٢٠٢ كنيسة.

- مساعدة للهندوس والبوذيين لبناء ١٤٦ معبداً، مع ٥٤ داراً للعبادة.

جملة ما بنته الدولة بنفسها من دور العبادة حتى السنة الثالثة من الدورة

الرئاسية السادسة من فترة حكم سوهارتو (قرابة أربعين سنة) هو (٦٦٩٧٠٠) دار

عبادة مقسمة كما يلي:

١ - ٥٩٧٥٠٠ مسجد.

٢ - ٣٠٧٠٠ كنيسة بروتستانتية.

٣ - ١٣٧٠٠ كنيسة كاثوليكية.

٤ - ٢٣٨٠٠ معبد.

٥ - ٤٠٠٠ مكان صغير للعبادة.

توزيع الكتب الدينية:

في عام ١٩٩٦ ١٩٩٧م: قامت الحكومة الإندونيسية بطباعة وتوزيع عدد

(٨١٤٩٠٠) نسخة من الكتب المقدسة مقسمة كما يلي:

١ - ٦٥٠٦٠٠ نسخة من القرآن الكريم.

٢ - ٤٦٨٠٠ إنجيل لطائفة البروتستانت.

٣ - ٥٠٥٠٠ إنجيل لطائفة الروم الكاثوليك.

٤ - ٤٠٠٠٠ من الكتاب المقدس لطائفة الهندوس.

٥ - ٢٧٠٠ تريبيتاكاسي (كتاب البوذيين) .

وحتى السنة الثالثة من الفترة الرئاسية السادسة لحكم سوهارتو (قرابة أربعين

سنة) ، كانت جملة الكتب المقدسة المطبوعة بمساعدة الحكومة ٢. ٤ مليون كتاب

مقدس مقسمة كما يلي:

١ - ١. ٩ مليون نسخة من القرآن الكريم.

٢ - ١٧٣٨٠٠ إنجيل لطائفة البروتستانت.

٣ - ١٦٣٥٠٠ إنجيل لطائفة الكاثوليك.

٤ - ١٢٤٥٠٠ كتاب مقدس للهندوس.

٥ - ٧٨٠٠٠ كتاب مقدس للبوذيين.

هذا إلى جانب إطلاق حرية الطباعة والنشر كاملة لجميع الطوائف، وبما

يتاح لكل طائفة من إمكانات ذاتية أو ما يمكنها الحصول عليه من إمكانات بوسائلها

المختلفة.

تحليل الإحصاءات المذكورة والتعليق عليها:

بالنظر إلى الإحصاءات المذكورة (وهي إحصاءات حكومية، وبغضِّ النظر

عن نصيبها من الحقيقة) فإننا نجد أنفسنا في حالة ظلم صارخ على المسلمين، وذلك

بناء على تحليل النتائج السابقة واستخلاص النتائج اللازمة منها؛ ذلك أن المال

الذي تدفعه الحكومة لطبع الكتب وبناء أماكن العبادة لغير المسلمين إنما يتحصل من

أموال المسلمين التي تستوفيها الحكومة منهم طوعاً أو كرهاً.

وبحسب الإحصاء المذكور فإن عام ١٩٩٦ ١٩٩٧م وحده قد شهد بناء عدد

كلي للمساجد هو ٢٣٠٠ مسجد في جميع أنحاء إندونيسيا، بينما شهد نفس العام بناء

كنائس عددها: ٣٠٣ كنيسة (كاثوليك وبروتستانت) ، ٢٠٠ معبد وغيره، أي إن

دور العبادة غير الإسلامية في جملتها هي: (٥٠٣) ، ويتبين منه أن نسبة المساجد

(الإسلام) إلى نسبة الكنائس والمعابد (غير الإسلام) هي: ٤.٥ - ١، وبه يظهر

أن نسبة دور العبادة غير الإسلامية تبلغ ٢٠ - ٢٥%، فإذا علمنا أن عدد السكان

في إندونيسيا هو (مائتا مليون) بحسب الإحصاءات الحكومية أيضاً منهم ١٥ - ٢٠

مليوناً (على أقصى التقديرات النصرانية كما سيرد بتفاصيله في موضعه إن شاء

الله) ديانات غير إسلامية (غالبيتهم من النصارى البروتستانت والروم الكاثوليك)

فتكون نسبة النصارى إلى المسلمين على أقصى الفروض أقل من ١-١٠ بينما

مساعداتهم المالية وميزانياتهم من الحكومة لبناء دور العبادة وللطباعة والنشر وغير

ذلك في جملتها تصل إلى ٤٠% من جملة المساعدات الحكومية إذا علمنا ذلك أدركنا

أن هذا العدد القليل من النصارى إنما يحصل على مال المسلمين لبناء الكنائس

وتمهيد السبل للمبشرين حتى يعيثوا فساداً في أراضي المسلمين بأموال المسلمين.

