للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[الإنسان والبحث عن الحقيقة]

طاهر عبد الله الثقفي

أن من متاعب الإنسان المخيفة تلك الوحدة التي تطل بهامتها في كل مكان

وزمان.

وكان الإنسان لا يأنس بشيء ولا يطمئن إلى شيء؛ فمع الوحدة تتمثل

مخاطر المجهول التي لا أول لها ولا أخر.

هرب الإنسان من هذه الوحدة إلى الوثنية باحثا عمن يملأ عليه ضعفه وعجزه

ويضيء له طريقه التي لا يملك منها خطوة واحدة، وكأنهم عاجزون عن المسير،

بينما الدرب تنطوي من تحت أقدامهم طوعا أو كرها، فما تراءى للإنسان لمعة قوة

إلا وق ود نفسه متذللا جاعلا عقله وقلبه أسيرين لتلك القوة التي سوف تنتشله ن

الخوف والجوع والمرض والحرمان، وكأنه طفل أوى إلى حضن أمه في ليلة

جوعت وبرد وخوف.

ولكن الوثنية أعلنت عجزها وظل الإنسان كما هو ذلك المفزوع المحروم يدور

في حلقة مفرغة، ومع ذلك فلم يعلن الوثنيون اعترافهم بهذا لعدم قدرتهم على

مصارحة أنفسهم بالإخفاق خوفا من انقطاع الأمل.

ولما لم يجدوا فيها من الهم فرجا كابروا ولم يعترفوا بالإخفاق؛ فسعوا بأيديهم

وأرجلهم إلى سن القوانين الوضعية لتكون مخرجا من ذا وذاك، وغيروا وبدلوا وما

زالوا.

اتخذوا من العنصرية والشعوبية والقومية سلما لإثبات الذات، ودعوا السيطرة

والتوسع في النفوذ والإقطاع والتسلطية هاجسهم ليل نهار.

تفننوا في العلوم والفنون والآداب، ومارسوا العمل دأبا، صغيرهم والكبير،

الذكر منهم والأنثى، حتى عبد العمل منهم من عبد. نادوا بالحرية والقضاء على

الفساد الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي، والحفاظ على البيئة.

فالخطوات التي سار الإنسان بغير هدى من الله إنما هي إلى الوراء وقد زجت

بأجيال في غياهب الظلمات: [ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد

يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور] [النور: ٤٠] ولكن [الله نور

السموات والأرض] [النور: ٣٥] ، لا وثنية ولا شهوات ولا عنصرية ولا غيرها

يمكن أن يطمئن بها القلب ويأمن من الروع، ولكن فقط [بذكر الله تطمئن

القلوب] [الرعد: ٢٨] .