للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المنتدى]

أين نحن من العالم

ماجد بن عيد الحربي

لفت نظري وأنا أتصفح إحدى المطبوعات المحلية خبر مفاده: أن المجلس

النيابي بإحدى الدول العربية شكل لجنة للتحقيق في مقتل أكثر من خمسة آلاف من

مواطنيهم في دولة عربية أخرى. إلى هذا الحد والخبر طبيعي ولا غبار عليه، إنما

الملفت والمضحك المبكي في آن واحد أن هذه الحادثة مضى عليها حوالي عشر

سنوات لم تبحث خلالها من أي جهة بالدولة صاحبة الشأن، سواءًا كان على

المستوى الرسمي أو الشعبي، وكل ما هنالك أنه ورد ذكر تلك المذبحة على شكل

خبر في بعض الصحف، وقد بادرت الحكومة إلى التعتيم عليه واعتباره من الأخبار

المخلة بالأمن القومي، وبعد مضي عشر سنوات يُبعث الموضوع وتشكل اللجان

النيابية لدراسته تمهيداً للتقدم به للجهة المختصة في الدولة، ومطالبتها بتقديم شكوى

لمجلس الأمن بطلب محاكمة رئيس الدولة التي جرت المذبحة على أرضها بتهمة

ارتكاب جرائم ضد البشرية.

سبحان الله! كل هذه المدة تمضي ولم يُثَرْ موضوع بهذه الأهمية راح ضحيته

خمسة آلاف وستمائة من أفراد الأمة! أين الحكومة المسؤولة عن رعاية مصالح

الأمة؟ أين المجالس النيابية الممثلة للشعب؟ أين منظمات حقوق الإنسان التي لو

قتل كلب في إحدى الدول الغربية لأقامت الدنيا ولم تقعدها حتى يؤخذ بثأر الضحية؟ ولماذا أثير الموضوع في هذا الوقت بالذات؟ هل لأن مجلس النواب استيقظ

ضميره من سباته العميق؟ أم أن السلطة في البلد آلت إلى رجل صالح آلى على

نفسه أن لا يطيب له عيش حتى يقتص لكل مظلوم ويعيد لكل ذي حق حقه؟ أم لأن

جماهير الأمة المغيبة عادت من غيبتها الطويلة، ومارست حقها بالضغط على

الحكومة حتى استجابت لمطالبها؟ قطعاً لا شيء من جميع ما ذكر؛ فالمجالس

النيابية لم تتغير، والسلطة هي السلطة لم تتغير أيضاً، والجماهير لا زالت مغيبة.

وكل ما هنالك أن صاحب السلطة في هذا البلد كانت تربطه علاقة من نوع ما

بصاحب السلطة في البلد الآخر تقتضي التعتيم على الموضوع بغضِّ النظر عن أي

اعتبارات أخرى، حتى ولو كان الأمر يتعلق بقتل هذا العدد من المواطنين ما دامت

مصلحة النظام تقتضي ذلك، أما وقد ساءت علاقة النظامين ببعضهما، وانتهت

مصالحهما المشتركة فلا بد من البحث في الأوراق القديمة والتنقيب عن قضايا تدعم

حجة النظام وتبطل ادعاءات أعدائه، وبهذا تكون قضية ما سمي وقتها بالنعوش

الطائرة تمثل القضية المثالية لخدمة رأس النظام أمام شعبه؛ حيث تظهره بمظهر

البطل الذي لا يفتأ ينافح عن حقوق المواطنين.

إن السكوت على قتل هذا العدد من المواطنين كل هذه المدة ثم استخدامه بعدئذٍ

ورقةً رابحة لمصلحة النظام لا يمكن أن يحدث إلا في نظام الجاهلية القبلية التي

نسأل الله أن يرفعها عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يبدلنا خيراً منها

خلافة إسلامية تسير على نهج الخلافة الراشدة.

وإننا لواثقون من تحقيق هذا الوعد متى أذن الله بذلك.