كذلك يلاحظ أن هذه النسبة الكبيرة من الإنفاق على النصارى من أموال

المسلمين إنما تركزت في السنوات الأخيرة، وخاصة عام ١٩٩٦ ١٩٩٧م، مما

يدل على تنامي النفوذ النصراني على المستوى السياسي بما يضمن هذه المصالح

النصرانية.

إن أموال المسلمين إنما دفعها المسلمون لحماية دينهم وتقوية عقائدهم، لا

لحماية ديانات النصارى والبوذيين والهندوس، وتثبيت عقائدهم، هذا إذا كان

المسلمون في حالة من المنعة والقوة، فكيف والنصارى يتلقون نسبة من الدعم

المالي من كافة دول الأغنياء من الغرب مما هو ظاهر ومعلوم، فضلاً عن الدعم

العسكري من دول الاستعمار الآتية لامتصاص دماء المسلمين وبذلها للنصارى.

إن التبشير في إندونيسيا إنما يتقوى ويستشري اعتماداً على المساعدات المالية

غير المحصورة من العالم النصراني، علاوة على المساعدات المعلنة من الحكومة

التي يفترض أنها تمثل المسلمين وعقائدهم، إنها الأسباب السياسية التي تضمن

وتمكِّن النفوذ النصراني، سواء بضغط السياسة الخارجية، كما خُطط لفصل تيمور

الشرقية عن إندونيسيا، وهي القضية التي شغلت بال سكرتير عام الأمم المتحدة

الحالي (كوفي عنان) رغم الأحداث الجسام التي تنتاب العالم عامة والعالم الإسلامي

خاصة. كل هذا لم يشغل سكرتير عام الأمم المتحدة عن القضية الهائلة الخطيرة:

قضية فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا لتكون شوكة جديدة مسمومة تضاف إلى

غيرها من الأشواك التي ما زالت تدمى لها أطراف الجسد الإسلامي المثخن بالجراح. لقد كانت محاولات فصل تيمور عن الوطن الإندونيسي الأم تجري على قدم وساق

وجنباً إلى جنب مع تركيز نفوذ النصارى في جميع أنحاء مراكز التأثير في البلاد.

يتبين لنا ذلك بيسر من حجم المطبوعات غير الإسلامية التي طبعت على نفقة

المسلمين؛ ففي عام ١٩٩٧م وحده كانت جملة المطبوعات النصرانية والبوذية

والهندوسية ٢٥% من جملة الميزانية فيما تمثل نسبتهم مجتمعين أقل من ١٠% من

تعداد السكان (هذا في حالة التسليم بصدق الأرقام التي تهيمن عليها الحكومة محاباة

للنصارى رغبة ورهبة) .

وباختصار فإن ربع الميزانية يعطى للأقلية، أما الفترة الماضية (حوالي

أربعين عاماً) فقد ظلت نفس النسبة قائمة: ١.٩ مليون مصحف إلى ٥٢٨٨٠٠

كتاب دين غير إسلامي، (أي نسبة ٢٥% تقريباً) ، وهي نسبة مجحفة وظالمة

للمسلمين في حالة السماح للنصارى بطبعها من نفقتهم الخاصة؛ والمسلمون هم

الذين يدفعون النفقات. هذا في حالة المسالمة والموادعة فكيف بالحرب المعلنة

صريحةً داميةً من المستعمرين منذ ثلاثمائة عام للتمكين للنصرانية؟ وكيف بحرب

التبشير على كافة القنوات التي يبصرها ويعلمها كل من عاش على أرض إندونيسيا؟ إن الأسباب السياسية - داخلياً وخارجياً - ضالعة في الكارثة العقدية التي حوَّلت

١٠% من سكان أكبر دولة إسلامية من جهة تعداد السكان إلى النصرانية. نسأل الله

أن يحفظ الإسلام في إندونيسيا المسلمة وفي كل بقاع العالم، وأن يرد كيد أعدائه

إلى نحورهم. آمين.


(١) رواه أحمد في المسند، ح (١٦٥٠٩) .